أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عماد حياوي المبارك - أذكياء لكن... أغبياء















المزيد.....

أذكياء لكن... أغبياء


عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)


الحوار المتمدن-العدد: 4793 - 2015 / 5 / 1 - 15:41
المحور: كتابات ساخرة
    


أذكياء لكن... أغبياء
طالما تحيرت في الإجابة عن سؤال أطرحه على نفسي، أيهما أكثر، الكثير من القلـّة، أم القليل من الكثرة؟
وكنتُ باللهجة العراقية أسأل أصحابي (منو أكثر، شوية هواية، لو هواية شوية؟)
والجواب مُحير ومختلف ونسبي، ولم يتفق الجميع عليه، لكن الإجابة تُكمن في رؤية الشخص للأمور، ودرجة ووزن... ذكاءه !

لنتصور بأن لدينا كيس (كونية) رز، ونبدأ بتشكيل مجموعات صغيرة (أكوام) منه، ثم نأخذ كيس مشابه، ونكوّن مجموعات أكبر فستكون أقل، فهل يكون جمع مجموعة قليلة من الأكوام الكبيرة أكثر وزناً، أم مجموعة كبيرة من الأكوام القليلة؟
والسبيل للتأكد من الجواب، نحتاج إلى ميزان ذو كفتين، كي نضع كلٌ مجموعة في كفّة، لكن علينا أولاً البحث عن هكذا ميزان في هذه الأيام، لأنه أصبح في مصاف (دنانير الخشب)، أي أنه فُقد من الأسواق، ولم يبقَ يُستخدم في العالم سوى لدى وكيل الحصة التموينية في العراق!
قال أحدهم بأن انتفاء الحاجة هذه الأيام لموازين ذي كفتين هو لسبب بسيط جداً، أنه لم يعد في الدنيا عدلاً وبالتالي ما حاجة لتمثيل ذلك لجيل قادم من الناس!
هذا الميزان ـ ذو الكفتين ـ الأنيق بشكله، الدال على العدل والإنصاف، لا زالت صوره تُعلق خلف القـُضاة في المحاكم، للدلالة على أن الحاكم حين يحكم بين الناس، عليه الحكم كما يمكن للميزان أن يفعل... بالعدل.
لكن حين يأتي جيل لا يعرف ما يعنيه الميزان ذو الكفتين، ستضطر المحاكم عندئذ أن تعلق صورة ميزان الكتروني ويكتبون في شاشته الرقمية... (أحكموا بالعدل) !
الميزان بقديمه وجديده، يقوم بإعطاء كل ذي حق حقه، دون تمييز بلون بشرته أو انتمائه أو شكله، أو حتى... ثقل جيبه !
قرأتُ مقالاً يقول بأن روح الإنسان ذي وزن، وتُقام تجارب على أناس في المستشفيات، تقوم موازين دقيقة جداً بتسجيل وزنهم في كل ثانية وقت احتضارهم، وقد سجلت لهم انخفاضاً معيناً ومحدد يسجله الميزان في لحظة رحيل الشخص، والمفارقة أنهم يقولون بأن هذا الوزن المفقود، ثابت دائماً وهو وزن الروح التي نخسرها لحظة مفارقتها الجسد، مقال ـ والعهدة على كاتبه ـ يعطي لغة أرقام، وهي اللغة التي تدعم الكلام النظري في كل بحث.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا... هل ستتمكن الموازين إذاً، بكافة أشكالها وأنواعها، أن تزن مقدار ذكاء شخصاً ما أو ربما مقدار غباءه، حيث أن هكذا تقييمات تجري اليوم بأشكال أخرى كالامتحان، حيث يُكرم الإنسان فيه ـ كما يقول المثل ـ أو يُهان.
× × ×

