أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شاهين - ألملك لقمان . ملحمة روائية . الجزء الأول . (3) صعود إلى الفضاء!















المزيد.....



ألملك لقمان . ملحمة روائية . الجزء الأول . (3) صعود إلى الفضاء!


محمود شاهين
روائي

(Mahmoud Shahin)


الحوار المتمدن-العدد: 4789 - 2015 / 4 / 27 - 14:57
المحور: الادب والفن
    


(3)
صعود إلى الفضاء
انطلقت المركبة في اتجاه شبه عمودي إلى أعلى. تساءل الأديب لقمان عمّا إذا كانت المركبة مرئية أيضاً من قبل البشر، فأجابته الأميرة نور السماء أنها مرئية وأنه ليس في مقدورهم حجبها عن الأنظار، فتخوّف من أن تطلق دولة ما صاروخاً عليها مما لم يتم نزعه بعد، فسأل ملك الملوك:
«هل فرغت الجيوش من نزع الأسلحة ووضع الأخرى تحت السيطرة أيها الملك؟»
«أجل يا مولاي، وعادت معظم الجيوش إلى قواعدها»
«ألم تُرق أيّة دماء أيها الملك؟»
«ولا نقطة يا مولاي»
«أحسنت، وأحسنت جيوشك العظيمة أيّها الملك»
ارتفعت المركبة عالياً، كان واضحاً أن الرائد ينطلق ببطء. أخذ الأديب لقمان ينظر عبر النافذة ويرقب الأرض، فوجئ بمنظار ينتصب أمام عينيه. بدت له القدس وكأنه يرقبها من أعلى قمم جبل الزيتون، مرّت في مخيّلته لمحات سريعة من ذكريات طفولته وصباه في شوارعها. شعر أنّه سيبكي فهرب مارّاً بجبل المنطار حيث أيّام الرّعي والفداء فيما بعد! استقر قليلاً يرقب عمّان، وما لبث أن أشاح نظراته إلى دمشق. قفزت صورة ابنته وابنه وزوجته إلى مخيّلته، تبعتها صور بعض الأصدقاء والذكريات، ولم يتنبّه لنفسه إلا والدموع تغرورق في عينيه، وحين هتفت الأميرة نور السّماء قائلة: «أنت تبكي يا مولاي؟» أجهش بالبكاء، ولم يعد ينظر عبر النافذة.
أخرجت الأميرة نور السماء منديلها وراحت تمسح دموعه، فيما ملك الملوك يهتف متسائلاً:
«ألم تقل أنّهم أذاقوك الأمرّين وأنّهم أفسِدوا يا مولاي، فلِمَ تذرف الدمع عليهم؟!»
«لا أعرف أيها الملك، نادرة هي الأيام التي لم أذرف فيها الدّموع، ولأبسط المسائل، فما بالك وأنا أغادر مَن سيظلّون أهلي وأقاربي وأصدقائي وأبناء موطني وكوكبي مهما فعلوا، ويبدو أنني عاجز عن كرههم، بل لا سبيل إلى نزع محبتهم من قلبي، ثمّ كيف أنسى الأرض التي ولدت وترعرعت بين أحضانها، في سهولها ووديانها، في جبالها وهضابها، وفي تلالها وروابيها؟!! أَوعِزا إلى رائد المركبة أن يسرع، يبدو أنني لا أستطيع النظر إلى الأرض دون أن أبكي»
انتقلت الأميرة نور السماء إلى جانبه وضمّته إلى حُضنها كطفل، فأخذ يديها وقبّلهما.
اندفعت المركبة بسرعة هائلة ثمّ أبطأت لينطلق صوت الرائد يرطن بالعربيّة المشوبة بالجنيّة:
«إذا شئت أن تلقي نظرة على القمر يا مولاي فنحن الآن في مداره»
«هل بلغنا القمر أيتها الأميرة؟»
«نعم يا مولاي، ولو لم يبطئ الرائد لكنّا الآن في مدار الزهرة!»
ألقى الأديب لقمان نظرة على القمر، كانت الأسلحة تنتظم في صفوف هائلة الطول والعرض. وكادت أن تغطّي سطح القمر، وقد وضع كلّ نوع على حدة.
تساءل ملك الملوك وهو ينظر من نافذة أيضاً:
«لم أكن أتصوّر أن لديكم كل هذه الأسلحة يا مولاي، سلاحنا كان بسيطاً في عهد سليمان»
«أين أنت وأين سليمان أيّها الملك، فنحن الآن في عهد زنّيم»
وأشار إليهم لمتابعة الانطلاق نحو الزُّهرة.
ندّت حركة ما في المركبة، فاندفعت بسرعة هائلة. وبدلاً من الإحساس بهذه السرعة، شعر الأديب لقمان بعد لحظات وكأن المركبة توقفت، حاول طرد بعض التساؤلات من مخيّلته فلم يُفلح، فراح يستجمع معلوماته البسيطة عن الكون والسرعة وقوانين الجاذبيّة وما إلى ذلك، ليجد نفسه يغرق في متاهة لن يخرج منها عاقلاً. فقرر تناسي كل شيء والاستسلام للأقدار الجنيّة! بل إنه أقسم في نفسه ألا يتساءل حتى لو رأى نفسه يتناول طعام الغداء في أتون الشمس دون أن يحترق، أو يرى نفسه يسير بخطىً ثابتة على كوكب ما، مع أنّه غدا بوزن الريشة.
ألقى يده فوق يد الأميرة نور السماء وحاول أن يغفو بعض الوقت. لم يكد يغفو حتّى هاجمته الأحلام الفظيعة. رأى سكّان الأرض يُغزون من قبل قوة كونية جبّارة مسلّحة بأسلحة فتاكة ولا يجدون السلاح للدفاع عن أنفسهم. صواريخ عملاقة تدكّ عواصم العالم لتحيلها إلى ركام.
استيقظ مذعوراً حين كانت باريس تدمرّ على مرأى منه. نظر إلى جانبه، يده ما تزال مُلقاة على يد الأميرة نور السماء، والملك شمنهور يجلس على مائدته يداعب بعض الجنيّات فيما أخريات يُدللنه ويتراقصن من حوله.
«ما بك يا مولاي؟»
«يبدو أنّه لا سبيل إلى النوم أيّتها الأميرة، ويبدو أنني اتخذت قراراً أحمق بنزع أسلحة دول الأرض ووضع القواعد تحت سلطة الجن. أليس في ميسوري الاتصال بالأرض أو مشاهدتها لمعرفة ما يجري؟»
«سأنقل رغبتكم إلى قائد المركبة يا مولاي»
وأخذت جهازاً صغيراً راحت تخاطب عبره قائد المركبة.
«إنه يحاول يا مولاي»
أخذت بعض السّتائر المعلقة على جدارن المقصورة تنفتح يُمنة ويسرة أو إلى أعلى، لتبدو عشرات الأجهزة والكاميرات المبثوثة في الجدران، وشاشة شبه تلفزيونية في مواجهته. ظهرت بعض الصّور المختلفة لكوكب الأرض على الشاشة.
انطلق صوت قائد المركبة:
«استطعنا السيطرة على كافة محطّات البث التلفزيوني في كوكب الأرض، ليأمُر مولاي، ماذا يُريد أن يرى؟»
«أرني موسكو أيها القائد»
«هاهي موسكو يا مولاي!»
ظهرت موسكو على الشاشة ببعض شوارعها وأحيائها: هاهي الساحة الحمراء، الكرملين، البولشوي، المتحف، جامعة موسكو، شارع جوركي، الناس يتجوّلون وليس ثمة ما يشير إلى وجود حرب. مرّت في مخيّلة الأديب لقمان بعض صور ذكرياته الجميلة في المدينة.
«حسناً فعلت أيها الرائد، أرني باريس ولندن وبكّين وواشنطن ونيويورك ودلهي ودمشق وبيروت وبغداد وطهران والقدس!»
راحت صور العواصم تظهر على التوالي، لم يبدُ هُناك ما يعكّر صفوها، اطمأن الأديب لقمان وهو يحاول إقناع نفسه أنه حمَّل حُلمه ما لم يكن وارداً أن يحدث، وأنه مجرّد حلم عابر لا غير.
كانت صور المدن والعواصم ما تزال تتوالى بمرافقة عزف أجش على الناي! أبدى الأديب لقمان رغبته إلى الأميرة نور السماء في أن تقوم ببث رسالة إلى أبناء كوكب الأرض، فأبدت حماسها وسرورها، غير أن الأديب لقمان طلب أن تبث الكلمة إلى الشّعوب عبر أجهزة التلفاز والراديو حسب لغة كل شعب وفي آن واحد، ولم يكن قادراً على تنفيذ هذه المهمة المعقدة إلا ملك الملوك، الذي كان قد حمل نساءَ ه ودخل بهن إلى مقصورة فـي المركبة كي يبتعد عـن أعين الأديب لقمان والأميرة نور السماء. خاطبته الأميرة بالتخاطر الجنيّ طالبة إليه الحضور، فقدم على الفور شبه عارٍ:
«اعذرني يا مولاي، ثلاثة آلاف عام، لا أراك الله عذابات سجني، الحياة دون نساء الجن والإنس لا تطاق، أليس كذلك يا مولاي؟»
«لا أعرف أيها الملك، فأنا لم أعرف نساء الجن بعد، أما نساء الإنس فكنت أمضي أعواماً في بعض سنيّ عُمري دون أن أتمكّن من مواصلة إحداهن، ومع ذلك كنت أحتمل الحياة، وإن شعرت أنه يتاح للحيوانات أن تمارس حقّها الكامل فيها بشكل استحال عليّ أن أرقى إليه، ثمّ إنني الآن في أمر البشريّة ولست في أمر النساء»
«مُرني يا مولاي»
«سخّر لي طاقاتك الجبّارة لنقل كلمة إلى البشرية بكل لغات العالم في آن واحد»
صمت ملك الملوك لحظة هو يفرك عينيه ويهرش رأسه وما لبث أن هتف:
«لا أعرف كيف يمكن أن يتم هذا، ولا أعرف كيف يخطر على بال مولاي مثل هذه الطلبات المعقدة، ولا أعرف أيضاً لماذا يقلقه مصير البشرية بهذا القدر. نفّذت أمرك يا مولاي يمكنك مخاطبة بشريّتك بكل لغاتها الحيّة، هل أستطيع العودة إلى فتياتي يا مولاي، تركتهن كما خلقهن الله، إنها المرة الأولى في الفضاء الخارجي وبعد..»
