أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسين علوان حسين - عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 13-13 (الأخيرة)















المزيد.....


عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 13-13 (الأخيرة)


حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)


الحوار المتمدن-العدد: 4769 - 2015 / 4 / 6 - 22:45
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


مشروع هابرماس للترويج لحتمية دكتاتورية إمبراطورية الشر الإمبريالية / 5-5
إلى أين ذهب هابرماس بالنظرية النقدية و مدرسة فرانكفورت ؟
معلوم أن مدرسة فرانكفورت قد تأسست في ثلاثينات القرن العشرين على تقاليد غنى ديالكتيك مدرسة النقد الفلسفي الألمانية حصراً ، و خصوصاً عند كانط و فيختة و هيجل و ماركس . و لقد دشن قطبا هذه المدرسة : هوركهايمر و أدورنو (عكس زميليهما الثوريين و الأبرعَين منهما فكرياً: هيربرت ماركوزه و فالتر بنيامين) نشاطهما انطلاقاً من دوغما الرفض المسبق للعلاقة الديالكتيكية القائمة بين البناء الفوقي و القاعدة الاقتصادية عبر الفصل بينهما تحكمياً ، و اقتصار البحث في البناء الفوقي ، فتركزت كتاباتهما على ما سمي في حينها بـ "صناعة الثقافة" . و لم تستطع تنظيرات هذه المدرسة أبداً تجاوز مفهوم الديالكتيك الهيجلي السلبي المقتنع بمجرد النقد الكاشف و ليس التغيير . مع ذلك ، فقد جمع هوركهايمر و أدورنو بين أفكار ماركس و النقد الاجتماعي للرأسمالية ، و أطلقا على نفسيهما لقب "الماركسيَين الجدد" ، و نقدا بعمق الفلسفة الوضعية .
و لكن كان واضحاً منذ البداية لدى كل واع لجوهر الماركسية بأن هوركهايمر و أدورنو ليسا سوى منظرين برجوازيين صغيرين مثاليين منقطعين تماماً عن الممارسة السياسية الفعلية و عن الحركة الاجتماعية القائمة في أوربا ، بحيث أن غيورغ لوكاش دمغهما بمتلازمة : "هاوية الفندق الفخم" . يقول لوكاش :
:
"أن جزءاً كبيراً من الطبقة الألمانية المثقفة ، بضمنهم أدورنو ، قد احترفت السكن في هاوية الفندق الفخم الذي وَصَفْته أنا بالارتباط بنقدي لشوبنهاور باعتباره "فندقاً جميلاً ، مجهزاً بكل و سائل الراحة ، كائناً على هاوية اللاشئ ، و اللامعقول . و التأمل اليومي للهاوية بين وجبات الطعام و الترفيهات الفنية الفاخرة لا يزيد إلا في متعة الرفاهيات الماكرة المعروضة عليهم ."
المصدر :
Luká-;-cs, Georg. (1971). The Theory of the Novel. MIT Press, p.22
و لقد عُرِفَ عن أدورنو اللجوء إلى نمط غريب من الطرائقية الأداتية غير العقلانية في الرد على منتقديه السياسيين (استعار أسسها من كتابه الموسوم "الشخصية التسلطية" بالاشتراك مع آخرين ) (1950) ، و ذلك عبر تجنبه تماماً المناقشة العلمية الرصينة لأفكارهم السياسية فكرة بفكرة و حجة بحجة - مثلما يفترض أن يحصل من طرف من يزعم العقلانية النقدية لنفسه - و إنما كان يتعمد استخدام أسلوب رمي منتقديه باتهامات مستعارة من حقل الأمراض النفسية الخاصة بداء جنون العظمة و الكبت الجنسي . و القارئ لمقالات أتباع هابرماس سيكتشف حالاً عشقهم لهذا الأسلوب غير الرصين و السايكوباثي في التعويض . و هكذا ، فقد عاش هوركهايمر و أدورنو و ماتا خارج نطاق التأثير المجتمعي الفاعل ، و دون طرح أي مشروع مستقبلي ، ليثبتا بذلك صحة مقولة لوكاش فيهما .
المصادر :
Blake, Casey and Christopher Phelps. (1994). "History as social criticism: Conversations with Christopher Lasch" – Journal of American History 80, no.4 (March) (p.1310-1332).
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=452839

