أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - المستنقع















المزيد.....

المستنقع


عبد الفتاح المطلبي

الحوار المتمدن-العدد: 4776 - 2015 / 4 / 13 - 00:22
المحور: الادب والفن
    


المُستنقعُ
قصةٌ قصيرةٌ
عبد الفتاح المطلبي
ثمةَ دبيبٍ في رأسهِ أدمنَ التجوالَ فيه مثل دودٍ جائع ينهشُ تلافيفَ دماغِهِ الذي استسلمَ لها هامداً حتى بات هذا الدبيب مألوفاً ، أوهامٌ عتيقةً وعفنةً ركَدَتْ في آخرِ أيامِها بعيداً في قعر الرأس واستقرّت دون أن يشعرَ لتبيضَ كثيراً من مزاياها القديمةِ قيئاً و حموضةً على طعمٍ حياتهِ فبدا مُتأففاً متضايقاً مما آل إليه حالهُ،دفعه هذا الزحام المتفاقم للأفكار السود إلى الإستعانة بثقوب الحياة لتكون مهربا مثلما تفعل ذلك الحشرات التي لا تعرف الصراخ مد يده إلى جيب بنطاله الرثّ واطمأن لوجود عّصّارةِ السيكوتين ثم واصلَ سيرَه إلى حافة المستنقع الذي تقبع حوله بيوت الصفيح مشكلةً تجمعا أميبيا يغيّرُ شكلهُ بين فترةٍ وأخرى تَخرُجُ من بين امتداته الكثيرة مساربُ المياه الآجنة لتمدهُ بمزيدِ النتانة والقذارات ، جلس هناك على الحافة غير مبالٍ بالعفونة ، رأى أن المستنقع الذي تصنعه بيوت الصفيح تلك يشبه إخطبوطا يمد أذرعه السود إلى أحشائها محاولاً سحبها إلى جوفهِ النتن وقد بدا هائل َ الأذرعِ بيد أنها راحت تقاوم بالرغمِ من خسارتها بعضَ صفيحها المُهترئ لصالح ذلك الإخطبوط الأسود ، وضعَ إنبوبَ السيكوتين لصق منخريه وشمّ بنفسٍ عميق أبخرتهُ عدة مرات فاستقبلت رئتاه شميمَ الأنبوب بنشوةٍ كبيرةٍ ، قرفص على الحافة المتعرجةِ وراح يُحدقُ في السواد، خيل إليه أن ثمةَ ما يتحرك تحت، ألقى بنظرهِ إلى هناك من مسافة ٍقريبةٍ، صار هاجسُه أن يتفحّصَ تلك االإهتزازات والمويجات التي يصنعها تيارٌ من الهواء ضلّ طريقهُ ماراَ من فوق السائل المعتم حتى لكأن مستنقعا آخرَ قد فاض بتلافيف مخه وملأ قحفَ رأسه، أصبح أمرا ملفتاً للمارةِ جلوسُه الطويل على تلك الحافة يدوّمُ راسه المسطول بين نصفِ غائبٍ عن الوعي ومطأطئٍ قليلا ليرى الذي يحصل هناك وهو يبحلق ثم يفرك عينيه مدركا تماما أن لا ذنب له في كل ما يحصل ولم يعد يبغي غير إبادة الدقائق والساعات ناظرا إلى ماءٍ آجنٍ يتحرك فيه خلقٌ كثير من الدود المنشغل بمصيره غير عابئٍ به ولا بهمومه ولا يشعر به مطلقا معتبراً ظله الممتد جزءاً من العتمةِ الباذخة ، تعجب من انحراف تفكيره ورجح أن ذلك بسبب انحرافاتٍ قديمةٍ طالما قفزت إلى مخيلته مُنتجةً كل هذا العفن الذي يغزو رأسَه ثم استطردَ محدثا نفسه : كيف لهذا الدود المنهمك بمستنقعه أن يواصل حياته بعيدا عن عفونته وعتمته، أتراهُ يصنع تلك العتمة ويستتر بها خوفا من ضوء الشمس؟ شمسُ الصيف قادمة وعليه أن يفعل ذلك فبعتمته وعفونتهِ يضمن حياته وكأنه يُدرك هذه الحقيقة ،راح يخوض غمار حياته على عجل، بعد مرور زمن ليس بالقصير كان هناك بالقرب منه على حافة المستنقع من يسأل أو ربما جاء ليسخر منه أو يلهو قليلا:
-ماذا...ماذا هناك؟ ودون أن يلتفت وبحروفٍ تعتعها شمّ إنبوبة الصمغ وأبخرة الثنر أجاب:
- دود ...دود كثير.... يتحرك... ..ألا ترى؟
-همممممم...
وأتى آخر بعد ذلك وسأل السائلَ الأولَ الذي امتلك الجواب دون عناء ولم يبخل به لغيره وهذا الأخير لم يبخل به لآخر وهكذا علِمَ الجميع أن دودا أسودَ يواصل حياتهُ في المستنقع...! أليس من الطبيعي أن يكون للمستنقعِ دودهُ ،أدرك ذلك البعض هزّوا أكفهم وغادروا بينما تابع النظر إلى المستنقعِ أولئك الذين لا زالوا مرتابين بالنوايا محاولين تأويل الأمر بأبعد من ذلك ما استطاعوا
