أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - هادي اركون - فرادة المنجز الثقافي الأوروبي















المزيد.....

فرادة المنجز الثقافي الأوروبي


هادي اركون

الحوار المتمدن-العدد: 4783 - 2015 / 4 / 21 - 17:55
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    




ما الحداثة ؟ هل الحداثة تقنيات وانجازات اقتصادية وجيو-سياسية؟ أم هي تحرير للعقل والمخيلة والجسد ،من مسلمات مفروضة بقوة المقدس لا بقوة الاستدلال ؟
فلا حداثة بلا مساءلة ولا استشكال ولا نقد لشروط التشكيل وبحث في شروط الإمكان.فبما أن شروط التشكيل قابلة للاستشكال والتجاوز فشروط الإمكان مفتوحة على الدوام.وعليه ،فالتاريخ مسارات مفتوحة لا دوائر مغلقة كما في الفكر الديني والعرفاني .
لا معدى عن اعتبار الحداثة ،سيرورة للنقد والتخطي والهدم والبناء ،يتخطى بمقتضاها الإنسان وضعه التقليدي ،ككائن منذور للانفعال والسلب الوجودي ،ويدشن مسارات جديدة للتاريخ.
لقد بالغ مفكرو مدرسة فرانكفورت(أدورنو وهوركهايمر .... الخ) ومفكرو الاختلاف وما بعد الحداثة( فوكو وليوتار ) في نقد الأنوار وعقلها ومكتسباتها الفكرية والسياسية ،تأثرا بمستتبعات الحربين الكونيتين ،أو بوضع فكري أو اجتماعي أو نفسي غير متسق مع الأنساق الفكرية أو السياسية للحداثة.
ترى هل سيتمسك أولئك النقاد بنقدهم الحاد والجذري للعقل الأنواري وللمركزية الغربية ، لو عايشوا لحظة مثل اللحظة الحضارية الآنية ، حيث يتعولم الإرهاب الإسلامي،وتعود القرون الوسطى الجديدة إلى قلب الغرب نفسه(الحجاب والنقاب وجرائم الشرف وقتل الفنانين ومحاصرة الفلاسفة ...... الخ)، ؟ ألا يستلزم نقد الأنوار نقد ما قبلها،و نقد الثقافات التقليدية السارية ،خارج المدارات الأوروبية ؟هل العنف خصيصة أوروبية ،أم معطى وجودي يمس الإنسان ويرتبط ،جوهريا بالشرط الوجودي ؟ألم يكشف الأفريقي ، عن خوفه الرهابي من الآخر ،الاثني والعقدي ،بعد عقود من التحرر من الاستعمار(رواندا وأفريقيا الوسطى وجنوب أفريقيا ونيجيريا ) ؟
مما لا شك فيه أن أوروبا الغربية، هي حاملة مشروع الحداثة، منذ القرن السادس عشر وحاميته طيلة قرون.فمساهمتها في إرساء ثوابت الحداثة ،وتحقيق مقتضياتها النظرية والتنظيمية ،هي الأكبر بلا منازع.وليس تقرير هذه الحقيقة ،تمركزا اثنيا ، أو تشبثا بميتافيزيقا غربية كما يعتقد التفكيكيون ،بل هي توصيف لواقع تاريخي.
وليس لأمريكا ،إلى الآن أي ثقل في بناء الحداثة بمعناها الشامل والنسقي وفي ترسيخ التحديث الكوني لاعتبارات نجملها فيما يلي :
-ارتهان الفكر والمجتمع الأمريكي إلى الدين عكس أوروبا الغربية المتعلمنة والمنتقدة للابستيمية الدينية ؛
-غلبة الطابع التقني والذرائعي على الفكر و الممارسة الأمريكيين ،
-افتقار السياسية الأمريكية إلى الأفق الإستراتيجي ،بسبب فكرها السياسي الذرائعي.