أما على يدي هابرماس - الذي لا تترابط مؤلفاته الكثيرة ضمن إطار أي نظرية موحدة متلاحمة - فقد تحولت مدرسة فرانكفورت إلى المعاداة المكشوفة للماركسية بتبنيها الفعلي للذخيرة الفاسدة لعلم الاجتماع البرجوازي في الغرب . و مَنْ يُحارب الماركسية لا بد له أن يرتمي في حضن الإمبريالية في النهاية ، شاء ذلك أم أبى ؛ و هذا ما حصل لهابرماس بالضبط . ففي مؤلفه "النظرية و الممارسة" (1963) رفض هابرماس المادية الديالكتية و ضرورة الثورة البروليتارية ؛ و في مؤلفه "أزمة الشرعية" (1971) شكك هابرماس بنظرية القِيَم في النظام الرأسمالي المعاصر ؛ كما رفض المادية التاريخية في مؤلفه "التواصل و ارتقاء المجتمع" (1981) ؛ و رفض نظرية القيمة الماركسية في كتابه "نظرية الفعل التواصلي" (1981) . و بات من الواضح أن كل شيء ماركسي لا بد أن يكون مرفوضاً عند هابرماس رفضاً ليس علمياً و لا عقلانياً ، بل رفضاَ تحكمياً للنط فوق ماركس بغية تزييف الوقائع الاجتماعية بلا طرح أي بديل علمي رصين فاعل . كل هذا يحصل مع زعم هابرماس بكونه "آخر الماركسيين" ليتسنى له تسليع السمعة العالمية المحترمة لماركس لحسابه و حساب أسياده الإمبرياليين بدعوى تطوير الماركسية . طبعاً المطلوب من كل هذا التزييف هو أن يتحول كل الماركسيين إلى خدم للإمبريالية مثلما أصبح يوسكر فشر و توني بلير و مليباند و هابرماس نفسه ؛ و من لا يقبل الانبطاح معهم للإمبريالية فإن تهم الأصولية و الجمود العقائدي و الأداتية العقلانية ووو حاضرة للصقها بهم ، جنباً إلى جنب المدفعية السايكوباثية الأدورنية للتعويض عن مركبات النقص الذاتية .
في مؤلفاته الأولى ، كان هابرماس ينادي بـ "نظرية المنظومات" . بعدها ، انقلب من نظرية المنظومات إلى "نظرية التواصل الاجتماعي" و ذلك نزولاً منه عند مقتضيات التيار البراغماتي- التداولي السائد في الولايات المتحدة الأمريكية ، ليختزل بها آفاق البحث للنظرية النقدية بميدان التواصل اللغوي الاجتماعي ، و يلغي دوغماتياً اشتغال نظرية المعرفة خارج إطار ذلك الميدان . و قد أتضحت لنا في الحلقات السابقة تفاصيل المسببات لفهاهة مكونات هذا المفهوم و خطله ، و التي تعود أساساً إلى عدم فهم هابرماس لطبيعة اللغة لكونه ليس عالماً لغوياً ، علاوة على عدم فهمه لطبيعة المجتمع الذي تشتغل فيه هذه اللغة لكونه ليس عالم اجتماع .
أما بالنسبة للنظرية النقدية ، فقد بترها هابرماس عن جذورها الأصلية ، محولاً إيّاها إلى خليط غير متجانس عبر مزاوجته قسراً بين عدد كبير من شذرات الأفكار المتنافرة و الطاردة لبعضها البعض ؛ من كانط و هيجل من جهة ، و من فيبر و هايدغر و دوركهايم و دلثي و هوسرل و غدامر و فرويد و سوسير من جهة أخرى . ليس هذا فحسب ، بل و لقد زاوج أيضاً بين أفكار هاتين المجموعتين و بين مفاهيم مستعارة من أعمال شتى المفكرين الأنجلوسكسون من مختلف ميادين التخصصات : ميد ، بارسنز ، بياجيت ، كولبيرك ، فتغنشتاين ، أوستن ، تشومسكي ، ستروسن ، تولمان ، سيرل ، ديوي ، إلخ . و طريقته في فبركة الآيديولوجيا المزيفة تتلخص باقتباسه فكرة من هذا الباحث و فكرة من ذاك و ذيّاك ، و من ثم التأمل من هاوية الفندق الفخم وسط ولائم و حفلات الترفيه الفاخرة المقامة له في كيفية الربط التحكمي بينهما ، و ما هي المقتضيات الإجرائية لإقصاء أقوى المختلفين معها مقدماً عبر تلفيق الثنائيات الكاذبة اعتماداً على هذا أو ذاك من المفكرين