أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير الزغبي - مسرحة السينما في فيلم -جنون-: دروب و تباينات















المزيد.....


مسرحة السينما في فيلم -جنون-: دروب و تباينات


سمير الزغبي
كاتب و ناقد سينمائي

(Samir Zoghbi)


الحوار المتمدن-العدد: 4782 - 2015 / 4 / 19 - 19:24
المحور: الادب والفن
    


مسرحة السينما في فيلم "جنون": دروب و تباينات
د. سمير الزغبي
المقدمة: السينما و المسرح، التاريخ و التقنية

سأحاول ضمن هذه المداخلة ، تفكيك البنية لتقنية التي يشترك و يختلف فيها السينما عن المسرح.
في الجزء الأوّل سأنجز معاينة نظرية في مستوى العلاقة بين أحدث الفنون من جهة و أكثرها تجذرا في التاريخ الإنساني من جهة ثانية.
أما الجزء الثاني فسيكون موجّها مباشرة للإبداع السينمائي، و سأشتغل على هذه العلاقة ضمن إبداع مسرحي تحوّل إلى إبداع سينمائي و أقصد بذلك فيلم جنون. للمخرج الفاضل الجعايبي.

تبدو العلاقة بين المسرح والسينما جدّ وثيقة، فالسينما هي من الفنون الحديثة اعتمدت في بداياتها على تقنيات المسرح. جماليّا هنالك إرتباط وثيق بين السينما والمسرح، في البدء معظم دور السينما الأولى هي مسارح في الأصل، كما أنّ الممثلين السينمائيين الأوائل كانوا ممثلين مسرحيين، والأساليب الأولى في الإخراج والتصوير تتشابه مع جماليات المسرح إلى حدّ كبير. فالفيلم أشبه بالمسرحية المصوّرة، غالبا نجد الفيلم يصوّر في كادر واحد، أو تجد الممثلين كأنهم على المسرح تماما في أدائهم أو حواراتهم. الكاميرا كانت ثابتة والممثّلون يدخلون ويخرجون من الإطار كما يدخلون ويخرجون من على خشبة المسرح بحيث يمكن الإستغناء عنها في ظلّ إمكانية التصوير القريب.

-السينما و المسرح: تباينات التقنية.

مع بروز تقنية المونتاج و إكتساب مهارات الإخراج، اي منذ لحظة الإبداع لدى المخرجين الكبار مثل السوفياتي سرجي أيزنشتاين و الأمريكي د .قرييت ،ستتحرّر السينما من تقنيات المسرح لتكتسب لغة ومفردات خاصّة بها، حيث تكون اللّقطة هي الوحدة الأوّلية، ومن خلال تركيب اللّقطات تتكوّن المشاهد وجمال اللّقطة وإنسيابها أو تصادمها مع اللّقطة التالية ينتج معنى ما، فالسينمائي يشرك المشاهد معه في إستنتاج هذا المعنى، فيصبح دوره إيجابيا في عملية التلقي، كما يملك السينمائي عناصر الموسيقى والمؤثّرات الصوتية والإضاءة واللون. و كلّها عناصر تشكّل مفردات اللّغة التي يكتب بها على الشاشة. فهي تشكّل المنظور أي وجهة النظر التي تتّخذها الكاميرا لتشكيل الصورة.
تباينات عديدة بين تقنية المسرح و السينما ، و لكنني حاولت إختزالها في ربعة عناصر وهي متعلقة ساسا : ب الزمان و المكان ، لعرض و المؤثلرات الصوتية.