ليس هناك حامل حقيقي للحداثة بمعناها الشامل ،كونيا سوى أوروبا الغربية ؛فأمريكا هي بلاد التقنية والتجارة والدين ،وهي لذلك أبعد عن الحداثة المتعلمنة. ورغم المنجزات الاقتصادية والتقنية ، لمجتمعات شرق آسيا ،فهي لم تنجز الى الآن ثورتها الكوبرنيكية ، على المستوى الفكري ،وتكتفي في الغالب ، بمزج تقاليدها اللاعقلانية ،بالمنجزات التقنية كما في التجربة اليابانية.
وآيا كانت المنجزات التقنية والاقتصادية ، الأمريكية أو الصينية أو اليابانية ، وإمكانيات الإفادة ، إنسانيا من مظاهرها ،المتقدمة ،إلا أن تلك البلدان ،لم تشهد قطائع فكرية موازية للقطائع الأوروبية.
فحين نتأمل المشهد الياباني ،ندهش للتجاور بين أشد التقنيات اتقانا ،وأشد الممارسات الثقافية والاجتماعية لا عقلانية(طقوس الولادة والموت والحفلات الشعبية ...... الخ) ؛فرغم منجزاته التقنية ،مازال الياباني وفيا ،لنظرة أجداده للحياة والوجود والموت ؛ومن الواضح أن ثمة مفارقة بين منجز تقني عقلاني ،ورؤية ثقافية شنتوية قائمة على التقديس والأسطرة.والحال أن التقنية ،ليست إلا حلقة من حلقات تعقل الوجود والتاريخ والطبيعة والإنسان ،وتحديد مسارات جديدة للفعل غير مسارات الانفعال المفروضة من اللامرئي. هناك بون شاسع بين إبستيمية التقنية ورؤيا العرفان ،إسلاميا كان أو صينيا أو هنديا .
(إن الإنسان ليس ذاتا معزولة معلقة فوق هاوية العدم ،ذاتا ليس لها في نهاية الأمر سوى حريتها . ولكنه عالم صغير متعدد الأبعاد في علاقة سحرية وتجاذبية مع كل مستويات الوجود . إن العالم ليس مشروعا عقليا أو شبكة من القوانين الرياضية – الفيزيائية ،ولكنه حضور في كلية لا تتكشف في موضوعية الأشياء ، ولكن في تفتح عفوي هو الكشف . ) 1-
لقد استعارت أوروبا الشرقية ،الماركسية ،وهي مشبعة بإرث أرثوذكسي لم يعرف أي تحديث على غرار ما شهدته الكاثوليكية والبروتستانتية ،فغرق المنقول الماركسي في بيئة غير مواتية ؛ كما استعارت الصين الكونفوشيوسية ،نفس الإرث الثقافي الأوروبي ،فانتهت بعد اختلاجات ثقافية ولا سيما في الثورة الثقافية إلى صياغات أدائية ،لم تسفر عن أي أنساق فكرية قوية ،وقادرة على إغناء الأصل المنقول و تطويره وتثويره .
يكمن المنجز الحداثي الأوروبي فيما يلي :
-تحرير العقل من النص ،
-تحرير المخيلة وصياغة الحداثة الجمالية،
-تحرير الجسد وبلورة الحداثة الجنسية،
-تجاوز القصور الأدائي للإنسان بتطوير التقنية ،
-تحرير التاريخ من الأفق الميتافيزيقي ومن المنتظرات الأخروية،
-بناء الفعل التاريخي والسياسي بناء إنسانيا .
قد تستوفي إحدى الثقافات مقتضى من هذه المقتضيات إلا أن استيفاءها كلها، لم يتحقق إلا في أوروبا الغربية .فأمريكا المتقدمة تقنيا ،لم تحرر من المقدس بعد ، وما زال العقل الأمريكي ،عاجزا عن إعادة النظر في نصوص شبه تاريخية , بل يستميت في الدفاع عن مضامينها ، كما في نظريات الخلق والتأويليات الحديثة .

