أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم - انعكاسات التحولات الاقتصادية على التمكين الاقتصادي للمرأة العراقية















المزيد.....


انعكاسات التحولات الاقتصادية على التمكين الاقتصادي للمرأة العراقية


نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم

الحوار المتمدن-العدد: 4770 - 2015 / 4 / 7 - 08:42
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


انعكاسات التحولات الاقتصادية على التمكين الاقتصادي للمرأة العراقية
أن بيئة الاقتصاد العراقي خلال العقود الثلاثة الماضية، تفاعلت فيها مؤشرات الأداء السلبي مع تركة ثقيلة للاقتصاد نجم عنها قطاع عام مهيمن وغير كفوء، رأس مال متقادم، تبديد في الموارد، أسعار مشوهة، إهمال جانب الطلب والمستهلكين، التناقض في أولويات النمو لصالح قطاعات غير إنتاجية (الأمن والدفاع) مقابل شحة في قطاعات أخرى (الصناعة والزراعة)، قطاع خاص صغير ومقيد، ضرر بيئي كبير، تدهور معاشي وصحي للأفراد ... إلخ. ولمواجهة هذه الظروف، وإلى جانب ظروف سياسية واجتماعية ودولية ضاغطة أخرى، كان من المناسب رفض نموذج (التخطيط المركزي) والتحول إلى نظام جديد يستند إلى (اقتصاد السوق). غير أن نسبة مساهمة القطاع الخاص في تكوين رأس المال الثابت في العراق ارتفعت من 4.3% عام 2005 إلى 7.1% عام 2009، ثم عادت وانخفضت إلى 6.4% عام 2010. مما يدل على أن القطاع الخاص غير قادر على إرساء أسس اقتصاد السوق في العراق. فضلا عن انخفاض نسبة مساهمة الأنشطة السلعية عدا النفط في توليد الناتج المحلي الإجمالي إلى 29.1% عام 2011، وهذا يفسر استمرار ريعية الاقتصاد العراقي وتدني كفاءة الجهاز الإنتاجي وعدم مرونته في الاستجابة للطلب على السلع في السوق المحلية. وأن لاختلال هيكل الاقتصاد وضعف قطاعه الخاص آثار سلبية تحد من تطور المساهمة الاقتصادية للمرأة.
و على مستوى العالم يلاحظ أن عدد النساء العاملات مقارنة بالرجال في الاقتصادات المتحولة عن نموذج التخطيط المركزي مثل منطقة شرق آسيا، بلغ 80 امرأة عاملة مقابل كل 100 رجل عامل عام 2009 ارتفع إلى 81 امرأة عاملة مقابل كل 100 رجل عامل عام 2011. مما يعني أن الفجوة بين الرجل والمرأة في سوق العمل في هذه المناطق من العالم آخذة في التقلص. وكما بينت أحدى الدراسات أن أقل مشاركة اقتصادية نسائية في العالم توجد في الدول المنتجة للنفط والتي تعاني من مشكلات في الأمن. أما اكبر مشاركة فتوجد في الدول التي تمتاز باقتصاد متنوع ومنفتح على العالم.
أن الفجوة النوعية لمعدل المشاركة في القوى العاملة تصل إلى أقصاها في العراق، إذ بلغت 79.1%. نتيجة لما تعرض له من حروب واضطرابات أمنية، وكذلك بسبب ريعية الاقتصاد العراقي ومحدودية قاعدة الإنتاج المحلية وعدم تنوعها. أي أن العراق تجتمع فيه هاتان الصفتان ذوات الأثر السلبي في مشاركة المرأة الاقتصادية في ظل السياسات المتبعة بالبلد. في حين يلاحظ أن الفجوة بين الجنسين تنخفض بنسبة قليلة في فلسطين مقارنة بالعراق فقد بلغت 77.2%، وتعد مثالا على أثر النزاع السلبي في معدل مشاركة المرأة في القوى العاملة. أما عدد العاملات مقابل كل 100 عامل في الكويت فقد بلغ 53 امرأة تقريبا، أي بفجوة نوعية تبلغ 47% وهي تقل عن مثيلاتها في العراق وفلسطين، بسبب الاستقرار الأمني فيها على الرغم من الأثر السلبي الناتج عن اعتماد الاقتصاد الكويتي على النفط. إذ أن قوة العمل غير الكويتية العاملة في الكويت تقدر نسبتها 80.5% مقابل قوة العمل الكويتية 19.5% عام 2011، و نسبة 75.2% من المشاركات في القوى العاملة الكويتية هن غير كويتيات.
