أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمودي زيارة - رواية – اقفاص الرمل (2)















المزيد.....

رواية – اقفاص الرمل (2)


حمودي زيارة

الحوار المتمدن-العدد: 4778 - 2015 / 4 / 15 - 23:28
المحور: الادب والفن
    


علوان عودة كان في بواكير الاربعين من العمر, الصرامة كانت الصفة الغالبة عليه, عامل في مصلحة كهرباء بغداد. وقبل ان يهم علوان بالذهاب الى العمل, طلب بنوع من الحدة, متوجها الى عباس اْن يبقى في البيت مهما كانت الضرورة, واْلا يترك العائلة في هذا الظرف والذهاب الى الاصدقاء, واشار عليه ايضا اْن يقلل من الخروج هذه الايام, والاقلاع عن مشاوير التسكع, هز عباس راْسه وقد تطاوحت ذوائبه المشرئبة, بالرضى, بالرغم من الاستياء الطافح على ملامحه... ومع اْول اطلالة لجلوة الفجر خطى علوان الى الخارج, راح جسده النحيف يترنح على خطواته المرتبكة, ووجه الاسمر يقبض على امارات الغضب بنحو واضح. وبعد اْن مضى وقت ليس بقصير تفاجاْت العائلة برجوع علوان, مقطب الجبين, في حدقتيه اْلق غاضب. استفهمت بدرية عن الامر فساْلته:
- مااْلامر الذي حرضك ان تعود بهذه السرعة.
تفوه بامتعاض:
- الشوارع فارغة, لايوجد اْحد فيها سوى الاشباح, وكاْن المدينة غارقة في بحر من الحيرة, او ربما مازالت تفكر باْثار القصف, لا شئ يحتل الشوارع سوى الصمت واحداق الانتظار.
واضاف علوان:
- سوف انتظر لحين قدوم الصباح, وساْبحث عن هاتف من اجل اْن اخابر الدائرة لغرض ايضاح سبب عدم حضوري, وليحدث مايحدث, فليس ذنبي اْن اْتكلف باْعباء اْخطائهم.
جال علوان ببصره في بياض الجدران, عندما تفوه بهذا الكلام الخطير. في قرابة الثامنة, خرج علوان ثانية يبحث عن هاتف, وفي غضون لحظات, رجع وعلى شدقيه ابتسامة قائلا:
- لا يوجد احد في الدائرة على مايبدو, فقد خابرت عدة مرات. اخالها ترقد في ركام القصف او ربما يجالسها الفراغ.
***
على مدار اوقات نفس اليوم, قبضت الفوضى, واستبد الارتباك, على مناسك الازقة والشوارع والناس كذاك, حيث استغرقوا, بتبادل الاراء بصوت عالي, وقلق المخاوف, وقصص الحروب السابقة... دفقات الدخان الكثيفة والهائلة طفقت تصبغ السماء بالسواد, ربما كان سببا من اجل ان لا ترى الخراب والدمار اللذين ابتليت بهما المدن, الحياة بدورها غابت باْغماء عميق كالعادة نتيجة عذاباتها السالفة مع مشاهد الحروب.
قضى عباس جل وقته مع العائلة, مكبل المشاعر تعتريه نوبات من الغضب, لا يستطيع ان يحجم عويله فتراه بين الفينة والاخرى يعربد كالمجنون.
قبل ان ينتصف النهار, زاره فلاح وفي محاجره شئ من التساؤل والانتقام, صاح فلاح بوجه عباس ما اْن دخلا الغرفة.
- اْراْيت ماذا فعل الاوغاد في حرمة الوطن, وما قد خولوا للهواء من ان يحمل دخانهم, وعهرهم, وخيلائهم... مخاوفنا كانت فقط الشئ الوحيد الذي يضطرب في الحطام واراجيف عبثهم.
دس عباس وجهه في راحتي يديه, وشرع يبكي بوجوم, استمرت دموعه تنداح بمرارة, ثم نظر الى فلاح قائلا:
- اتعلم ان الوطن سيظل عاريا حيال وميض القمر من العار الذي لحق به من حماقة السلطة.
صرخ عباس بحدة:
- اْعقمت السماء من ارسال كوارث تحيل كبرياء الحكومة الى هباء, واروقة تاريخ المسلات الساسة الى حطام.
لم يمض وقت طويل على وجودهم في الغرفة الشاحبة حتى اشار فلاح على عباس بالذهاب الى السوق... الاحتقان, والتذمر بسط غلالته على اوقات النهار, الناس تناثروا خارج البيوت يحلق حولهم صخب مبهم, يتناقشون بنبرات غريبة, اكثر جراْة وشجاعة, وكاْن الخوف زايل اذهانهم... اعتاب البيوت ايضا اصبحت مجالس محتدمة بالنقاش والغضب... ونواصي الطرق تعج بالكلمات المحظورة... الوجوه لاحت كلافتات للسخط والاْلم... وفي لجة براثن الغلواء التي تجثم على قارعات الدروب. داهم عباس شعور بالاستياء فنبس قائلا:
- اي عقلاء وساسة قبلوا بهذا المعتوه ان يكون رئيسا لهم.
وبنوع من المداهنة والاعياء تدفقت كلمات شوهاء من فلاح:
- انت تعرف بأنه قد اْعدم جميع الذين لم يقروا بدكتاتوريته, والذين لم يدلوا علنا بالرفض اختاروا الهروب, فمنهم من ضاع على الارصفة, ومنهم من اركن الى الحانات كالمتسول.
وبتمرد اضاف عباس:
- الفقراء فقط مطالبون باقصاء الحكومة, وقد فعلوا ذلك, ولطالما اهرقت دمائهم, ولكنها لم تظهر حكايات حزينة على صفحات الجرائد, فلهم العقاب, لآن الفقراء اسوء نوع في الخليقة قاطبة حسب مفاهيم اسياد السلطة, فلا يصلحوا الا ان يكونوا حطب لثوراتهم الفاشلة, وبقية الحكومة الهاربة لهم الدور القادم, تعسا لهذه المعادلة الفاجرة التي يتبناها الزمن, للفقراء حد السيف, وللساسة نفط جثثهم.
***
وفي ثورة الغضب والعبث الذي تقوم عليه الدولة في بقائها, شملت الحياة مثارات غير ماْلوفة, تعصف في ناصيات المدن, وتاْلب الصمت المؤجل, وتطارد اخاديد الآزقة, علاوة على ذلك ثمة شعور غاضب يتنامى في الخطوات والعيون, تبعا لذلك تشاوفت مدينة الثورة وكاْنها تخباْ زوبعة وشيكة الانفجار, استمر عباس وفلاح برسم بصمات الخطى على سمت الطريق... السماء بداْت تتلبد بالغيوم والبرد صار اكثر شدة, وفي لحظة صامتة بعد مرور وقت طويل من الطواف في ارجاء مدينة الثورة, تدارك فلاح قائلا:
- تناهى الى سمعي باْن اليانكيز قصفوا كل الجسور الممتدة عبر فضاء دجلة, فدعنا نذهب الى جسر الشهداء.
اْوماْ عباس بالموافقة, وفور بلوغ الشارع, استقلا عربة تنساب باْعياء خلف خبب حصان هزيل, بدلا من السيارات اللاتي رقدن عند حافات الابواب, لانعدام الوقود. كان الحوذي وسخ واحمق, فراح يوسع الحصان ضربا, ولا يتردد ان يدخل بمشادة مع احد ما, ان نصحه بان يرفق بالحصان, بالرغم من ان الحصان استمر يلهث بشدة, تغسله حبات العرق الغزيرة... منظر الحصان تواصل يثير العطف والاشفاق... وبعد تساْل تبادله عباس وفلاح. قال فلاح:
- ربما انه الهوس للحصول على ارباح , فهذه فرصته الخرافية على ما يبدو , فما يتقاضاه من حمل الخضار طيلة النهار , ثمن زهيد مقارنة لما يناله الان.
وعند موقف الباصات الاخير الكائن بالقرب من نهر القناة, هبطا هنالك كيما يستقلا سيارة الى جسر الشهداء... العربات في البداية ماكان بمقدورها أن تصل الى وسط بغداد... وبعد مرور برهة قصيرة لمح عباس سيارة تتوارى في احد اعطاف الازقة, لوح السائق بيده الى عباس. ركضا معا بعد ان لكز فلاح, بخطى مختالة, وهدوء مكتوم, وعلى رمق مبهور, استقرا في جوف السيارة, وما اْن عرف الحشد المتكدس في الموقف, باْمر السيارة المتوارية, هرولوا بجنون, وبخبث واضح ادار السائق محرك السيارة وضغط بقوة على دواسة البانزين, كيما يتنأى عن موجة الناس الجارفة.
