أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل الشيخة - غابة التخلف -قصة قصيرة















المزيد.....

غابة التخلف -قصة قصيرة


خليل الشيخة
كاتب وقاص وناقد

(Kalil Chikha)


الحوار المتمدن-العدد: 4771 - 2015 / 4 / 8 - 09:48
المحور: الادب والفن
    


في إحدى غابات التخلف والهزيمة والتردي، التي لم يصلها الإنسان بعد، ثمة مجتمعات حيوانية من جميع الأجناس ولا يفصل فيما بينها سوى أسوار مصطنعة لمنع تأثير كل منها على الآخر. من بين هذه المجتمعات كان مجتمع الذئاب على أطراف الغابة، كانت له عاداته وتقاليده الخاصة رغم أن الجميع يشتركون في طبيعة حيوانية واحدة . وثمة اتفاقات خرقاء عقدت ما بين الذئاب وغيرهم من المجتمعات المجاورة. وكان يترأس قطيع الذئاب سلطان مهيب اتسم بالصرامة، حتى قراراته اتخذها بدكتاتوريته مطلقة . وفي كل مرة يتخذ قراراً معيناً، يبرره بأن الظروف الخارجية والمؤثرات المحيطة بالوطن لا تفسح المجال للديمقراطية.
ولكن القرار الأخير لم يكن بسيطاً ، بل كان من الجدية ما جعل ملك أو رئيس الذئاب يستشير الحاشية ويأخذ برأي الجميع ، لأن القرار يناقش الحريات الشخصية وتأثيرها على العرش. وبعد دراسة مستفيضة عرض أحد الوزراء رأيه بتجريد مجتمع الذئاب من أنيابها ، وبذلك يؤمن الملك على عرشه ولا يكون هناك أي خطر من تمرد المواطنين في المستقبل. لكن يجب وضع مبرر لهذا القرار ليقنع عامة الشعب بأن ما تقرره السلطة هو من مصلحة الشعب . وفي مجمل النقاش عرض وزير الصحة تبريره ، وهو أن الأنياب الأمامية لا تسبب إلا الأمراض وقد تسبب خطراً على سلامة المواطنين في حالات الشجار .
وكان سرور الرئيس أو الملك واضحاً ، لذكاء حاشيته التي لا تضع أمراً إلا وترفقه بمبرر، وعندما عرض القرار على مجلس الشعب، نظر فيه الأعضاء متسائلين فيما إذا كان القرار يشملهم .لكن طمأن السلطان هؤلاء المتسائلين بأن القرار لا يشمل سوى المواطنين .
وفتحت المؤسسات والمصحات لتنفيذ ذلك القرار. توافد الكثيرون من أجل قلع أنيابهم، ولم ينظر أي منهم لخطورة ما يجب النظر فيه، أما الرئيس، فقد كان يراقب تلك الاستجابة بارتياح داخلي .
بعد إحصاء عدد المواطنين الذين اقتلعت أنيابهم، وجد أن ما يقارب العشرة بالمئة لم يأتوا إلى المصحات. وكان هذا كافياً ليزعج الملك ويجعله يأمر بإلقاء القبض عليهم. انتشرت أجهزة الأمن باحثة عن أولئك اللاوطنيِّن. وبعد جهد شاق عثر على نصف المتمردين حيث بقي خمسة بالمئة غير خاضعين للقرار. لكن طمأنينة الملك ذهبت حين سمع بأن المتمردين شكلوا تنظيماً يدعى "جبهة المعارضة الوطنية أو المجلس الوطني"،وتزعم هذا التيار أحد السياسيين المعروفين في البلدة. فهو من الذين حاول الملك الإيقاع بهم في الماضي عندما تزعم فئة من الذئاب تحت اسم "حقوق الحيوان" .
