أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - السرد العراقي وتطوره التاريخي: 1- القصة القصيرة















المزيد.....

السرد العراقي وتطوره التاريخي: 1- القصة القصيرة


سلام إبراهيم
روائي

(Salam Ibrahim)


الحوار المتمدن-العدد: 4779 - 2015 / 4 / 16 - 12:11
المحور: الادب والفن
    


عن الأدب العراقي الحديث

السرد العراقي وتطوره التاريخي

1- القصة القصيرة



طغى التيار الواقعي في الكتابة القصصية والروائية العراقية منذ نشأة القصة والرواية في عشرينات القرن الماضي، إذ كان غالبية الكتاب يؤمنون بالفكر الماركسي ويبشرون بأفكار الاشتراكية في مقالاتهم التي نظّرت وحددت الرؤيا الفكرية التي ستسود وتميز لاحقا النص الروائي العراقي دون غيره من النصوص العربية بالمقارنة (مثلا مع تطور الرواية في مصر حيث ظهرت روايات تاريخية، روايات رومانسية، وروايات اجتماعية تصور الواقع الاجتماعي المصري في زمنها)، بارتباطه المباشر بتاريخ العراق وأحداثه السياسية وتحولاته العنيفة، سواء من خلال تيمة الرواية أو شخصياتها وطبيعة الحكاية التي ترويها للقارئ.
هذا التوجه تجسد من خلال انهماك رواد النص القصصي والروائي بالعمل السياسي الميداني المباشر وبالكتابة التبشيرية وأخذ دور الداعية والمصلح الاجتماعي والناقد في مقالات نشرت في الصحافة وقتها، تناقش الأدب وطبيعته وعلاقته بالمجتمع مما بلور ورسخ هذا التوجه الذي سيظل سمة ملازمة للأدب العراقي حتى الآن.
هذه الميزة وَسمت النص النثري العراقي منذ النشأة، فقد تحمل عبء النهضة، وغلب عليه في مراحله المبكرة الصفة التعليمية والدعائية في ميدان الاجتماع والسياسة التي ستظهر بشكل أكثر وضوحا في الفترة ما بين الحربين العالميتين حيث زاد واحتدم النضال الوطني من أجل الاستقلال وفك الارتباط بالاستعمار الإنكليزي.
تأخر ظهور الرواية في العراق مقارنة بالقصة القصيرة التي تطورت بوتيرة سريعة وكذلك الشعر. فالشاعر بدر شاكر السياب والشاعرة نازك الملائكة لهما الفضل في تجديد الشعر العربي بكتابة القصيدة الحرة والتخلص من القوافي التي دامت لأكثر من ألف سنة.
منذ صدور رواية – جلال خالد – لمحمود أحمد السيد 1928 وحتى صدور أول رواية أسست للرواية الفنية العراقية – النخلة والجيران - لغائب طعمة فرمان 1966 لم نحصِ سوى ثلاث روايات غير ناضجة فنياً هي:
"مجنونان" لعبد الحق فاضل 1939. "الدكتور إبراهيم" لذي النون أيوب 1939 و"اليد والأرض والماء" 1948 لذي النون أيوب أيضاً.
وهنا من الممكن الإشارة إلى قصة فؤاد التكرلي الطويلة – الوجه الآخر- التي لها مقومات الرواية الفنية القصيرة والتي صدرت ضمن مجموعته القصصية التي تحمل نفس الاسم1960.
وقبل أن نخوض في ميدان الرواية سنقدم تقييم مكثف عن منجز القصة القصيرة العراقية منذ النشأة وحتى الآن، رغم صعوبة الأمر، فعمر القصة العراقية يقارب عمر الدولة العراقية التي نشأت بحدودها الحالية في أعقاب الحرب العالمية الأولى، ممثلة بنصوص ـ محمود أحمد السيد ـ الذي يعود له فضل تأسيس قالب القص بشكله المعاصر، وما تلاه من أجيال جاهدت من أجل بلورة قالب قصصي يناسب البيئة والتجربة العراقية بين الحربين العالميتين.. الحيز ضيق وغرضه ألقاء الضوء على ظاهرة، نص، جيل، لذلك سأتناول جانباً جوهرياً بصيرورة النص القصصي العراقي إلا وهو مسيرة نضج السرد القصصي فنيا كي يعي ذاته، فبمقدار ما يتخلص السرد من الأفكار الأيدلوجية المسبقة ذات المقاصد سواء أكانت خيّرة أو شريرة يصل إلى نضجه ويستطيع لمس كيان الإنسان عميقاً مما يبرر النص القصصي المكتوب كونه فناً يحمل قيمته الجمالية أولاً، التي تحقق بدورها قيمة أيدلوجية مطلقة بالضد من الأيدلوجيات المتصارعة من أجل السلطة والمال. أيدلوجية معنية بالإنسان ومحنة وجوده واغترابه تنبثق هذه القيمة من ارتصاف الحروف بجسد الكلمة، والكلمة بجسد الجملة السردية التي تخلق كوناً.. مناخاً مختلفاً يحرض على الحلم يشابه الواقع لكنه ليس واقعا، ويشابه الخيال ولكنه ليس خيال.