ويبين الجدول أيضا أن هناك فارقاً كبيراً بين الفجوة النوعية لمعدل المشاركة في القوى العاملة للعراق وفلسطين والكويت مقارنة بالدول التي تبنت سياسة السوق المفتوحة وفتح الباب للقطاع الخاص. إذ لا تتجاوز الفجوة بين الجنسين في المشاركة في القوى العاملة 15.5% في الصين و18% في الولايات المتحدة الأمريكية و 21% في الاتحاد الروسي.
ويمكن توضيح انعكاسات السياسات الاقتصادية المتبعة في العراق على التمكين الاقتصادي للمرأة بما يلي :-
أولا: سياسة الإنفاق العام :-
لم تشهد سياسات الإنفاق العام تغيرات جوهرية خلال المدة (1980 – 2011). فمنذ ثلاثينات القرن الماضي، كانت العوائد النفطية المصدر الرئيس والمهم في تمويل الموازنة العامة للدولة. فالزيادة في إيرادات النفط تؤثر ايجابيا في حجم الموازنة، إذ استمر الارتفاع أو الانخفاض في حجم الإنفاق الحكومي خلال المدة المذكورة تبعا للتغيرات في العوائد النفطية. إلا إنه بعد الحرب العراقية الإيرانية وعلى الرغم من غلق عدد من منافذ تصدير النفط العراقي وانخفاض المعدل اليومي لتصدير النفط من 2.482 ألف برميل/يوم عام 1980 إلى 846 ألف برميل/يوم عام 1982، فضلا عن انخفاض الطلب العالمي على النفط الخام وتراجع أسعاره مما أدى إلى تدني إيرادات العراق النفطية، قامت الحكومة بالاستدانة خارجيا لمواجهة الضغط في الطلب على الاحتياجات الأساسية للسكان. ونتيجة لذلك فاقت النفقات العامة الناتج المحلي الإجمالي في بداية الثمانينات، إذ بلغت نسبة الإنفاق العام/GDP عام 1982 نسبة 114%، وبلغت حصة الفرد من الإنفاق الحكومي 2140 دولاراً عام 1982 بعد أن كانت 1708 دولارات عام 1980 كما هو موضح في الجدول (15). بدأت حصة الفرد من الإنفاق العام تنخفض بشكل كبير مع بداية التسعينات إذ بلغت أدناها 19 دولاراً لكل فرد عام 1997، نتيجة للحصار وتدهور صادرات القطاع النفطي، ثم ازدادت إلى 32 دولاراً لكل فرد عام 2000 نتيجة لارتفاع قيمة النفط الخام المصدر بمعدل نمو مركب 5.8% خلال المدة (1990 – 2000). واستمرت حصة الفرد من الإنفاق الحكومي بالارتفاع بعد عام 2003 حتى وصلت إلى مستوى مقارب إلى ما كانت عليه في بداية الثمانينات، فقد بلغت 2425 دولاراً لكل فرد عام 2011. نظرا لزيادة معدل النمو المركب لقيمة النفط الخام المصدر إلى 19.8% للمدة (2004 – 2011). إلا أن الإنفاق العام بعد عام 2003 غالبا ما وجه نحو تمويل رواتب الموظفين في القطاع الحكومي المتزايدة بشكل مستمر، إذ ارتفعت نسبة الإنفاق في فقرة الرواتب والأجور من إجمالي النفقات الجارية من 52.8% عام 2009 إلى 54% عام 2011. ولا ترجع زيادة النفقات العامة المستمرة إلى ارتفاع الإنفاق على تدريب وتطوير مهارات القوى العاملة كاستجابة للتغييرات التكنولوجية والاقتصادية، وإنما إلى استمرار تأمين الحكومة وظائف غير منتجة داخل القطاع العام. فقد