أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - إكرام يوسف - مجتمع -يلمع أُكر-















المزيد.....

مجتمع -يلمع أُكر-


إكرام يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 4776 - 2015 / 4 / 13 - 20:00
المحور: حقوق الانسان
    


وتلميع الأكر ، وفقا للتعبير المصري الشعبي ـ كناية عن التلصص على الآخرين، مثلما تفعل العاملة في المنزل، وهي تتلصص عل أصحاب البيت من وراء الأبواب، فإذا ضبطت بفعلتها تتظاهر بأنها كانت تقوم بتلميع أكرة الباب!
كتبت صديقتي على صفحتها أنها استمتعت بتناول الطعام مع صديقاتها في مطعم للمشاوي؛ فإذا بصديق يسألها: "هو انتي مش صايمة؟"!
لعل من أسخف ما نصادفه في حياتنا، عشق البعض دس أنوفهم في شئون الآخرين! هل قلت البعض؟ يبدو أن الأمر أكثر قليلا ! ولعلها من الأمور القليلة في حياتي التي أندم عليها، أنني ظللت ـ حتى وقت قريب ـ أجيب بصراحة على أسئلة فضولية، وأتحرج من أن أصارح سائليها بأن الأمر ليس من شأنهم! بداية من: "انت بتصلي؟" أو "انت صايمة؟" حتى "هو مرتبك كام؟". وظللت اعتبر هذا الحرج عيبا في شخصيتي، ونقطة ضعف تؤلمني كلما تذكرت موقفا من هذه المواقف. ولم أتخلص من هذا العيب، إلا مع تصاعد موجة الطائفية، وتكرر كثيرا السؤال عن ديانتي، بمجرد التعارف، حيث لا يفصح مظهري ولا اسمي الرباعي عن هوية دينية معينة؛ فكنت أرد بحزم وأنا أنظر في عين محدثي "مصرية"! وأنهي الحديث مباشرة، ومعه العلاقة، قبل أن تبدأ.
وكنت أتعجب من حرص البعض على معرفة تفاصيل لا تعنيهم، وأرى أن في حياة كل منا تفاصيل تكفيه وتزيد (ذات مرة، أخبرتني زميلة إنها ستتزوج، فهنأتها، وتمنيت لها حياة سعيدة. فقالت لي "أنت غريبة جدا ما سألتينيش مين!" قلت " المهم عندي انك فرحانة، وانا فرحانة عشانك، لكن اسمه ومهنته مسألة تخصك انت". وفكرت، ذات مرة، أن أجرب توجيه سؤال فضولي لصديقة تزيد في السن قليلا عن سن ابني، ففوجئت بها تجيب بتلقائية على سؤال تافه، وشخصي وإن لم يكن محرجاـ شكرتها على عدم احراجي، لكنني صارحتها بأنني كنت أختبر رد الفعل لدى جيل أصغر، أكثر تحررا، وإن الإجابة الوحيدة على مثل هذا السؤال هي"وانت مالك"!
ولا أعتقد أن الفضول الزائد، صفة طارئة على مجتمعنا؛ فيبدو أنها متأصلة، منذ أيام الأسرة الكبيرة التي تقطن منزلا واحدا، يضع كل فرد منهم أذنيه على جدار حجرة أخيه وزوجته ـ كما في الأفلام القديمة ـ وتتدخل الأسرة كلها في أبسط قرارات تخص حياة ابنهم وزوجته (في أواخر الثمانينيات، حكى لي صديق من أسرة تخرج جميع أبنائها من الجامعة، ويعيش كل منهم في شقة كبيرة تحتل طابقا في بيت مملوك للعائلة، ان الأسرة كلها اجتمعت في شقة الأم بالطابق الأول، لمناقشة رغبة احد الأشقاء شراء جهاز كاسيت تلبية لرغبة زوجته! وأنهم عارضوا ذلك باعتباره تبديدا لماله الخاص!!)
ويشيع في المحتمع أسئلة كثيرة من قبيل "هي بنتك بلغت واللا لسة؟" أو "هو الشبان ماعندهمش نظر؟ مافيش عريس؟" أو "مافيش حاجة جاية في السكة؟ اتشطري بقى وهاتي ولي العهد"!
و يبدو أن الأمر ظل في إطار الفضول، وعدم التدخل إلا في شئون القريبين، حتى تعداه إلى ما يمكن أن أسميه "الإرهاب النفسي" وفرض السلوك، بداية من أواخر السبعينيات. وربما يتذكر شباب هذه الفترة مشهدا كان مألوفا، عندما تزامنت بداية ظاهرة الحجاب، مع مواصلة بعض الفتيات ارتداء الميني جيب؛ حيث تتطوع سيدة في منتصف العمر، بتقديم ايشارب لفتاة تجلس الى جوارها في الأوتوبيس ناصحة اياها بتغطية ركبتيها! ومع انني لم ارتد الميني جيب ابدا ـ فلم يكن ذلك خيارا مطروحا في العائلة ـ إلا أنني كنت أشعر بالاستفزاز، كلما شهدت موقفا مماثلا، خاصة عندما تستجيب الفتاة للابتزاز؛ تحت وطأة الحرج! وتمنيت أن أرى إحداهن ترفض بحزم هذا التدخل السخيف!