من هذه الزاوية.. ومن خلال دراستنا للقصة العراقية منذ نشأتها نستطيع القول:
أن مرحلة التأسيس المضنية التي انطلقت من العشرينات أثمرت في الخمسينات عن ولادة بنية قصصية ناضجة على يد ـ عبد الملك نوري ـ في مجموعته ( نشيد الأرض ) و ـ فؤاد التكرلي ـ في ( الوجه الأخر ) لكن الأخير أي التكرلي تميز بتنقية السرد من كل ظلال الأيدولوجيا سوى مطلقها المعني بكينونة الإنسان، مما أكسب تلك النصوص نضارة دائمة تجد تجسّدها في سر قراءتها رغم غبار الزمن وكأن ما يحصل لشخصياتها المقهورة في قصص.. العيون الخضر، موعد النار، الوجه الأخر وباقي القصص يحصل لحظة القراءة. هذه الذروة الفنية التي أمسكت بلحظة أبدية في بنيتها السردية كان من المفترض أن تدفع بالفن القصصي العراقي إلى مرحلة جديدة، لكن ظلت ـ الوجه الآخر ـ شاخصة كمعلم فني وحيد جوار ـ نشيد الأرض ـ وبعض أقاصيص سابقة أسست لفؤاد وعبد الملك إلا وهي أقاصيص ـ يوسف متى ـ الذي ضاع أثره، إلى فترة متأخرة نسبياً بسبب التسيّس الحاد للمجتمع العراقي في أعقاب وصول العسكر إلى السلطة في 14 تموز 1958 حيث طغت الشعارات السياسية على مناحي الحياة وألسن العراقيين، أعقبها تناحر دموي بين رؤوس السلطة العسكرية انعكس سلباً على النص الفني، وأستطيع القول: أن التناحر اللا معقول ألقى ظلاله المعتمة على بنية السرد القصصي، حيث انشغل العراقي وقتها بمحنة المحافظة على الكينونة.. سلامتها خشية بطش السلطة.. كان ذلك لفترة ليست بالطويلة إذ سرعان ما أستعاد جيل الستينات الذي شبَّ في لحظة انحسار الأحلام وتألقها.. بين واقع بحور الدم التي أغرقت القوى المتصارعة وحلم ثورة تحقق عدالة مستحيلة.. وفي سنوات ضعف السلطة العراقية النسبي بالفترة الواقعة بين 1964 ـ 1970 في تلك الفترة من تأريخ ظلال الحرية في العراق ولد جيل الستينات الأدبي المتمرد متأثراً بأفكار سارتر وكاموا الوجودية، وبأفكار جيفارا الذي ذهب إلى حلمه وحتفه في أرياف بوليفيا.
نستطيع القول ـ فيما يخص ما ركزنا عليه ـ: أن النص القصصي العراقي أنتقل أبعد في تأمله بالشأن البشري، متخلصاً من كل أدران الأيدولوجيا السياسية والتي أخذت طابع العشائرية في بنية المجتمع العراقي.. وذلك في نصوص ـ جليل القيسي ـ ( صهيل المارة حول العالم ) الصادرة عن دار النهار اللبنانية 1968. و ـ محمود جنداري ـ في ( أعوام الضمأ ) 1969. و ـ عبد الرحمن مجيد الربيعي ـ في ( السفينة والسيف ) 1966. و ـ أحمد خلف ـ في ( نزهة في شوارع مهجورة ) 1974. و ـ فهد الأسدي ـ في ( عدن مضاع ) . وـ موسى كريدي ـ في ( أصوات المدينة ) 1968. وـ عالية ممدوح ـ في ( هوامش السيدة ب ) الصادرة عن دار الآداب بيروت. وـ محمد خضير ـ في ( المملكة السوداء) 1972 المكثفة بنصوصها الثلاثة عشر، وكأنها البوابة التي أفضت إلى تلك اللحظة الكامنة بين الحلم واليقظة.. اللحظة الوهم التي لا هي واقع ولا هي حلم.. لحظة تشبه أحلام اليقظة..تذكر الحلم.. أو حلم دائم بحياه القارئ لحظة القراءة.. ومن يريد استعادة مثل هذه اللحظات فما عليه إلا الاستغراق في عوالم نصوص ( أمنية القرد ) وحتى النص الثالث عشر ( التابوت ).