1 يختلف عنصر المكان بين المسرح والسينما إلى درجة كبيرة، ففي السينما تمتاز الكاميرا بحرية التطلّع من موضوعها الى حدود الأفق أو ما ورائها، لكن المسرح يظلّ مقارنة بالسينما محدّدا ومقيّدا، إلا أنّه يتميّز بواقعية عنصر المكان، فهو حقيقي ذو قوام مادي ملموس ثلاثي الأبعاد، و ليس ظلالا سينمائية متحرّكة، في المسرح يمكن إلقاء نظرة شاملة، بحثا عن مركز للإهتمام، أما في السينما فالكاميرا تقتحم عمق الأشياء.
-تتميّز السينما عن المسرح أساساً بمرونة فائقة في عنصري المكان والزمان، ويخضع كلّ منهما في المسرح لوحدة موضوعية، لكنّ السينما يمكنها تشكيل هذين العنصرين بمرونة فائقة، وفقا لمقتضيات سرد أحداث رواية الفيلم وما يراد التعبير عنه. ولذلك يطلق على عنصر المكان فـي السينمـا عبارة "المكان الفيلمي" وعلى عنصر الزمن، "الزمن الفيلمي"، وتوضّح المقارنة بين المسرح والسينما، من خلال هذين العنصرين ما تتميّز به السينما عن المسرح من مرونة في مستوى التعبير، فالسينما تتميّز عن المسرح بإمكانية تركيب الفيلم من لقطات متعدّدة، محدودة في الطول الزمني لكلّ منها، كما يمكن لأي منها أن تحوي مكاناً مغايراً، إذا ما أُريد ذلك أو إقتضاها السرد السينمائي. من ثمّ فإن السينمائي يمكنه تشكيل الزمن الموضوعي "الواقعي"، الذي يعايشه في الواقع وفقا لما يريد، أي يمكنه ضغط الحدث الذي يشغل في الواقع حيّزاً زمنياً مداه ساعة، مثلاً، إلى دقائق معدودات، أو أكثر أو أقلّ، ففي بعض الحالات يمكنه إطالة معادل الوحدة الزمنية الواقعية سينمائياً، إلى ما يزيد عليها في الواقع، إذا اقتضى النص ذلك، أمّا في المسرح فإنّ الوحدة الزمنية تتدفق بكاملها، كما يحدث في الواقع دون اقتطاع منها أو إضافة إليها. و بالمثل إذا أريد الإنتقال من وحدة زمنية إلى وحدة زمنية أخرى في المسرح، فإنّ ذلك لا يتمّ إلاّ بإنزال الستار، أو إنهاء المنظر بإظلام المسرح أو باستخدام المسرح الدائري. ويستطيع السينمائي دائماً الإنتقال اللّحظي من وحدة زمنية إلى أخرى جديدة، وكذلك الأمر في المكان الفيلمي، فإنّ السينما تستطيع الانتقال اللحظي أيضاً من مكان إلى آخر جديد، الأمر الذي لا يمكن تنفيذه في المسرح إلاّ بإنزال الستار أو الإظلام، كما في تغيير الوحدة الزمنية. تستطيع السينما تغيير وجهة نظر المشاهد داخل المكان الواحد، من حيث المسافة والزاوية، فتقترب الكاميرا في عمق المنظر أو تبتعد عنه، وتُغيّر وضعها إلى اليمين أو اليسار، وإلى أعلى أو إلى أسفل.
ينظر المشاهد للمشهد المسرحي من وجهة نظر واحدة وثابتة من حيث الزاوية والمسافة. وإنطلاقا من هذا الفارق الأساسي تتحدّد للسينما ميزات هامة. فهي تنقل المشاهد إلى قلب الحدث ليرى أدق الأشياء، التي قد تكون صغيرة بطبيعتها ، كما يرى أدق التعبيرات الصادرة عن الممثلين، وقد تغنيه عن الكثير من العبارات التي قد يلجأ إليها المسرح لتبليغ المعنى للمشاهد. إنّ ما تتميز به السينما عن المسرح، من مرونة في عنصري المكان والزمان، يتيح لها ميزة نقل المشاهد إلى قلب الأحداث ليعايشها بصورة أقوى، ويندمج وينتقل معها بصورة أشد تأثيراً من المسرح. المشاهد في المسرح يرى العرض من زاوية واحدة، وهي زاوية الرؤية الخاصة به، أمّا في السينما فتتعدد زوايا الرؤية، طبقاً لتعدّد زوايا التصوير. كذلك فإنّ المسافة بين المُشاهد وخشبة المسرح ثابتة لا تتغير طوال العرض، أما في السينما فهذه المسافة لا تستقرّ على حال واحد وتكون دوما متغيرة تبعاً لتغيّر أبعاد اللّقطات.
ان علاقة السينما بالمسرح كعلاقة اللغة الرمزية المجازية باللغة العادية ففي حين تهدف الثانية الى التعبير والتواصل تهدف الأولى الى الاقتصاد في التعبير فبأقلّ العبارات والحركات تبلّغ السينما أفكر متعددة
