أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فتحى سيد فرج - جدل الهوية والنهضة (البحث + المراجع) 1من 3















المزيد.....

جدل الهوية والنهضة (البحث + المراجع) 1من 3


فتحى سيد فرج

الحوار المتمدن-العدد: 4772 - 2015 / 4 / 9 - 09:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


جدل الهوية والنهضة
مصر محشورة بين العميق وبين الضرورى العميق هو الموروث الذى لا يمكن أن تتخلص منه، والضرورى هو العصر الذى لا يمكن الابتعاد عنه، وفى هذه اللحظة عليها أن تبحث ما الذى يجب مراجعته؟
جون لوكا أستاذ العلوم السياسية الفرنسى
فـتحى سـيد فـرج
الإطار المنهجى
إشكالية الدراسة/ موضوع الدراسة : تتباين رؤى وأفكار التيارات الفاعلة فى الواقع المصرى المعاصر حول مفهومى الهوية والنهضة، فمنذ ما يقارب القرنين وكل تيارات التفاعل الاجتماعى فى مصر والبلدان العربية (تيار الإسلام السياسى، التيار القومى ، التيار اليسارى، التيار الليبرالى) تتبارى فى تقديم أطروحات ومشروعات نهضوية، هناك تيارات ترى أن النهضة سوف تتحقق بالعودة للماضى وإحياء مفردات عصر من العصور، وهناك تيارات أخرى ترى أن النهضة استشراف للمستقبل والعمل من أجل بناء مجتمع جديد، وعلى صعيد الهوية هناك من يرى أنها ثابتة ثبات الجذور وأنها الخصوصية المستمرة المميزة لكل مجتمع، وهناك من يرى أن الهوية تعبير عن الوجود الإنسانى فى تطوره عبر العصور تتغير وتتطور بفعل تغير الأحوال والظروف والاحتكاك والتفاعل بين المجتمعات .
ولا شك أن النهضة قضية محورية وموضوع حيوى فى الحياة المصرية منذ بواكير القرن التاسع عشر، وحلم يسعى إلى تحقيقه القائد السياسى، والخبير الاقتصادى، والباحث الاجتماعى، والفقيه الدينى، والمبدع الثقافى، كل منهم يدعى أن لديه مشروع نهضوى سوف يجعل الحياة أفضل وأكثر إشراقا، ولكن منطلقات كل منهم تتباين وقد تصل للتناقض، تصل أحيانا إلى صراعات عدائية واقتتال بسبب خلفياتهم الفكرية ومواقفهم الحياتية، من خلال تباين المواقف بين هذه التيارات والاتجاهات الفكرية والثقافية تتحد إشكاليات النهضة وتنازعها مع مفهوم الهوية لكل فريق، هذا يجعلنا نفرد هذا البحث لنبين أوجه الاختلاف والتعارض التى أدت لتعثر مشروعات النهضة المتكررة لأكثر من قرنين من الزمن فى الواقع المصرى على وجه الخصوص وفى البلدان العربية على وجه العموم .

تساؤلات الدراسة :
1. رغم كل الدعاوى والمشروعات التى طرحت بهدف "النهضة" منذ ما يقارب القرنين، هل شهد الواقع المصرى أو البلدان العربية والإسلامية نهضة حقيقة ناجزه ؟ .
2. هل هناك علاقة أو أى تأثير وتأثر بين مفهوم ومسارات النهضة فى أوروبا ودعاوى النهضة فى مصر والبلدان العربية والإسلامية ؟ .
3. فى ظل إشكالية / موضوع الدراسة، هل هناك إمكانية من تحقيق نهضة حقيقة ناجزه فى مصر أو فى أيا من البلدان العربية والإسلامية؟ . وما هو السبيل لنهضة حقيقة تحقق أهداف النضال الوطنى فى التقدم والرخاء والعدل والحرية وبناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة فى هذه المنطقة الحائرة من العالم ؟ .