ارتفع عدد العاملين في أجهزة الدولة المختلفة من 1047000 عام 2004 إلى 2389901 عام 2008 وإلى 2645220 موظفاً عام 2011، وما يعادل تقريبا نسبة 14% فقط من السكان في سن العمل. وبما أن الاقتصاد العراقي يعتمد على إيرادات النفط مقابل إهمال السياسات المشجعة والمحفزة للاستثمار في القطاع الخاص وتوسيع قاعدته، مما يجعل هذه الإيرادات عرضة للتقلبات الناتجة عن التغيرات الحاصلة في أسعار النفط في الأسواق العالمية. ومع انخفاض أسعار النفط وعدم وجود مصادر بديلة لتمويل نفقات الموازنة وتعويض النقص في الإيرادات النفطية فإن هذا المستوى من الوظائف الذي تؤمنه الحكومة غير قابل للاستمرار، ويهدد بتسريح الموظفين. وعندما يتم خفض الوظائف، تكون المرأة أول من يخسر الوظيفة بسبب افتراض أن الرجل هو المعيل الرئيس للأسرة. ويحدث ذلك مقابل انخفاض معدل وظائف القطاع الخاص، فضلا عن عدم توافر سياسة للحد من التمييز ضد المرأة داخل هذا القطاع. أي استمرار نسبة العاملات في القطاع الخاص أقل مما هو عليه في القطاع العام على عكس العاملين من الذكور. وبهذا فإن تبعية سياسات الإنفاق العام لعوائد النفط سوف تشجع على استمرارية انخفاض فرص عمل المرأة في القطاع الزراعي والصناعي من جانب (ما لم تتوافر سياسات اقتصادية تهدف إلى تنويع هيكل الاقتصاد العراقي دون احتوائها على عدد من التناقضات التي تؤدي إلى فشلها)، ومن جانب آخر تهدد بتوقف نمو الوظائف في القطاع العام وهو المستخدم الأكبر للمرأة العراقية.
1- ارتفاع نسبة النفقات الجارية عن النفقات الاستثمارية من إجمالي الإنفاق العام:-
لم تنخفض نسبة النفقات الجارية إلى الإجمالية عن 64% منذ عام 1984 حتى عام 2011، في حين بلغت النفقات الاستثمارية إلى الإجمالية أدناها عام 2003 بنسبة 5.9%. ويعكس ذلك ارتفاع في التوظيف الحكومي والأجور مقابل شحة في تقديم الخدمات العامة للمواطنين. وبما أن المرأة تتحمل مسؤولية رعاية الأسرة، فإن عدم تحسين وصول الكهرباء وغيرها من أنواع الوقود والمياه الصالحة للشرب إلى جميع الأسر في مختلف أنحاء العراق، أدى إلى اضطرارها تحمل مسؤوليات جديدة مثل جلب الحطب والمياه كما في الريف أو عدم القدرة على استخدام الأجهزة الكهربائية التي تسهم بتقليص الوقت المنجز لأداء العمل كما في الحضر. وأن لذلك أضراراً صحية تلحق بالمرأة، فضلا عن أن الجهد المضاف يكون على حساب تقدمها في مراحل التعليم، والوقت والقدرة المتاحة لها لمزاولة أنشطة ذات إنتاجية وأجر مرتفع في سوق العمل العراقي. وكذلك يترتب على تدهور الخدمات داخل البلد، وجود بيئة غير ملائمة وجاذبة للاستثمار في القطاعات غير النفطية وخاصة قطاع الصناعة. مما يعني استمرار ضعف إمكانية سوق العمل العراقي على استيعاب القوى العاملة، وأن ذلك ينعكس سلبا على المرأة من خلال ديمومة تركز فرص عملها بقطاع الخدمات الحكومي.