في الصف السادس الإعدادي، توضّح الأمر وبدا الطلبة الشُطار يتكتلون ويبتعدون دراسياً عن الآخرين، لأنهم وضمن حساباتهم، سوف يلتقون من جديد في الكليات الطبية أو الهندسية، فامتحان (البكلوريا) هو من يوزن الطلاب ويعزل فئاتهم دون تمييز لجنسهم أو دينهم أو قوميتهم، فقط ما يُبليه الطالب في دفتر الامتحان ذي الرقم السري.
وهكذا أصبح غيرنا أطباء وسوانا محامون، أما نحن فأصبحنا مهندسين، وهو ما قالته لنا نقابة المهندسين لنا بوقت مبكر...
لكن كيف عرفتُ ونحن لا زلنا لم نحصل على الشهادة بعد؟
عرفتُ ذلك لدى أول دخول لي لنقابة المهندسين ذات البناء المميز، وكنت طالباً في المرحلة الثالثة، حيث كنتُ مع بعض الزملاء والزميلات نجوب شارع المنصور، فإلتقانا زميل كان قد تخرج قبلنا، فألحّ على اصطحابنا للنقابة متباهياً بهوية المهندسين، مؤكداً ـ أمام الزميلات ـ بأنه الآن يُعتبر مهندساً، وسيسمحون لنا بدخول النقابة برفقته فقط، لكن ما تفاجئنا به، بأنه يمكننا حتى بغياب الزميل أن ندخل لأننا طلبة هندسة نحمل هوية الجامعة، الأمر الذي قلل من (نفشة) الأخ وذهب بتفاخره أمام (الزميلات) سداَ!
كان ذلك أول (شرف) لي بأن أدخل النقابة، ثم صارت بالنسبة لنا بعد ذلك... ديني وديدني!
وكان أمر دخولنا يجعلنا نُزاحم الخريجين في رصف سياراتنا أمام المبنى الجميل بشارع النقابات بالمنصور، ثم الدخول وأخذ أماكننا في تلك الحديقة الواسعة الغناء، حيث (الستيج) الجميل يلهو عليه الأطفال في ظل أشجار المطاط، أو تحت أشجار النخيل المصفوف بانتظام على طول السياج...
كان أولاد عمي، المهندسون الذين تخرجوا قبلنا بعشرة سنين، يتساءلون بتذمر...
ـ ما هذا العدد الهائل من طلبة الهندسة، وهل البلد بالفعل بحاجة لهذه الكمية من المهندسين الجُدد؟
فعلاً، فإنني لحد اللحظة أتذكر رقم هوية تسجيلي في العام 1981 في النقابة، فقد كان 28761، وقد حفظته حيث أضع رقم واحد على اليمين وإثنين على اليسار، وبينهما تنازلياً من الثمانية للستة.
ولمّا جاءوا أبناء عمي لتهنئتي، قرءوا تسلسلي وضحكوا وقالوا أن العدد بين العام 1970 والعام 1980 قد تضاعف مرتين، بدليل تسلسلهما كان أقل من نصف رقم تسلسلي.
في النقابة، تجري فعاليات ونشاطات وإنتخابات، ومن حق العضو ممارسة حقه من اليوم الأول لقبول إنتماءه، لكن ما كنا نفعله نحن الشباب (السنكل) فعلياً بعد التخرج، هو أن نسهر فيها بمرافقة الأصدقاء والزملاء.
ومن بين الرواد بعض الوجوه المألوفة من المهندسين المخضرمين، مثل (صاحب) الذي يدور على مناضد المهندسين وعوائلهم، فيُلقي التحية على الجميع من العصر حتى منتصف الليل، ويشارك البعض مشروبهم حين يدعونه لمجالستهم بداعي المحبة والإلفة التي كان يتسم بها رواد النقابة.
ولمّا كنا نقود السيارة عائدين بعد منتصف الليل لبيوتنا، كنا نجد السيارة وكلما (داخت) الجمجمة أكثر، صارت أسرع، لكننا نتوخى الحذر بأن تنتهي ليلتنا بالرقاد بالفراش هانئين بسلام.