الهدف من الدراسة :
1. تقييم الأطروحات والمشروعات التى ادعت أنها تسعى لتحقيق نهضة فى مصر أو فى البلدان العربية والإسلامية، وكشف ما جرى فى الواقع وما تحقق من نتائج لهذه الأطروحات والمشروعات النهضوية .
2. توضيح العلاقة ودرجة التأثير والتأثر بين نهضة أوروبا من جهة وبين ما حدث فى مصر والبلدان العربية الإسلامية من جهة أخرى .
3. تقديم تصور موضوعى لتحقيق نهضة حقيقة ناجزه .

منهج الدراسة : فى هذه الدراسة سوف نستخدم أكثر من منهج لتحليل الخطابات النهضوية بهدف استخلاص دلالتها العامة وتفسيرها، وتقييم مشروعات النهضة ونقدها بهدف الوصول إلى ما جرى فى الواقع المصرى على وجه الخصوص والعربى على وجه العموم .
أولا - المنهج السياقى : والذى يقوم على تحليل البنى الداخلية للخطابات، وتقويمها فى إطار السياق التاريخى والاجتماعى، والذى نجده عند الباحث الباكستانى أكبر أحمد فى حديثه عن أنثروبولوجيا إسلامية، والباحث التونسى المنصف بن عبد الجليل، كما يعتبر محمد أركون ممن ارسوا هذا المنهج، حيث يقوم لديه على مجموعة من المحددات ويستهدف نقد العقل الثيولوجى الذى مارس دوره كنظام ثقافى رافض للآخر، ويستعين فى ذلك بعلم الدلالة البنائى الذى يهتم بمنظومة الأفكار الثابتة والمسيطرة التى تتردد فى الخطابات العقائدية .
(1)
ثانيا – المنهج السوسيولوجي : وهو المنهج الذى رسخه أركون كمنهج جديد ويسميه "سوسيولوجيا الفشل والنجاح"يحاول من خلاله اكتشاف ديناميات (نجاح) خط فكرى أو مشروع ثقافى فى فترة زمنية محددة أو بيئة ثقافية معينة، وقد يفشل نفس المشروع الثقافى فى فترة أخرى أوبيئة ثقافية مخالفة، ويعتبر أن تطبيق مثل هذا المنهج أمر ضرورى فيما يخص الخطاب الإسلامى، فقد فشل فكر ابن رشد فى البيئة الإسلامية، ولكنه حقق نجاحا فى البيئة المسيحية فى أوروبا! . (2)
ثالثا – منهج تحليل الخطاب : الذى يعد من بين أهم المناهج المستحدثة فى العلوم الاجتماعية المعاصرة لأنه يتجاوز بمسلماته النظرية وفئاته التحليلية المنهج التقليدى لتحليل المضمون الذى كان يقوم أساساً على فئتين رئيسيتين للتحليل هما ماذا قيل وكيف قيل؟. لذلك يعتبر هذا المنهج قادرا على مجابهة القصور النظرى فى منهج تحليل المضمون، لأنه يعتمد أساساً على تفكيك الخطاب للكشف عن بنيته العميقة، والدليل على ذلك القاعدة المعروفة له وهى " أن ما سكت عنه الخطاب قد يكون أهم مما ذكره الخطاب"! (3) كما أن التحليل النقدى للخطابات الفكرية، يمكن أن يمثل توجها مفيدا فى فحص سياقات ورهانات الخطابات النهضوية، وهذا المنهج أصله واستخدمه بجداره فى عديد من الدراسات كلا من نصر حامد أبو زيد ومحمد حافظ دياب .