2- إعادة هيكلة الإنفاق الجاري :-
أن معدل النمو السنوي للإنفاق الجاري اتسم بالتذبذب بين ارتفاع وانخفاض خلال المدة (1980 – 2011). فعلى الرغم من ارتفاع نسبة الإنفاق على الرواتب والأجور من إجمالي النفقات الجارية، إلا أن التغيرات غالبا ما تحدث في نسب الإنفاق على الدعم، المتمثل في كل من سلة الغذاء (البطاقة التموينية)، وخدمات الطاقة الكهربائية والوقود والماء والمجاري والدعم المقدم إلى مدخلات الإنتاج للقطاع الزراعي. فعلى سبيل المثال انخفض معدل النمو السنوي للإنفاق الجاري من 22.5% عام 2009 إلى 12.6% عام 2010 ووصل إلى 9.2% عام 2011. إذ هدفت الإستراتيجية الوطنية الانسحاب التدريجي من سياسات الدعم، وبدأ تنفيذ ذلك من موازنة عام 2006 من خلال تخفيض تخصيصات برنامج دعم البطاقة التموينية بنسبة 25 % عن موازنة عام 2005. فقد انخفض الإنفاق على البطاقة التموينية من إجمالي الإنفاق الجاري من 7.7% عام 2009 إلى 4.5% عام 2011. فضلا عن أن قسما مهماً من الإنفاق الجاري يتشكل بالدعم الحكومي للخدمات الاجتماعية مثل التعليم والصحة، وأن أي تخفيض في هذين القطاعين يتسبب بزيادة في التفاوت بين الجنسين في القطاعين المذكورين آنفاً. فمثلا انخفض نصيب الفرد العراقي من النفقات الصحية ليصبح 163 دولاراً عام 2011، بعد أن كان 177 دولاراً عام 2010. وهذه النسبة تعد قليلة مقارنة مع نصيب الفرد من النفقات الصحية في دول الشرق الأوسط المجاورة إذ تصل إلى أكثر من 300 دولاراً سنويا. وبسبب احتياجات المرأة الصحية الأكبر من الرجل، فإن أي تخفيض في نصيب الفرد العراقي من النفقات الصحية سوف يعرض المرأة إلى مخاطر قد تصل إلى الوفاة في أثناء الحمل والولادة وخاصة في المناطق الريفية. نتيجة لما قد يسببه النقص في الخدمات الصحية وصعوبة الوصول إليها. إذ إن نسبة 13.6% من سكان الريف يستغرقون أكثر من ساعة للوصول إلى اقرب خدمة طبية مقابل نسبة 2.4% من سكان الحضر عام 2011. وقد يؤدي طول المسافة من السكن إلى مركز الرعاية الصحية إلى تكاليف غير مباشرة أيضا، كالدخل الضائع بسبب مرافقة أفراد الأسرة للمرأة المعنية.
ويترتب على تخفيض الدعم الحكومي للسلع والخدمات الأساسية مقابل تثبيت أجور الموظفين الحكوميين، إلى انخفاض الدخول الحقيقية في القطاع العام. ونتيجة لتركز عمل المرأة في هذا القطاع وبالأخص في الوظائف المنخفضة الأجر، إذ أن متوسط أجور النساء في العراق هو قرابة ثلثي متوسط أجور الرجال، فهي أذن أكثر المتضررين من ارتفاع تكاليف المعيشة .
فقد مثلت النفقات الجارية خلال المدة (1984 – 2011) ثلثي الموازنة العامة تقريبا، يخصص أكثر من نصفها لرواتب وأجور العاملين في مؤسسات الدولة. في حين أن أقل من عشر سكان العراق عام 2011 يعملون في هذه المؤسسات، مقابل عجز في تنفيذ المشاريع الاستثمارية والخدمية. مما أدى إلى خلق بيئة خصبة للفساد والجهل والمرض والفقر واستدامة عدم التكافؤ بين الجنسين.