2-يتقيّد المسرح بأزمنة محدّدة وأمكنة محدّدة إلى حدّ ما. وعلى الرغم من التقدم الهائل في التقنية المسرحية مع إستعمال منظومة الإعلامية سواء في مستوى الإضاءة أو أنواع خاصة من الديكورات، مع إستخدام أنواع مختلفة من خشبات المسرح . رغم كل ذلك يظل المسرح مقيداً في مجالي الزمان والمكان. خلافاً للسينما التي يمكنها أن تصوّر أي حدث في أي زمان أو مكان، وأن تتعدّد المناظر دون قيد أو شرط. في المسرح، يقطع تتابع الحدث نزول الستار في نهاية كل مشهد أو فصل أو يقع الإظلام التامّ في نهاية كل مشهد أو لوحة، ويحاول الممثّل المسرحي أن يرفع صوته إلى الطبقة التي يمكن للمشاهدين أن يسمعوه من خلالها، مما يجعل المشاهد يشعر بأنّ الذي يُعرض أمامه يمتزج بالإفتعال. أمّا في السينما، فيعتمد البناء على ميزة التتابع المستمر للأحداث دفعة واحدة دون توقّف و لا يحتاج الممثل إلى رفع صوته عاليا بل هنالك مؤثرات تقنية تلعب ذلك الدور و يستخدم الممثّل صوته الطبيعي.
3-لا يُمكن عرض المسرحية بممثليها أنفسهم في أكثر من مسرح في وقت واحد، أما في السينما فيمكن طبع العديد من نسخ الفيلم الواحد، وعرضها في عدة دور للعرض في وقت واحد. هناك علاقة حميمية بين الممثل والمشاهد في المسرح، ناتجة عن التواصل المباشر بينهما، فالمشاهد يرى الممثّل شخصياً على المسرح، أمّا في السينما فهذه العلاقة غير موجودة، لأنّ المشاهد لا يرى سوى صور فقط للممثل. المشاهد في المسرح يرى الممثل في حجم واحد لا يتغير، وهو الحجم الطبيعي له، أما في السينما فالمشاهد يرى الممثل في أحجام مختلفة، لأن السينما تمتاز بمناظرها المكبرة عن طريق آلة التصوير ، فيمكن تصوير وجه الممثل، مثلاً، مكبّراً ليحتل حجم الشاشة كلّها من أجل توضيح أدق التفاصيل للمشاهـد، سـواء من خـلال إختلاج العينين أو إرتعـاش الشفتين أو أي تعبير آخر وهو ما يعبر عنه باللقطة الكبيرة . الحوار هو أداة التعبير الرئيسية في النص المسرحي، في حين أنّ الصورة هي أداة التعبير الرئيسية في السينما. صوت الممثلين في المسرح ضعيف، إذا لم يتمّ إستخدام ميكروفونات مكبّرة للصوت، فلا يمكن للمشاهد سماع الصوت بوضوح، أمّا في السينما، فلأن الصوت مسجل ومكبر بأجهزة التكبير الخاصة، فإنّ الصوت يتم توزيعه بالتساوي عن طريق السماعات في أنحاء دار العرض. فالمشاهد في الصف الأخير يسمع الصوت بالدرجة نفسها، التي يسمعه بها المشاهد في الصف الأول، إلا أنّ التقدم التقني منح المسرح إمكانية استخدام أجهزة إلكترونية شديدة الحساسية.
-4-تستخدم المسارح المؤثّرات الصوتية العادية، في حين أنّ السينما تستخدم، إضافة إلى ذلك المؤثرات الصوتية المجسّمة. الشخصية في المسرح من الممكن نقلها للسينما بالسمات الأساسية، مع احتمال تركيب بعض الإضافات ، باعتبار أنّ للسينما إمكانية اللقطات المكبرة للوجه أو لليد. كل شئ في السينما يمرّ عبر الصورة ، لذلك فعندما يُعدّ كاتب السيناريو مسرحية للسينما، فإنّ عليه أن يُعبّر عن كلّ شيء بالصورة، وأن يفعل ذلك بشكل سينمائي، متوافق مع إمكانات السينما، بحيث يتفق مع لغة السينما وقدراتها الفائقة للتعامل مع عنصري الزمان والمكان.
إنّ هذه المقارنة بين جماليات السينما وجماليات المسرح ليست غاية في حدّ ذاتها، بقدر ما أنّ لها إستراتيجية محدّدة وهي إبراز أن العلاقة بين السينما والمسرح هي علاقة عضوية، فكلاهما يجسّد فنّا بصريّا وهما مجسدان لفنون الأداء بإعتبار أنّ الدراما في السينما أو المسرح تتجسّد وفقا لمقتضيات النص. إن المقارنة هكذا في هذا المستوى ما بين أقدم الفنون من جهة و أكثرها حداثة من جهة أخرى، تبدو في غاية الأهمية في مجال الجماليات، هنالك ترابط بين الفنون كلّها و لكن بتفاوت ، فإرتباط السينما بالمسرح يبدو أكثر تجذّرا من إرتباطه ببقية الفنون بإعتبار أنّ الولادة الأولى للسينما كانت ولادة مسرحية.
يمكن أن نستنتج أنّ التمايز ما بين أقدم الفنون و أكثرها تجذّرا في حضارة الإنسان من جهة و كثرها معاصرة من جهة ثانية، هو وساطة الكاميرا التي منحت السينما فضاءا أكثر إتّساعا و حرية من الفضاء الذي يتحرّك ضمنه الأداء المسرحي . من ذلك فإنّ تحرّر السينما وإستقلاله عن تقنيات المسرح كان بفضل التحوّل الذي شهدته الكاميرا التي أصبحت قادرة على الحركة و التنوع في مستوى المنظورية، أي أنّه أصبح من الممكن أن تنشأ "الصورة- الحركة".