النهضة : كثر الحديث فى السنوات الأخيرة حول موضوعات "النهضة " و"الهوية" فكتبت مقالات وأبحاث وألفت كتب وعقدت ندوات ومؤتمرات، وقدمت مشروعات، وتخيل البعض أن كثرة الحديث عن النهضة قد ينتج نهضة، ولكننا نؤكد أن كثرة الحديث عن شيء ما لا يعبر بالضرورة عن اقتراب حدوثه، ولكن قد يكون عجزا وعدم قدره على حدوثه، وقد يتسبب فى تعويق حدوثه بتوسيع دائرة الخلافات والمنازعات حوله، هذا ما حدث بالفعل فقد اختلف المؤرخين والكتاب العرب فى كل ما يتعلق بالنهضة، اختلفوا حول التعريف، ومتى بدأت شرارة النهضة سواء من حيث الزمان أو المكان، ومدى تحققها، ووصل الأمر إلى أن البعض يرى أنه لم تحدث نهضة بالمعنى الحقيقى فى مصر أو فى البلاد العربية والإسلامية .
وسوف نعرض لهذه الاختلافات من خلال تحليل خطابات التيارات الفاعلة فى الواقع المصرى والعربى (تيار الأصولية الإسلامية الذى تحول إلى الإسلام السياسى، التيار القومى ، التيار اليسارى، التيار الليبرالى)
1. التعريف
نظرا لان هذا البحث يركز على توضيح العلاقة بين الهوية والنهضة، لذا نجد أنه من المفيد البدا بوضع تعريف إجرائي لكل منهما على النحو الآتى :
تعريف النهضة : عملية اجتماعية ذات إبعاد سياسة واقتصادية وثقافية تهدف إلى ارتقاء نوعية حياة شعب ما خلال فترة زمنية محددة فى جميع مجالات الحياة .
تعريف الهوية : هى الخصائص المميزة للأفراد والمجتمعات، تتضمن عناصر لها ثبات نسبى، وعناصر تتطور وتتغير وفقا لتغير الظروف والتأثيرات المتبادلة بين الثقافات عبر العصور، فى المجتمعات المنسجمة التى ينعم فيها الأفراد بتحقيق الذات لا يثور سؤال الهوية، ولكن فى المجتمعات التى تعانى من أزمات يطرح سؤال الهوية ويظل مطروحا بإلحاح طالما استمرت الأزمات، انطلاقا من هذه التعريفات الإجرائية سوف نستعرض التباينات والاختلافات بين التيارات الفاعلة فى الواقع الراهن بمصر والبلدان العربية .
فجمال الدين الأفغانى الذى يعتبر رائد لتيار الإسلام السياسى يكتب "أن أمة العرب لم تكن شيأ مذكورا قبل الإسلام ثم أصبحت بفضله أمة عظيمة ذات حضارة زاهرة حتى صارت كأنها روح العالم وهو لها مجرد البدن، هذه الأمة آل أمرها إلى الفرقة والتشتت والضعف والانحطاط حتى أصبحت طمعا للطامعين، وهى مريضة مشرفة على الهلاك، وسبب هذا الضعف والمرض هما انحراف الأمة عن أصول دينها الذى به نهضت فى الماضى وبفضله سادت على الأمم، وإذن : فعلاجها الناجع أنما يكون برجوعها إلى قواعد دينها والأخذ بأحكامه .. وإيقاد نار الغيرة وجمع الكلمة وبيع الأرواح لشرف الأمة، وقد اتفق حول هذا المعنى محمد عبده، مالك بن نبى، الأمير شكيب أرسلان، رشيد رضا وغيرهم (*)، وما يزال هذا المضمون حيا كبرنامج واستراتيجيا للأصولية الإسلامية التى تحولت إلى الإسلام السياسى بشكل واضح خلال القرن العشرين . (4)
وإذا كان تيار الإسلام السياسى يرى أن النهضة يمكن أن تتحقق بالعودة إلى الماضى، فإن التيارات الأخرى ترى أن النهضة لا يمكن تحقيقها إلا باستشراف المستقبل، فالتيار القومى تتمحور النهضة لديه حول الوحدة العربية كهدف ووسيلة للتحرر والتقدم، ورغم ذلك ثار خلاف وجدال استمر طويلا بين أحزاب البلدان العربية القومية حول أولويات هذه النهضة (وحدة، حرية، اشتراكية) أم (حرية، وحدة، اشتراكية) بمعنى أن الوحدة قد تعتبر مدخلا لتحرر الأوطان من الاستعمار، وتحرر المواطن من الاستغلال، والعمل على التقدم من خلال مشروعات تنموية ذات طابع اشتركى، أو أن يكون الاستقلال من الاستعمار هو المدخل الأول لتحقيق باقى الأهداف .
ويختلف التيار اليسارى حول هذه المنطلقات حيث يرى أن النهضة هى تغير جذرى فى الواقع الاقتصادى والبناء الاجتماعى والكيان الثقافى والتركيب الطبقى من خلال تغير علاقات الإنتاج وأشكال الملكية .
أما النهضة عند التيار الليبرلى فهدفها ومعناها هو بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، دولة سيادة القانون، وتحقيق المواطنة من خلال عدم التمييز بين المواطنين بسبب العرق أو الدين أو الوضع الاجتماعى .