«وبعد ثلاثة آلاف عام، لقد عرفت ذلك أيّها الملك»
«وقد لا تتكرر يا مولاي!»
راح الأديب لقمان يضحك من طرافة ملك الملوك ولا مبالاته العجيبة، والبساطة الشديدة التي يحقق بها المعجزات التي يطلبها منه، حتى ليبدو عليه وكأنه لم يفعل شيئاً، أو لم يطلب شيئاً من أحد.
هتفت الأميرة نور السماء:
«لقد دخلنا مدار الزهرة يا مولاي، هل نهبط على الكوكب أم ندور حوله؟»
« لنبق في الفضاء إلى أن نوجّه الرسالة، ليخفف السرعة»
«أشرت إليه يا مولاي»
«حسناً أيتها الأميرة، ستظهرين وحدك على شاشة التلفاز وتوجهين الرسالة التي سأنقلها لك»
«ليكن يا مولاي»
وراح ينقّلها ما ستقوله، ليجد أنها حفظت كل جملة بمجرّد انتهائه منها، وحفظت الرسالة كُلّها قبل الظهور على الشاشة.
سُلطَت إحدى الكاميرات عليها. اختفت صور مدن الأرض عن الشاشة لتظهر صورتها، ابتسمت بمودّة، وظلّت صامتة للحظة فيما ابتسامتها تحلّق عبر الشاشة لتضفي عليها روعة أخّاذة. نطقت بصوت عذب:
«أعزاؤنا أبناء كوكب الأرض. بالسلام نحييكم وبالمحبّة نلقاكم، وبالأمل المشرق نطلُّ عليكم ونمدُّ أيدينا بالورود لكم. نحن رسل الخلاص البشري. رسل المحبّة والسلام. رسم المعذّبين واليائسين، رسل البائسين والمشرّدين والفقراء والجوعى. رسل الثكلى والحزانى والأيتام والمرضى، رسل الحق والحرية والعدالة، رسل الطامحين إلى المحبّة والسلام بين بني البشر، رسل الباحثين عن الخلود الإنساني، رسل رافعي ناموس العلم والمعرفة، رسل محبّي الحياة، رسل الساعين إلى الجمال الأسمى، رسل الطامحين إلى الكمال، رسل الهادفين إلى وحدة البشر على كوكب الأرض، رسل المكدّين للرقي بمكانة الإنسان.
أيها الأعزاء.. نحن لسنا آلهة ولسنا أنبياء، نحن بشر مثلكم، شاءَت الظروف أن نفوقكم علماً ومعرفة، ومعذرة إذا ما اضطررنا مرغمين إلى السيطرة على أجهزة بثّكم الإذاعية والتلفزيونيـة لبضع دقائق كي نبلّغ رسـالتنا لكم.
ويسرّنا أيها الأحبة أن نعلن لكم بدء عصر جديد هذا اليوم، بعد أن قامت قوّاتنا الخفيّة بنزع سلاح دول الأرض كافة ونقلته إلى القمر. ووضعت محطّات وقواعد أسلحة الدَّمار الشامل وجميع مصانع السلاح تحت سيطرتها، دون أن تريق نقطة دمٍ واحدة من دماء أبناء الأرض الأعزاء.
لقد ولّى عهد الرّصاصة أيها الأحبّة وجاء عهد الكلمة، فتحاوروا وتناقشوا، وتشاجروا بالكلمة إن شئتم، وليكن شعاركم المحبة، ونبذ الكره ووأد الفساد وإصلاح النّفس، ولتكن غايتكم الرّقي بالعدالة الإنسانية ونشدان المعرفة وتطوير العلوم.
استمعوا إلى العُظماء من الأدباء فيكم، والعلماء بينكم، والفلاسفة منكم، ولا تأخذوا كثيراً برأي الحكام والكهنة والطّوائف والأحزاب، وأصحاب رؤوس الأموال، فهم في الغالب ليسوا على حق.
إننا إذ نودّعكم أيّها الأحبة على أمل اللقاء بكم، لن ندعوكم إلا إلى ما دعاكم إليه العظماء من آلهتكم ورسلكم وأنبيائكم وقادتكم ومصلحيكم من قبل، فأحبّوا بعضكم، أحبّوا بعضكم، ومعذرة مرّة أخرى لاضطرارنا إلى استغلال أجهزتكم ومحطّاتكم.
بالمحبّة لاقيناكم.. وبالمحبّة نودّعكم.. »
أحبّتكم: رسل الخلاص!
وأشار الأديب لقمان بيده، فاختفت صورة الأميرة نور السماء من على الشاشة وألغيت السيطرة ليعود البثّ الأرضي العادي.
عانق الأميرة مهنئاً إيّاها لنجاحها الفائق في تقديم الرّسالة.
ظهرت على الشاشة صورة مذيع عربي. اعتذر من المشاهدين معتبراً ما جرى مجرّد خلل فنّي، غير أن الحيرة التي كانـت مرتـسمة عـلـى وجهه فضحت زيفه، خاصة حين أعلن أنّه سيترك المشاهدين مع آيات من الذكر الحكيم!
أشار الأديب لقمان إلى الأميرة نور السماء أن تبحث عن محطّة أخرى. توالت بعض الصور، ظهر الرئيس كلينتون وإلى جانبه وزير الدفاع الأمريكي على الشاشة، أشار إليها بالتوقف.
أكد الرئيس كلينتون للعالم أن ما جرى ليس خيالاً بل حقيقة، وأن كوكب الأرض واقع الآن تحت هيمنة قوى كونية متفوّقة مجهولة وغير ديمقراطية! وليس أمام العالم إلا الاتحاد لمواجهتها، وحين سُئل عمّا يقصد بمواجهتها وعدم ديمقراطيتها، وكيف يمكن أن يتم اتّحاد دول الأرض، أجاب بأنه لابُدّ من فعل شيء كإعلان موقف موحّد لدول العالم، وأنها ليست ديمقراطية لأنها تريد أن تفرض إرادتها على سكّان الأرض دون أخذ رأيهم، أما عن الاتحاد فيمكن أن يتم بتوحيد الدّول كافة وانتخاب زعيم للعالم!
وانسحب الرّئيس كلينتون تاركاً الحديث لوزير الدّفاع الذي أعلن أسفه لنزع السّلاح بالقوة، حتى وإن كانت قوّة سلميّة وأكّد أن المعلومات التي وصلت من الشرق الأوسط عن هبوط وإقلاع مركبة فضائية عملاقة يرافقها آلاف الجنود الطائرين، هي معلومات مؤكدة، إذ أن أجهزة الرّصد الأمريكية شاهدت ذلك بالفعل، ولم تقدر على فعل شيء، لأن السلاح كان قد وضع تحت السيطرة أو نزع من القوّات، وأعلن الوزير عن اعتقاده أن هذه المركبة لابدّ وأن تكون قد اصطحبت معها بشراً، وأن البيان الذي بُثّ للعالم قد يكون من فعلهم! وأبدى دهشته لهذه المعجزة التي جعلت البشر يسمعون الفتاة كُلّ بلغته، وأكّد أن هذه المسألة يستحيل أن تحدث علميّاً، مما يشير إلى قوى خارقة، قد تكون إلهيّة، وهي التي قامت بنزع الأسلحة بطريقة لا يتصوّرها العقل البشري.
ولم يجب وزير الدّفاع سوى عن سؤال واحد يتعلّق بالكيفية التي تسيطر بها هـذه الـقـوى على المصانع وأسـلحة الـدّمار الـشـامل، إذ قال: ثمـة قـوّة خفيّة تصد المرء عن أي شيء حربي يحاول مدَّ يده إليه، حتّى لو كان زرّاً في جهاز إلكتروني، ولم يعد أمام العاملين سوى مغادرة مواقع عملهم، وانسحب الوزير معتذراً عن الإجابة على أية أسئلة أخرى.
ظهرت على الشاشة مقابلة مع شُرطي أمريكي يتحدّث كيف سُلِبَ منه مسدّسه، قال:
«أحسست بحركة ماتصطدم بقراب المسدّس، وحين نظرت رأيت القراب يٌفتّح والمسدّس يخرج، اعتقدت أنّها يدٌ شيطانية، مددت يدي لأقبض عليها، لكني لم أقبض غير الهواء، وتابعت المسدّس وهو يبتعد، ولم تمر سوى لحظة حين شاهدت آلاف المسدّسات والبنادق الطائرة في سماء نيويورك»
همست الأميرة نور السماء معلنة أن رائد المركبة هبط على كوكب الزهرة. أشار الأديب لقمان إليها أن تمهله قليلاً ليتابع ما يراه على الشاشة، وطلب كأس بيرة.
ظهر ضابط أمريكي وراح يتحدّث كيف سلبت دبّابته:
«كنت أجلس في دبّابتي أدخّن سيجارة حشيش، أحسست بيد خفيّة تدغدغ خدّي ثم تحملني بلطف وتضعني إلى جانب الدّبابة، وخلال لحظة شاهدت الدّبابة تطير وهي تنقلب رأساً على عقب.
