أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - يعقوب بن افرات - كاترينا تعصف بشعبية بوش















المزيد.....

كاترينا تعصف بشعبية بوش


يعقوب بن افرات

الحوار المتمدن-العدد: 1329 - 2005 / 9 / 26 - 11:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كشف اعصار كاترينا المريع حقيقة "الحلم الامريكي" الذي كان المفروض ان يتمتع به كل مواطن في اغنى دولة في العالم. اعصار كاترينا كشف عن نظام تمييز عنصري "ابارتهايد" غير رسمي في امريكا 2005، حيث تعيش شريحة كبيرة جدا من الامريكان، الفقراء، معظمهم من السود.
يعقوب بن افرات

سقطت مدينة نيو اورليانز، بسبب اعصار كاترينا الذي خلّف وراءه دمارا غير مسبوق: عدد غير معروف من القتلى، 160 الف بيت مدمر، اكثر من مليون لاجئ، عشرات الآلاف دون مكان عمل ودون مدارس. للتغلب على هذه الكارثة الانسانية، اضطر الكونغرس للمصادقة على ميزانية خاصة قيمتها 200 مليار دولار، طلبتها ادارة الرئيس جورج بوش لاعادة اعمار المدينة.

الميزانية الضخمة هي محاولة يائسة من البيت الابيض، للتخفيف من حدة الانتقادات التي وُجّهت له لعجزه عن مواجهة الكارثة، وتقاعسه عن منعها. ويأتي اقرار هذا المبلغ الضخم مناقضا لسياسة الادارة الامريكية المحافظة التي سعت لتقليص الميزانيات. وكان من قراراتها السابقة للاعصار، تقليص 71.2 مليون دولار من الميزانية المخصصة لصيانة السدود التي تحمي من الغرق نيو اورليانز المبنية تحت مستوى البحر. لقد وفر بوش 71.2 مليون دولار، ولكن اتضح ان هذا كلفه 200 مليار دولار. سوء الادارة هذا يهدد بزيادة العجز الكبير اصلا في الميزانية، مما يزعزع الاستقرار الاقتصادي.



حقيقة "الحلم الامريكي"

لقد كشف اعصار كاترينا المريع حقيقة "الحلم الامريكي" الذي كان المفروض ان يتمتع به كل مواطن في اغنى دولة في العالم. الدولة التي وضعت جيشها على اهبة الاستعداد للتدخل في كل مكان في العالم، بحجة نشر قيمها وضمان الحرية للشعوب، بدت عاجزة عن نشر هذه القيم داخل حدودها. الصور التي بثّتها قناة "سي.ان.ان" كشفت الواقع الذي تعيشه امريكا منذ عشرين عاما مع تطبيق الاقتصاد الامريكي الجديد، وتبين ان في امريكا عام 2005 تعيش شريحة كبيرة جدا من الفقراء معظمهم من السود.

الصور التي بثّتها شاشات التلفزيون كانت غير مسبوقة، اذ أوحت اننا امام ضحايا فيضان وقع في احدى الدول الافريقية. نساء، اطفال وكبار في السن مهملون، دون مأوى، ينتظرون وصول الاعانات من الدول المتطورة. كان من الصعب التصور ان كل هذا الدمار يحدث في مدينة امريكية عريقة، سياحية وغنية بالنفط. وعلى الملأ انكشف ان وضع السود في امريكا بات اسوأ مما كان عليه ايام مارتين لوثر كينغ، زعيم الحركة من اجل حقوق المواطنين السود في الستينات.

ولم يكن هؤلاء الفقراء عاطلون عن العمل، بل معظمهم عمال يخدمون في المرافق الاقتصادية والسياحية مقابل أجور زهيدة. يعيشون عيشا متواضعا جدا، دون الحقوق الاجتماعية البسيطة مثل التأمين الصحي، التقاعد، الحق بالسكن والفرصة لمنح ابنائهم تربية على مستوى يؤهلهم لرفع رأسهم فوق خط الفقر.

هؤلاء الفقراء هم استمرارية للعبيد الذين رغم تحررهم لم يتغير موقعهم الاجتماعي كثيرا. الشخصيات التي وصلت لمراكز مرموقة، امثال وزير الخارجية السابق كولين باول، والحالية كوندوليسا رايس، ولاعبي كرة السلة السود، خلقت انطباعا خاطئا بان مشكلة السود حُلّت وان أيام التفرقة العنصرية ولّت.