هكذا صار يتحلقُ حول المستنقع الكثيرُ من الذين يهربون من آلامهم الصغيرة التي تطاردهم مثل بعوضٍ عنيد وقد أدركوا بحسهم أن شيئا يتعلق بذلك السائل الأسود قد خفيَ عليهم ولابد من استكناهه فليس من المعقول أن يتحلق هذا الجمع حول بركةٍ آسنةٍ دون سببٍ وجيه، بعضهم كان موجودا ليس لأنه يريد معرفةَ ما يجري بل لرغبته في أن ينتمي للجمع المطل على المستنقع فقط، كان السطح في البداية رائقا بالرغم من سواده لكن بعد مضي زمن صارت الفقاقيع تنتفخ فوق سطحه كالدمامل مع ارتفاع وتيرة حرّ الشمس وتتابع انفجاراتها المريعة منتجةً ما عليها من النتانة والقبح وكلما نشطت الفقاعات مطلقةً غازاتها أطلقت تلك المخلوقات العنان لحياتها، الجمعُ المتحلق حول المستنقع الآجن بدا غيرَ مستقرٍ فمنهم من يغادر ومنهم من يلتحق والجميع صار يعرف أن دودا كثيرا يُمارس الحياة في المستنقع ، تخلل ذلك وصلات من الحديث حول الفقاقيع وبعض الدكنة والإشراق فيما يتعلق بلون الدود ،موحين بأنهم من أولئك الأفذاذ الذين يتأبطون الصحف التي لم تلق رواجا في السوق فحصلوا عليها مجاناً، قال بعضهم أن ما يحصل في المستنقع قد حصل في أمكنة وأزمان متفاوتة وإن كل ما يجري محكومٌ بأسبابه بيدَ أنهم لا يدركون لمَ هم هنا يراقبون وهل أن غيرهم قد فعل ذلك في ما مضى، ؟ وبذلك ظلوا يداومون على الإدلاء بآرائهم التي لم يسألهم عليها أحد وراحوا يلقون نظرةً على المستنقع ودودهِ بين جملةٍ وأخرى مرجحين أنه ربما يحصل شيء قد يرغبون برؤيته إلا أنه كان الوحيد من بينهم جميعا ظلّ صامتا حتى اختفاء آخر السائلين والمستريبين والطامحين وخَلا لهُ المكان مرةً أخرى ، مد يده إلى جيب البنطال وراح يعبئ رئتيه بأبخرة السيكوتين التي تنفذ إلى الصدر باستنشاقٍ مستمر وعلى ذلك استمر يستنشق حتى سال لعابه من طرف فمه وثقل رأسه وصار كحجر ، ثم أسلم خده إلى التراب وغاب عن الوجود وقد ازدحم الدود الأسود في رأسه ، رأى أنه قد استحال إلى دودة ، تعجب لاكتشافه ذلك ها هو يبدو متلويا متحسسا الرطوبةَ من تحته، راح يتدحرج حتى سقط في عتمةٍ عفنةٍ يتقلبُ بين دود كثير، دودٌ يتحرك صوب كل الإتجاهات ،شعر أن هذا الدود يناصبه العداء ويزدريه رغم كل ما يتلقاه من عفونة ، لم يفهم لمَ كان الدود منصرفا إلى ازدرائه واحتقاره ، كان في غيبوبته ينظر إلى الدود ولا يجد اختلافا بينه وبين تلك الجموع الزاحفة ، صرخ بإحداها : ألستُ أحدكم فبمَ ولمَ هذا الإزدراء ، أحس أن دبيبا يقترب منه حتى لامسه ، سمعه يهمس : أيها الأبيض الأخرق ألا ترى أنك لست منا ، ليس لك سوادنا أيها الأبيض البشع ولكنك تتستر بعتمتنا كيف تتجرأ على الظهور بلونٍ آخر غير لوننا ، راح الدود الأسود يدفع به إلى حافة المستنقع وقد رأى أنه استوعب محنته تلك و لم يعد أمامه إلا الفرار زحفاً ، راقب نفسه وهو يموت خارج المستنقع وتمتصه التربة حتى تلاشى تماماً وفي لحظة التلاشي تلك أحس بقدمٍ تركله ، فتح جفنيه ببطئ وجد الشرطي يأمره بالصعود إلى القفص الحديدي ، أكمل غفوته والسيارة تسير متمسكا بما تبقى لهُ من نشوة أبخرة الثنر في إنبوبة السيكوتين.



#عبد_الفتاح_المطلبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مواجع
- غنِّ يا نايّ -قصيدة
- نسر- قصة قصيرة
- دارنا أيها الناس
- تراتيل الناي -قصيدة
- تدجين -قصة قصيرة
- أمريكا.....الدم...قراطية
- آخر الأحلام-قصة قصيرة
- سبايكر
- طواف حول أسوار الكتابة
- يا أنت- قصيدة
- الخرس - قصة قصيرة
- الحكاية كما وردت
- إيزابيلا أنت السبب
- نزيف
- الحياة - شعر
- هموم السعدان -قصةٌ قصيرة
- إنطباعات حول الخيال والرمز في السرد
- كنا ثلاثة- تهويمات
- مُجرّدُ دُمى - قصة قصيرة


المزيد.....




- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...
- حديث عن الاندماج والانصهار والذوبان اللغوي… والترياق المطلوب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - المستنقع