ووصل آخر خبر للملك بأن المعارضين لجؤوا لمملكة الأفيال طلباً للحماية. وأزعج هذا الخبر صاحب الجلالة ووضعه في حيرة تامة. وأخذت آراء الحاشية تستقر على الحرب ضد مملكة الأفيال، لكن كيف يحارب الذئاب دون أنياب؟ عدل عن هذا القرار. ثم بدأت المبادلات ما بين المقاطعتين، وعقدت الاتفاقات الورقية، لكن لم يتوصل الطرفان إلى الحل المطلوب.
وعقدت الاجتماعات اليومية ما بين الملك والحاشية، حيث اتفق الجميع بأن يلقي السلطان خطاباً يدين فيه المتمردين ضد الوطن. إلا أن السلطان لم يقتنع بذلك:
_ ماذا ستفعل خطبتي ..لقد عرف المواطنون سر اللعبة، وصاح رئيس الوزراء:
_ لقد تمت اللعبة بنجاح، أما الذي نريده الآن هو إقناع المواطنين بأن المتمردين أعداء الله والوطن. وأشار الملك بأصبعه على المتكلم:
_ ماذا سينفع كل ذلك يا سيادة الوزير؟
_ على الأقل نضع حداً لتأثير المتمردين على أبناء الوطن.
وأُغلقت الجلسة بالموافقة على خطاب السلطان. في اليوم الموعود تجمهرت الذئاب في الساحة العامة تنتظر خطاب الملك، وبرز صاحب الجلالة من شرفة المبنى الملكي ينظر إلى الحشود المتلهفة ومعه رئيس الوزراء ذو النظارة الغليظة والحاشية. وأخذت الحشود تصفق لجلالته، وتلى الصخب صوت السلطان:
" أبنائي .. تعرفون كم أني أحرص على مصلحتكم ومصلحة الوطن وتأكدوا لو أن القرار يضر بكم لما سمحت له بالتنفيذ. وأوقف الملك تصفيق الجماهير، فاستغل ذلك بحك أرنبة أنفه، ثم تابع قائلاً :
_ إن المتمردين لا يضرون سوى أنفسهم، بل إني أدرك والله يعرف أن مصلحة الوطن فوق كل شيء ...تصفيق ..... وانحنى الوزير هامساً بأذن الملك.
_ يبدو أن كل شيء على ما يرام. تابع متحدياً.
_ نحن ندرك أن مملكة الأفيال أقوى منا عدة وعتاداً، لكن هذا لا يعني أنهم سيستعملون المتمردين ضد وطننا. سنعمل ما بوسعنا للسلام، لكن إذا أراد الأعداء حرباً! فلتكن حرباً. وعندما انتهى من خطابه التاريخي رفع يده اليمنى إلى الأعلى مودعاً الحشود المتجمهرة، ثم اتجه نحو الداخل تاركاً الصخب الذي ما زال ينبعث من ضجيج المواطنين تأكيداً على دعم سياسته. انحنى الملك نحو الوزير صاحب النظارة الغليظة يسأله فيما إذا كان خطابه مناسباً. فأجابه الوزير:
_ طالما أن الحشود تصفق، كل شيء سيكون على ما يرام.
وهكذا أدرك الملك أن الحرب شيء شبه مستحيل. إلا أن فكرة لمعت في رأسه، وهي أن الخيار الوحيد بالنسبة له هو توقيع معاهدة مع مملكة الأسود. فهم معروفون بقوتهم وشراستهم. بعد مناقشة الأمر مع الوزراء. قرر الجميع أن المعاهدة شيء ضروري، وخاصة في أزمة كهذه. وعندما وصل الوفد إلى أرض الأسود يشرح مطالبه بالتفصيل:
_ نظراً لتأزم الوضع في المنطقة، خاصة بينكم وبين الأفيال، فإننا نود مساعدة شعبكم ضدهم، لكن هل أنتم مستعدون لتقبل شروطنا ؟
أجاب رئيس الوفد:
_ إذا كان باستطاعتنا يا صاحب الجلالة. بعد النظر في جميع الشروط، كان هناك شرط لم يعجب الوفد، وهو إعطاء خمسين بالمئة من الانتاج الوطني للأسود. وبعد أخذ ورد بين الطرفين كان جواب الوفد لملك الأسود بعدم القدرة على اتخاذ أي قرار من دون استشارة ملكهم .