ثانيا: السياسة النقدية:-
استهدفت السياسة النقدية خلال المدة (1980 -2003) بشكل كبير تمويل العجز المالي للدولة من دون أن يكون لها أي خيار في ذلك، مما افقدها الاستقلالية بجعلها تابعا للسياسة المالية. وأدت هذه السياسة إلى ارتفاع كبير في معدلات التضخم سببته الزيادة المستمرة في معدلات نمو عرض النقد. ونتيجة لذلك ظلت قيمة العملة العراقية تتراجع تراجعا ملحوظا بدءا من عام 1981 كما هو موضح في الجدول (16)، إذ انخفضت قيمتها أمام الدولار إلى 3 دنانير لكل دولار عام 1989 مقارنة عما كانت عليه عام 1980 (339) فلساً لكل دولار. تفاقم هذا الاتجاه بعد فرض الحصار الاقتصادي عام 1990، وأصبحت هناك حالة من عدم الانضباط المالي إذ وصل متوسط معدل التضخم إلى 115% خلال المدة 1991 – 2002. ويرجع ذلك إلى عدة عوامل يأتي في مقدمتها الانفلات الذي حدث في أسعار الصرف فقد بلغ سعر الصرف 1957 ديناراً لكل دولار عام 2002، فضلا عن الاختلالات الهيكلية بين العرض والطلب نتيجة عدم قابلية المنتج المحلي على تلبية الطلب المتزايد وارتفاع أسعار السلع المستوردة و زيادة عرض النقد. مما أدى إلى انخفاض القدرة الشرائية لذوي الدخول المحدودة نتيجة لتدهور قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار وانعكس ذلك على انخفاض مستوى الدخل الحقيقي للأفراد. وهذا شجع عدداً كبيراً من العاملين داخل العراق على العمل خارج البلد من أجل الاستفادة من فرق العملة، وإعالة أسرهم من خلال ذلك. إلا أن عمل رب الأسرة خارج العراق خلال التسعينات على الأغلب قد عزز من بقاء المرأة داخل المنزل، وذلك عندما يكون أساس عمل المرأة بأجر هو الحاجة المادية فقط، فضلا عن الأثر السلبي لانخفاض مستوى الدخل الحقيقي في عدم مشاركتها في القوى العاملة.
حقق التغير في إجراءات السياسة النقدية بعد عام 2003 درجة من الاستقرار النسبي في الاقتصاد الكلي، انعكس في تحقيق معدلات منخفضة للتضخم إذ بلغ في المتوسط 21.1% خلال المدة 2003 –وتمثلت هذه الإجراءات بإتباع عدد من الأدوات الحديثة (مزادات العملة الأجنبية، السوق المفتوحة، الاحتياطي القانوني...إلخ) في ظل قانون البنك المركزي رقم 56 لسنة 2004 الذي حقق الاستقلالية التامة للبنك في رسم السياسة النقدية وتنفيذها، ومن ثم سيطرته على عملية إصدار العملة والمحافظة على استقرار سعر صرف الدينار العراقي، وذلك أسهم في استقرار المستوى العام للأسعار المحلية، فقد وصل معدل التضخم إلى أقصاه عام 2006 بنسبة 53.2%. ويرجع ذلك بالأساس إلى ارتفاع أسعار المشتقات النفطية وعدم تلبية المتوافر منها للطلب المحلي. ثم انخفضت معدلات التضخم في السنوات التالية لتصل إلى 2.5% عام 2010 بسبب توافر المشتقات النفطية وانخفاض أسعارها بدرجة كبيرة جدا واستقرار سعر صرف العملة المحلية. أما في عام 2011 فقد ارتفع التضخم ليصل إلى 5.6% نتيجة عدة عوامل يأتي في مقدمتها ارتفاع أسعار المواد الغذائية بمعدل 3.1% وكذلك أسعار الإيجارات بمعدل 11.7% وأسعار السلع والخدمات المتنوعة 12.7%. مما ألحق الضرر بالفقراء بشكل عام والإناث بشكل خاص، إي أن ارتفاع المستوى العام للأسعار أدى جزئيا إلى زيادة عدد الفقراء، ومن ثم زيادة عدد الإناث اللواتي يعانين من الحرمان من فرص التقدم العلمي والاقتصادي والحصول على رعاية صحية جيدة ، مما يعني تراجع مؤشرات تمكين المرأة داخل المجتمع العراقي .
