أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناصرقوطي - رقص جنائزي















المزيد.....

رقص جنائزي


ناصرقوطي

الحوار المتمدن-العدد: 4782 - 2015 / 4 / 19 - 19:27
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة
رقص جنائزي
ناصرقوطي
هل هنالك فرق بين حراشف الأفعى وريش جناح الطائر..!.. أيوجد إيقاع ما.. مقارنة بين الخلاص موتاً أو الموت خلاصاً..انني خجل إذ أراكم تدوزنون آلة زمن ميت..زمن محنط.. غير انني مع طيرانكم أو زحفكم، ستهبونني فرصة أن أكون..خطوة أخرى لتأجيل موتي.. حياة لن تقدروا على استعادتها واستيعاب تجاربها المرة،حتى لو ان الشظايا أخطأت مسافاتكم.. أنا مثلكم..أو دونكم.. أجد نفسي فراغا شاسعا، محنط مثلكم..مثل مومياء أتلفتها الرطوبة وأعياها انتظار التفسخ والاندثار، لكنني منبهر برقصكم، سعيكم اللايحد. السلحفاة التي تتدرع بترسها تبدو أكثر حصانة وحصافة مني ومنكم.. هكذا أتقهقر أميالا ولكن ببريق يشبه لمعان نجمة، أو صدفة بحرية تحت الشمس وهي تتهاوى الى عمق لا مرئي.
ربما لايتعدى وجودي أن يكون أكثر وقعا وتأثيرا من وجودكم الميت وأنتم تحيطونني.كان هاجس الموت شنقا في الطريق على عمود النور يتلاشى، حين أرى الزواحف والطيور تشاركني عزلتي.كنت لا أمتلك وسيلة للدفاع عن نفسي الا بتلك الاوراق المزورة، التي ترقد تحت الوسادة بطمأنينة زرقاء مع كتاب "تحت أعواد المشانق ليوليوس فوتشيك"،لم أكن خائفا من الموت وأنا الذي يعرف ان أي ميتة لا تفضي لشيء، بقدر خوفي أن أُشنق بتلك الطريقة التي ستترك لأعدائي فرصة التشفي والسخرية، وأنا معلق في الريح.أردت ان احرر نفسي فقط بعد ان سمعت انهم علقوا الشيخ جليل على عمود النور، بحجة انه كان يحرض أبناء المنطقة على التمرد والعصيان، وعدم الإلتحاق بالحرب.
لثلاث سنوات لم أر غير هذه الكائنات العمياء وأنا استلقي على ظهري. الذي حدث ان مطراً مدراراً راح ينهال على نافذة غرفتي وكان الوقت غروبا وشحوبا باردا. كنت أمني النفس أن أرى عصفورا طائرا، ذبابة، او بعوضة تحلق في سماء الغرفة. كنت بحاجة لأن أرى أي شيء يتحرك. كان الصمت المهيمن قاسيا لا تذبحه إلا سكاكين المطر على زجاج النافذة الوحيدة، كل ذي جناح راكد وكل زاحف تشنج.الفجر بعيد وأنا في شبه اغماءة،تخيلت أضلاعي المتيبسة أقواسا خشبية لقارب هرم ترك عند جرف آسن.كنت مسمرا على السرير.ما الذي حدث لي وما الذي حدث لكما أيتها الساقان الهرمتان!! أراني أغور عميقا في سديم لامتناه.قنفذ عجوز وسلحفاة هرمة تسعيان بخطى بطيئة الى حافة السرير.هل هما بحاجة لطعام؟ومن ذا الذي احضرهما الى غرفتي ؟عيون صغيرة لامعة، ولم يكن هناك فتات أطعمة أو أي شيء آخر يغريهما بالحضور سوى جثتي وساقاي المحنطتان،القنفذ العجوز رمقني بنظرة خاطفة ثم تقهقر الى زاوية الغرفة بعد ان كور نفسه وتدحرج، لملم اشواكه وغفى هناك. السلحفاة العجوز راحت تدب، تسعى على ارض الغرفة الرطبة، ظلت هائمة لحظات ثم عرجت الى الزاوية، حيث يرقد القنفذ العجوز. اقتربت منه بحذر وانتزعت إحدى الشوكات وغرزتها في جسده وبدءا يرقصان على مشنقة تتراءى تلتصق على الزجاج المطر، صوت إيقاع نصاله الحادة يهمي على النافذة. كانت عيناي تترقرقان وأنا أرنو الى رقصة فريدة اشترك فيها الإثنان وسال سؤال من القلب بلل شفتيَّ المتيبستين: إبرة في جسد القنفذ العجوز وهو المطعون بعشرات الأشواك.!!!.الأفعى المحرشفة هي الأخرى تسللت من الجدار القريب وشاركت في الرقص، الحرباء الرمادية هزت ذنبها ثم تجمدت لصق الجدار دون حركة ترقب وتترقب ثم زحفت الى وسط الغرفة واشتركت معهم.. طير الوروار الأخضر يرفع جناحيه،يطلق صفيرا حادا ويدور على نفسه.. حصان البحر يطل عبر زجاجة يسبح في ماء رصاصي ثقيل.. طائر الططاوي ينوح على صغاره.. بوم أصفر يوشح وجهه قلب أبيض ينعب نعيبا يتصادى بين جدران الغرفة.. ثعلب صغير كأنه يتوسل ويمد نظراته الى البراري وهي تخترق رفوف الكتب. جدران الغرفة تعوي.. تترنح ..ترقص ..