ادمنت السيارة تركل الشوارع, وتنهب الطرق الخاوية من الوان الحياة, والنواصي المليئة بوجوه يرنو عليها الحزن, ورائحة البارود والحرب, وظلال الدخان التي تزكم الهواء, وعلى طوال الطريق تبقى تطالعك البنايات المقصوفة, والتي بدت بعضها تغالب النيران التي مازالت تشتعل فيها... مشاهد الخراب والوجع قد كانت الصورة الغالبة على امتداد الطريق. وفي الاعالي كانت طائرات العدو تتبختر بفرح اخاذ دون اي تطفل لعيارات نارية.
وعلى مرمى قريب من جسر الشهداء توقفت السيارة ونزل الجميع, تهادى عباس يحث الخطى نحو الجسر يجانبه فلاح. بدت الاشياء التي تحيط الجسر في ذعر واضطراب, والحياة فيها كئيبة وشاحبة... وما أن اطلت العيون على حافات دجلة حتى فقأت عيونهم قطعة خرسانية هائلة مسجاة في مويجات دجلة الواهنة بوتيرة تبعث على الغضب. وثمة اْناس محتشدة تزنر الضفاف. وكاْن اجسادهم جذوع نخيل لتسمرها... واقفون في مقدمة الجسر المتبقية من القصف المسعور لليلة امس, عيونهم مغروسة باْشلاء الجسر الرازحة في غمار عباب دجلة... تتطفل عباس على عيون الناس, فشاهد بعضها يرمي بنظرة الى السماء بخشوع, وكاْنها تتضرع القدر السماوي اْن يرسل ريح عاتية تحمل الحكومة بعيدا عن تراب الوطن, وثمة عيون تحتضن بتبتل بقايا الجسر, وتذرف الدموع حسرة والم, وظهرت اخرى تمتاح الذكريات, ومناظر النوارس التي كانت ترافق الباصات العابرة. تذكر عباس كيف صفعه ابوه حينما اطلق صفارة على النوارس عندما اخذت تقترب محلقة من الباص... هبط عباس نازلا الى ضفة النهر, من اجل ان يكون على كثب من الكتل الخرسانية التي تردم وتسد مجرى النهر, جثا عباس على حافة من الاسمنت, وبدأْ يحدق باْمتعاض, وبين تارة واخرى كانت تقض نظراته دموع ساخنة تندب احتضار النهر... ومابين تنهدات ناشجة واجهاش ملتاع, ياْتي من الحشود االتي تحيط بالنهر, يشاركون السماء النظر الى مجرى نهرهم المقدس. ألصق فلاح بصره هو ايضا في العبث والجنون الناقع في هيولى دجلة والحقد الذي يوعك تدفقات الماء نتيجة للقطع الكونكريتية التي نشاْت تغير مجراه, وهذا الشؤم الذي حل بضفاف دجلة, وكذلك اخذت الدموع توخز عينيه بغزارة.
وعند اقتراب اوائل ظلمة الليل, بداْت الناس تودع النهر وتقفل راجعة الى بيوتها, النهر سيعيش تفرده مع الليل دونما احد يسامره لهذه الليلة الحثيثة القدوم, ادركا باْن يجب عليهما العودة الى البيت قبل ان يلقي الظلام غلالته... الليل بدأْ زحفه مبكرا هذه الليلة, تشاركه سحب الدخان التي مازالت تعوم على سطوح المدن, هنالك بعض وابل من العيارات تتناهى الى الاسماع, دلالة على ان الظلمة عن قريب سوف تطرق طبول القصف وتغمر المدينة بالرعب واليقظة.



#حمودي_زيارة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية - اقفاص الرمل (1)


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمودي زيارة - رواية – اقفاص الرمل (2)