|
مجدى شلاطة
صفوت فوزى
الحوار المتمدن-العدد: 4778 - 2015 / 4 / 15 - 10:23
المحور:
الادب والفن
دخل الى المكان يظلع فى مشيته . شعره الأسود الكثيف المتجعد كجزائز شاة يتكوم على رأسه كعمامة ضخمة . يميل بجسده النحيل . يضع يده اليسرى فى جيب بنطاله ، يضغط بها على قدمه المعطوبة ، ويسير . الأخضر الطالع من سواد الأرض يملأ المدى . أشعة شمس صباحية تغمر البيوت . تصحو الحياة تدريجياً ، تنفض غبار ليل شتائى طويل . هامات الأشجار مطرقة . مياة الترعة – فى تحنان – تغسل ضفائر الصفصاف المدلاة . هب هواء أول الشتوية قادماً من الغيطان يضرب العظام بأول البرد والمخاوف . تغادر العصافير أعشاشها مزقزقة . تنفتح الأبواب عن دفء الدور وعتامتها ورائحتها ، تلفظ ساكنيها . يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم ، همهمات العابرين فى السكك الباحثين عن الرزق . وحده موقع المشروع كان يبدو كبقعة مهجورة فى قلب اللوحة . ضربات فرشاة متعجلة مغموسة فى لون أسود وبقايا نباتات جافة تكسر حدة الأخضر الزاهى . الحفار الرابض على الأرض كحيوان أسطورى ينحنى بمنقاره الفولاذى وجسمه المعدنى البارد فيبدو ككائن خرافى يغط فى نوم عميق . اقتاده الحارس عبر ممر طويل معتم اصطفت على جانبيه حجرات ضيقة . قدمه للمسئولين : مجدى شلاطة ، سواق الحفار الجديد . ارتسمت الدهشة على الوجوه . تبادلوا النظر فيما بينهم . نظرات متفحصة تنشب مخالبها فى جلده . مشت القشعريرة فى عظامه . " هذه النظرات أعرفها جيداً ، تطاردنى فى صحوى ومنامى ، تخرج لى لسانها ، سكين تتوغل فى الروح ولا تغادر . تبدأ دائماً بالشفقة ، لا تلبث أن تتحول الى سخرية ، تكبر فتصبح قهقهة عالية كبيرة باتساع الكون يبرز من بينها ذو الوجه القبيح صائحاً : قم يا أعرج . أفتح عينى فأراه واقفاً طويلاً حتى السقف يقع ظله على صدرى ويكتم أنفاسى . أنا ما اخترت مساحات الحزن الرابض تحت جلدى ، ولا لون بشرتى ، ولا ساقى المعطوبة . وحدها كانت تحتوينى ، تضمد روحى المنكسرة . تضم وجهى المجهد فى قوس يديها السمراوين النعماوين . كانت بيتى القديم المنسى الذى أؤوب اليه وروحى عطشى للونس . الجدران الحنونة المرنة ، الوسادة المبطنة بالمحبة ، سيدة البهجة . كم تبدو أيامى معها كحلم لمع فى سماء حياتى الباهتة ، ثم انطفأ . " • • • بخطوات وئيدة ، واثقة سار ناحية الحفار . عندما هم باعتلائه تعثرت قدمه فسقط على الأرض . ضحك البعض وهم الآخرون يعاونونه على النهوض . برفق أبعد الأيادى الممتدة وتساند على جسم الحفار . قفزة صغيرة وامتطى ظهر الوحش المعدنى . بيد مدربة أدار المحرك . تصاعد من قلبه الدخان ، كأنما مل الصمت ، وبدأ الهدير . هذا السكون المفاجىء وكأن كل شىء توقف مترقباً . سحب كثيفة قاتمة تتجمع ، رياح باردة توشك أن تنفجر ، وصوت مكتوم أشبه برجفة فى جوف الأرض . ينهمر المطر شلالاً متدفقاً . القبضة الفولاذية بأظافرها المسنونة ترتفع فى الفضاء . تهوى قوية حاسمة تشق قلب الأرض . تخرج أحشاءها الطينية الزلقة . ضحك ممرور ينبت من كل جسمه ، يوشك أن يتحول الى شهقات دامعة ، والناس من حوله يضحكون ويزعقون . من جوف الأرض المبقور يطل ذو الوجه القبيح . تنهال الضربات القادرة العارفة . تبرق السماء وترعد ، يتوالى هطول المطر . عندما انتهى ، كانت السماء صافية ، كأن يداًً قد امتدت ومسحت بقطعة من قماش كل السحب المتناثرة على صفحة السماء ، ولم تترك سحابة واحدة . قفز الى الأرض . فتح أزرار بنطاله ، تدفق خيط الماء على الجسد المعدنى البارد ، فيما استدار هو فاتحاً صدره للريح . كعصفور بلله المطر ، راح ينفض الماء عن شعره المهوش ، ارتكز على يديه رافعاً ساقه السليمة فى الهواء والأخرى تترنح كقطعة جلد زائدة بلا عظام أو أعصاب فيما صوته النشوان يملأ المدى : آآآآآآآآآآه ------------------------
#صفوت_فوزى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النهار الذى كان
-
صهيل
-
ثقب الابرة
-
السؤال
-
عطش
-
أماكن للعابرين
-
الخوف القديم
-
هروب
-
زحمة
-
مرآة
-
رفع الحصير
-
سمكة -قصة قصيرة
-
الفرحة
-
انسحاق -قصة قصيرة
-
الغائب الحاضر - قصة قصيرة
-
كبرياء -قصة قصيرة
-
جدى
-
انحناء -قصة قصيرة
-
فاصل للحلم - قصة قصيرة
-
سلبية الأقباط بين مسئولية الدولة ودور الكنيسة
المزيد.....
-
مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة
...
-
”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا
...
-
غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم
...
-
-كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
-
«بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي
...
-
إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل
...
-
“قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم
...
-
روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
-
منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا
...
-
قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|