وهكذا تنوعت التيارات الفاعلة فى الواقع العربى حول مفهوم ومصطلحات النهضة تبعاً لخلفياتهم السياسية ومنطلقاتهم الإيديولوجية، كما اختلف المفكرون العرب حول بداية النهضة سواء من حيث المكان أو الزمان على النحو التالى :
2. بداية النهضة : حول بداية شرارة النهضة يقول السيد ياسين "هناك خلاف شديد بين المؤرخين والعلماء الاجتماعيين فيما يتعلق بتحديد اللحظة التاريخية‏ التي بدأت فيها شرارة النهضة العربية‏.‏ الرأي السائد كان أن هذه اللحظة تتمثل أساسا في احتكاك المجتمع المصري المملوكي المتخلف بالحضارة الغربية في الصراع الدامي الذي تم بين الحملة الفرنسية بقيادة نابليون والمجتمع المصري‏، فالنظرية التقليدية لدى أغلب المؤرخين العرب : إن الحملة كانت أشبه بالحجر الثقيل الذي حرك بحيرة الركود المملوكية‏، وكانت أشبه بالمقدمة التي تلقفها من بعد‏ محمد علي‏‏ لكي يؤسس مصر الحديثة بناء علي مشروع حضاري كامل‏ مازال محل خلافات بين المؤرخين في تقويمه‏ .
‏غير أن النظرية التقليدية تحدتها نظرية راديكالية صاغها باقتدار المؤرخ الأمريكي الماركسي‏ "بيتر جران"‏‏ في كتابه الشهير‏‏ "الجذور الإسلامية للرأسمالية‏"‏ الذي ذهب فيه‏- من خلال دراسة مصر في النصف الثاني من القرن الثامن عشر إلي أن الحملة علي عكس ما يقال‏-‏ أجهضت نهضة وطنية مصرية خالصة‏،‏ تجلت أساسا في نمو ملحوظ للرأسمالية التجارية‏،‏ رافقه تطور فكري في دراسات اللغة والأدب والفقه. (5) يتفق عماد بدر الدين أبو غازى مع هذه النظرية، حيث يحدد الخلاف بين اتجاهين رئيسيين يحصران أزمة النهضة فيما بين أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، حيث يذهب الاتجاه الأول – من رموزه البارزة لويس عوص وحسين فوزى ومحمد فؤاد شكرى وعبد الرحمن الرافعى – إلى أن الاحتكاك بالغرب كان أساس النهضة الحديثة، بينما يرى الاتجاه الثانى – من أبرز ممثليه بيتر جران وسمير أمين ونيلى حنا – أن الاحتكاك بالغرب هو الذى قطع الطريق على إمكانيات النهضة الحقيقية التى كانت بوادرها الأولى وأسسها الاجتماعية تختمر فى المجتمع المصرى إبان النصف الثانى من القرن الثامن عشر (6).
وهناك من يرى أن "النهضة" بدأت في الإمبراطورية العثمانية، وفي تركيا بالذات منذ عهد السلطان أحمد الثالث (1703 - 1730) وخليفته السلطان محمود الأول ( (1754 -1730 واكتسبت زمن السلطان سليم الثالث (1789 - 1807) زخماً وقوة كبيرين. ففي عهده تسللت إلى تيار الفكر في أرضه مبادئ الثورة الفرنسية (7) .
أما بن بشر المؤرخ السعودى صاحب كتاب "المجد فى تاريخ نجد" فهو يقول، إن أول نهضة قامت في العالم الإسلامي هي تلك التي قادها الإمامان محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود سنة (1157 هـ - 1818م) وكانت نهضة دينية رفعت مستوى الفكر والسياسة والأدب، وعم نفعها جزيرة العرب وغيرها (8).
ويقول جبران مسعود أن النهضة لم تتفتح فقط بحملة "بونابرت" وبهمة محمد على، ولكن الحقيقة تأبى علينا توضيح أن لبنان كذلك بزغت فيه نهضة ترعرعت وشاركت فى مسار النهضة العربية (9) كما يرى سيار الجميل أن مرحلة اكتساب التجارب سارت فى نفس الوقت فى لبنان وتونس والعراق والمغرب وسوريا، كما شهدت ليبيا ابان العهد (القرمانلى 1711- 1835 بوادر نهضة فكرية وتحسن للأوضاع الاقتصادية (10) ويجسد محمد المنونى أفكار حول خصوصية النهضة الحديثة ونزاهتها فى المغرب الاقصى (11) .
أما بخصوص "زمن" النهضة العربية فيكاد يجمع أغلب المفكرين والباحثين العرب على أن القرن التاسع عشر هو المجال الزمنى الذى تبلور فيه مفهوم "النهضة"فالمفكر المغربى محمد عابد الجابرى يرى أن عصر النهضة العربية زمنا واحدا يبدأ بمطلع القرن التاسع عشر، ولم ينتهى حتى يومنا هذا (12)فى حين يقسم أنور عبد الملك عصر النهضةة العربية إلى قسمين : النهضة الأولى ( من محمد على حتى عرابى) والنهضة الثانية (عهود القرن العشرين) (13) فى حين يربطها المؤرخ البرت حورانى بالإصلاحات العثمانية التى اشتد عودها خلال النصف الثانى من القرن التاسع عشر (14) .