البرجوازيين ؛ و من ثم فبركة النظرية ذاتياً بطحن الأشواك مع الدر و الحصى و الرصاص و الخشخاش و اللوز ، و هلم جرا ، بلا أي منهج علمي ، و لا أدنى تلاحم فكري - باستثناء وجوب إدامة التكيف مع النظام الرأسمالي القائم - مع تعمُّد استخدام الأسلوب الإنشائي المقعر غير الرصين و غير القاطع التحديد . و النتيجة هي خلطة فاسدة لا تورث قراءها الواعين غير عسر الهضم و وجع الرأس . فبوسع المطلع على كتابات هابرماس اكتشاف حقيقة أن ضغط تعددية و تنافر القيم و المناهج التي اقحمها بنفسه عليها بلا أدنى أفق تكاملي منهجي قد عمل على تقييد حركتها ليجبرها في النهاية على الاقتصار على طرح المعايير الإجرائية لتسوية المسائل السياسية و الأخلاقية التي يرضى أولي الشأن فيها بمبدأ الإجماع . و هذا بالطبع أمر لا يمكن أن يصبح متاحاً إلا كنتيجة لقيام المجتمع الشيوعي اللاطبقي قبلها ؛ أما في ظل سيادة المصالح العليا لطغمة مليارديريي الشركات المتعدية الجنسية و أساطين إمبراطورية الشر الإمبريالية فهو أمر مستحيل ، و لا توجد فيه سابقة اجتماعية و لا سياسية ، و لا حتى في قرارات الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني (الغربي) الذي ينتمي هابرماس إليه ، و الذي ينشط من بين صفوفه لتبرير عدوانات حلف الناتو على بلدان أوربا و الشرق الأوسط ، بلا أدنى عقلانية و لا نقد ولا إجماع و لا تواصل اجتماعي و لا بحث تجريبي و لا علمي . علمي ؟ كلا ، مطلقاً ! العلم عند هابرماس و جوقته هو سرب من البعوض القاتل الذي يستوجب الإبادة النصية كلياً و تماماً- مثل كل شيء أكيد آخر مبرهن عليه تجريبياً - بإطلاق تسمية "العلموية" عليه لمسخه ، لكونه بمعاييرهم الدوغماتية هو الشر كل الشر ، و هو العار كل العار ؛ في حين أن الثرثرة الخاوية و التزييف و التلفيق لخدمة عدوان الناتو هي آيات الإنجيل الهابرماسي الجديد الذي تُبشر به البشرية جمعاء ، و الذي يُحكم على كل من يرفضه - على طريقة التكفيريين الدينجية - بالأصولية و التخلف و رفض التعددية و السايكوباثية . و لهذا ، فليس من الغريب أن نجد هابرماس يمتنع كلياً عن استكشاف إمكانيات المستقبل وفق مقتضيات جدل النظرية النقدية التي تأسست عليها مدرسة فرانكفورت .
كما إن هروب النظرية الهابرماسية من التاريخ - لإيمانها ، بفضل التزييف البوبري ، بلا جدوى التاريخية - قد حولها فعلاً إلى نظرية فاقدة الإحساس بالزمن ، فأصبحت خارج تاريخها نفسه . ففي مقاربته المثالية للمجتمع ، لا يعي هابرماس جدلية أن التضاد الاجتماعي الأساسي القائم هو ليس بين ما هو مثالي مطلوب و بين ما هو واقعي قائم ؛ و لا هو بين الحقائق و المعايير . التضاد الحقيقي هو بين ما هو حاصل و بين ما يمكن أن يحصل ؛ بين الواقع الأسود الراهن الذي يجعل كل البشرية الدائخة لا ترى الطريق ، و بين استشراف إمكانيات المستقبل الأفضل المتأسس و المنبعث من داخل وقائع زماننا نفسه و ليس من خارجه .
