أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الوهاب عتى - عندما يتكلم الجميع عن المواطنة.















المزيد.....

عندما يتكلم الجميع عن المواطنة.


عبد الوهاب عتى

الحوار المتمدن-العدد: 4769 - 2015 / 4 / 6 - 22:35
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تعتبر المواطنة أحد أهم المفاهيم التي أسالت و مازالت تسيل الكثير من المداد، نظرا لإشاعة إستعماله في كل المجتمعات. لكن ماذا يفهم من المواطنة و المواطن؟ هل تستقيم المواطنة في البلدان الغير الديموقراطية؟ و هل يمكن الحديث عن مواطنة في مجتمع طائفي يعتمد التفرقة بين أفراده على أساس لغوي أو ثقافي أو ديني؟

فالمواطنة كلمة تقابلها كلمة "Citizenship" في اللغة الإنجليزية، و في اللغة الفرنسية تقابلها كلمة "citoyenneté"، و هي مفهوم قديم، ظهر عند الحضارة اليونانية. و بكونه مصطلح سياسي متحرك و متعدد الأبعاد، حاول منذ البداية الإنتقال من الوضع المحلي إلى العالمية، مما أدى به إلى التعرض للعديد من التأويلات التي تختلف بإختلاف الإديولوجيات و المذاهب و المجتمعات. هذا، فلم تعد المواطنة بمثابة المفهوم المرتبطة بالدولة الوطنية أو إمتلاك بطاقة تعريف وطنية لهذه الدولة أو تلك، بل تم ربطها بالمجموعات الإنسانية، و كانت النتيجة الإعتراف لكل إنسان أينما وجد بحقه في التصرف الكامل و الإستمتاع بحقوقه كباقي مواطيني العالم. هكذا، ففي اللغة العربية مثلا، يلاحظ غياب هذه الكلمة في جميع المعاجم العربية القديمة، مما جعل المفكر محمد عابد الجابري يستغرب لهذا الأمر حيث كتب: "و لاشك أن القارئ سيستغرب معي غياب هذا اللفظ في معاجمنا القديمة المتداولة: "لسان العرب" و"القاموس المحيط"، و"الصحاح"، و"تاج العروس" إلخ. أما في نصوص الكُتاب والأدباء فاللفظ غائب أيضاً، ولم أعثر له على أثر إلا في كتاب "جريدة القصر و جريدة العصر": للعماد الإصبهاني الذي عاش في القرن السادس الهجري (ولد 519 و توفي 597ه) وموضوعه: أعيان وفضلاء عصره من الخلفاء إلى الشعراء إلخ، منطلقا من بغداد ... إلى المغرب والأندلس. و قد وردت كلمة "مواطنة" مرة واحدة في هذا الكتاب الضخم في رسالة نقلها يمدح فيها كاتبها بيت من يمدح بقوله عنها: "مكتسبة من الأشباح القدسيّة علاءً، ومنتسبة إلى الأشخاص الإنسية ولاءً، مترفّعة عن مواطنة الأغفال، ومقارنة أهل السّفال. و إسترسل يقول "إذن، لفظ "مواطنة" و نسيبه "مُواطن" ليس فيهما من العربية غير الصيغة (مفاعلة/مُفاعل) و هي للمشاركة: مقاتلة/مقاتل، مضاربة/مضارب. و قد حاولت أن أتعرف على اللفظ الذي كان يستعمله العرب قبل "عصر اليقضة العربية" لأداء مفهوم "المواطنة" و "المواطن" كما نستعملهما اليوم في خطابنا فلم أجد". مما جعل المجتمعات التي تعتمد "رسمية" اللغة العربية تنحاز إلى إيجاد هذه الكلمة معتمدين على إشتقاقها من كلمة "وطن" الشئ الذي يفقدها معناها الطبيعي. و في محاضرة تحت عنوان "المواطنة والمساهمة والمجاورة" في دجنبر 2014، بالجمعية المغربية للمعرفة التاريخية بالرباط أكد المؤرخ عبد الله العروي، أنه من الصعوبة إستيراد مصطلحات و مفاهيم جديدة مثل "المواطنة" معتمدين على إشتقاق الكلمات فقط و إعطائها في النهاية معاني معينة في اللغة العربية و وضعها في مكان لا يليق بها تفقده معناه و تصير مصطلح بدون معنى. هكذا، يكون لزاما علينا إستعمال كلمات مضبوطة مكتسبة من الواقع المعاش حتى يتبين المراد منها بشكل صحيح.