اعتقدت أنّ ما يجري هو محض خيال بتأثير سيجارة الحشيش، فرُحت أضحك، وحين شاهدت كل دبّابات القاعدة وآلياتها ومدافعها تطير في السّماء وكأنّ عاصفة تقذف بها، أغرقت في الضحك، وحين شاهدت الجنود والضباط ينظرون إلى السماء هلعين مذعورين، تبوّلت على نفسي من شدّة الضحك، أما حين صفعّني أحدهم كفّاً وهو يتساءل عمّا يضحكني وينعتني بالأحمق، كدت أموت من الضحك، لأنني أدركت أنه لا يستطيع أن يتخيّل الصورة التي أراها، ويبدو أنّه أُغمي عليّ من الضحك بعد ذلك، ولم أستيقظ إلا في المستشفى، لأدرك أنّ ما جـرى حقيقة وليـس خيالاً أو وهماً مبعثه سـيجارة الحشيش.
وحين سُئل الضابط عن شعوره الآن، أجاب أنّه سعيد وفرح جداً لأنه لن يقتل أحداً بعد اليوم، وأن لحظات السّعادة التي أحسّ بها حينئذ كانت أمتع لحظات حياته، غير أنّه استدرك مشيراً إلى أنّه لو لم يكن واقعاً تحت تأثير سيجارة الحشيش لما أحسّ بالسعادة والفرح إلى هذا الحد، ولما عاش هذه اللحظات الممتعة التي يستحيل أن تنسى، كما عاشها وبهذه الصورة.
وحين استفسرت منه المذيعة أن يوضّح ما يقصده أجاب:
«كنت أظن أن ما يجري هو من فعل خيالي وحدي، وأنّه نابع من ذاتي ويعبّر عن رغبات في نفسي، وأن الناس لا يرونه مثلي ولا يشعرون به طبعاً!»
ضابط آخر لم يكن محششاً أجاب أنه أصيب بالهلع وكاد أن يجن وهو يرى السلاح الأمريكي يقذف بعيداً في السماء، وأنه الآن ليس سعيداً وليس غاضباً طالما أن السلاح نُزع من الأرض كُلّها.
وراحت المذيعة تتحدث عن الهلع وعشرات آلاف حالات الانهيار العصبي المتفاوتة التي أصابت كثيرين من الناس في العالم.
انقبض الأديب لقمان للحظات، ولم يأخذ راحته إلا بعد أن أكّدت المذيعة أنّ كافة الحالات تمكن معالجتها بسهولة.
ظهرت مذيعة أخرى لتقدّم بعض الصّور التي أُمكن أخذها للمركبة وللكيفية التي نزع بها السِّلاح، فراحت الشاشة تعرض آلاف أنواع الأسلحة الحربيّة المتقاذفة في الفضاء. كانت مشاهد خياليّة حقاً، وأشبه ما تكون بعواصف هوجاء تقذف بكل هذا الرّكام إلى الأعالي.
ابتسم الأديب لقمان وهو يتمنّى في سرّه أن يكون كل هذا الذي يجري حقيقة، وأن لا يستيقظ لحظة ليدرك أنّه مجرّد خيال أو حلم عجيب طويل.
أخبر الأميرة أنّه جائع وأنّه يفضّل تناول الغداء داخل المركبة لأنه يريد متابعة مـا يجري عـلى كوكب الأرض. وألقى نظـرة عـلى سـاعته ليـدرك أنّـه لـم يعد لتوقيتها هُنا أي معنى لاختلافه عن توقيت الأرض.
جاءت مضيفة المركبة وسألت عما يحبّون أن يأكلوا، فقال الأديب لقمان «أي شيء» وتابع ما تبثّه الشاشة.
انتهت مشاهد نزع السّلاح وأعلنت المذيعة أنهم سيعيدون عرض تسجيل الكلمة الموجهة إلى كوكب الأرض كما أذاعتها الفتاة «ساحرة الجمال» التي ظهرت على الشاشة.
«إنهم يقولون عنك «الفتاة ساحرة الجمال» أيتها الأميرة»
«وهل أنا كذلك يا مولاي؟»
«أنتِ تعرفين ذلك أيتها الأميرة»
«آمل أن أظلَّ ساحرة في عينيك يا مولاي»
«بل ساحرتي أيضاً أيتها الأميرة»
وامتدت مائدة كبيرة عليها أنواع متعددة من الأطعمة والمشروبات. أبدى الأديب لقمان رغبته في أن يتناول الجميع الطعام معه ونهض ليجلس إلى المائدة. أحسّ أن وزنه قد نقص قرابة عشر كيلو غرامات، لابدّ أن هذا حدث نتيجة لجاذبية الزهرة التي تقل عن جاذبية الأرض. وكانت الحرارة مرتفعة بعض الشيء، وشعر أن تنفّسه لم يعد كما يرام، ويبدو أن الجن لم يشعروا بما كان يشعر به. أوعز إلى قائد المركبة فاتخذ إجراءات سريعة لمعالجة الأمر، حتى عاد الجو وكأنّه على الأرض.
فوجئ الأديب لقمان بأكثر من مائة جنّي وجنّية يعملون على المركبة.
أفردت موائد لاستيعاب الجميع، وما أن جلسوا حتى رفع الأديب لقمان كأسه وشرب نخبهم.
كانت الأميرة نور السماء بادية على الشاشة وهي تقدّم الرسالة.
سألها الأديب لقمان:
«ما رأيك بكلمات الرسالة أيّتها الأميرة؟»
«إنها جميلة ومعبّرة وتبعث الطمأنينة في نفوس الناس يا مولاي»
«وأنت أيّها الملك ما رأيك؟»
«أرى أنها تحمل إلى الناس من المحبّة ما هو أكثر من الممكن، وتدعو إلى المحبّة بما هو أكثر من الممكن أيضاً، وتطالب بتحقيق محبّة غير ممكنة!»
«لِمَ أنت متشائم أيها الملك؟»
«عشت ثلاثة آلاف عام هي نصف عمري خارج السّجن. لم أرَ فيهما إلا القتل وسفك الدماء حتى من الآلهة أنفسهم، ولم يحقق أحد المحبّة التي كان يسعى إليها بعض الآلهة الآخرين، وأظن أن تجربة البشر في ثلاثة آلاف الأعوام التي قضيتها في السجن لم تغيّر من الأمر شيئاً، رغم دعوات الآلهة والأنبياء والرّسل اللاحقين!»
«كان ذلك في القدم أيها الملك، أما الآن وبعد أن عانت الأمم من ويلات الحروب أظنّ أن الأمر سيختلف، وقد تحقق البشرية بالمحبّة ما لم تحققه يوماً بالحروب»
«لا أظن يا مولاي أنّه يمكن تحقيق المحبة بالمحبّة؟!»
«ويحك أيها الملك، وهل يمكن تحقيق المحبة بالحرب؟!»
«لا يا مولاي، وبالحرب أيضاً لن تتحقق المحبة»
«بمَ إذن أيها الملك؟»
«يبدو لي أن الحياة ستبقى كما هي عليه يا مولاي. حب وحرب، سعادة وشقاء، ورد وشوك، حريّة وسجن، عدالة وظلم، وإذا كنت تحبّني فإن محبّتي لن تحول دون أن يأتي أحد ما ويعيدني إلى قمقمي الرّهيب أو يسخّرني لفعل الشّر!»
«آه أيها الملك، أنت حقاً لم تؤمن بي بعد، أو أنّك لم تأخذ برسالتي، وإلاّ لما أثقلت على نفسي برؤيتك الظّلامية»
«عفواً يـا مولاي، لم أؤمن بإنـسي كما آمنت بـك، ولـم أُخلص لإنـسي كـما أخلصت لك، وقد عاهدتك على الوفاء، وسأعمل على أن أظلّ وفياً لك حتى بعد موتك، وما رأيي يا مولاي إلا رؤيةً لِما مضى وما يدور الآن، وما قد يدور في المستقبل رغماً عنّي وعنك!»
«نحن نحاول أيها الملك، لعلّ معشر البشر يحققون المحبّة وكل ما هو أسمى للحياة، بالمحبّة ذاتها، وهم حتى لو فشلوا لن يخسروا شيئاً، ولن تسفك دماؤهم كما فعلت الحروب»
«وكيف يمكن أن يتغلّبوا على نوازع الشر وشهوة الانتقام في نفوسهم يا مولاي؟»
«بالسّعي إلى المحبّة ونبذ الكره والحقد، والسيطرة على نوازع الشر، والتغلّب على رغبة الانتقام، كما أحاول أنا وأسعى لأن أسيطر وأتغلّب، لو تعرف كم أحمل في بطينتي من نوازع ورغبات تدميريّة هائلة، لم تكن تتيح لي الإخلاد إلى النوم إلا على صواريخ عملاقة أتخيّلها تدك تل أبيب وواشنطن ولندن وغيرها من المدن التي كنت أرى فيها موطناً للظلم. كنت أرى نفسي أشنق بعض الزعماء من أرجلهم، وأُجلس الانتهازيين والمنافقين والطّواغيت على الخوازيق، وأمسخ بعض الأدباء والسُّفهاء إلى جراذين وقطط، وبعض رجال الدين إلى خنازير وأبقار، والنصّابين والمحتالين واللصوص إلى قرود وكلاب، والحق أن هذه النوازع ماتزال تضجُّ في دخيلتي وتقضُّ مضجعي، غير أنني أُحاول بكل طاقتي قتلها ونبذها، أو السيطرة والتغلّب عليها، أو حتى سحقها إن استطعت، وأظنّ أن البشر إذا لم ينووا قتل نوازع الشر في دواخلهم، لن يتمكّنوا من إحلال المحبّة في نفوسهم والسّعي إليها بها، وبها فقط، وهذا ما أُحاول أن أفعله، لعلَّ المحبّة تفعل ما لم ولن تفعله الحروب، وإني لمتفائل بذلك، وأكاد أرى حياة جديدة ومستقبلاً جميلاً ينتظر البشرية»
«لا تنفعل يا مولاي، أعدكم أنني سأظلُّ مخلصاً لكم وسأعمل بكلِّ قواي على تحقيق أمنياتكم»
«أشكرك أيها الملك»
«نخب مولاي!»