ليس هذا فحسب ، بل أن هابرماس - الذي لا يستحي هو وجوقته من طرح حماقاته المثيرة للسخرية بديلاً للرصانة العلمية لماركس و إنجلز - سعى بمكر لقلب النظرية النقدية الماركسية من نظرية ثورية تقدمية إلى آيديولوجيا إمبريالية سكونية تُرَوِّج لعقلانية القوى العمياء لاقتصاد السوق المدمرة للبشرية ، و تطرح على المظلومين خرافة ضرورة تحقيقهم الإجماع و التفاهم مع مستعبديهم كوسيلة لشرعنة جرائم الإمبريالية في ديمومة سرقة قوى العمل الكونية و إبادة الشعوب بالحروب و الكوارث الاجتماعية و تخريب البيئة . و هي تزيِّف الصراع الطبقي و النضال الاقتصاجتماسي للطبقات المظلومة لصالح التبشير اللاهوتي بعلاقات التواصل الاجتماعي ، و لكن ليس قبل بترها تماماً عن علاقات الإنتاج . و ببترها هذا لغصن التواصل الاجتماعي عن جذره علاقات الإنتاج ، فقد تحولت نظرية التواصل الاجتماعي الهابرماسية إلى مجرد خشبة مرماة بلا حياة . و هو ما يدلل مرة أخرى على أن أية نظرية اجتماعية تلغي دوغماتياً تحليل تأثير قوة رأس المال في المجتمع البشري بأسره لن تصبح أكثر من مجرد هواء فاسد في شباك متهرئة .
و عليه ، فقد بات لهابرماس كل الحق في المفاخرة الآن بكونه قد أتى بيديه على نهاية مدرسة فرانكفورت بعد أن زيَّف معنى العقلانية و النقد الاجتماعي الجدلي الذي تأسست عليه ، و شطب على استشراف إمكانيات الفعل البشري المؤثر فعلاً في التاريخ و المؤدي إلى الممارسات التي يستطيع بواسطتها البشر تغيير مجتمعاتهم و ثقافتهم و مؤسساتهم السياسية الموروثة ، كما ألغى من فندقه الفخم اشتغال كل العلوم اجتماعياً .
و بسبب كل هذا - و رغم النفخ السخي لتبني أفكاره - فإن لا أحد في الغرب يأخذ الآن هابرماس بمحمل الجد في الأوساط الأكاديمية المحترمة . و توجد على الشبكة العنكبية حالياً آلاف الدراسات النقدية العقلانية المفصلة و الموثقة باللغات الإنجليزية و الفرنسية و الألمانية و غيرها و التي تسخر من مثاليته الخانقة ، و تستهجن خدمته لإمبراطورية الشر الإمبريالية . فعلماء اللغة يعرفون أنه لا يفهم في علم اللغة مثلما تبيَّن لنا ، و علماء الاجتماع يعلمون أنه لا يعي شيئاً في علم الاجتماع مثلما تم إيضاحه . أما الفلاسفة ، فلقد مضى زمن طويل جداً على إدراكهم بأن الفلسفة هي ليست صنفاً من أصناف الكُبّة المخدومة بالمكسرات و الخشخاش . ليس هذا فحسب ، بل و لقد أصبحت مؤلفاته مثاراً للسخرية و للتندر في المحافل الأكاديمية الغربية ، بحيث أن جملة : "هذا الكلام يذكرني بهابرماس" باتت تعني عندهم بالضبط : "هذا الكلام هو المَثار للسخرية " . ففي عدد يوم 3/11/2011 من النيويورك تايمز ، في الصفحة الثقافية ، كتب الأستاذ الأكاديمي المرموق "ستانلي فِشْ" (و هو مفكر لبرالي ، أشتهر بتأسيسه لمدرسة "المجموعات التفسيرية") مقالاً ساخراً عن هابرماس بعنوان : "لِمَ ينبغي على هاري تجنب اللقاء بسالي" ، قال فيه بالحرف الواحد (الأقواس موجودة في أصل النص) :
"إن الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس هو النجم الذي يحتل مثل هذا المحل في مَجْمَع الصِغار العائد لي . و لقد دأبْتُ على قذفه بِكِسَر الآجُرِّ طوال سنوات (بَلَغَ بي الأمر حد المطالبة في إحدى المناسبات بمنعه من كتابة أي شيء ؛ و لم أحدد الكيفية التي يتم بها ذلك) ، و وجهت إليه دفرات السخرية الأكاديمية على شعاراته (مثل : "المقام المثالي للكلام" و "التواصل الكوني") ، و نفخت في بوق خواء برنامجه لكل من يريد الاستماع .
و هذا يعني أن هابرماس (مع عدد آخر قليل ممن لن أسمّهم) هو مهم جداً بالنسبة لي ، لشعوري بأنني غير قادر على المواصلة بدونه . إنني أحتاج وجوده ؛ و إذا ما تم انتزاعه بعيداً عني ، فلن يتسنى لي معرفة ما الذي سيتعين علي عمله . إذ سيتوجب علي عندئذٍ أيجاد شخص آخر ليصبح موضوعاً لازدرائي البديهي . و تلك ستكون مهمة عويصة في ضوء كون هابرماس - أو اي شخص يمكنه ملء فراغه - لديه أفكار غريبة تماماً (من النوع التي أتوق لبغضها) ؛ لذا ، فإن تنصيب شخص من المريدين أو المزيفين مكانه لن يكون أمراً مُرْضياً فعلاً .