تكمن ميزة المنجز الأوروبي في اشتماله على أبعاد فكرية وأنطولوجية وتاريخية شاملة؛في حين أن المنجزات الأمريكية والآسيوية ،قطاعية ،تمس قطاعا من قطاعات الفكر أو الفعل ،دون أن تنطوي على رؤية شاملة للتجاوز وتحرير الإنسان من اللامعقول و الآمال الألفية . مازالت أوروبا الغربية ،إلى الآن معزولة ثقافيا عن عالم غارق في التقديس والأساطير القديمة والجديدة ؛فهي الفضاء الثقافي الوحيد ،الذي قفز بالعقلانية إلى مصاف أعلى وأعاد النظر في تاريخه الثقافي.

إلا أن أوروبا الغربية ،ذاهلة عن منجزها ،بعد أن أظهرت الممارسة التاريخية ، فوارق بين الواقع التاريخي والسياسي والسعي الأنواري إلى العقلنة والتهذيب والترشيد ؛وأسفرت الحربان العالميتان عن شراسة عز نظيرها في حوليات التاريخ ،وانتهى اليقين الوضعاني والتاريخاني إلى احتمالات وتقديرات وترجيحات.
حملت هذه الانتقادات الوعي الأوروبي ،على استشكال مواقعه المعرفية والثقافية والسياسية ، والبحث عن مسارات ثقافية أكثر انفتاحا على التعددية و الاحتمالية و النسبانية و الغيرية.ولم يراع نقاد الحداثة ،مسارات الآخرين ،حتى يكون نقدهم نابعا من رؤية أكثر رحابة للتاريخ الإنساني .وحملهم التعاطف مع الآخر،وخاصة بعد نزع الاستعمار ،إلى تمجيده ،متناسين تواريخه الفكرية والسياسية، واشتمال رؤيته الفكرية عن مكونات عتيقة ولا إنسانية أحيانا (الاسترقاق والمثلة وتجنيد الأطفال في الحروب والانتحار بدعوى الاستشهاد ) ،لا يمكن قبولها من منظور حديث .
(إلا أن الدين الإسلامي كآخر دين ظهر ، وكدين خلاص ، وتحديدا لأنه يدعي شرح وقبول وتجاوز الرؤية السابقة ، فإنه ضم في داخله مبدأ شموليا ومانعا. مثله مثل المسيحية أو أقل، رغم تنوع الأسباب،ذلك أن الإحساس بالشرعية والتفوق والقدم هو الذي غذى الوعي المسيحي .إلا أن هذا الوعي قد تزعزع بالفكر الحديث وترك نفسه يمتص من هذا الفكر.أما الإسلام فبقي مرتبطا بنمط من الأنا حيث كلية الإنسان غير معترف بها ، وحيث لا يكون الإنسان إنسانا إلا في كونه مؤمنا . ) 2-
ورغم منجزات العقلانية الإسلامية ،فإنها بقيت حبيسة النص ،لا تتطلع إلى ما وراءه ،ولا ترى في العالم والتاريخ والإنسان ،إلا علامات على طريق الغيب. وفيما مارست الحداثة هدما إبستمولوجيا مصحوبا بهدم أنطولوجي ،فإن الفكر الإسلامي ،بكل تياراته ونزعاته،واصل تأصيل الأصول المعرفية ،والتأكيد على الحقائق الوجودية والقيمية ،في مواجهة الحداثة ومجابهة صدمتها.
(وهذا المعقول السابق على العقل ،الذي يحل فيه ولا يتولد عنه ، هو "العلم"بالمعنى المطلق .وفي هذه الحال لا بد للعقل أن يتكيف لكي يستطيع احتواءه ،ولا يكون عقلا إلا بعد أن يحل فيه ذلك العلم وإلا كان لا عقل أي جهلا.واضح أن هذه الذهنية تخالف تمام المخالفة ذهنية اخرى كان من المحتمل أن تتولد عن الموقف الذي سبق ذكره ،لو لم ترفض مبدئيا ،والتي تتميز بالعكس بأن المعقول تابع للعقل ، يتلون بلونه ويتطور بأطواره .) 3-
لم تتمكن أي ثقافة إلى الآن من تجاوز المنجز الأوروبي ،على المستوى الفكري والثقافي ؛وبدلا من أن يدرك الأوروبيون خصوصية مسارهم الحضاري ،بالقياس إلى الأمريكيين والآسيويين ،فإنهم انبروا إلى التشكيك في منجزهم ،واستشكال مداميكه ، بدعوى توتاليتارية العقل الأنواري،ودوغمائية العقلانية والتاريخانية والوضعانية ،ومأساوية التجربة التاريخية لأوروبا منذ الثورة الفرنسية .ومن المعلوم أن الإطلالة على التراجيدي وعلى المأساوي ،من منجزات الجماليات ( المللك لير وهاملت لشكسبير )و التاريخ الأوروبي (كارل ماركس ).
تعاني أوروبا الآن ،من ترددها الفكري بخصوص تاريخها ومنجزها الحداثي غير المسبوق تاريخيا ،ومن سوء تقديرها لحقيقة الآخرين الملوحين بالمثال فيما يزخر واقعهم بواقع مضاد ومثالات من زمان آخر(الخمينية وتجارب الإخوان المسلمين والصراعات الإثنية بأفريقيا ).
حان الوقت لمراجعة التيارات الناقدة للحداثة الأوروبية ،ولنظريات الاستغراب.كما حان الوقت للتأكيد على نسبية نظريات التفكيك ومابعد الحداثة ،وارتباطها بمقتضيات تاريخية ومعرفية ونفسية خاصة.وتتضح أبعاد هذا التنسيب ،متى وقفنا على عولمة الإرهاب الإسلامي واللاعقلانية ،وعجز أكثر الحداثات رواجا ولا سيما الحداثة الأمريكية عن تقديم إجابات فكرية وسياسية ،ذات رؤية استراتيجية و أبعاد تاريخية متجاوزة للظرفيات .