ورفع الأديب لقمان كأس بيرة فيما رفع ملك الملوك جرّة من الخمر المعتّق وأفرغها في جوفه.
«معذرة يا مولاي، يبدو أنني لن أتمكّن من ترك الخمر حسب ما يمليه عليّ الدين الإسلامي!»
«هذه مشكلتك وليست مشكلتي أيها الملك!»
«ألم تكن مسلماً يا مولاي قبل أن تصبح نورانياً؟»
«بل ومازلت حسب هويّتي وانتمائي أيها الملك، لكنّي قد أُعتبر في نظر بعض المتديّنين مرتداً عن الإسلام، وعقوبتي هي الإعدام»
«الإعدام يا مولاي؟»
«نعم أيها الملك الإعدام»
«وهل كل المسلمين يتقيّدون بعدم شرب الخمر، والإيمان بالله يا مولاي؟»
«لا أيها الملك، فهناك الملايين ممن يسكرون، وهناك الآلاف ممن ألحدوا رغم اعتقادهم بوجود الله! لكن الإسلام ليس الامتناع عن الخمر وحسب أيها الملك»
«عن ماذا أيضاً يا مولاي؟»
«عن أكل لحم الخنزير مثلاً»
«أوه يا مولاي، لِمَ لمْ تخبرني من قبل، فنحن الآن نأكل لحم خنزير؟»
«لم أعرف أنّ على المائدة لحم خنزير، ثمّ إنني أشرت إليك بعدم تناول الخمر ولم تذعن إليّ، ولا أظن أنّك قادر على التقيّد بأي ركن من أركان الإسلام أيها الملك!»
«وما هي أركانه يا مولاي؟»
«عدا الشهادتين عليك أن تصوم وتصلّي وتحجّ إلـى البيت الحرام وتزكّي»
«أصوم يا مولاي؟ أي لا آكل ولا أشرب؟»
«أجل أيها الملك تصوم طوال النهار لمدّة شهر وخلال ذلك ينبغي عليك ألا تضاجع النساء أيضاً»
«مولاي أنت تقسو عليّ ولا تراعي آلاف السِّنين القاسية التي أمضيتها في قمقم سليمان!»
«أنا أقسو عليك أيها الملك؟ أنت الذي أردت أن تكون مسلماً، وكان في مقدورك أن تظلّ على عبادة «إيل» أو حتى «يهوه» الذي ربّما غضب عليك وقد ينتقم منك لدخولك الإسلام!»
«لا يا مولاي، سأدخل الإسلام، نحن معشر الجن اعتدنا تغيير ديننا، وإذا ارتكبت بعض المعاصي أرجو أن يسامحني الله.. هل هُناك أشياء أُخرى يتوجّب علي الامتناع عنها يا مولاي؟»
«أشياء كثيرة أيّها الملك، من أهمّها، ألا تقتل النّفس التي حرّم الله إلا بالحق، وألا تسرق، وألا تنكح المقرّبات إليك، كأمك وأختك وبنتك وخالتك وعمّتك»
«لكن أجدادكم القدماء كانوا ينكحونهن يا مولاي، ونحن مانزال ننكحهن حين نريد ذلك!»
«لقد حرّم الإسلام ذلك، وإذا تريد أن تصبح مسلماً حقاً عليك أن تبلّغ قومك وكفاكم ارتكاب حماقات!»
«سأفعل يا مولاي»
فرغوا من تناول الطعام، أبدى الأديب لقمان رغبته في الخروج من المركبة ومشاهدة المكان، سأل رائد المركبة عن الطّقس في الخارج، أخبره أنه حار نسبيّاً، لكن السماء ملبّدة بالغيوم، مما يخفف من حرارة الجو.
«وهل ثمة حياة على الكوكب أيها القائد؟»
«نعم يا مولاي، فقد شاهدت وأنا أحلّق عشرات المدن والقرى»
تناسى الأديب لقمان ما يعرفه من معلومات علميّة عن الكوكب تناقض كل ما يجري، وتساءل:
«وماذا عن المكان الذي نحن فيه الآن؟»
«قفرٌ يا مولاي إلا من بعض النباتات الصغيرة المتناثرة»
«لننزل وننظر ما حولنا»
هبط ملك الملوك أوّلاً ثم الأديب لقمان، كان آلاف الحرّاس والمرافقين من الجن يحلّقون في السماء في جماعات جماعات، وكان الطّقس حارّاً رغم أن السماء ملبّدة بالغيوم غير الممطرة، وبدا المكان كما لو أنّه وهدة من كوكب الأرض، أحاطت به بعض التّلال والجبال، وتناثرت فيه النباتات غير المثمرة، لم يذكر الأديب لقمان أنّه شاهد ما يشبه هذه النباتات على الأرض، اقترب من إحداها وانحنى ليشمّها، لم يكن لها أية رائحة. أشار إلى الرائد أن يعود بهم إلى المركبة ليتجوّلوا في سماء الكوكب لاستكشاف أحواله.
جلس إلى جانب الرائد فيما جلست الأميرة نور السماء إلى يمينه، أقلعت المركبة بسرعة تمكّنه من الرؤية، ظهرت سلسلة من الجبال المكسوّة بالغابات، حلّق الرائد فوقها لبعض الوقت فيما أخذ الأديب لقمان يرقبها بمنظار، لم تكن غريبة عن الأشجار التي تنبت على الأرض، وحين دقق النظر شاهد حيوانات تشبه إلى حد كبير الحيوانات الموجودة على الأرض، ورأى نهراً يخترق الغابات يصبُّ في بحر شاسع، بدت على مقربة من شواطئه بعض القرى المتناثرة على سفوح الجبال، كانت تشبه إلى حد كبير قرى كوكب الأرض، لولا أنّ سطوحها كانت مخروطية ومدببة، وبدت في البحر بعض السّفن والقوارب. أشار إلى الرائد أن يهبط بالمركبة أكثر، شاهد بشراً سوداً وسمراً يشبهون أبناء الأرض غير أن حجومهم كانت أكبر بمقدار يسير.
تساءلت الأميرة نور السماء عن سبب كبر حجومهم، فأجابها الأديب لقمان واقعياً على الفور:
«ربما لتتناسب حجومهم وحركاتهم مع جاذبيّة أرضهم أيّتها الأميرة!»
وفيما كان يتأملهم عبر المنظار رأى بينهم من يلوّحون لهم بأيديهم، أحسّ بفرح غامر وهو يهتف:
«إنهم أناس مسالمون، ويبدو أنهم لم يرتابوا من ظهورنا»
«فهتفت الأميرة:
«بل إنهم خائفون يا مولاي وينشدون منّا السلام، تأمّل الرُّعب على وجوههم»
دقق الأديب لقمان النظر عبر منظاره ليجزم بما قالته الأميرة، كان ثمة أطفال يصرخون ويعدون هُنا وهُناك مُختبئين، حتّى الذين يلوّحون من الكبار، كان الرعب يرتسم على وجوههم.
أشار إلى قائد المركبة أن يرتفع في الفضاء ويزيد السرعة ليعيد إليهم الطمأنينة.
أخذ القائد يحلّق فوق الكوكب على ارتفاع شاهق، ليشاهدوا مئات المدن والقرى والمطارات وخطوط المواصلات والموانئ، جزم الأديب لقمان أنّه لا يوجد عند سُكان الكوكب ما هو حربي، إذ لم يطلق في اتجاههم شيء، ولم تصعد إليهم أية طائرات حربيّة، ولم تنطلق نحوهم أيّة صواريخ، وهم على الأغلب ليسوا متخلّفين لأن لديهم ما يُشير إلى حضارة حديثة.
تمكّن قائد المركبة من الاتصال بهم، غير أن لغتهم لم تكن مفهومة، وحين تنصّت الأديب لقمان بلغ أسماعه ما يشبه جرس اللغة الفرنسية!
«أين ملك الملوك؟»
«أمر مولاي»
«أين قواك الخارقة؟ ترجم لي هذه اللغة التي تصلنا عبر الجهاز»
«معذرة يا مولاي فقوانا اللغوية لم تدرك حتى الآن إلا لغات الأرض، ولغات الجن والعوالم السُّفلى!»
أدرك الأديب لقمان للحظات أنه في عالم واقعي، إذ لو كان في عالم خيالي لما عجز ملك الملوك عن ترجمة أي لغة!!
«حاول أيها الملك»
«مفاتيح لغة أهل السماوات ليست تحت سيطرتنا يا مولاي!»
«ما العمل؟ لابدّ من وسيلة»
أشارت الأميرة نور السماء بإرسال رسالة لهم بعدّة لغات، فأخبرها القائد أنّه أرسل رسائل بثلاثين لغة من لغات الإنس والجن دون جدوى.
«هل أرسلت بالعربيّة؟»
«أجل يا مولاي»
«متى تعلّمتها؟»
«هذا اليوم يا مولاي!!»
أراد الأديب لقمان أن يعلّق على المسألة، غير أنه لم يفعل لإدراكه أنّه أمام جن يصنعون المعجزات، رغم اعتقادهم أن عقولهم صغيرة.