لم يترك القاص ـ محمد خضير ـ ثيمة في التجربة العراقية إلا وتناولها في نصوص مملكته السوداء، الحب، الحرب، الفقدان، الاغتراب، الفراق، الطفولة.. بـ ـ محمد خضير ـ أصبح من العسير على الكتاب الشباب إيجاد أسلوبهم دون المرور بأسلوبه المذهل؛ السهل ظاهراً.. العسير المنال جوهراً.. هذا ما حدث للعديد من الشباب المبدعين قبل أن يعثروا على صوتهم الخاص..
لم يستمر الأمر طويلاً، فسرعان ما ساد خطابان أيدلوجيان متناقضان تحالفا حلفاً شكلياً طوال فترة السبعينات من القرن العشرين المنصرم: البعثي والشيوعي؛ حيث طغى الخطاب الأيدلوجي على كل ما هو متأمل وحقيقي.. لينتهي بتناحر لا يختلف في جوهره عن تناحر أواخر الخمسينات وأوائل الستينات. سحق مطلق للرأي الأخر، وتسييس قسري لكل عراقي شاء أم أبى، فأتت الحروب كمحصلة وكنقطة تحول في حياة المجتمع العراقي المعاصر والنص القصصي العراقي.. وما أعقبها من دمار وتشديد الإرهاب والهجرات الواسعة للكتاب والمثقفين.
وضعت الظروف الجديدة القصة العراقية في امتحان عسير حيث ضغطت السلطة باتجاه تشجيع تيار أدبي مجّدَ الحرب والقتل؛ فظهر العديد من الكتاب الشباب الجدد أنصاف الموهوبين الذين كتبوا سيلاً من النصوص الركيكة المتغزلة بالحرب والقتل والضباط والقادة في محاولة لإضفاء الشرعية على ذلك الموت المجاني الذي طال العراقي المساق إلى النار قسراً. هذا التيار الجارف المعروف والموثق في كتب صدرت تحت لافتة ـ قصص قادسية صدام ـ أربك العديد من المبدعين ـ جيل الستينات ـ الذين عايشوا الوضع في الداخل، فأدى الوضع الجديد ومنذُ أواسط الثمانينات إلى بروز تيار جديد في القصة العراقية فرضته ظروف الحرب. تيار نأى عن نصوص الحرب المؤدلجة الممجدة لفعل الشر ـ الحرب ـ، واستدار عن مأزق الإنسان العراقي وأمكنته الممزقة بآثار الحرب الطويلة والمستمرة، ليدخل مأزقه الخاص ويتغرب عن عصره منشغلاً بكائنات أساطير بلاد الرافدين القديمة والأمكنة المندثرة لحضارات ازدهرت ما بين النهرين وبشرها المختلفين عن بنية العراقي المعاصر الأقرب إلى بنية حضارات مازالت حية كالإسلام والمسيحية، مما جعل الرموز ومدلولاتها محصورة بحدود النص ومصادر الكتب القديمة وأطلال الأمكنة، مما أدى إلى خلق بنية سردية مبتكرة وجديدة على السرد العراقي والعربي، فالتبست طريقة السرد حتى على كاتبها لدى ـ محمود جنداري الذي تفجر في مجموعته القصصية ـ مصاطب الآلهة دار أزمنة – الأردن 1999ـ فظن أنه يكتب نصا بلا حبكة في محاضرة في اتحاد الأدباء في العراق كما ذُكِرَ في مقدمة المجموعة، لكنني وجدت لدى تحليلها نصاً تأتى حبكته من سبر غور التاريخ والدم المساح في العراق في نشيد أعمق من الشعر أفضى به إلى زنزانة الإعدام ثم إلى الموت بالسكتة قبيل صدور مجموعته المشار إليها.
ولدى المخضرم والمجدد ـ محمد خضير ـ تحول النص إلى معمار لغوي ينحت ماضي الأمكنة مطعماً بألغازها وأحجيتها الملتبسة في غموض يقتل المدلولات قصة ( رؤيا البرج ) وحول بعض قصصه إلى أحجية كقصة ( صفيحة التساؤلات ) وغيرها من مجموعته القصصية ـ رؤيا الخريف ـ دار أزمنة الأردن 1995.
ولدى ـ جليل القيسي ـ المميز بأسلوبه الواضح إذ تحولت القصة لديه إلى بنية الحكاية السابقة لمفهوم النص القصصي الحديث ( مملكة الانعكاسات الضوئية ).. وبعض أقاصيص ـ لطفية الدليمي ـ ذات المسحة الصوفية. ومحصلة هذا التيار أغناء القصة العراقية والسرد العراقي والعربي بأشكال وبني سردية جديدة من جهة، وَتَغرب النص العراقي عن مأزق العراقي زمن الحرب حيث كان الإنسان العراقي بأمس الحاجة إلى متخيلٍ فني يعادل قباحة الواقع ويجعل من الحياة أكثر احتمالاً.