ومع تصاعد موجة التدين الشكلي، استفحلت الظاهرة، وانشغل الكثيرون بالاطمئنان على حسن سلوك وتدين الآخرين. واعتبر كل منهم من واجبه تقويم سلوك من يعرفهم ومن لا يعرفهم، ولو بالأمر والتهديد، والتشهير إن لم يمتثلوا!
ذات مرة، استوقفت تاكسيا أمام الجريدة، لينزل منه زميل ملتح، وتبادلنا التحية. وبعد أن ركبت، سألني السائق عنه، فأجبته انه موظف في الجريدة. قال لي "راجل غريب جدا، راكب معايا من شبرا للمهندسين، عمال يقول لي ان النضارة الشمسية زينة، والزينة حرام للرجال! أقول له شغلي بيعرضني للشمس طول النهار. يقول لي برضه حرام، ويقول لي آيات من القرآن وأحاديث، ومش راضي يبطل كلام، وأنا أصلا مسيحي"!
ثم انتشرت ظاهرة، ركوب البعض وسائل المواصلات لإلقاء الخطب الدينية، وما يصحبها من توجيه تهديدات بالويل والثبور وعظائم الأمور لمن لا يسلك في حياته وفق مايقولون. وشاع إصرار سائقي التاكسيات على تشغيل شرائط كاسيت لخطب مشاهير الدعاة عن الحجاب وآداب السلوك، وكلها لا تخرج عن الحجاب والعري والنكاح والمضاجعة والوطء والفاحشة (ثم نتعجب من انتشار ظاهرة التحرش، بينما الأطفال من سن العاشرة لا يسمعون في حطب الجمعة وأحاديث الدعاة سوى هذه الموضوعات!). ومن الخطب التي أذكرها قول أحد الدعاة أن حليق الذقن آثم اثما يفوق القاتل والزاني "لأن القاتل أو الزاني ربما ارتكب جريمته في لحظة ضعف ، ثم أفاق، لكن من يخرج الى الناس عاري الخدين، يمارس الزنا 24 ساعة يوميا"! يستمع البعض إلى هذه الأحاديث، فتعجبه، ويقرر من فوره، أن يلزم بها الآخرين رغما عنهم! آملا أن تزيد في ميزان حسناته!
وتزيد شهوة دس الأنف في شئون الآخرين، عندما يتعلق الأمر بالمرأة؛ باعتبارها ناقصة عقل ودين، يحق لمن هب ودب توجيهها والتدخل في أدق شئونها. أما إذا كانت مطلقة، أو أرملة؛ فهي مستباحة، وجب على الجميع، نساء ورجالا، التلصص عليها، للتأكد من استقامتها (أعرف أرملة شابة، سكنت مع اطفالها في شارع يقطنه أقارب لزوجها المتوفي؛ كان أحدهم يصر على التطفل عليها، بمجرد ان يلمح باب شرفة الصالون مفتوحا، ويصر على البقاء حتى لو كانت تستضيف صديقات، باعتباره نائبا عن رجلها الراحل! وكان الآخر يستوقف طفلها في الشارع، ليستعلم منه عمن يزورهم في البيت، على الرغم من أن زوجته لم تكن تغادر شرفة شقتها المقابلة، تتابع منها أحوال الشارع وتتفاخر قائلة "أنا أعرف كل واحدة في الشارع طابخة إيه النهارده"!).
فليس من المستغرب اذا، أن تتناقل صحف صفراء فضائح، وأسرار شخصية أوقضايا لمشاهير تتداولها المحاكم، يتلقفها البعض ويقتلونها نقاشا، بدعوى الدفاع عن الفضيلة، وفضح الفاسقين؛ غير منتبهين إلى أنهم يخوضون في الأعراض، وربما يتسببون في إيذاء أبناء وأقارب أبرياء لمتهمين؛ لم تثبت إدانتهم بعد!
ولن أنسى أبدا مأساة تسببت فيها زميلة؛ حكت لي أن صاحب مكتب في نفس الطابق الذي تسكن فيه، يستقبل سيدات في مكتبه، وإنها تفكر في إبلاغ زوجته. وعندما سألتها كيف عرفت بهذا الأمر وهي في شقتها، قالت ببساطة إنها تشاهدهم من "العين السحرية" لباب شقتها! وعلى الرغم من نصيحتي لها ألا تتدخل فيما لا يعنيها، اتصلت بزوجة الرجل، وانتهى الأمر بمأساة مروعة! وكانت زميلتي مقتنعة أنها تصرفت بما يمليه عليها ضميرها.