ومن أجل تبني سياسة نقدية داعمة للاستثمار ومحفزة لجانب العرض الكلي قام البنك المركزي العراقي بتخفيض سعر الفائدة من 16.7% عام 2008 إلى 8.8% عام 2009. إلا أن هذه السياسات النقدية بطبيعتها تتجه نحو المشاريع الكبيرة فقط. لارتفاع كلف الإنتاج وانخفاض قدرة المشاريع الصغيرة والمتوسطة على تحقيق الأرباح في ظل ظاهرة الإغراق التجاري وفقدان الرقابة النوعية، ومن ثم لا تتمكن هذه المشاريع من الاقتراض بسب صعوبة الضمانات التي تطلبها المصارف أو عدم تمكنها من سداد قيمة القرض في الموعد المحدد من ناحية وتحمل المخاطر المتمثلة بتراكم أعباء الفائدة في حالة التأخر عن تسديد المبلغ المقترض من ناحية أخرى. على العكس من ذلك تواجه المشاريع الصناعية الكبيرة عقبات أقل بسبب كبر رأس مالها وارتفاع قدرتها على التوسع مقارنة بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة، إذ يلاحظ ازدياد عدد المنشآت الصناعية الكبيرة من 423 منشأة عام 2007 إلى 495 منشأة عام 2009، في حين انخفض عدد المنشآت الصناعية المتوسطة والصغيرة من 13463 منشأة عام 2007 إلى 10340 منشأة عام 2009، وشكلت المنشآت الصناعية الصغيرة نسبة 95% من إجمالي المشروعات الصناعية لعام 2009. أي أن سياسة تشجيع الاستثمار داخل العراق لا تستهدف القاعدة العريضة للقطاع الخاص من المنشآت الصغيرة، على الرغم من أنها تعد حاضنة في غاية الأهمية لتوليد الأفكار والمبادرات الفردية لإقامة المشاريع الجديدة وتوسيع وتطوير القائم منها ومن ثم زيادة نسبة مساهمة القطاع الخاص في تكوين رأس المال. وأن لضعف البيئة الاستثمارية المشجعة للمشاريع الصغيرة انعكاسات شديدة على التمكين الاقتصادي للمرأة العراقية، نظرا لأن معظم البرامج التدريبية والمهنية الهادفة لزيادة عدد النساء العاملات بأجر تنحصر بهذا النوع من المشاريع. ومن ثم سوف تواجه المرأة العديد من العوائق التي تؤدي إلى فشل المشروع وتراجع فرص عملها.
ثالثا: سياسة تحرير التجارة :-
تعد سياسات تحرير التجارة من العوامل المحفزة للنمو الاقتصادي والتقارب بين مجموعات الدول المتقدمة والأقل تقدما ومن خلال عدة قنوات. ولكي يؤدي تخفيف القيود على التجارة الخارجية ودخول الأسواق الدولية إلى زيادة الدخل، ينبغي أن يقترن ذلك بجملة من الإجراءات الاقتصادية في الداخل. تبدأ بتحجيم تدخل الحكومة في هذا المجال ورفع القيود عن الأسعار والأسواق ودعم النشاط الإنتاجي وتعزيز المنافسة وتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية وغيرها من الإجراءات.
وفي العراق بعد عام 2003 تم العمل برسم إعادة اعمار العراق 5% منذ عام 2004 بوصفه أحد الإجراءات اللازمة لتحقيق سياسة تحرير التجارة، والذي أعفى عن خمسة فقرات من السلع الضرورية كالأغذية والمستلزمات الطبية والثقافية والألبسة، وذلك من أجل المحافظة على توافر الحاجات الأساسية التي يطلبها المستهلك العراقي بأسعار منخفضة. إلا إنه من جانب آخر فرض رسوماً كمركية 5% فقط على السلع الداخلة إلى العراق، يعني منح هذه السلع ميزة نسبية ومعاملة تفضيلية على السلع المحلية مما أضعف قدرة الأخيرة على المنافسة داخل السوق المحلي. ومن المفترض أن يتيح تحرير التجارة انتقال الموارد من القطاعات المحمية المتدنية الإنتاجية إلى قطاعات التصدير العالية الإنتاجية. ولكن في العراق كانت أسواق الصادرات في المجالات التي تتمتع بأفضلية نسبية في الإنتاج (الزراعة والصناعة) مغلقة فعليا بسبب الحصار الاقتصادي قبل عام 2003. وأن القروض اللازمة لإنعاش هذين القطاعين كانت متوافرة بأسعار فائدة باهظة، ومن ثم لم يستطع قطاعا الزراعة والصناعة خلق وظائف جديدة متعلقة بالتصدير. عندئذ، وبسبب سياسة تحرير التجارة انتقل العمال من وظائف القطاع المحمي، المتدني الإنتاجية إلى البطالة. أي أن هذه السياسة لم تعزز النمو الاقتصادي، بل أدت إلى ارتفاع معدلات البطالة وزيادة النمو غير المنتج لفرص العمل.