والمؤرخين هشام جعيط وعلى المحافظة يربطانها بالإصلاحات والحركات الدينية العربية(*)(15,16) كما ربطها المؤرخ جورج انطونيوس بـ"يقظة العرب" وتفجر ينبوع القومية العربية (17) ويتفق معه المؤرخ عبد العزيز الدورى الذى جسدها بجملة من المفاهيم والكتابات التى أنضجها الفكر القومى العربى الحديث(18) أما سيار الجميل المفكر العراقى فيرى أن عصر النهضة العربية مركب من ثلاثة أزمنة بجملة ما تحفل به من العناصر التى يجسدها "تكوين العرب الحديث" فى صيرورته ومنظوماته الحية، حيث يرى أن النهضة مرت بمرحلة الجذور (الفكرة/اليقظة/ التحسس فى القرن الثامن عشر) مرحلة النهضة الفكرية والأدبية من خلال (تطور الآليات والوسائل والمفاهيم فى القرن التاسع عشر) مرحلة النهضة القومية والوطنية من خلال (التحولات الاجتماعية والنضال ضد الاستعمار وتأسيس الدولة الوطنية مع الإيديولوجيات السياسية والتنظيمات والأحزاب القومية ومصارعة التحديات بالتنمية والتخطيط وتطور الفكر العربى الحديث فى القرن العشرين) (19) .
ولكن يبقى أن غالى شكرى قد قدم أطروحه للدكتوراه (20) لم تتوقف عند ظاهرة النهضة في الفكر العربي بقدر ما أراد اكتشاف قوانين النهضة والسقوط معا، وهما الظاهرتان المتلازمتان في مختلف مراحل تاريخنا المعاصر، فهو يرى أن مصر شهدت أربع محاولات للنهضة .الأولى فى عصر محمد على، والثانية محاولة عرابى، والثالثة كانت فى المرحلة الوفدية عقب ثورة 1919،أما الرابعة فهى محاولة جمال عبد الناصر، وفى إطار صياغته لاتجاه استراتيجي يتوقع بالضرورة حدوث نهضة خامسة ناجزه .
ومن خلال استعراضه للسياق التاريخى لمحاولات النهوض الأربعة توصل إلى اكتشاف مجموعة من الثوابت والمتغيرات منها : أنه ليست الحملة الفرنسية على مصر ولا حكم محمد على، هما محور "النهضة" التاريخى، بل هما من العوامل المساعدة، أما العامل الرئيسى فهو العنصر الداخلى الحاسم فى التطور، هكذا كان الأمر فى الانتفاضات المتعاقبة ضد الأتراك والمماليك، وضد الانجليز منذ هزيمة عرابى خلال ثورة 1919 والتى تصاعدت فى الأربعينيات من القرن العشرين، وإلى ثورة عبد الناصر . والقوانين ذات الصلابة النسبية التى يمكن استخلاصها من هذا التاريخ الاجتماعى هى : (ص ص المرتكزات )
1. أن عروبة مصر تعنى من زاوية الجغرافيا السياسية تأمين حدود مصر الإستراتيجية، وتعنى تقدما فى الأسس المادية، بينما إقليمية مصر تعنى الهزيمة والتخلف و التبعية للأجنبى، والانحطاط الفكرى وتحالف الاوتقراطية مع الثيوقراطية فى إحكام القبضة الدكتاتورية على المجتمع .
2. أن البناء الطبقى للمجتمع المصرى، كلما تأكدت مركزية الدولة، لا يسمح بالحروب الأهلية، فقيادة المدنية للتطور لم تتح لتمردات الفلاحين أن تتخذ شكل الحروب الأهلية، كما أن السلطة المركزية لم تسمح لأية فتنة طائفية أن تتخذ شكل الحرب الأهلية، ولكن قيادة المدينة والسلطة المركزية أتاحتا ثورات خلع الحاكم والحروب الوطنية ضد الغزاة، فطبيعة مصر هى الوسطية، وطبيعة المصريين هى عبادة الشرعية، واحترام التراب الوطنى .
3. أن الديمقراطية تعنى فى التاريخ الاجتماعى للثقافة المصرية، دعم التيار الأكثر تقدما، فلم يلجأ إلى الاغتيالات والعنف والتخريب إلا الأقليات السياسية، ولم تنهزم التجارب الوطنية إلا حين تجاهلت التنمية الاجتماعية، والجبهة على صعيد العمل السياسى من الثوابت التى أكدتها متغيرات التاريخ المصرى، حين كانت تولد كانت النهضة، وحين كانت توأد كان السقوط .
4. أن ادوار الجيش والمثقفين والدين من أبرز الأدوار، سلبا وإيجابا، فلقد برهنت أحداث تاريخنا الحديث على أن الطليعة العسكرية هى التى تحسم التغيير وتحميه، وهى نفسها التى تنهزم أو تتخلف أو تسقط بفرضها المباشر وغير المباشر النظام العسكرى على المجتمع، كذلك المثقفين والمهنيين والطلاب، كانوا دوما صوتا متميزا فى حركات التغيير، ولكن اختلاف انتماءاتهم الاجتماعية أدت إلى التشرذم الفكرى والتنظيمى، على أنهم فى نهاية المطاف هم الذين قادوا فكر وحركة النهضة فى كل العصور، وفى قضية الدين، كان الأزهر باستمرار معقل الثورة والثوار ومعقل الثورة المضادة فى الوقت نفسه، وفى الطرف الآخر كان "الإخوان المسلمون" والفرق المتفرعة منهم والمنشقة عنهم ترفع راية الدين ضد التقدم .