الإحالات :
-1[داريوش شايغان ،ما الثورة الدينية ؟ -الحضارات التقليدية في مواجهة الحداثة ، ترجمة :محمد الرحموني ، المؤسسة العربية للتحديث الفكري ، دار الساقي ، الطبعة الأولى ،2004،ص.181]
-2[هشام جعيط،أوروبا والإسلام،صدام الثقافة والحداثة ،دار الطليعة ،بيروت ،الطبعة الثالثة :2007،ص.52]
-3[عبد الله العروي ،مفهوم العقل –مقالة في المفارقات،المركز الثقافي العربي ،بيروت-الدار البيضاء،الطبعة الاولى 1996،ص.96].


هادي اركون



#هادي_اركون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منهج سبينوزا في قراءة الكتاب المقدس
- طه حسين وسبينوزا
- تنويريون بلا تنوير
- نقد استراتجية المثقفين الحداثيين
- نحو وعي نقدي للعلمانية
- التأويل العلمي للقرآن والمنظومة التراثية
- الصفاتية بين الوثوقية واللاادرية
- بعض مظاهر بيانية النص القرآني
- في بيانية النص القرآني
- طه عبد الرحمان التأنيس في زمان التحريق


المزيد.....




- البحرية الأمريكية تعلن قيمة تكاليف إحباط هجمات الحوثيين على ...
- الفلبين تُغلق الباب أمام المزيد من القواعد العسكرية الأمريك ...
- لأنهم لم يساعدوه كما ساعدوا إسرائيل.. زيلينسكي غاضب من حلفائ ...
- بالصور: كيف أدت الفيضانات في عُمان إلى مقتل 18 شخصا والتسبب ...
- بلينكن: التصعيد مع إيران ليس في مصلحة الولايات المتحدة أو إس ...
- استطلاع للرأي: 74% من الإسرائيليين يعارضون الهجوم على إيران ...
- -بعهد الأخ محمد بن سلمان المحترم-..الصدر يشيد بسياسات السعود ...
- هل يفجر التهديد الإسرائيلي بالرد على الهجوم الإيراني حربا شا ...
- انطلاق القمة العالمية لطاقة المستقبل
- الشرق الأوسط بعد الهجوم الإيراني: قواعد اشتباك جديدة


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - هادي اركون - فرادة المنجز الثقافي الأوروبي