أن الخلل المهم الذي رافق هذا التحول هو إغراق السوق المحلي العراقي بأنواع السلع كافه التي تتميز بكونها أكثر جودة وأقل سعرا من السلع المحلية. وبسبب عدم وجود حماية (مؤقتة) للمنتجات الصناعية والزراعية العراقية حتى تتمكن من منافسة المنتجات المستوردة، أدى ذلك إلى ضعف مستويات الإنتاج ثم انعدام السلع العراقية في السوق المحلي بشكل تدريجي والاعتماد في سد الطلب المحلي من هذه السلع على الاستيرادات. فالعراق استورد أكثر من 80% من المواد الغذائية وأكثر من 90% من السلع الرأسمالية عام 2011. في حين شكل النفط الخام غالبية صادراته إلى الدول الأخرى بنسبة 99.22% من إجمالي الصادرات للعام نفسه.
انعكست سياسات تحرير التجارة سلبا على التمكين الاقتصادي للمرأة العراقية من ناحية انخفاض فرص عملها في القطاعين الزراعي والصناعي نتيجة لتدهور الإنتاج في هذين القطاعين. ومن ناحية أخرى تعرضت منتجات المشروعات الصغيرة المملوكة للنساء لمنافسة غير متكافئة أمام المنتجات المستوردة. ويرجع ذلك لأن غالبية المشاريع والبرامج المقدمة أو المملوكة للنساء بشكل عام والنساء المعيلات لأسرهن بشكل خاص تتمثل بمهنة الخياطة أو الطبخ، مقابل إعفاء الضريبة عن المواد الغذائية والملابس. أي أن المنتجات الناشئة التي تقدمها المرأة غير القادرة في معظم الأحيان على المنافسة في أسواقها الداخلية (بسبب كون المرأة مبتدئة في مجال التجارة مقارنة بالرجل) تتمثل بمنتجات تم إغراق السوق بها وبسعر منخفض من الصعب منافسته، وبالأخص عند ارتفاع كلفة الانتاج. فعلى سبيل المثال ارتفعت أسعار مواد خياطة الملابس بنسبة 8.4% عام 2011 مقارنة بعام 2010. وذلك سوف ينعكس على ارتفاع سعر الملابس النهائي، وحينئذ ربما لا تحقق المرأة المالكة لمشروع الخياطة أي أرباح أو قد لا تتمكن من تغطية كلفة الإنتاج، ما يجعلها تنسحب من المنافسة تدريجيا. ومن ثم تتعثر هذه المشاريع ويصعب تحقق التمكين الاقتصادي للمرأة العراقية في ظل التحولات الاقتصادية.


 -;-



#نبيل_جعفر_عبد_الرضا_و_مروة_عبد_الرحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أثر الحروب و النزاعات في التمكين الاقتصادي للمرأة العراقية
- الحالة الاقتصادية للمرأة الريفية في العراق
- الخصائص الاجتماعية للمرأة العراقية
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل


المزيد.....




- لن نترك أخواتنا في السجون لوحدهن.. لن نتوقف عن التضامن النسو ...
- دراسة: النساء أقلّ عرضة للوفاة في حال العلاج على يد الطبيبات ...
- الدوري الإنجليزي.. الشرطة تقتحم الملعب للقبض على لاعبين بتهم ...
- ” قدمي حالًا “.. خطوات التسجيل في منحة المرأة الماكثة في الب ...
- دراسة: الوحدة قد تسبب زيادة الوزن عند النساء!
- تدريب 2 “سياسات الحماية من أجل بيئة عمل آمنة للنساء في المجت ...
- الطفلة جانيت.. اغتصاب وقتل رضيعة سودانية يهز الشارع المصري
- -اغتصاب الرجال والنساء-.. ناشطون يكشفون ما يحدث بسجون إيران ...
- ?حركة طالبان تمنع التعليم للفتيات فوق الصف السادس
- -حرب شاملة- على النساء.. ماذا يحدث في إيران؟


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم - انعكاسات التحولات الاقتصادية على التمكين الاقتصادي للمرأة العراقية