اعصار كاترينا كشف ان العنصرية لم تنته بل ارتدت زيا آخر. مدن شهيرة مثل نيويورك ونيو اورليانز تضج في النهار بالبيض والسود، ولكن السود والمهاجرين من امريكا اللاتينية فقط يذهبون للنوم فيها. اما البيض فيلجؤون لفيلاتهم في الضواحي الكبيرة بعيدا عن مظاهرالفقر والاجرام.

انه ابارتهايد غير رسمي. في كل صباح يتوجه المدراء لاماكن عملهم في ناطحات السحاب، ومن عليائهم يديرون اقتصاد العالم مقابل اجور خيالية. ومع هبوط المساء يهجرون المدينة، لتبقى لعمال النظافة والمطاعم، الباعة والموظفين الصغار الذين يتقاضون الحد الادنى للأجور ويسكنون البيوت المستأجرة.

هؤلاء الفقراء هم ضحايا السياسة النيوليبرالية التي شطبت اسس دولة الرفاه، وألغت شبكة الضمان الاجتماعي. الحكومات الامريكية المتعاقبة عملت بشكل منهجي على كسر النقابات، وذلك من خلال نقل المصانع للمكسيك ثم للصين، بحثا عن استغلال اليد العاملة الرخيصة.

هكذا فرغت امريكا من المهن الصناعية التي كانت توفر معاشات عالية لعمالها، وحلت محلها اماكن عمل بسيطة وزهيدة الاجور في مجال الخدمات في الشبكات الكبيرة مثل ماكدونالدز، وول مارت والمجمعات التجارية الضخمة. من اغنى طبقة عاملة في العالم، تحولت الطبقة العاملة الامريكية الى كتلة فقيرة، غير منظمة ومعرّضة للاستغلال البشع.

لقد ظهرت امريكا فعلا بكل بشاعتها، واتضح للامريكان اخيرا ما صار واضحا منذ زمن لأغلبية العمال خارج امريكا، وهو ان هذه السياسة الاقتصادية تفيد شريحة صغيرة جدا من المجتمع، بينما تطمس مستقبل الشريحة الكبيرة من العمال. امريكا بعد الاعصار انقسمت الى طبقتين والى عرقين. هذه حقيقة لم يعد بالامكان اخفاؤها. انكشف ايضا ان الحزب الجمهوري الحاكم يخدم الشريحة العليا، بعد ان جرف اصوات الاغلبية مقنعا اياها ان الحرب على العراق اهم من الحرب على الفقر.



تحطم مصداقية بوش

استطلاعات الرأي تشير لهبوط شعبية بوش بشكل ملحوظ، اثر عجزه عن مواجهة كارثة نيو اورليانز. ولكن الحقيقة ان شعبيته بدأت تتراجع جراء ادائه السيئ في العراق وارتفاع اسعار النفط. الربط بين الامرين كان تلقائيا، فقد تساءلت الناس مستغربة كيف يجد بوش مئة مليار دولار لتمويل الحرب على العراق، في حين لا يجد ميزانية لتوجيه حافلات لنقل الامريكيين المهددين بالغرق؟ وكيف يمكن شحن اطنان من الماء والغذاء للجنود المقيمين في العراق، آلاف الكيلومترات بعيدا عن الشواطئ الامريكية، في حين لا يصل الماء لمدة اسبوع كامل لآلاف العطاشى في قاعة المؤتمرات في نيو اورليانز.

والسؤال الابسط، كيف يستطيع بوش "الرجل القوي"، ان يدير هموم العالم وهو لا يعرف كيف يحل مشكلة بسيطة نسبيا في بلده؟ عورة فشله في العراق انكشفت، فالوضع هناك يتقدم بثبات نحو حرب اهلية، لن يتحمل تبعاتها سوى الامريكان انفسهم.

لقد فقدت هذه الادارة مصداقيتها والدعم الشعبي اللازم لانجاح مهمتها في العراق. ويبدو ان الشعب الامريكي بدأ يقتنع شيئا فشيئا بان هذه الحرب كانت خطأ كبيرا، وان الادارة كذبت عليه وضللته. ولم يكن هذا الادراك بلا ثمن، دفعه الجنود بارواحهم فداء لارباح اغنياء نيويورك او نيو اورليانز والشركات الكبرى المربوطة بعائلة بوش ونائبه ديك تشيني.