إن هذا المبحث النظري في تباينات التقنية بين السينما و المسرح يمكننا من تفكيك تحوّل المسرحية إلى شريط سينمائي مثلما هو الشأن في مسرحية جنون.
وهو ما عبّرت عنه بمسرحة السينما. فل يعني هذا الأمر أن مسرحية جنون لما تحوّلت إلى فيلم قد فقدت طابعها المسرحي كليا أم أنّها حافظت على ذاتها كمسرحية أم أنّ الأمر أعمق من ذلك. هذه الإشكالية النقدية سأحاول البحث فيها من خلال تفكيك البنية لدرامية لفيلم جنون.

مسرحة السينما في فيلم "جنون":

"جنون" شريط سينمائي تونسي أخرجه الفاضل الجعايبي سنة 2006، مقتبس عن مسرحية تحمل نفس العنوان القصة: ناجية الزمني السيناريو الفاضل الجعايبي وجليلة بكار .
تدور أحداث الفيلم إنطلاقا من لقاء استثنائي يجمع بين أخصائية في العلاج النفسي و"نون" وهوفضلا عن أنّه مصاب بانفصام ينحدر من عائلة تعاني من وضع إجتماعي صعب.
تتطوّر أحداث الفيلم بشكل سريع ويصبح "نون" مادة حية تشتغل عليها هذه الأخصائية في جهدها الرامي الى مقاومة سوء المعاملة التي يعاني منها المصابون بالأمراض العقلية.
الفيلم هو عبارة عن رحلة علاجية تحليلية ، بمعنى التحليل النفسي، ووجودية خارجة عن المعتاد تدفع بحياتين عاديتين الى مصير تراجيدي. الإخراج ظل ممسرحا حيث نلاحظ نفس الحركة التي يقوم بهام ممثلو المسرح يقوم به ممثلو السينما وهي تبدو حركة ميكانيكية جدّا متقيّدة ب"تعليمات" المخرج فبداية الفيلم جسدت تمسرحا بإمتياز من حيث الحركة الدائرية للممثلين داخل نفس الكادر.
وكذلك نفس الشأن بالنسبة للديكور حيث لا يتم ّ تغيير الملابس في كل لقطة بل يتمّ الاحتفاظ بنفس الزي في العديد من اللقطات وكذلك لا نجد تنويعا في باقي عناصر الديكور كأروقة المستشفى أو فضاء المنزل فهي كلّها فضاءات متكرّرة في العديد من اللقطات الى حد الملل ومع ذلك فهي لا تفقد جماليتها لسينمائية.
عناصر درامية متعدّدة تكشف عن البعد المسرحي للفيلم، و منها بالخصوص نوعية الحركة و طريقة الحوار. لكن هذه الكيفيات الدرامية المسرحية ، تم استثمارها سينمائيا. تغلب على الفيلم عناصر التمسرح من حيث الحركة و الحوار، و إن سعى المخرج إلى تنويع الكادر لإضفاء الصبغة السينمائية، إلاّ أن الطابع المسرحي ظلّ طاغيا على هذا الفيلم ، الذي راوح بين المسرح و السينما، و بين الحوار والحركة. إنّ فيلم " جنون" هو أكثر من مسرحية وقع تحويلها الى فيلم حيث توفّق الثنائي جليلة بكار والفاضل الجعايبي الى استغلال التأثير القوى للسينما من أجل تشخيص أركيولوجي ل "الفرد" " الأنا" الذي يرزح تحت نير وطأة التأثيرات الاجتماعية المتنوعة والتي تنعكس على حياته النفسية.