وكان النادل (الويتر)، وهو رجل مسيحي في الأربعينات، يقوم بجرد الحساب في نهاية الجلسات بسرعة، لكننا (كمهندسين أذكياء) نحسب بعده كي لا (يغلبنا)، ثم ندفع دنانيرنا ونخرج منتعشين، نحس بأن الدنيا سهلة وكل شيء متاح وأننا حققنا كل أمانينا في المستقبل الذي صار بين أيدينا، بحصولنا على الشهادة، حيث ستطلبنا مؤسسات الدولة وتتزاحم للظفر بنا، ثم سيوفدونا لأحد دول أوربا واليابان، حيث الدولة تتعاقد لإنشاء مشاريع واعدة عملاقة، قصر المؤتمرات والطاقة الذرية ومطار بغداد والخطوط السريعة... وغيرها.
ما يزعجنا أن صاحبنا (الويتر) كان يغلب البعض بالحساب، (إشحدّة) قلنا، فبطل البيرة بثلاثمائة فلس وصحن المزة بمائة فلس، فنشرب بطلين و(نمزمز) صحنين أو ثلاث، ثم نتعشى نفر سكالوب...
حين يبدأ صاحبنا بحساب البطلين ليقول: تلثميّة وتلثميّة... تسعمية، كول دينار، زائد...
ويسأل بسرعة وعينه بالورقة: كم صحن مزّة ...؟
فنقاطعه: على كيفك، خليهة تسعمية، ليش تسويهة دينار...
وهكذا نستمر بالحساب ونناوله (حقه).
بعد فترة، وفي يوم من الأيام، نبّهنا أحد الضيوف: يا سادة يا مهندسين يا (أذكياء)، مستكثرين ميت فلس بصاحبكم (بقشيش) وهو كل مرة (يخمط) ثمن بطل بيرة وأنتوا دايخين بالميّة، لأن يا مهندسين يا (أغبياء) تلثمية وتلثمة هو ستمية، مو تسعمية، لكنه يدوخكم فوك دوختكم بالمية اللي يضيفها عليكم...!
كان صاحبنا يقوم بعملية الحساب (الخاطئة) كذا مرة كل ليلة وبدون حرج، كلما يجد الطريق سالك، والأدمغة التي أمامه... (مستوية) !
الرجل، ربما لم يحصل على الشهادة الإبتدائية، لكنه غلب نصف مهندسي العراق في يوماً ما!

بالمناسبة فإنني لغاية هذا اليوم، أحتفظ بهوية النقابة المباركة، ومع أني للأسف ومنذ العام 92 لم اُجدد إشتراكي ولم أدفع أية رسوم، لكني مستعد اليوم أن أدفع كل ما بذمتي، ليس للتسجيل على قطع أراضٍ يطول انتظارها ولم تأتِ، ولا لأجل البحث على (مقاولة) في مشاريع العراق الجديد، ولكن لأمنية في داخلي...
من أجلها مستعد أن أدفع حتى رسوم اشتراك لعشر سنين قادمة أو مدى حياتي لو أرادوا، بشرط واحد يضمنه لي نقيبها أو أعضاء مجلس إدارتها اليوم، بأن أتمتع باُمسية عائلية واحدة من جلسات أعوام السبعينات والثمانينات.
لو حققوا أمنيتي هذه، سوف أدفع بنهاية الجلسة للأخ (الويتر) كما يشاء، وبحساب (عرب) كما يريد ويتمنى!
عماد حياوي المبارك



#عماد_حياوي_المبارك (هاشتاغ)       Emad_Hayawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شكراً عم (جيليت)
- حارث
- مَثار النقعِ
- ختيارية زمن الخير
- دينار... أبو العباس
- هنا شارع السعدون
- عناكب
- شادي
- طوبة كريكر
- طابع أبو الدينار
- مجرد خلخال
- دقّ الجرس
- حدث في (الفاكانسي)
- وقودات
- (الله سِتر) !
- مَن القاتل؟ ج 3
- من القاتل؟ ج 2
- مَن القاتل؟ ج 1
- لعنة الكويت
- ظاهرة البرازيلي


المزيد.....




- “اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش ...
- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عماد حياوي المبارك - أذكياء لكن... أغبياء