أوركسترا عواءات، رقص ومطر.. جثث في الطريق تتأرجح على أعمدة نور الزقاق ترقص في الريح تحت سكاكين المطر والبرد.. وأنا صامت لاأستطيع شيئا.. أتمطى تحت الملاءة وانعم بالدفء.. وما من مغيث من الألم المزمن الذي ألزمني السرير، عقارب الساعة تتقهقر.. الزمن يتجمد، ولأنني وحدي راحت الذاكرة وفي ذروة الحمى تستدعي كل من حولي، وبنظرة بارقة التصقت عيوني على جناحين اخضرين ندت عنهما حركة لا إرادية ربما بفعل نسمة ريح خفية.. ورحت أهمس بصوت خفيض: إيه يا أنت..ما الذي فعلته الأيام بك، ومن باعك بهذا السعر الزهيد، أيها الطائر الأخضر يامن كنت تحلق فى الأعالى تحت القبة الزرقاء، من دعاك الى غرفتي، ألا تعلم ان للهجرات ثمنها الباهظ، أما كان بك ان تحلق أبعد من السماء كي لا يقتنصك أحدهم.. ما هذا الصمت الذي يغلفك ويسمر جناحيك.. ألا تهتز منهما ريشة، من ذا الذي أخرسك..!!.. ريشك الاخضر يشي بأنك ابتكرت خضرة الحقول.. قل لي لِمَ لَمْ تتمسك بالشجر والسماء!..لِمَ لَمْ تكن طليقا.. هل انت معتقل معي! هل تريد ان تنتقم مني أم تنتقم لي!! أنت لن تموت فهاهي أجنحتك وريشاتك تزدهيان في سماء غرفتي غير انك تطمح في سماوات أكثر عمقاً وزرقة.. أنت تريد حرية لاتسعها سماء.. تريد أن تطير.
ولأن الطير كان جامداً وعيونه مسمرة في الفراغ ولم يحر جواباً تسلل سؤال وحيد: وأنتِ أيتها الأفعى الرقطاء،من أي بلاد أتيت، وعلى أية رمال زحفت وكم من فراخ الطيور اقتنصت!! ها أنتِ صامتة حتى ان صفير القبرة فوق رأسك يصيبك بالذعر.. كانت القبرة كما لو كانت مسمرة على الجدار فوق الافعى مباشرة، وكانت عيونها فارغة ومنقارها مفتوح على سعته: ترى من أفرغ محجريك من اللؤلؤتين السوداوين.. هل ذرفت الدمع على فقد صغارك.. لِمَ لاتجيبي.!. كان ابن آوى ينتصب على قوائمه بعيون زجاجية لامعة، قلت: اما أنت ياابن البراري المخاتل من يؤويك غير البراري الشاسعة التي كنت تحلم بها انني لاأعرف.. لا أعرف كيف اقتنصوك وتركوك تباع كفروة في سوق الخردة.. ألم تسع البراري الشاسعة لك شبرا واحدا لتحيا.. وأنتِ أيتها السلحفاة الهرمة، يا من أتمنى دبيب ساقيك لو كنت أسرع فحسب ألا تحاولين أن تسرقي شوكة من القنفذ وتغرسيها بقلبي.. من جمد أطرافك..!.. هل أصابك داء المفاصل، أم انك مثلي اخترقت نخاعك الشوكي تلك الشظايا اللعينة، وهل اشتركت في حرب خاسرة مثلي، اتعلمين انني هربت من الجيش بعد إصابتي.. ومنذ سنوات ثلاث لم ابارح هذه الغرفة كيف سمحت لهم بتحنيطك..كيف....يبدو ان احدكم لن يفهم لغتي دعوني اذا اعزف لكم لحنا جنائزيا، علكم تتوحدون مع جسدي المتصلب..ورحت أضرب بالريشة على اوتار العود. كانت الزواحف والطيور المحنطة على الجدران وفوق رفوف الكتب كأنها تشاركني اللحن ذاته، وهي تنصت الآن بوله وعمق وتراني بالرغم من عيونها الجامدة المصنوعة من الخزف الرخيص، وكنت الوحيد الذي ينوء بحركات أميبية بطيئة، أرتشف من الكأس وأعيد الكرّة ثانية، وأضرب أوتار العود الذي راح دوزانه يتخلخل، ما عدا ذلك كان كل شيء يغلفه الصمت، إلا أصابعي التي توقفت عن العزف.. وحصان البحر في القنينة الزجاجية المليئة بمادة الفورمالين..الذي كان يرقص إثر اهتزاز الزجاجة على الرف القريب من السرير، نتيجة ملامسة كتفي بالمكتبة، حين كنت أضرب الأوتار التي خفت صوتها، وصمتت هي الأخرى عن اصدار أي نغمة، ليتوقف الرقص مع آخر قطرة مطر وهي تسقط كما لو كانت رصاصة.. كانت ستكسر زجاج النافذة الوحيدة في الغرفة..ليحل ظلام مطبق فيما جثة الشيخ ترقص في الريح والبرد.




#ناصرقوطي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انقليس
- ثلاث قصص
- أربع قصص قصيرة جدا
- قصص قصيرة جدا
- تهافت التهافت
- وطن بين الأرانب والسلاحف
- نص
- تصريح أخير لااعتزال الكتابة
- أيتها الشعوب العربية
- الكفاح دوّار والطغاة في دوار
- قصة شيطان وملائكة
- ماحدث قصة
- قصة الزورق
- نصوص قصيرة جدا
- قصة جدار
- المضمر من علامات الترقيم
- خلوة حارس الكرسي الدوار
- انتظار الظل
- ليل الأبد
- حلم غريق


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناصرقوطي - رقص جنائزي