بالعكس من التيار المذكور، ومنذ أواسط الثمانينات أيضاً بدأت تنمو خارج العراق قصة عراقية تميزت دون كل التجارب الأخرى كونها لصيقة بما يجري للعراقي في الوطن، سرعان ما رسخت كمصطلح جديد في الأدب العراقي السردي يستند إلى نصوص نُشرت لكتاب تبلورت موهبتهم ورؤاهم الفنية والفكرية في أجواء الحرية المكتسبة من فعل النفي العراقي بدوافعه الأيدلوجية ـ السياسية المختلفة عن واقع المنفى العربي عدا التجربة الفلسطينية المفترقة بدورها عن جوهر تجربة النفي العراقية، مما جعل النص القصصي العراقي المكتوب في المنفى يطرح إشكاليات جديدة في القص العربي المعاصر تختلف عن إشكاليات أدب المهجر اللبناني و السوري في بدايات القرن العشرين، وعن أدب المقاومة الفلسطيني، فما زال المنفي ـ المبدع ـ العراقي يحلم بعودة قريبة؛ ينام ويصحو عليها منذ لحظة مغادرته تراب وطنه، يحلم.. ويحلم بالبشر والأمكنة مما جعل نصوص الكتاب المنفيين تبدو وكأن كتباها يعيشون في العراق لكن لديهم حرية التعبير عن المأزق الذي يعيش فيه العراقي دون رقيب، فعرضت تلك النصوص محنة العراقي في ظل الديكتاتورية والحرب وظروف القسوة بوضوح، خوفه، استلابه، أحلامه، تشوّهه، موته العبثي.. نجد ذلك في نصوص جنان جاسم حلاوي مجموعته ( قصص الحب.. قصص الحرب – دار المنفى السويد 1997).. التي تناولت معضلة الإنسان في ظل الحرب العراقية الإيرانية وهموم الجنود في الجبهات وفي المدن، ونجم والي في مجموعته ( ليلة ماري الأخيرة دار شرقيات القاهرة) التي تناولت أوضاع مختلفة للبشر من أطفال وجنود زمن الحرب، وكريم عبد في ( الهواء يوشك على الوجوم ) التي تناول في نصوص عدة محنة الموت في الحرب سواء في جبهة الحرب العراقية الإيرانية أو في الجبل بين الثوار، وشاكر الأنباري في ( ثمار البلوط ) .. و ( أنا والمجنون ) إذ تناولت بعض نصوصه محنة الجندي الهارب من الحرب وطريقة تسلله إلى الجبال لعبور الحدود قصة ـ ثمار البلوط ـ والإنسان في زمن الحرب والدكتاتورية في قصة ـ دكة الموتى ـ وغيرها، وكاتب هذه السطور – سلام إبراهيم - في مجموعته الأولى ـ رؤيا اليقين ـ 1994 دار الكنوز الأدبية ـ بيروت. التي تناولت نصوصها السبعة محنة العراقي في تجربة الثوار في الجبال شمال العراق، و ـ سرير الرمل ـ دار حوران دمشق 2000 التي تناولت في نصوصها مأزق الإنسان في المنفى، والحب في الصبا والشيخوخة، إضافة إلى تيمة فقد الأحباب في المعتقلات والحرب، وسلام عبود في ـ العودة إلى آل أزيرج ـ و ـ ضباب أفريقي ـ الصادرة عن دار المنفى 1998.
وعندما يخوض النص في كينونة المنفي ومعناه يكون شديد التوتر، يفيض بالقلق المتولد من تقاطع الشعور بوقتية النفي وطول زمنه؛ ـ إبراهيم أحمد ـ في ( بعد مجيء الطير ). ـ حسين الموزاني ـ ( خريف المدن ). أما ـ هيفاء زنكنة ـ فقد صدرت لها مجموعة ـ بيت النمل ـ التي خاضت جميع نصوصها في الخراب الروحي الذي يورثه المنفى بالمنفي. كما لابد أن نذكر ـ علي عبد العال ـ في مجموعته ـ العنكبوت الصادرة عن دار المنفى ـ السويد 1997 ـ التي تناول فيها محنة المنفى في نص طويل وجميل من نصوص المجموعة. بالإضافة إلى انشغال العديد من النصوص في إعادة بناء أمكنة الطفولة وشؤونها في العديد من نصوص الكتاب المذكورين وبروح مختلفة متأتية من خصوصية التباس تجربة النفي العراقية، تجلى ذلك بتميز لدى ـ جبار ياسين ـ في ( وداعا أيها الطفل ) المركز العربي للفنون والآداب ـ بلجيكا ـ بروكسل 1995. إذ مزج الطفولة بالواقع السياسي العراقي الدامي.. فجاءت القصص بعيني طفل يرى العنف في الشوارع زمن الانقلابات العسكرية أواخر الخمسينات وخلال الستينات. أما لدى ـ سالمة صالح ـ فتحول النص إلى رسم أمكنة الطفولة وحكاياتها بأسلوب طغى عليه العاطفة المغرقة بالحنين في ( زهرة الأنبياء ) دار المدى 1994.