#إكرام_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أكان لا بد يا -لي لي- أن تزوري الفيل؟
- لمصر..لا من أجل ليليان
- آآآآآه.. يا رفاقة
- بنتك يا مصر!
- رفقا بجيشنا!
- دفاعا عن شرطتنا
- مطلوب ثورة!
- حصنوا أبناءنا
- اختيار رباني!
- السحر والساحر
- العصفورة.. والدروع البشرية
- بين الهيبة والخيبة
- المخلوع شامتًا!
- مؤامرة على الإسلام
- هذا الرجل نحبه
- أمهات السادة الضباط!
- القصاص القادم ممن؟
- شافيز..زعيم تحبه الشعوب
- تأدبوا في حضرة الشعب!
- هتك عرض الدولة


المزيد.....




- اعتقال رجل هدد بتفجير نفسه في القنصلية الإيرانية بباريس
- طهران تدين الفيتو الأمريکي ضد عضوية فلسطين بالأمم المتحدة
- عشية اتفاق جديد مع إيطاليا.. السلطات التونسية تفكك مخيما للم ...
- الأمم المتحدة تدعو إلى ضبط النفس في الشرق الأوسط
- سويسرا تمتنع في تصويت لمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم ا ...
- اعتقال أكثر من 100 متظاهر مؤيد للفلسطينيين من حرم جامعة كولو ...
- بمنتهى الوحشية.. فيديو يوثق استخدام كلب بوليسي لاعتقال شاب ب ...
- البرلمان العربي يستنكر عجز مجلس الأمن عن تمكين فلسطين من الح ...
- الكويت: موقف مجلس الأمن بشأن عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ي ...
- قائمة الدول التي صوتت مع أو ضد قبول الطلب الفلسطيني كدولة كا ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - إكرام يوسف - مجتمع -يلمع أُكر-