و لكن أنّى يمكن إبعاد هابرماس عني ؟ فحتى لو أنه أقلع عن النشر ، فسيكون بمقدوري دوماً الرجوع إلى كتاباته السابقة كلما احتجت للتعبير عن حكم سلبي ؛ و سيبقى بوسعي إفحام الآخرين بالقول الطارد : "هذا الكلام يذكرني بهابرماس" ، ثم أترك الموضوع . لذا ، و بغض النظر عما سيفعله هابرماس و ما لا يفعله ، سيبقى هو عائداً لي " .
إنتهى نص الأستاذ فِش .
المصدر :
http://opinionator.blogs.nytimes.com/2011/10/03/when-harry-should-avoid-meeting-sally/?_r=0
يعلم كل مطلع على الوقائع التاريخية للقرن العشرين أنه كان قرن الجحيم للبربرية الرأسمالية بامتياز . السؤال الوحيد الذي يفرض نفسه على كل البشر العقلانيين هنا - بضمنهم هابرماس و شركاه إن كان قد تبقى لديهم بقية من عقل جراء ضغوطات التلفيق و معاداة الرصانة العلمية و عناد الإنكار لأبسط الحقائق و الوقائع - هو واحد لا غير : هل كان ذلك الجحيم هو الخيار الوحيد الممكن و المتاح للبشرية ؟ و الجواب العقلاني الوحيد هو : كلا ، أبداً ، على الأقل لكوننا نعيش في كوكب يسميه أهله بـ "الأرض" ، و ليس "الجحيم" ، الذي لا بد أن يكون في مكان آخر . عشرات الملايين من خمسة أجيال متتالية من البشر الأبرياء لقوا حتوفهم بدم بارد بفضل تكنولوجيا القتل الرأسمالية ، فمن الذي يستطيع إنصاف أولئك الأبرياء المبادين بتطبيق العدالة بحق المجرمين الذين أبادوهم ؟ الجواب هو : ما من محكمة في هذا الجحيم تجرؤ على مجرد تصور إمكانية تطبيق العدالة بحق صنم مصطنع أسمه "رأس المال" و الذي يسمح لطغمة من محتكريه المجانين إبادة عشرات الملايين من بني جلدتهم الضعفاء بغير حساب . و السؤال الآن هو : إلى أي جحيم آخر نحن الضعفاء و أولادنا و أحفادنا ماضون ؟ لا أحد يعلم ، بعد أن تعلمنا من وقائع تاريخنا أن يومنا هذا هو في الغالب أفضل من غدنا . طيب ، ألم يحذرنا ماركس و إنجلز منذ علم 1848 من كل هذا في البيان الشيوعي بالقول بكلام فصيح صريح :
"إن التثوير الدائم للإنتاج ، و الاضطراب المستمر للأوضاع الاجتماعية كافة ، و التأبيد لفقدان اليقين و للهياج ، هي الصفات المميزة لعصر البرجوازية عن كل ما سبقها من العصور . كل العلاقات الثابتة المتصلدة الراسخة ، مع قطارها من العصبيات و الآراء القديمة القابلة للجرح ، تُكنَس بعيداً ؛ و كل جديد العصبيات و الآراء يتقادم حتى قبل أن يتصلب . كل ما هو صلد يتميَّع ، و كل ما هو مقدس يتنجس ، و أخيراً يصبح الإنسان مكرهاً على أن يواجه بحواس رزينة الظروف القائمة لحياته ، و لعلاقاته مع نظرائه من البشر . " ؟
الجواب : بلى ، بالتأكيد .
و الآن إلى السؤال الوجودي : إلى متى نبقى مكتوفي الأيدي نثرثر مع خادم الإمبريالية هابرماس و شركاه عن خرافات التداوليات الكونية خارج الزمكان و عن تزييفهم المتعمد للفكر الماركسي العلمي لحساب إمبراطورية الشر الإمبريالية و نحن مكرهون على مواجهة واقعنا المرِّ هذا ، لنواصل التفرج يومياً برزانة على جحيم : كل ما هو صلد يتميَّع ، و كل ما هو مقدس يتنجس ؟
أما مِنْ أفق لمستقبل أفضل ؟ ألم يوضح ماركس و إنجلز شروط تحقيقه للبشر و بالبشر و بأبلغ الكلام العلمي الرصين الذي يدحض على طول الخط التزويرات الهابرماسية المكشوفة له و لجوقته المخزأية ؟

