أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - يسوع المفكّر 3- الانسان















المزيد.....

يسوع المفكّر 3- الانسان


طوني سماحة

الحوار المتمدن-العدد: 4782 - 2015 / 4 / 19 - 01:26
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


"وأما أنا فأتيت ليكون لهم حياة وليكون لهم أفضل"... "خرافي تسمع صوتي، وأنا أعرفها فتتبعني. وأنا أعطيها حياة أبدية، ولن تهلك للأبد، ولا يخطفها أحد من يدي"... كلمات قليلة قالها يسوع لكنها تختصر رسالته وخدمته في الحياة.

من هي خراف المسيح ومن هم الذين أتى إليهم يسوع ليكون لهم حياة وليكون لهم أفضل؟ من المفارقات الملفتة للنظر أن أصدقاء يسوع كانوا بجملتهم أولئك الذين نطلق عليهم اليوم صفة المهمشين والمستضعفين والفقراء والمنبوذين و المحتقرين. وقد يكون الاستثناء الوحيد لهذه القاعدة نيقوديموس الفريسي ويوسف الرامي الذي يذكر عنه الانجيل انه كان غنيا ومشيرا. وكان كلا الرجلان عضوين في مجلس السنهدريم أي المجمع اليهودي الديني الاعلى. ومن المفارقات أيضا أن كلاهما تبع يسوع سرّا خلال خدمته على الارض ربما خوفا على مكانتهما الاجتماعية. أما أولئك الذين نطلق عليهم اليوم تسمية النخبة، فكانوا أكثر من ناصب يسوع العداء مثل هيرودس الملك ورجال الدين والأغنياء والمثقفين أمثال الكتبة والفريسيين.

لم تنخرط النخبة في مشروع يسوع الانساني والروحي كونه لا يخدم مصالحها. فيسوع الملك ليس صديق الملوك كونه أعلن أن ملكه ليس من هذا العالم. ويسوع، رجل الدين إن صحت التسمية، بقي بعيدا عن رجال الدين كونهم رؤوا فيه خطرا يقضي على مصالحهم الآنية من سلطة وثروة ونظام ديني. ويسوع الفقير، ذلك المعلم الذي لم يكن لديه أين يسند رأسه، لا يخدم مصالح الأغنياء الذين كانت أولوياتهم جمع المال بغضّ النظر عن الطريقة والأسلوب. كيف لا وهو صاحب القول الشهير "لا يستطيع أحد أن يخدم ربّين الله والمال" وهو أيضا الذي نظر الى الشاب الغني، فأحبّه وقال له "يعوزك شيء واحد. اذهب وبع كل ما لك واعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني حاملا الصليب" (مرقس 10). أما المثقفون وعلماء الامة، كما نطلق عليهم التسمية اليوم، فلم يكونوا أقرب ليسوع من أقرانهم، ذلك لأن قراءته للكتب المقدسة كانت تختلف كليا عن قراءتهم لها حتى أن كلتا القراءتين كانتا على النقيض أحيانا.

عندما قرأ يسوع الكتب المقدسة، شكّل الانسان بثقله الروحي والزمني محور هذه القراءة. نظر يسوع للإنسان من أجل ذاته وليس من أجل مكانته الاجتماعية او الثقافية او الدينية او اي مكسب زمني آخر. كان تعليمه موجها للعامّة بدرجة أولى. عاش مع العامة. شاطرهم أحزانهم. أكل وشرب معهم. كانت دائرته الخاصة مكوّنة بدرجة أولى منهم. شفى مرضاهم، علّمهم، واساهم، أعطاهم كل ما يملك من وقت. نام معهم أحيانا في العراء وأحيانا في بيوتهم المتواضعة. حضر أعراسهم، بكى لبكائهم وفرح لأفراحهم. احتضن أطفالهم وتعامل مع المرأة كالند للند. تجاوز الحواجز الطبقية والاجتماعية كيما يصل للإنسان وللإنسان فقط بغض النظر عمّن كان هذا الانسان. لذلك لا أتردد بالقول أن يسوع كان الشيوعي والاشتراكي الاول في العالم وأنه أفضل من طبّق الشيوعية والاشتراكية في كل العصور في بعديهما الزمني والاخلاقي. إذا ليس من العجب أن تثور الدنيا عليه من كل أولئك الذين كانوا يرون فيه تهديدا مباشرا لمصالحهم وسياساتهم ومشاريعهم الدينية والاجتماعية والثقافية والزمنية. فمعلّم الدين لا يريد أن يرى مملكته الدينية تنهار، والحاكم لا يستسيغ فكرة أن يكون هو خادم للرعية بالفعل وليس بالقول، والغني لا يحب صرف أمواله على الفقراء ما لم يأته منهم مردودا بديلا مثل الحصول على أصواتهم وتبعيتهم. لذلك كان لا بد أن ينتهي المطاف بيسوع بما آل إليه على الصليب ولا بد لكل من يعيش مثل يسوع أن يتوقع لنفسه النهاية التي انتهى إليها يسوع.