#فتحى_سيد_فرج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جدل الهوية والنهضة
- القواعد المنهجية للبحث في التراث (الدراسة كاملة بالمراجع)
- القواعد المنهجية للبحث في التراث 3 من 3
- القواعد المنهجية للبحث في التراث 2من 3
- القواعد المنهجية للبحث في التراث 1 من 3
- ظاهرة التحرش..انتكاك لجسد مصر
- العقل الأخلاقي العربي
- قراءة في تاريخ الأحزاب المصرية
- ذكري إنتفاضة 18/19 يناير 77
- كيفية اكتشاف ورعاية المبدعين؟
- استطلاع الرأي الثالث
- تقييم انتخابات حزب الجبهة الديمقراطية
- النانو تكنولوجيا .. علم وصناعة القرن الجديد
- وداعا محمد عابد الجابري
- رأس المال الاجتماعي مدخل حديث للتنمية
- المواطنة ممارسة
- العلم وشروط النهضة
- هدم العقارت كارثة للملاك الفقراء وإهدار للثروة القومية في مص ...
- العالم بدون كلود ليفي شتراوس
- الطرق إلى الحداثة


المزيد.....




- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...
- سلي طفلك مع قناة طيور الجنة إليك تردد القناة الجديد على الأق ...
- “ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على النايل ...
- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فتحى سيد فرج - جدل الهوية والنهضة (البحث + المراجع) 1من 3