انتهت .
مصادر مختارة

Adams, Nicholas (2006) Habermas & Theology. Cambridge, Cambridge University Press.
Albert, Hans (1964) "The Myth of Total Reason," in Theodor Adorno (et al) The Positivist Dispute in German Sociology. NY: Harper and Row [1976] pp. 163-197.
Bohman, James (1996) Public Deliberation: Pluralism, Complexity, and Democracy. Cambridge, MA: MIT Press.
------------- (1999) “Theories, practices, and pluralism: A pragmatic interpretation of critical social science,” Philosophy of the Social Sciences. 28: 459–480.
------------- (2000) “Demokratischer und methodologischer Pluralismus: Eine pragmatische Interpretation der kritischen Forschung,” in Müller-Doohm (ed.) 2000, 299-327.
------------ (2004) Justice, Legitimacy, and Self-Determination. Oxford: Oxford University Press.
Dews, Peter (ed.) (1999) Habermas: A Critical Reader. Malden, MA: Blackwell.
Edgar, Andrew (2005) The Philosophy of Habermas. М-;-ontreal, McGill-Queen s UP.
Engels, F. (1972) Origin of the Family, Private Property, and the State. NY: International Publishers.
Gregg Daniel Miller (2011) Mimesis and Reason: Habermas s Political Philosophy. SUNY Press.
Finlayson J.G. (2004) Habermas: A Very Short Introduction. Oxford University Press.
Fraser, Nancy (1985) “What s critical about critical theory? The case of Habermas and gender,” New German Critique. 35 (Spring-Summer): 97–131.
Habermas, Jürgen (1964) "A Positivistically Bisected Rationalism," in Theodor Adorno (et al) The Positivist Dispute in German Sociology. NY: Harper and Row [1976], pp. 198-225.
Habermas, Jürgen (1979) Communication and the Evolution of Society. Boston: Beacon Press.
------------- (1983) The Theory of Communicative Action. Vol. I: Reason and the Rationalization of Society. T. McCarthy (trans.) Boston: Beacon.
------------ (1987) The Theory of Communicative Action. Vol. II: Lifeworld and System, T. McCarthy (trans.) Boston: Beacon.
------------ (1988) On the Logic of the Social Sciences. S. W. Nicholsen and J. A. Stark (trans.) Cambridge, MA: MIT Press.
------------ (1989) The Structural Transformation of the Public Sphere. T. Burger and F. Lawrence (trans.) Cambridge, MA: MIT Press.
1990------------ (1990) Moral Consciousness and Communicative Action. C. Lenhardt and S. W. Nicholsen (trans.) Cambridge, MA: MIT Press.
------------ (1992) Postmetaphysical Thinking. W. M. Hohengarten (trans.) Cambridge, MA: MIT Press.
------------ (1993) Justification and Application. C. P. Cronin (trans.). Cambridge, MA: MIT Press.
----------- (1996) Between Facts and Norms: Contributions to a Discourse Theory of Law and Democracy. W. Rehg (trans.) Cambridge, MA: MIT Press.
----------- (1998) On the Pragmatics of Communication. B. Fultner (trans.) Cambridge, MA: MIT Press.
----------- (2001) The Postnational Constellation. M. Pensky (trans., ed.) Cambridge, MA: MIT Press.
----------- (2002) Religion and Rationality: Essays on Reason, God, and Modernity. E. Medieta (ed.) Cambridge, MA: MIT Press.
----------- (2003) Truth and Justification. B. Fultner (trans.) Cambridge, MA: MIT Press.
----------- (2009) Political Communication in Media Society: Does Democracy Still Have an Epistemic Dimension? The Impact of Normative Theory on Empirical Research. In Europe: The Faltering Project, C. Cronin (trans.) Cambridge: Polity. 138–183.
Jane Braaten (1991) Habermas s Critical Theory of Society. State University of New York Press.
Leacock, Eleanor (1981) "Women s Status in Egalitarian Society." Myths of Male Dominance, NY: Monthly Review Press.
Marvin Rintala (2002) Jürgen Habermas: a philosophical—political profile. Perspectives on Political Science, 2002-01-01.
Marx, Karl and F. Engels (1976) Collected Works. NY: International Publishers.
Marx, Karl (1967) Capital, NY: International Publishers. Vol. 1.
Marx, Karl (1972) The Ethnological Notebooks of Karl Marx. Assen: Van Gorcum.
Parsons, Talcott (1951) The Social System. NY: Free Press.