في ظل هذه المواجهة بين رجل أعزل لا يسيطر على بقعة جغرافية ينطلق منها لبناء مملكة، ودون دعم من قادة الأمة ورجالها ونخبتها، في ظل هذه المواجهة بين الحقيقة والزيف، بين الحياة والموت، وقف يسوع ليقول كلمته. وقف ليقول الحقيقة دون أن يحميه سيف أو دون أن تشكل صدور الرجال درعا له. قال كلمته والسيف مسلط على رأسه. أعلن الحقيقة وسمّى الأمور بأسمائها. قال لهيرودس الملك "قولوا لهذا الثعلب...". خاطب الفريسيين والكتبة ورؤساء الكهنة، فقال لهم "أيها المراؤون..." عندما خاطب أورشليم بكل ما تمثله هذه المدينة من قوة سياسية ودينية واجتماعية وثقافية وصفها بالقاتل والمجرم "يا أورشليم، يا أورشليم! يا قاتلة الانبياء وراجمة المرسلين اليها..." عندما خاطب اليهود الذين كانوا يفتخرون ببنوتهم لابراهيم ويرون في أنفسهم نسلا مميزا، لم يتردد بأن يوبّخهم على أفعالهم الشريرة وأن يصفهم قائلا "أنتم من أب هو إبليس، وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا". عندما ناقضت أقوالُهم أفعالَهم وصفهم "بالقبور المبيضة، تظهر من الخارج جميلة، فيما الداخل مملؤ عظام أموات وكل نجاسة".

إذا، لم يأت يسوع لأجل ذاته. فلقد غادر الارض تماما كما أتى إليها فقيرا، ليس لديه أين يسند رأسه، لا مملكة له، لا جيش يدافغ عنه، لا أصدقاء له إلا الذين تبعوه من الطبقات الاجتماعية الدنيا مثل الزناة والعشارين والنساء والجائعين. عندما غادر يسوع الارض، كانت رسالته مهددة بالموت، فلا مدرسة تحمل ذكره شأن أفلاطون وأرسطو وسقراط، لا ملك أو خلف يتبنى رؤيته الدينية والاجتماعية والروحية، لا مجتمع يحمل لواء الاصلاح ويعزم على تغيير شأن الانسان، لا جيش يخضع بقاع الارض ليفرض نظامه. عندما غادر يسوع الارض، ظن رؤساء الكهنة أن يسوع قد انتهى، لكن فاتهم أن الكلمة لا تموت إن كان هناك ثمة من ينطق بها ومن يستمع إليها، كما فاتهم أن الانظمة تتبدل وتتغير وان المفاهيم الاجتماعية والثقافية متبدلة وغير ثابتة، لكن الكلمة تجتاز العصور والازمنة وترقى الى اماكنة تعجز أيدي الذين يريدون اصطيادها من النيل منها، كيما تصل للإنسان الذي يشتاق اليها.

حطت الكلمة رحالها في فلسطين في القرن الاول الميلادي. رفضها اصحاب الشأن والمال والسلطة لكنها لقيت قبولا واسعا في قلوب الزناة والضعفاء والجائعين والسفلة، وكانت المفاجأة أن هذه الشريحة المحتقرة من الناس والتي استضافت الكلمة حملت مشعل النور والحرية للعالم لتبني في ما بعد عالما أفضل يرتكز على تقديس المعرفة واحترام حقوق الانسان. نطق يسوع بكلماته منذ ألفي عاما. قال آنذاك "أما أنا فقد أتيت ليكون لهم حياة وليكون لهم أفضل" وما زال الكثير من الذين استمعوا اليه في الماضي كما في الحاضر ينعمون بحياة أفضل ألا وهي حياة المحبة للذات وللآخر، حياة التواضع، حياة السلام، حياة التضحية، حياة الترفع عن شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة.



#طوني_سماحة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يسوع المفكّر 2- الكلمة
- يسوع المفكّر 1 مقدمة
- لماذا نحن متخلفون؟
- مات الصنم، يحيا الصنم
- من أحرق سليمان، صباح، وروعة؟
- رسالة موت موقعة بالدم إلى أمّة الصليب
- تأملات في الحرب والسلام
- صخرة الموت هي صخرة الحياة
- هنيئا لكِ يا بيلا (Bella)
- التعزية بالكفار خيانة وليست من الدين
- أنا شارلي
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزء الاخير
- الجنة برسم البيع
- يا طفل المزود
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق-12- تحديات الزواج
- الله أكبر
- صرخة مظلوم
- دون كيشوت التركي
- سيّدي يسوع
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق-11- الجنس والزواج


المزيد.....




- ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟
- استمتع بأغاني رمضان.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ا ...
- -إصبع التوحيد رمز لوحدانية الله وتفرده-.. روديغر مدافع ريال ...
- لولو فاطرة في  رمضان.. نزل تردد قناة وناسة Wanasah TV واتفرج ...
- مصر.. الإفتاء تعلن موعد تحري هلال عيد الفطر
- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...
- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...
- أسئلة عن الدين اليهودي ودعم إسرائيل في اختبار الجنسية الألما ...
- الأحزاب الدينية تهدد بالانسحاب من ائتلاف نتنياهو بسبب قانون ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - يسوع المفكّر 3- الانسان