وفيما اهالي نيو اورليانز يلملمون اشلاءهم، بدأ الامريكان يربطون بين السياسة الداخلية التي خلقت ملايين الفقراء، وبين سياسة الحروب والاحتلال التي تعمل لصالح الشركات الكبرى، لصالح نفس المدراء الذين يفدون الى المدينة كل صباح لادارة العالم من ناطحات سحابها. على مرأى من العالم، تتقدم هذه السياسة باتجاه نهايتها.

المقارنة مع سقوط الامبراطورية الرومانية تفرض نفسها بقوة. فقد اصبح الفقر اخطر ظاهرة اجتماعية عالمية. فهو لم يعد محصورا على بلدان معينة، بل تفشى كالطاعون الى جميع القارات واستوطن بشكل ثابت في امريكا، دون ان يعرف بوش للداء دواء.

بالنسبة للعمال الفقراء القضية بدأت تتضح. فقد تحولوا منذ مدة طويلة الى اغلبية صامتة غير مستعدة لاعطاء صوتها للاحزاب الكبيرة التي تخدم رأس المال. وإن هي الا مسألة وقت حتى يخرجوا ضد الوضع التعيس الذي يفتقدون فيه لنقابات تدافع عن حقوقهم، ولحزب يطرح برنامجا مضادا لسياسة الحرب والاستغلال البشع الذي يهدد باعادتهم للعبودية.

الاحتمالات كبيرة ان يدفع بوش ثمنا سياسيا بفقدان الاغلبية في الكونغرس في الانتخابات الدورية نوفمبر 2006. امريكا نفسها تتمرغ منذ مدة في جمود سياسي واقتصادي، قد يهددان كيانها. ولكن لا حل للعالم وللشعب الامريكي دون البحث عن طرق جديدة للتغيير الجذري واعادة اعمار المجتمع على اسس من العدالة الاجتماعية والمساواة. فايام الاستعمار ولّت مع اعصار كاترينا ومع التفجيرات الدموية في العراق.



#يعقوب_بن_افرات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نشوء وسقوط الامبراطورية الرأسمالية
- شارون يرسم الحدود وحده
- شرق اوسط جديد؟
- امريكا:مجتمع المُلكية ينقلب على دولة الرفاه
- هبوط الدولار يهز العالم
- الانتخابات الامريكية الدين يلعب لصالح بوش
- بين الواقع وعدم الواقعية
- عرفات ودحلان لا يلتزمان حتى النهاية
- الفوضى تستبدل الانتفاضة
- سعر النفط يهز اقتصاد العالم
- اعادة الانتداب المصري
- بناء الحزب العمالي مهمتنا الملحّة
- مغامرة بوش وشارون تعمّق الفوضى
- شارون يسلط سوط الانسحاب
- البورصة الامريكية تنتظر الحرب
- دعم ينطلق لبناء الحزب العمالي - اسرائيل
- انتفاضة شعبية في بوليفيا
- دعم يبني اسس- الحزب العمالي
- واخيرا اعترف بوش بفشله الاقتصادي
- الازمة الاقتصادية تعكر صفو انتصار الجمهوريين في امريكا


المزيد.....




- -بأول خطاب متلفز منذ 6 أسابيع-.. هذا ما قاله -أبو عبيدة- عن ...
- قرار تنظيم دخول وإقامة الأجانب في ليبيا يقلق مخالفي قوانين ا ...
- سوناك يعلن عزم بريطانيا نشر مقاتلاتها في بولندا عام 2025
- بعد حديثه عن -لقاءات بين الحين والآخر- مع الولايات المتحدة.. ...
- قمة تونس والجزائر وليبيا.. تعاون جديد يواجه الهجرة غير الشر ...
- مواجهة حزب البديل قانونيا.. مهام وصلاحيات مكتب حماية الدستور ...
- ستولتنبرغ: ليس لدى -الناتو- أي خطط لنشر أسلحة نووية إضافية ف ...
- رويترز: أمريكا تعد حزمة مساعدات عسكرية بقيمة مليار دولار لأو ...
- سوناك: لا يمكننا أن نغفل عن الوضع في أوكرانيا بسبب ما يجري ف ...
- -بلومبرغ-: الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض عقوبات على 10 شركات تت ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - يعقوب بن افرات - كاترينا تعصف بشعبية بوش