وعندما عاد الوفد إلى الوطن، قص بالتفصيل ما حصل في الاجتماع. كانت دهشة السلطان واضحة، فهو يستورد أكثر من ستين في المئة من المحاصيل الكلية من بلدان أجنبية، ثم إن هناك ديوناً لمملكة الأفيال ما زال يماطل في دفعها لسوء المحصول.
مرت الأيام دون وضع الحلول اللازمة. لم يكن هناك أي قرار بالإجماع بين السلطان ووزرائه لكن ما وحد قرارهم حول توقيع المعاهدة بسرعة مع الأسود هو تهديد الأفيال بالهجوم إذا لم تدفع مملكة الذئاب القروض المطلوبة في آخر العام. وحصل كل ذلك في سرية تامة.
وتسلل بعض المعارضين إلى العاصمة يوزعون منشوراتهم ويؤلبون الشعب ضد السلطة. حيث كانت حجتهم أن لو كان اقتلاع الأسنان صحياً، فلماذا لم يقتلع الملك وحاشيته أسنانهم! وتطرقوا أيضاً في منشوراتهم السرية إلى المعاهدة السرية التي عقدت مع الأسود لحماية الملك وعرشه ونتائجها على أرض الوطن.
تتالت الأيام، وأخذ الأفيال يتحرشون بالذئاب، لكن كانت ثقة الملك في أن أصدقائه الأسود سيدافعون عنه في اللحظة المناسبة. في صباح أحد الأيام بدأ الأفيال زحفهم نحو الذئاب.
أخذت الاتصالات الهاتفية بين الذئاب والأسود، وأظهرت الأسود مماطلتها في إرسال جيوش لإنقاذ جيرانهم. لم يصمد الذئاب طويلاً، بل دخلت الأفيال تدمِّر وتقتل. فرَّ الملك إلى أصدقائه الذين كانوا من المفروض أن يساعدوه في محنته لكنهم لم يستقبلوه قائلين:
"تم الاتفاق بينك وبين الأفيال على تسليمك لهم حال وصولك، ونحن سنعمل بهذا الاتفاق" . وتذكر الملك أو الرئيس الاتفاق السابق مع الأسود وعدم اكتراثهم به، ثم أدرك في قرارة نفسه أنه أضعف بلاده باقتلاع أسنان شعبه. شعر بذلك العار الذي ارتكبه ضد وطنه، فقد خان شعبه مرتين، مرة باقتلاع أسنانهم،ثم بتوقيع معاهدة سرية مع الأسود، وهو الآن يدفع الثمن. ولمعت في رأسه كلمات من المنشورات السرية التي كان المعارضون يوزعونها على الناس.فهو الآن يدرك صحتها :"لقد سحب الملك (أو الرئيس أو الريس) من تحته القاعدة التي يقف عليها، وهكذا فهو بالتأكيد سيفقد رأسه".



#خليل_الشيخة (هاشتاغ)       Kalil_Chikha#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حفار القبور
- الثأر والبندقية - قصة قصيرة
- الزنزانة
- مدن غير مرئية
- بداية مجلة المهجر الثقافي
- المصنع
- إصدار جديد - ومضة ضمير
- بحيرة قطينة-قصة قصيرة
- جمعيات غير تعاونية - قصة قصيرة
- رغيف خبز - قصة قصيرة
- الجذور الأولية للرق والاخلاق
- ما وراء العنف اللفظي
- بروز داعش
- الجذر اللفظي للأكل دون ملح
- القناص الامريكي والانتفاخ
- تورتيلا فلات والصعلكة السياسية العربية
- لؤلؤة فقراء الربيع العربي
- حِكْمَة شَهْرَزَادْ
- الغندورة
- قراءة في كتاب الكافرة


المزيد.....




- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل الشيخة - غابة التخلف -قصة قصيرة