«هل أرسلت بالفرنسية والإنكليزية والصينية والروسية والإسبانية والألمانية واليابانية؟!»
«أرسلت حتى بالأرديّة والفارسيّة والتركية يا مولاي!»
«ماذا قلت في رسالتك؟»
«نحن ضيوف مسالمون من كوكب الأرض أجيبونا من فضلكم»
«يبدو أننا سنقلع إلى المرّيخ دون الاتصال بهم»
«وهل يهمّك الاتصال بهم يا مولاي؟»
«وكيف لا يهمّني، ربما أجد لديهم أجوبة عن كل الأسئلة التي يضجُّ بها رأسي، ربّما أجد لديهم نظاماً حياتياً متكاملاً وراقياً أفيد منه أبناء الأرض، ولو كنت أعرف أنني سأجد فرصة للعودة إليهم لأجّلت الأمر»
«ولماذا لن تتمكن يا مولاي، يمكننا أن نزورهم بعد أن نعرف الكوكب الذي سنستقر عليه»
«أظن أن أشغالي ستكون كثيرة، ويخالجني إحساس أنني سأقتل على الكوكب الذي سأستقر عليه، وأن الكوكب الذي أمُرّ عنه لن أعود إليه!»
«ومن سيقتلك يا مولاي؟»
«لا أعرف!»
«لن يكون قتلك يسيراً وأنت في حمايتنا يا مولاي»
«لكن ليس مستحيلاً أيتها الأميرة»
وأطرق الأديب لقمان للحظات والمركبة تجوب سماء الزهرة، هتف:
«هل حاولت التقاط أي بث تلفزيوني لديهم أيها الرائد؟»
«لا يا مولاي، سأحاول الآن»
وأخذ يعبث ببعض الأزرار، ظهر أمامه على شاشة صغيرة صورة امرأة تتحدّث بالإنكليزية.
«هذه من كوكب الأرض أيها الرائد، حاول أيضاً»
وظلّ الرائد يحاول إلى أن التقط الإرسال، كان يُعرض على الشاشة ما يبدو أنه فيلم تلفزيوني، أشار الأديب لقمان إلى الرائد أن يسيطر على أجهزة البث والإرسال، وطلب إلى الأميرة أن تردد كلمة «سلام» ببعض لغات العالم.
ظهرت الأميرة نور السماء على الشاشة وهي تبتسم وتلوّح بيدها وتردد «سلام.. سلام.. سلام»
ظهرت على الشاشة فتاة سمراء جميلة تحمل بيدها باقة ورد وغصن زيتون، وهي تردد وتلوّح «سلام.. سلام.. سلام»
«لقد نجحنا أيتها الأميرة»
«وطلب إلى القائد أن يهبط بهدوء في أكبر مدينة يراها، فقد تكون العاصمة، وطلب إلى ملك الملوك أن يبقي الحرّاس والمرافقين مُحلّقين في الفضاء كي لا يرعبوا سكّان الكوكب، وأعلن أنه في حاجة إلى ملابس نظيفة، إذ لا يُعقل أن ينزل على كوكب الزهرة بملابس الانتحار التي كان يرتديها على الأرض.
وانتصبت أمام الأديب لقمان مرآة ليجد نفسه في زي جنرال تنتظم النجوم والتيجان والسّيوف على كتفيه، وتتدلّى على صدره النياشين والأوسمة.
«أعوذ بالله منك أيها الملك، ألم تجد ما هو أفضل من هذا الزي؟ اقذف به عن جسدي إلى الجحيم!»
شرعت الأميرة في الضحك فيما كان الأديب لقمان يقذف بالنياشين إلى الأرض. وبدا ملك الملوك غير موافق على رأي الأديب لقمان، فقد بدا له جنرالاً لم ير مثيلاً له في عهد سليمان. هتف حين أدرك أن لا مجال للجنراليّة:
«وأنا ما أدراني أنّك لا تحب أزياء الجنرالات يا مولاي؟»
شاهد الأديب لقمان نفسه في زيّ ملك يعلو رأسه تاج ضخم من الذّهب، أحسّ أنّه سيكسر عنقه. زفر متأففاً وراح يستنجد بالأميرة نور السماء، متخلّياً عن ملك الملوك وأزيائه السلطويّة.
أصبغت الأميرة عليه زيّاً أبيض أقرب إلى أزياء الرُّهبان، بدا فيه كالملاك لشدّة بياضه.
«هذا معقول أيتها الأميرة وإن كان يُضفي عليّ وقاراً كهنوتياً لا أحبّذه»
تبدّت لهم من مقصورة المركبة مدينة كبيرة ذات أبنية عالية مخروطية الشكل، تتخللها شوارع عريضة تسير فيها حافلات مختلفة الأشكال، كان بعضها يشبه حافلات الأرض إلى حد كبير.
ظهرت في الفضاء طائرة عمودية، يلوّح أحدهم براية حمراء من نافذتها، أدركوا أنّها تشير إليهم أن يتبعوها، قادتهم إلى مطار كبير على مقربة من المدينة وهبطت أمامهم ليهبطوا بعدها.
حين أطلّ الأديب لقمان من باب المركبة شاهد عشرات الأطفال السُّمر يلوّحون بباقات من الورد وأغصان الزيتون، وعلى مسافة من المركبة اصطفّ بضعة رجال ونساء.
لوّح الأديب لقمان بيده محيياً ونزل تتبعه الأميرة نور السماء فملك الملوك فقائد المركبة فالآخرون.
تقدّم رجل طويل كهل تبدو عليه الهيبة، يرتدي الملابس السّود، مَدّ يده مُرحّباً ومصافحاً وهو يهتف بصوت خفيض «سلام» ويرسم على شفتيه ابتسامة.
صافحه الأديب لقمان وتقبّل باقة ورد وغصن زيتون من أحد الأطفال.
كان جميع المستقبلين سوداً وسمراً وطوال القامة، ولم تكن ملامح وجوههم تختلف عن ملامح وجوه سكّان الأرض.
اصطحبوهم إلى صالون ضيافة كبير تزيّنه الرّسوم والمنحوتات والنقوش والثريّات الجميلة المنيرة، وقد فرش بأرائك وثيرة، وبدا جو الصالون أقرب ما يكون إلى جو الأرض، حتّى أن الملابس التي ارتداها السكان بدت أقرب إلى ملابس أهل الأرض.
قدّمت مجموعة من الفتيات شراباً بطعم عصير البرتقال، ولَغَ منه ملك الملوك إبريقاً كاملاً وراح يتأمّل جمال الفتيات السود الذي لم ير له مثيلاً من قبل، وأضمر في نفسه أن يبْدي رغبته فيا بعد للأديب لقمان لعلّه يتيح له مواقعة بعضهن أو واحدة منهن على الأقل.
كان الرجل الكهل يفتح يديه ويبتسم بمودّة بين لحظة وأخرى مُرحّباً، فيحني الأديب لقمان رأسه ويومئ مبتسماً بمودّة بدوره، ونظراً لطول شعر ذقنه وشاربيه فإنّ ابتسامته كانت بالكاد تُلمح من قبل الآخرين.
نظر الأديب لقمان إلى ملك الملوك هامساً:
«لابدّ من حل مشكلة اللغة أيها الملك»
«أعطني صحيفة مكتوبة منها وسأسخّر جميع الجن الذين في الكون لفك رموزها وفهمها يا مولاي»
كان ثمة رجل بين الجالسين يبدو عليه أنّه رجل معرفة، يضع بعض الصّحائف إلى جانبه، أشار إليه الأديب لقمان أن يعطيه واحدة منها، فأعطاه.
بدت أحرفها تجريديّة تماماً، وأقرب ما تكون إلى الحرف اللاتيني، أعطاها لملك الملوك الذي أعطاها بدوره لرائد المركبة، وما أن نظر هذا الأخير إليها وهزّ رأسه موحياً بفهمها حتى أعطاها للأميرة نور السّماء التي أمعنت النظر إليها لبضع لحظات ثمّ راحت تخاطب رجل المعرفة معرّفة بهم.
ارتسمت الدهشة على وجوه الجميع من سُكّان الزهرة، وخاصّة الرّجل الكهل الذي أذهله هذا التطوّر المُدهش لأهل الأرض.
الأديب لقمان، حاول أن يخفي دهشته كي يجنّب نفسه الحديث عن المعجزات أمام سكّان الكوكب، غير أنّه همس إلى ملك الملوك متسائلاً:
«أيّة عبقرية هذه التي أتاحت لكم أن تعلّموا الأميرة لغة مجهولة خلال لحظة أيّها الملك؟»
«ببساطة يا مولاي سخّرت عشرة آلاف عالم من علماء الجن الذين يقولون أنّ ثانية تفكير واحدة لأي واحد منهم تعادل تفكير سنة لعلماء الأرض جميعاً! ثمّ إنّ الأميرة لم تتعلم إلا نطق اللغة يا مولاي ولم تتعلّم قراءتها وكتابتها!»
«وكيف ذلك وهي لم تسمعها بل شاهدتها مكتوبة؟»
«كما أتحدّث معك بالعربيّة دون أن أجيد قراءتها وكتابتها»
«لكن رُبما سمعتها ومارستها من قبل»
«لا لا! لم أسمعها يا مولاي سمعت ما هو قريب منها»
«الحوار معكم معشر الجن حول معجزاتكم يبدو كقبض الريح، ما لا أفهمه أنّكم تظنون أن عقولكم صغيرة»
«عُلماء الجن يا مولاي يقولون أننا لو أردنا أن نحجّم المعرفة لجعلناها بحجم الكون، ووجودنا نحن معشر الجن ليس أكثر من ذرّة رمل في محيط هذا الكون، لذلك فإن معرفتنا لا تتجاوز جزءاً صغيراً جداً من هذه الذرّة!»