لا يتعلّق الأمر بمجرّد تحويل مسرحية إلى فيلم، و إنّما الأمر أعمق من ذلك بكثير ، يتعلّق الأمر بمسرحة السينما، أي إبداع فيلم إنطلاقا من معطيات درامية مسرحية. هو نوع جديد من الأفلمة . الأفلمة التي تنبع داخل مفردات المسرح. بمعنى أوضح فيلم جنون هو فيلم من نوع خاص، يمكن القول أنه " مسرح- سينما" أو مسرحية-فيلم. و لا يمثل مجرّد تصوير مسرحية و لا هو تخلىّ عن بعده المسرحي كلّيا ليكون مجرّد فيلم مثل بقية الأفلام.
إعمتد المشهد على حركة الممثلين و على الإيماءة واللغة المشحونة بالمشاعر. لكـنّ الفاضل الجعايبي يراوح بين المسرح الملحمي لبريخت و مسرح القسوة لأنطونين آرتو.من حيث شحن المشهد الدرامي بسمة الثورية من جهة، و الإعتماد على حركة الجسد من حهة أخرى والتقليل من المساهمة الأدبية في تجربة العرض المسرحي، والتقليل من شأن الكلمة المنطوقة .الإهتمام بوسائل التعبير المسرحي الأخرى مثل التشكيل و الموسيقى و فنون الضوء وخلق حالة من الحميمية بين الممثل و المشاهد. كما راوحت المسرحية بين الأدب الملحمي و الفلسفة الوجودية لجون بول سارتر و التحاليل الأركيولوجية لميشال فوكو. وعلم التحليل النفسي. إستعار فيلم جنون مسألة فلسفية متميزة ليجعل من الهامشي موضوعا مركزيا. و بذلك تنظمّ السينما التونسية إلى مصاف التفكير الفلسفي .
معالجة مسة الجنون سينمئيا ليست بالمعالجة الهّينة ، و إنّما هي معالجة إرتقت إلى مستوى التفكّر لأنها لم تكن مجرد معلجة إجتماعية سيكولوجية. بل إنّ عناصر الدراما كانت تفكرية بالأساس. الجنون لم تستحضر كوضع عادي. أو كصفة عادية لشخصية درامية.
الجنون تمّ إستحضاره دراميا ، بوصفه وضعا أنطولوجيا، ذلك أن مفردات السيناريو أنجزت تشخيصا أركيولوجيا، بحيث ترسبات الواقعة الأنطولوجية و التي لا تمثّل حلة سيكولوجية يعالجها أطباء علم النفس، و إنّما الأمر أعمق من ذلك بكثير. المعالجة الدرامية تجاوزت الوضع السيكولوجي لتنفذ إلى العمق الأنطولوجي، ذلك أنّ الجنون يمثّل حالة حيرة نطولوجية ورفض للواقع و تمرّد و زفرة للمظطهد. المعاناة الأنطولوجية هي لمؤشر على وضع الجنون و الذي لا يمثّل ضمن هذا الفيلم وضع مرضيا بل هو هو وضع صحي، فلسفي تفكّري، لأنّ وضع الرفض يجسّد موقعا للقوة و ليس الضعف.
ثورة الفتى نون على الأوضاع الإجتماعية التي يعيشها. هي ثورة وجودية، تضع الأنا في مأزق وجودي. الجنون تفكر من نوع خاص لأنه تماهي مع وافع تراجيجدي، ليس بالمعنى التطهيري الأرسطي و لكن بلمعنى الثوري الملحمي الذي نحته مسرح براخت.
غياب البنية السردية، بحيث لا ينطلق الفيلم من بداية لينتهي إلى نهاية محدّدة. مثلما هو الشأن لأفلام الواقعية و بالتحديد الموجة الجديدة الفرنسية و سينما المؤلف. حيث غياب الاستعمال المكثف لمؤثرات المونتاج و الأصوات الإصطناعية، واستعمال أضواء و أصوات طبيعية.