أما أساليب القص فمتنوعة في تقنياتها ومذاهبها من أسلوب القص التقليدي كما لدى ـ علي عبد العال ـ و ـ سلام عبود ـ إلى أسلوب السرد الحديث والمبتكر كما هو لدى ـ جنان جاسم حلاوي ـ و ـ جبار ياسين ـ . رغم هذا التباين الأسلوب الغني فقد تميزت لغة النصوص بالوضوح والرشاقة والتكثيف والبناء بالمتانة، عدا أن غالبية المبدعين المذكورين مثقفين يمارسون الكتابة النقدية الإبداعية في الصحف والمجلات العراقية الصادرة بالمنفى والعربية.
( لابد من الذكر هنا أن الكتاب المنفيين من الأجيال السابقة لهذا الجيل استمرت بالنشر وبنشاط مجاميع قصصية أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر؛ ـ فاضل العزاوي ـ، ـ محمود سعيد ـ، وغيرهم لكن نصوصهم القصصية القصيرة التي أطلعت عليها وجدتها متخلفة من ناحية الصوغ الفني وطبيعة الموضوع بالمقارنة مع الجيل الأنف الذكر... وهنا أود تذكير القارئ بأننا نختصر الحديث هنا عن ـ القصة ـ وليس الرواية التي ساهمت الأسماء المذكورة فيها وكانت الرواية جهدها الرئيسي في الكتابة والنشر ولي وقفة معها لاحقا في السطور القادمة.
منذ أوائل التسعينات بدأ يتبلور تيار جديد من القص العراقي.. هو جيل من الكتاب الشباب خارج لتوه من هول الحروب، الحصار، الجوع، القمع، ملتجئا إلى معسكرات اللجوء في دول الجوار؛ إيران والسعودية أو تشّرد بين عمان ودمشق ودول اللجوء في أنحاء العالم. ويظهر لاحقا كتاب ممن بقوا داخل الوطن يعانون ويكتبون بصمت وبطريقة مبتكرة وجديدة. هذا المخاض القصصي العراقي المحتدم احتدام الواقع العراقي الثقافي والاجتماعي والسياسي أظهر أسماء طموحة بدأت بالتنظير لكتابة نص مختلف وأبرزهم جماعة البصرة التي نشرت بياناً وضعت له عنوناً عريضاً يقول ـ مختبر جماعة البصرة أواخر القرن العشرين ـ وعنوان طبيعة الموضوع ـ أنساق القصة القصيرة جداً ـ إضاءات الرحلة ـ هواجس التجربة ـ ووقع هذا البيان؛ القصاصون قصي الخفاجي/ كاظم الحلاق/ نجاح الجبيلي/ كريم عباس زامل/ محمد عبد الحسن. تابعت ما وقع بين يدي من نصوصهم فوجدتها مهمومة بمواضيع جديدة، مختلفة تماما تروي ما لم يروه جيل الستينات المتواجدة رموزه في اللحظة الراهنة في العراق والمنفى، وما لم يستطع أن يرويه الجيل الناضج فنياً الذي ترعرع في المنفى، لكنني تلمست في غالبيتها تخلفاً من ناحية وعي السرد لذاته التي حققتها الأجيال السابقة، فالنصوص التي أطلعت عليها تريد قول كل شيء.. كل المآزق.. كل الهموم الفلسفية.. كل تفاصيل التجربة دفعة واحدة لا تتيحها القصة القصيرة كقالب فني محدود المساحة، مما شظاها بنيةً ولغة، وهذه قراءتي استمرت طوال تسعينات القرن الماضي..
وهذا الجيل يحتاج إلى دراسة نقدية مستقلة تقلب جهده ومساره في مسيرة القصة العراقية لست بصددها الآن.
كنت وقتها أتساءل مع نفسي:
ـ هل سيبلور هذا الجيل الشاب الجديد ـ عند استواء نضجه الفني القريب الأكيد ـ سرداً فنياً جديداً في القصة العراقية جديرة به لما لها من فرادة في التجربة تختلف كليا عن المحيط العربي والأجنبي الملاصق لها؟!.
وكنتُ واثقا من ولادة أو بقولٍ أدق تميز نصوص تطور ما وصل إليه النص القصصي العراقي.. وكنت أنتظر ذلك بحرارة.. وتحقق هاجسي حينما قرأت مجموعة القاص العراقي ـ نعيم شريف ـ ( عن العالم السفلي ) الصادرة عن دار الشجرة دمشق 2003.. ومجموعة القاص ـ لؤي حمزة عباس ـ ( على دراجة في الليل ) الصادرة عن دار أزمنة 1997 الأردن. ومجموعة القاص ـ جلال نعيم ـ ( بينما يحدث في بغداد الآن ). الصادرة عن دار ألواح 2007.