ولأول مرة يندهش الأديب لقمان بشكل مغاير، إذ أحسّ أن المتحدّث هو نفسه وليس ملك الملوك.
«علماؤكم عقلانيّون أكثر من علمائنا أيّها الملك، يبدو لي أنني بدأت الآن إدراك أسرار معجزاتكم التي قد تبدو لي إنجازات عقليّة وعقلانية أمام رؤيتك هذه، أو تفسيرك لمعرفتكم، من الآن فصاعداً سأعتبر عقلي صغيراً إلى حد يفوق التصوّر أمام عقولكم!»
«عفواً مولاي»
«لا داعي للمعذرة أيّها الملك»
«كانت الأميرة نور السّماء تتحدّث إلى «رجل المعرفة» ويبدو أنّهما تفاهما بشكل حسن.
«يمكنك أن تبدأ الحديث يا مولاي»
«ماذا تحدثتما أنتِ والرَّجل»
«تعارفنايا مولاي. أخبرته أننا رسل مسالمون من الإنس والجن من كوكب الأرض نبحث عن الحقيقة والكمال والحياة الأسمى، يقودنا أديب من الإنس»
«حسناً فعلتِ»
«أخبرني أنّهم كوكب مسالم، يعيشون في دولة واحدة يبلغ عدد سكانها أربعة مليارات نسمة، يقودهم مجلس رعاية، يرأسه «الراعي الأكبر» الرّجل الجالس إلى يسارك. عن نفسه قال أنّه كبير أعضاء المجلس المعرفي، هذا كل شيء يا مولاي»
أدرك الأديب لقمان أنهم أمّة متقدّمة على أبناء الأرض بقرون، إن لم يكن آلاف السّنين، وشرع يتحدّث إلى الراعي الأكبر، فيما الأميرة نور السماء تترجم:
«يُسعدنا أن نكون بينكم لنتعرّف إليكم ونطلّع على ما بلغتموه من شأو الحضارة الكونيّة، إننا ننتمي إلى كوكب ما يزال يتلمّس طريقه إلى الحضارة، تتنازعه الشّرور والآثام، وتتقاسمه الشّعوب والأمم، وتسفك فيه الدّماء، وتلوّث سماءَ ه وبحاره السّموم، وتستشري فيه الأمراض الفتّاكة، إننا لنأمل أن تفيدونا بتطوّر تاريخكم المعرفي في مختلف شؤون الحياة»
«أهلاً ومرحباً بكم في كوكبنا المسالم، لقد أُسعدنا بحضوركم وتشرّفنا بمعرفة غاياتكم النبيلة، وقد زدتمونا إيماناً بما حققنا وفعلنا على هذا الكوكب الصَّغير، الذي أرهقته الحروب وخرّبت فيه النفوس ذات دهر!
.. يفرحنا قدومكم إلينا ووجودكم بيننا، إذ يثير فينا الأمل والتفاؤل بالمستقبل، لوجود أمم وكواكب تسعى لتفيد من تجارب الكواكب الأخرى، وتقرّب فيما بينها كما نسعى نحن، لقد حال فقر كوكبنا وسعينا إلى رفاه مواطننا دون الاتصال حتى الآن بالكواكب وإقامة علاقات طيّبة معها، ومع ذلك تمكّنا من معرفة بعض الأقمار والنجوم المحيطة بكوكبنا، وتمكّنا من رصد عُطارد، وتبيّن لنا أن لا حياة متقدّمة عليه، بعكس المرّيخ. وكنّا نعرف منذ زمن أنّ ثمّة حياة على كوكبكم، وفشلنا في إيجاد وسيلة للتفاهم معكم، بعد أن أرسلنا بعض المركبات الفضائية إليه. إننا لنأمل طالما أنّكم بلغتم هذا الشأو من القدرة على الاتصال بالكواكب والأكوان الأخرى، أن تحيطونا علماً في المستقبل بأحوال هذه الكواكب والأكوان، وما بلغه شأن الحياة عليها، وبإمكانية التّعاون فيما بيننا وبينها لبلوغ ذرى متقدّمة في المعرفة والرّقي بالحضارة الكونيّة.
ما يدهشني بعض الشيء أيّها الأديب المحترم، وأيها الضيوف الأعزّاء، هذه الفجوة الهائلة بين تفوّقكم العلمي وتخلّفكم الاجتماعي، إذ كيف استطعتم الصعود إلى الكون الشاسع الهائل، وبهذه البساطة في الوقت الذي ماتزال أممكم متخلّفة وتتنازعها الشّرور والآثام؟
كان بإمكاننا أن نفعل أكثر مما فعلنا في مجال الفضاء، لكنّه كان سيتم على حساب قوت أبنائنا ورفاهية أمّتنا، ولكن الآن وبعد أن حققنا تقدّماً مقبولاً في الرّفاه الاجتماعي، أخذنا نسخّر قدراً أكبر من طاقاتنا وقدراتنا لتطوير علوم الفضاء والاتصالات أكثر مما هي عليه»
«شكراً لحديثكم الشيّق والغني أيّها الراعي الأكبر. الحق أن تطوّر بعض شعوبنا جاء بمعزل عن تطوّر الشّعوب الأخرى، وكان في الغالب على حساب هذه الشّعوب، وعلى حساب الشعب المتطوّر نفسه أيضاً، لذلك حصل هذا التّفاوت المعرفي بين التطوّر العلمي والتقدّم الاجتماعي»
«أظن أنّكم متعبون أيّها الأديب، سننقلكم إلى بيت الضيافة، لتأخذوا قسطاً من الراحة. سنلتقي على مائدة العشاء، السيّد «شاهل بيل» كبير أعضاء المجلس المعرفي في كوكبنا، سيتولّى إطلاعكم على كلّ ما تودّون الاطلاع عليه»
نهض «الراعي الأكبر» وأتباعه لينصرفوا، فيما رافق «شاهل بيل» الأديب لقمان ومرافقيه إلى بيت الضيافة. أقلّتهم حافلة شبيهة بقطار صغير يسير بالطاقة الحراريّة، واصطف على جانب الشارع الذي سلكوه آلاف البشر وهم يلوّحون بأيديهم ويرفعون باقات من الورود.
أخبر الأديب لقمان ملك الملوك أنّهم سيؤجلون انطلاقهم إلى المريخ والكواكب الأُخرى إلى أن يطّلع على شيء من تطوّر المعرفة على الزهرة.
أُفرد للأديب لقمان جناح خاص هو والأميرة نور السماء وكذلك لقائد المركبة وملك الملوك، وتوزّع باقي العاملين في المركبة على العديد من غرف بيت الضيافة.
ناموا جميعاً إلى ما قبل طعام العشاء، ماعدا الأديب لقمان الذي كان قلقاً، وساورته بعض الأحلام المضطربة والمشوّشة، فلم ينم إلاّ قرابة ساعتين بتوقيت أهل الأرض، ونهض على أمل أن يلتقي «شاهل بيل» ويطلب إليه أن يحدّثه عن تاريخ الكوكب وحياته المعاصرة.
انتظر إلى أن نهضت الأميرة نور السماء من نومها وأشار إليها باستدعائه.
جلسوا في شرفة بيت الضّيافة يحتسون شراباً ساخناً. كان جنود الجن يحلّقون في السماء أسراباً أسراباً، وقد أطلق سكّان الكوكب بعض الطائرات التي لا تحدث صوتاً، كانت تحلّق في سماء المدينة راسمة مناظر جميلة.
جلست الأميرة نور السماء بين الاثنين وهيّأت نفسها للترجمة، كان رجل المعرفة ينظر إلى جنود الجن بين مصدّق ومكذّب، ويختلس النظرات إلى جمال الأميرة نور السماء بين لحظة وأخرى، دون أن يجزم أيضاً أنه يمكن أن يوجد جمال بهذا القدر الخارق. هتف متردداً:
«نحن أيتها الأميرة لم نعد نؤمن بوجود الجن حسب الصورة الأسطورية التي قدّمت لنا عنهم منذ أكثر من ألف عام ونيّف، ويبدو أن حضوركم بيننا سيجعلنا نعيد النظر في بعض مفاهيمنا، فهل أنتم حقيقة فعلاً؟!»
تدخّل الأديب لقمان متسائلاً عما يقوله رجل المعرفة، فأخبرته الأميرة بالأمر، فلم يعرف ماذا يقول، فهو حتى الآن لا يعرف إذا كان كل ما يجري حقيقة أم خيالاً،!
«بماذا ستجيبين أيتها الأميرة؟»
«بما يشير به عليّ مولاي»
«قولي له ما تشائين»
نطقت الأميرة بضع كلمات أطرق بعدها رجل المعرفة متفكراً لا يلوي على شيء، فسألها الأديب لقمان عمّا قالته له:
«قلت له يا مولاي إذا كان يرى وجودنا الآن حقيقة فنحن حقيقة، وإذا كان يراه خيالاً فنحن خيال!»
«أحسنتِ! لو فكّرت مائة عام لما خطرت لي هذه الإجابة!»
أشاح نظراته نحو رجل المعرفة:
«حدّثني أيها العالم؟»
«عن ماذا أيها الأديب؟»
«عن تطوّر الحياة على كوكبكم، عن معتقداتكم، عن تاريخكم المعاصر، عن حضارتكم، عن كل شيء إذا ليس في الأمر ما يزعجك»
«ليس في الأمر ما يزعج أيها الأديب لقمان، لكن هذا يحتاج إلى زمن طويل»
«لا أظن أنّ الأمر كذلك إذا أجدت الاختصار»
«سأحاول: يرى علماؤنا أن عمر كوكبنا منذ أن انفصل عن الشمس يزيد عن سبعة مليارات من الأعوام – أعوامنا نحن طبعاً – وأن أوائل الحياة بدأت بالظهور عليه منذ حوالي أربعة مليارات من هذه الأعوام، وقد مرّ كوكبنا بكل الدّهور التي مرّت على الكواكب الأخرى. في البدء ظهرت الحياة في الماء، وبعد تشكّل اليابسة انتقلت الحياة إليها، أوّل الكائنات الحيّة كانت تشكّل الخلايا التي ظهر منها النبات ثمّ الحيوان فالإنسان.