الحركة داخل الكادر تميّزت بكونها بكونها حركة ذات قطبين هي حركة مسرحية و لكنها إستجابت كذلك إلى مقتضيات التقنية السينمائية.الحوار طغى عليه الطابع لمسرحي ، لكنه كذلك كان سينمائيا. لأن المخرج إختار في أغلب الأحيان اللقطة المكبّرة. Tres gros plan.
و ذلك للإفصاح عن عمق تجربة الجنون.
يسيطر الظلام على ردهات الدراما، مثلما هو الشأن لدى العديد من الإفلام التونسية، لكن الظلام في فيلم جنون، له مقاصد محددة، لأن الظلام في الفيلم تتبعه غياب الخلفيةArrière-plan. و في أكثر من مشهد تغيب الخلفية و يخيم الظلام ، لتيرز اللقطة المصغرة جدا، فتكشف عن ملامح "نون" الذي يعاني من وطأة لحيرة لوجودية و تمزق في الكيان.
عناصر الدراما عايشت الواقع كما هو ، في أماكن محدّدة. شأنها شأن معظم الأفلام التونسية التي إشتغلت داخل كادر الأحياء الشعبية المتاخمة للعاصمة.والأوضاع النفسية و الإجتماعية مثلت منطلقا أساسيا للدراما، و أكثر من ذلك ينخرط الفيلم في معالجة مسألة الجنون معالجة درامية. فيجعل منها ا|لأساس المحرك. الجنون ظاهرة مثّلت موضوعا هاما للعديد من المقاربات، منها الفلسفية ، قفد ترشحت لكي تكون موضوع رسالة دكتوراه للفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو.عنوانها تاريخ "الجنون في العصر الكلاسيكي"
الجنون موضوع هامشي ، لكنه ترشح ليطفو على سطح خشية المسرح، و يعالج دراميا و ليس تحليليا، أراد المخرج من خلال مفردات الدراما أن يقول أن، الجنون لا يعني فقدان العقل و الصواب، و إنّما الجنون هو ثورة على كلّ ما هو سائد، "الأنا" التي ترفض التأقلم مع واقع التهميش و الإحباط، تلك هي ملامح الجنون في فلسفة المخرج، و لم يقف الأمر في هذا المستوى بل إن الطبيب النفساني يصبح ظلا للمريض و ليس العكس، المريض النفساني هو الذي يقود الطبيب، هنالك زفرة المضطهد، تعيد رسم ملامح جديدة لمفهوم الجنون، الذي تخلى عن سلبيته، ليصبح عين الصواب، الجنون هو رؤية الأشياء على حقيقتها، و عدم القدرة على تحمل الغبن و الفضاعة.
. إعتد المشهد على حركة الممثلين و غلى إلإيماءة والغة المشحونة بالمشاعر. لكـني الفاضل الجعايبي يراوح بين مسرح بريخت و مسرح القسوة لأنطونين آرتو.
من حيس شحن المشهد الدرامي بسمة الثورية من جهة ، و الإعتماد على حركة الجسد من حهة أخرى. كما راوحت المسرحية بين الأدب الملحمي و الفلسفة الوجودية لجون بول سارتر و التحاليل الأركيولوجية لميشال فوكو. و علم التحليل النفسي
ثورة الفتى نون على الأوضاع الإجتماعية التي يعيشها. هي ثورة وجودية، تضع الأنا في مأزق وجودي
الإعتماد على حركة الجسد و التقليل من المساهمة الأدبية في تجربة العرض المسرحي، و التقليل من شأ، الكلمة المنطوقة .
الإهتمام بوسائل التعبير المسرحي الأخرى مثل التشكيل و الموسيقى و فنون الضوء و خلق حالة من الحميمية بين الممثل و المشاهد.