#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)       Hussain_Alwan_Hussain#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 12-13
- عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 11-13
- عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 10-13
- عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 9-15
- عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 8-13
- عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 7-13
- عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 6-13
- عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 5-13
- عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 4-13
- عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 3-13
- عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 2-13
- عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 1-13
- حسين علوان حسين - الأديب و الباحث الأكاديمي العراقي - في حوا ...
- القليل من الدعم اللوجستي فقط
- ماركس ، و فرحان : عندما يفيض الغيض بسبب الظلم / 5-5
- أقوى العلماء تأثيراً ماركس ، و فرحان : عندما يفيض الغيض بسبب ...
- ماركس و فرحان : عندما يفيض الغيض بسبب الظلم / 3- 5
- ماركس و فرحان : عندما يفيض الغيض بسبب الظلم / 2 - 5
- ماركس و فرحان : عندما يفيض الغيض بسبب الظلم / 1 - 5
- كيف حرر - الحوار المتمدن - المؤلف ؟


المزيد.....




- حوار مع الرفيق فتحي فضل الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي الس ...
- أبو شحادة يدعو لمشاركة واسعة في مسير يوم الأرض
- الوقت ينفد في غزة..تح‍ذير أممي من المجاعة، والحراك الشعبي في ...
- في ذكرى 20 و23 مارس: لا نفسٌ جديد للنضال التحرري إلا بانخراط ...
- برسي کردني خ??کي کوردستان و س?رکوتي نا??زاي?تيي?کانيان، ماي? ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 28 مارس 2024
- تهنئة تنسيقيات التيار الديمقراطي العراقي في الخارج بالذكرى 9 ...
- الحرب على الاونروا لا تقل عدوانية عن حرب الابادة التي يتعرض ...
- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!


المزيد.....

- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي
- بصدد الفهم الماركسي للدين / مالك ابوعليا
- دفاعا عن بوب أفاكيان و الشيوعيّين الثوريّين / شادي الشماوي
- الولايات المتّحدة تستخدم الفيتو ضد قرار الأمم المتّحدة المطا ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسين علوان حسين - عطو و هابرماس و نهاية مدرسة فرانكفورت / 13-13 (الأخيرة)