وجد الإنسان على كوكبنا منذ قرابة أربعين مليون عام من أعوامنا، ومرّ بأطوار مختلفة استغرقت ملايين السّنين، إلى أن اكتشف النار قبل قرابة مليون سنة، وأدّى اكتشافها إلى إحداث تطوّر هام في حياته. وقبل حوالي مائة ألف عام ظهر على كوكبنا الإنسان العاقل، الذي راح يدجّن الحيوانات، كالماعز والكلاب، ويشذّب الحجارة، ويحفر الكهوف، وينحت التماثيل، وينقش الرّسوم على جدران المغاور والكهوف، ويكتشف الزراعة خلال الأعوام اللاحقة، حتّى توصّل قبل قرابة ثلاثين ألف عام إلى بناء المدن واكتشاف النّحاس والبرونز وبدء الكتابة الرمزية»
«تبدو لي أيها العالم وكأنك تتحدّث عن كوكب الأرض، لولا أسبقيّة التطور لديكم، مع أن سنتكم تقلُّ عن سنتنا حوالي الخُمسين!»
«حتى الآن لم يثبت لدينا أن تطوّر الحياة على كوكب يختلف عنه على كوكب آخر، إلا من حيث التطوّر النوعي المرتبط بالعوامل الجيولوجية والمناخيّة والمكتسبات المعرفيّة فيما بعد. أرسلنا إلى كوكبكم بعض المركبات الفضائيّة، لكننا أدركنا أن التّفاهم معكم مستحيل، حين شاهدنا كثرة الأسلحة التدميرية لديكم، وكثرة الحروب التي فتكت بالملايين من أبناء كوكبكم خلال القرن الحالي وما تزال تفتك، مما يشير إلى أنّكم لم تتفقوا فيما بينكم، فكيف ستتفقون معنا؟ لقد تجاوزنا هذه الحقبة منذ خمسة آلاف عام!!»
«تقصد أنكم لم تتحاربوا فيما بينكم؟»
«بل لم نعد نصنع السلاح على الإطلاق حتى للصيد! نزعناه من الكوكب كُلّه واستخدمناه في كل ما يخدم تقدّمنا وحضارتنا»
أدرك الأديب لقمان أنّ الخطوة التي قام بها على الأرض منذ ساعات سبقه إليها أبناء كوكب الزّهرة منذ حوالي ثلاثة آلاف عام بتوقيت الأرض، أي حين كان سُليمان يسوق الريح إلى سبأ كانوا هُم يبدأون الحضارة ما بعد الحديثة، أو حضارة ما بعد الأساطير والحروب الشرسة! ولأول مرّة في حياته أحسّ الأديب لقمان أنّه متخلّف، وتمنّى في سرّه أن يجد كوكباً في هذا الكون أكثر تخلّفاً من كوكب الأرض البائس أو بمستواه الحضاري على الأقل، لعلّه يُعزّي نفسه بذلك، ولا يرى نفسه صغيراً أمام أبناء الكواكب!!
«زدني علماً ومعرفة بحضارة كوكبكم أيّها العالم»
«نحن نسمّيها حضارة السّلام لكثرة ما عانينا من تخلّف الحروب، لقد مرّ إنساننا بعصور مختلفة عانى فيها أكثر مما عانيتم، وإذا كنتم قد استخدمتم قنبلتين نوويتين في حروبكم، فنحن استعملنا سبعاً! لقد قُتل منّا في الحروب أكثر من نصف مليار إنسان أيها الأديب، بحيث لم تبقَ أمّة من أمم كوكبنا إلا ودفعت ثمناً باهظاً للوصول إلى الحضارة الحديثة»
«عُد لي إلى الوراء أيّها العالم، لا تُضيّع بعض الحقب التاريخية التي مررتم بها، حدّثني عن أديانكم وعن الأمم والحروب بشيء من التفصيل»
«لقد عبد أجدادنا أيها الأديب أوّل ما عبدوا الشمس والأرض وعطارد والمرّيخ!»
«هل عبدتم كوكبنا؟»
«أجل أيها الأديب لقمان!»
«أريد أن أعرف هذه الأسماء كما تُعرف بلغتهم أيتها الأميرة»
«الأرض يُطلقون عليها «إرد» والشمس «زوس» والمرّيخ «لميش» وعطارد «أنارد» أما كوكبهم الزهرة، فيسمّونه «سوهار»!»
«حسناً، وهل أقام أجدادكم معابد لها على الأرض؟»
«أجل أيها الأديب، أقاموا لها معابد، كانوا يمارسون فيها طقوساً من الجنس الجماعي للتقرّب إليها، كما أقاموا لها نُصباً وتماثيل، وأصبغوا عليها بعض الرّموز، واشتقّوا منها آلهة أُخرى، للأرض والسماء والعواصف والأمطار والأنهار والبحار والخير والشر والحب والحكمة والنار والعوالم السّفلى والعوالم العُليا وما إلى ذلك، وراحوا يتنازعون عليها، فهؤلاء يعزون هذا الإله لهم، وهؤلاء يعزونه لهم، فدارت بينهم الحروب، وكل شعب ينتصر يسوق فتيات وأبناء الشّعب الآخر ويقدّمهم قرابين للآلهة! ومن أفظع ما وصَل إلينا أنه قدّم في يوم واحد مليون ضحيّة للإله «كون» قطعت رؤوسهم جميعاً ثمّ أحرقت جثثهم! وحين كانت شعوبنا تفني بعضها كانت تقدّم أبناءها وبناتها كقرابين.
في عصور لاحقة، أخذت بعض شعوبنا ترفع زعماءَ ها إلى مراتب الآلهة، وخاصّة بعد موتهم، إلى أن ظهرت لدينا ديانات توحيدية سماويّة وغير سماويّة، حيث ظهر عندنا أكثر من ألف نبي ومرسل ومصلح اجتماعي، وكم من حروب طاحنة دارت بين أمم هذه الأديان، إلى أن أخذ كلّ دين ينشق على نفسه حسب الصّراعات التي كانت تدور بين شعوب الأمة نفسها وأديانها حسب فهم كل طائفة وفقاً للدين نفسه.
قبل حوالي عشرة آلاف عام بدأ عندنا ظهور الأدباء والفلاسفة والعلماء الذين لا يؤمنون بوجود آلهة بالمعاني السابقة، فأعدم معظمهم على الخوازيق أو قطعت رؤوسهم، وبعضهم قطعت ألسنتهم أو قوائمهم أو صُلبوا، أو دفنوا أحياء أو جلدوا حتى الموت كي يرتدعوا، غير أن كل هذه الفظائع لم تحد من تطوّر الفكر الواقعي عبر العصور، ومنذ حوالي سبعة آلاف سنة ونحن لا نعبد أحداً، ولا ننتظر جنّة ولا ناراً، فالجنّة والنار موجودان على كوكبنا، فإمّا أن نجعل منه جنّة أو نحوّله إلى نار تلتهمنا!
لم نحقق هذه الخطوات في اتجاه الجنة بيسر، فقد عشنا أكثر من ألف عام ونحن نطوّر آلة الحرب إلى أن أصبحت مرعبة إلى حدود الخيال، بحيث أصبح في مقدورها أن تدمّر كوكبنا وكوكب الأرض وكوكبي عطارد والمريخ مائة مرّة! وكم من الشعوب الفقيرة التي أبيدت عن آخرها على كوكبنا من جرّاء هذه الآلة الفظيعة، إلى أن ارتفع صوت العقل بين أممنا وشعوبنا التي كانت تعيش في أكثر من مائة وسبعين دولة. وبعد خمسمائة عام من طرح فكرة السلام وتوحيد شعوب الكوكب، تحقق الحلم. كان ذلك منذ خمسة آلاف عام، وما يزال هذا اليوم الرّمزي عيداً قومياً لدينا»
«ماذا عن تطوّركم الاجتماعي والاقتصادي أيها العالم، هل مررتم بعصور المشاعيّة والرّق والإقطاع والبورجوازية والرأسمالية والإمبريالية؟!»
«نعم أيها الأديب، مررنا بكل هذه العصور، وقد وصل التطوّر الرأسمالي لدى بعض دولنا إلى درجات هائلة من الثراء، مما دفع بعض هذه الدّول إلى المطالبة بالحد من رأس المال وفرض الضّرائب الباهظة عليه، غير أن ذلك لم يحد من مشاكل كل دولة، فلجأت بعض الدول إلى رأسمالية الدولة، بتأميم الصّناعة والتجارة والزراعة ووضعها تحت سيطرتها»
«ولم ينجح هذا النظام؟»
«بل انهار انهياراً فظيعاً، رغم أنّه حقق إنجازات جيدة»
«ولِمَ انهار هذا النّظام؟»
«لأنه لم يعرف كيف يعدِل بين مواطنيه، وكانت الأغلبية الساحقة تعيش دون مستوى الفقر، بينما الدولة تعيش ثراءً فاحشاً.