الخمر، المرأة و السجن ، حضرت كمكوّنات للدراما، كما هو معهود في سيناريوهات السينما التونسية. لكن هذه المرة لم تحضر بوصفها لحظات للنشوة و الرغبة، بل حضرت كمجسّدة لمشاعر الغضب و الحزن و الفقر و القسوة، طيف إجتماعي يجسد المعاناة داخل الأحياء الشعيبة المتاخمة للعاصمة. إستعمل المخرج كثيرا الظلام كعنصر درامي ،ـ بحيث يغيب زمن دوران الأحداث. هنالك كسر لردهات الكرونولوجيا، ليعيش الفيلم داخل وضع أنطولوجي، لا يخصّص الزمان و لا حتى المكان. زمان مفتوح و أماكن غير محدّدة ، ذلك هو الكادر الذي يتحرّك داخله الفيلم.
أسماء الممثلين هي أحرف أبجدية. و تبدو الغاية من ذلك التأكيد على البعد الرمزي للشخصية، أي أنها شخوص رمزية وليست شخصيات عينيةالخمر، المرأة و السجن ، حضرت كمكوّنات للدراما، كما هو معهود في سيناريوهات السينما التونسية. لكن هذه المرة لم تحضر بوصفها لحظات للنشوة و الرغبة، بل حضرت كمجسّدة لمشاعر الغضب و الحزن و الفقر و القسوة، طيف إجتماعي يجسد المعاناة داخل الأحياء الشعيبة المتاخمة للعاصمة. إستعمل المخرج كثيرا الظلام كعنصر درامي ،ـ بحيث يغيب زمن دوران الأحداث. هنالك كسر لردهات الكرونولوجيا، ليعيش الفيلم داخل وضع أنطولوجي، لا يخصّص الزمان و لا حتى المكان. زمان مفتوح و أماكن غير محدّدة ، ذلك هو الكادر الذي يتحرّك داخله الفيلم.
أسماء الممثلين هي أحرف أبجدية. و تبدو الغاية من ذلك التأكيد على البعد الرمزي للشخصية، أي أنها شخوص رمزية وليست شخصيات عينيةالخمر، المرأة و السجن ، حضرت كمكوّنات للدراما، كما هو معهود في سيناريوهات السينما التونسية. لكن هذه المرة لم تحضر بوصفها لحظات للنشوة و الرغبة، بل حضرت كمجسّدة لمشاعر الغضب و الحزن و الفقر و القسوة، طيف إجتماعي يجسد المعاناة داخل الأحياء الشعيبة المتاخمة للعاصمة. إستعمل المخرج كثيرا الظلام كعنصر درامي ،ـ بحيث يغيب زمن دوران الأحداث. هنالك كسر لردهات الكرونولوجيا، ليعيش الفيلم داخل وضع أنطولوجي، لا يخصّص الزمان و لا حتى المكان. زمان مفتوح و أماكن غير محدّدة ، ذلك هو الكادر الذي يتحرّك داخله الفيلم.
أسماء الممثلين هي أحرف أبجدية. و تبدو الغاية من ذلك التأكيد على البعد الرمزي للشخصية، أي أنها شخوص رمزية وليست شخصيات عينيةالمرأة لم تحضر بوصفها جسد و أنوثة مثل ما هو الشأن لدى العديد من الأفلام التونسية ، المرأة هذه المرة ليس موضوعا للرغبة ، مثلما هو الشأن في العديد الأفلام التونسة، المرأة هي الطبيبة التي تلازم مريضها، لمراة التي تفكر و تضطلع بمهام و إنا حضورها في فيلم جنون أكسبها نجاعة أكيرKفهي إمرة لها من القدرة على مواجهة الواقع التراجيدي، مجسدة في إخصائية العلاج لنفسي. I*iهذه المرأة جسدت ثورة على المألوففي معالجة المرضى النفسانيين. لتقف على عتبة الموقف الحقيقي .