#سلام_إبراهيم (هاشتاغ)       Salam_Ibrahim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 2- ضد الحرب وحتى العادلة
- الطيران الأخير
- 1-ضد الحرب حتى العادلة (مشهد الزوجة العراقية عند مقتل زوجها)
- أصدقائي الأدباء 1- شاكرالأنباري
- باب الظلام
- أساتذتي 1- وفاء الزيادي الشيوعي الوديع
- أيها المثقف العراقي لا تزيد سعار الحرب الطائفية العراقية الم ...
- فداحة العنف حتى الثوري -فصل يثبت العنوان-
- قصائد عن تجربة قديمة
- من كافكا إلى غوركي
- كّتاب قادسية صدام 9- جاسم الرصيف
- كتاب قادسية صدام 8- الكتابة المضادة.
- كتاب قادسية صدام 8- بثينة الناصري
- كتاب قادسية صدام 6- محمد مزيد
- كتاب قادسية صدام 5- المغني حسين نعمة
- كتاب قادسية صدام خضير عبد الأمير-4-
- كتاب قادسية صدام 3- حنون مجيد
- كتاب قادسية صدام 2- وارد بدر السالم
- أدباء قادسية صدام -1- عبد الخالق الركابي
- -مثل طفل يقفز من الرحم إلى العالم. قلب أبيض. عالم أبيض وصرخة ...


المزيد.....




- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - السرد العراقي وتطوره التاريخي: 1- القصة القصيرة