بعض الدول النامية اختارت الطّريقين، رأس المال الحُر الذي يملكه الناس، ورأسمالية الدولة، بل وأضافت طريقاً ثالثاً هو رأس المال المشترك، الذي تشارك فيه الدولة والناس، وقد أتاح هذا النظام للصوص والمستغلّين ما لم يتحه أي نظام آخر، فاستلبوا رأسمال الدولة ووظفوه لحسابهم، مما جعل بعض الدّول تصبح متسوّلة على أعتاب الدّول الغنيّة»
وراح الأديب لقمان يضحك، مما دفع رجل المعرفة إلى التساؤل، فأخبره أنه تذكّر تجربة بعض دول كوكب الأرض.
«أظن أن الحديث عن الماضي يطول أيها الأديب»
«دعنا نتحدّث عن نظامكم الحالي»
«نحن حالياً ومقارنة بالأنظمة السابقة نعيش في نظام اللا دولة!»
«وهل يعقل هذا أيها العالم؟»
«ولماذا لا يُعقل؟ يمكن أن تطلق مجازياً على نظامنا اسم دولة، أمّا نحن فنسمّيه «النّظام المعرفي» ونسمّي السّلطة العُليا عندنا «مجلس الرّعاية» وهو يتكون من ثلاثة آلاف عضو نصفهم من النّساء ينتخبون كل خمس سنوات، يرأسه شخص مرة كل خمس سنوات أيضاً، وعلى هذا الشخص حين يرشّح نفسه لرئاسة المجلس أن يكون فوق الستّين من عمره وأن يكون حائزاً على أعلى شهادة عُليا في مجالات العلوم أو الآداب، وأن يكون قد حقق إنجازاً عظيماً واحداً على الأقل خلال سنيّ حياته، وأن يوافق المجلس بالأغلبيّة على ترشيحه، ومن ثمّ عليه أن يحوز على ثقة أمّة الكوكب بأغلبية الثلثين، وهذه الشروط نفسها تنطبق على أعضاء مجلس الرّعاية جميعاً»
«كنّا أمماً وشعوباً تنتمي إلى مئات القوميّات، ونتحدّث مئات اللغات، لكن مع توحيد دُول الكوكب، أخذت هذه النَّزعات تتلاشى واللغات تندثر، وكُلّنا الآن نعتبر أنفسنا «سوهاريين» نسبة إلى الكوكب، ونتحدّث اللغة السوهاريّة. وقد اشتققنا هذه اللغة من معظم لغاتنا السابقة، اعتماداً على اللغات الأكثر انتشاراً، غير أن تعبير «الأمم السوهاريّة» ما يزال دارجاً دون أن يكون له أي دلالات تعصبيّة لهذه الأمة أو تلك.
مررنا أيضاً بالأنظمة الإمبراطورية والملكيّة والجمهورية والفيدرالية الاتحاديّة وغير ذلك، إلى أن انتهينا إلى النّظام المعرفي الحالي الذي ألغى الجيوش وأجهزة الأمن والاستخبارات والسّجون وجميع الوزارات غير الفاعلة، كوزارة الدفاع ووزارة الخارجيّة ووزارة الماليّة وغيرها، وما لدينا الآن هو دوائر تهتم بالشؤون المختلفة»
شعر الأديب لقمان أنه ينتقل من عالم الجن إلى عالم لا يقلُّ خياليّة، ولم يجد مفرّاً من التساؤل:
«قل لي أيها العالم، هل أنتم حقيقة أم خيال؟»
انتهز رجل المعرفة الفُرصة ليكيل بما كيل إليه:
«إذا كنتم ترون أنّ وجودنا حقيقة أيها الأديب فنحن حقيقة، وإذا كنتم ترون أننا خيال فنحن خيال!»
أسقط في يد الأديب لقمان، ولم يجد إلا أن يضحك، فضحكت الأميرة نور السماء وضحك «شاهل بيل» رجل المعرفة.
«لكن أيها العالم، يمكن أن أقتنع أنّكم لا تحتاجون إلى إدارة للدفاع أو للخارجية أو للأمن، لكن كيف سأقتنع أنكم لا تحتاجون لإدارة للمال مثلاً؟»
«لقد ألغينا وجود المال منذ ألفي عام، ولا تراه أمتنا إلا في المتحف أيها الأديب!»
عاد الأديب لقمان إلى تنبيه نفسه في سرّه إلى أنه ومنذ أن خرج إليه ملك الملوك من القمقم وهو يتعامل مع عالم خيالي، قد لا يحدث إلا في الأحلام، فإما أن يرفض هذه الحقيقة ويخرج من هذا الكابوس الطويل، أو يتقبّلها ويخوض غمارها.
«لا يوجد لديكم مال أيها العالم»
«على الإطلاق أيها الأديب!»
«ولا شرطة ولا سجون ولا مخابرات!»
«أبداً، أبداً»
«والمواطن عندكم كي يعمل أو يصبح عضواً في اتحاد ما كاتحاد الكُتّاب لا يحتاج إلى شهادة حُسن سلوك ولا حكم عليه وما إلى ذلك من الوثائق والشهادات؟»
«أبداً أبداً!»
«وإذا ما دخل إلى مطعم ليأكل، هل يأكل مجّاناً؟»
«إن كوكبنا هو بمثابة بيت كبير، وكل مطعم فيه هو بمثابة صالة طعام لهذا البيت، وكل مواطن فيه هو ابن لهذا البيت ويمكن أن يأكل ما يُريد مما هو موجود في هذه الصالة دون الحاجة إلى المال، أو الحاجة إلى تقديم أي شيء مُقابل ذلك، وهذا ينطبق على كل متطلّبات الحياة، بما في ذلك البيت والكهرباء والماء والسّفر والإقامة والتنزّه والسياحة والتعليم والتثقيف وما إلى ذلك»
«وهل استطعتم تحقيق عدالة بين مواطنيكم في ذلك؟»
«بشكل نسبي نعم، إذ لا يوجد في بيت «الراعي الأكبر» من وسائل الراحة ومتطلبات الحياة، ما هو غير موجود في بيت أي مواطن»
بدا للأديب لقمان أنه أمام نظام يطبّق بعض أفكار أفلاطون وماركس وسبينوزا وروسّو وغيرهم، فتساءل:
«هل نظامكم المعرفي هذا، هو نتاج لتطوّر فكركم المعرفي أيّها العالم؟»
«بالتأكيد أيها الأديب، فنظامنا الحالي لم يأتِ من فراغ، وكم خضنا من الأهوال وواجهنا النّكسات حتّى حققنا ذلك»
أدرك الأديب لقمان أنّ سؤاله لم يكن يخلو من سذاجة، ومع ذلك استمرّ في طرح الأسئلة الساذجة أو شبه الساذجة:
«هل وُضِعت أسس النظام الأرقى، أي الحالي، منذ أن اتّحدت أمم وشعوب الكوكب، أي منذ خمسة آلاف عام، أم فقط منذ أن ألغيتم نظام النّقد أي منذ ألفي عام؟»
«في مفهومنا نحن يتغيّر الشكل باستمرار، لكن يمكن القول أنّه مرّ على نظامنا الحالي، بما حققه من خطوات هائلة من التطوّر قرابة ألف عام فقط، وهذا لا ينفي أن نزع السلاح فالاتحاد كانا الخطوة الأولى في طريق حضارتنا الحديثة»
«وهل مرّت فترة طويلة بين نزع السّلاح والاتحاد أيها العالم؟»
«لا، بل فترة قصيرة جداً، إلى حد أننا ألغيناها من التاريخ ورُحنا نحتفل بالمناسبة في يوم واحد»
وألقى رجل المعرفة نظرة على ساعته وهتف:
«لقد اقترب موعد حفل العشاء مع الراعي الأكبر أيها الأديب، ينبغي أن ننصرف، سنكمل حديثنا فيما بعد»

* * *



#محمود_شاهين (هاشتاغ)       Mahmoud_Shahin#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألملك لقمان . ملحمة روائية . الجزء الأول . (2) رؤيا شيطانية!
- قصة الخلق التوراتية . طوفان نوح . دخول اليهود إلى مصر وخروجه ...
- لملك لقمان . ملحمة روائية . الجزء الأول . (1) محاولة انتحار
- باقون في رنّة الخلخال ! وذاهبون أنتم في المحال !
- شاهينيات (106) حروب متخيلة وارتداد عن عبادة يهوة كالعادة .
- شاهينيات (105) إيليا يذبح أربعمائة وخمسين نبيا من أنبياء الإ ...
- شاهينيات (104) سليمان يغرق في حب نساء الشعوب فيتزوج 700 امرأ ...
- شاهينيات (10) سليمان يبني بيتين اسطوريين له وللرب يهوه !
- شاهينيات (102) موت داود وتملك سليمان . * (1048) سليمان يصفي ...
- شوربة عدس سبع نجوم !
- بمناسبة الإحتفال باليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف: أهلا يا ...
- آخ يا ظهري وقعت أسير- ترانيم الغواية -!!
- شاهينيات (101) حروب بلا نهاية يخوضها داود مع الفلسطينيين! (1 ...
- حزب الشعب الفلسطيني ينعى أب الماركسيين العرب يعقوب زيادين .
- شاهينيات (100) أبشالوم يغتصب الملك وسراري أبيه داود. ( 1046) ...
- شاهينيات (99) الملك داود يغتصب امرأة محارب لتنجب سليمان (الع ...
- ألوهة المسيح وفلسفة الألوهة ( النص الكامل للكتاب )
- شاهينيات (98) داود يصبح ملكا على اسرائيل ويتزوج من عشرات الن ...
- شاهينيات (97) الفلسطينيون يجيرون داود ويقتلون شاول وأولاده ا ...
- شاهينيات ( 96) شاول يزوج داود ابنته مقابل قتله مائتي فلسطيني ...


المزيد.....




- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شاهين - ألملك لقمان . ملحمة روائية . الجزء الأول . (3) صعود إلى الفضاء!