#سمير_الزغبي (هاشتاغ)       Samir_Zoghbi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دولوز والسينما أو الفيلسوف وظلّه
- جيل دولوز و لحظة البدء: تفكير الفلسفة في السينما
- فلسفة المشهد وجماليات التعذيب في مؤلف - المراقبة والمعاقبة- ...
- السينما الفلسطينية إبداع فكر أم وحي المقاومة؟
- الواقعية الجديدة في السينما الإيطالية
- المسرح بين نظرية الإلزام و مطلب الإلتزام
- فوضى الجسد و إمبراطورية الرغبة في فيلم الدواحة
- الماويون في النيبال مواجهة للملكية أم للإمبريالية ؟
- المشهد وتعبيرية الجسد في السينما التونسية
- معقولية الصورة في الجماليات المعاصرة
- دراما الصراع بين الموت و الحرية في فيلم - ما نموتش Mill Feui ...
- أحداث يوم 9 أفريل 2012: دعوة إلى المؤامرة أم إستراتيجية للهي ...
- سيميولوجيا الصورة الإشهارية
- مدخل إلى تقنيات السينما-السينما ذاته
- إشكالية الهوية و الاختلاف في السينما العربية
- بداية النهاية و دكتاتور جديد يحذف من التاريخ نهاية القذافي
- ساحة للشهيد محمد البوعزيزي في باريس.كيف نفهم هذا الحدث؟
- الإستهلاك و إستراتيجية الهيمنة الليبرالية
- الثورة التونسية : صعود البروليتاريا الجديدة و تأزم البورجواز ...
- مشهد الثورة و إيتيقا الصورة


المزيد.....




- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير الزغبي - مسرحة السينما في فيلم -جنون-: دروب و تباينات