بإعتبارها مجموع تلك الحقوق و الواجبات التي يتمتع بها الفرد، و هي في تغير مستمر بموازات التطور و النمو الإقتصادي و الإجتماعي الذي يشهده المجتمع، جعلت الإنجليزي ثوماس مارشال يقوم بتقسيم المواطنة إلى ثلاث مراحل تطورية: "المواطنة المدنية"، و هي ظهرت في القرن السابع عشر، و كانت مرتبطة بالحرية و الحق في الإمتلاك. "المواطنة السياسية" و قد ظهرت في القرن التاسع عشر، و تظم كل ما يتعلق بالحق في المشاركة السياسية المباشرة و الغير مباشرة، و الحق في الإنخراط في الأحزاب السياسية أو الحركات ذات التأثير على الحياة السياسية للبلاد، لأن المواطنة كمفهوم لا تسمح لمجموعة معينة من أفراد الجماعة بالتصويت و تشريع قوانين تمس بحقوق الأخرين دون إستشارتهم. أخيرا نجد، "المواطنة الإجتماعية" التي تهتم بالمجال الإجتماعي و الإقتصادي، و هي تراعي الشروط الرئيسية للحياة، حيث يصبح الفرد مالك الحق في التعليم و الخدمات و الرفاه الإجتماعي، إلخ. و قد ظهر هذا النمط في منتصف القرن العشرين. فأن تكون مواطنا يعني أن تتمكن من الإستمتاع بالحد الأدنى من الرفاه الإقتصادي والأمن و الإستفادة من التراث الإجتماعي وكذا العيش وفقا للمعايير السائدة في المجتمع، يقول ثوماس مارشال. هكذا، المواطنة إذن، تساعد على تفعيل مشاركة المواطن بإعتباره حسب تعبير أرسطو المساهم في إقرار القوانين و تداول المهام القانونية و السياسية في المجتمع و جعله عضو فاعل يعي واجباته و حقوقه، بإعتباره أول و قبل كل شئ جزء من الجماعة السياسية، و بالتالي وجب إحساسه بمسؤولية أخلاقية في ما له و ما عليه تجاه منظومته الإجماعية. و بإعتباره مركز ثقل الحقوق و الحريات يجب أن يتمتع المواطن في المقام الأول بالحق في إمتلاكه إستقلالية في التفكير و الوعي. فالفرد يحتاج عادة إلى معرفة الأشياء المفيدة و تلك الغير مفيدة لمحيطه، لأن وجوده لا يقتصر على وضع الورقة الإنتخابية في الصندوق كل فترة إنتخاب. إن إقصاء مجموعة ثقافية أو دينية أو إثنية، أو إجبار جزء من المواطنين على الإختفاء و التنكر لذواتهم بمجرد الإختلاف في ميولاتهم الجنسية خوفا من الرفض الإجتماعي أو القانوني، أو فرض السلطة الأبوية بالمفهوم القديم على كل علاقة بين رجل و إمرأة و محاسبة المرأة بدعوى الحفاظ على ثقافة المجتمع و حماية "الثوابت"، هي أفعال تقوم على تقويض مفهوم المواطنة و إفراغها من محتواها. فإحترام مبدأ المساواة في الإستمتاع بالحرية الفردية و بكل الحقوق السياسية و الإقتصادية و المدنية و الحق في التفكير هي المبادئ المؤهلة للإستمتاع بالمواطنة الكاملة و بالتالي تحقيق التنمية المنشودة في كل المجالات.

هكذا، فالحديث عن المواطنة يجرنا للحديث عن علاقة الفرد بالدولة كتنظيم سياسي ذو سيادة، تأخذ بالعناية و توفير المادة التعليمية بشكل متكافئ و متساوي بين المواطنين، و كذا توزيع الوظائف و التسيير الداخلي حسب الإستحقاق، إلخ. هذه العلاقة التي يتم تحديدها عبر صياغة قوانين بمشاركة الجميع، مراعيا في الوقت نفسه مبدأ المساواة بين الجميع، و الإعتراف بالتنوع الديني و الثقافي و السياسي و الجنسي في المجتمع. مبادئ هذه، تعتبر أساس الحديث عن الديموقراطية، المساواة و التنمية.

إن نسبة المواطنين في مجتمع ديموقراطي تكون أكبر بكثير من نسبتها في مجتمع غير ديموقراطي. فالديموقراطية و المواطنة مفهومين لا يمكن الفصل بينهما. حيث أن الأول يضمن مشاركة المواطن و يعترف بحقوقه و واجباته، و الثاني يعمل على تقوية الديمقراطية الإجتماعية التي تسمح للمواطنين (بغض النظر إلى مستواهم المعيشي و الثقافي و الجنسي، إلخ.) بالإندماج في المجال العمومي بإستمتاعهم بكل الحقوق و الحريات دون تمييز، و دون الإلتجاء إلى ما قد يسميه البعض في الدول الغير ديموقراطية "بالخطوط الحمراء"، بتسطيرها الإطار العام للتفكير، إعتمادا إلى الإدعاء بتقاسم العديد أو البعض من الرموز كالدين و الثقافة مثلا بين الجميع. بالتالي لا يمكن الحديث عن الديموقراطية في مجتمعاتنا قبل الوصول إلى تحديد مفهوم علمي دقيق للمواطنة، كما أنه لا يمكن تحقيق مواطنة حقيقية دون تحقيق الدولة المدنية التي تتبوأ فيها الدولة صفة العنصر الحيادي و المحايد في تسيير الشأن الديني، "فيجب أن لا ننسى أنه تاريخيا المواطنة و العِلمانية تعايشتا جنبا لجنب"، يقول الأستاذ ديونسيو يامثاريس فيرنانديس (2015).
في الأخير و بالرغم من إختلاف الأنظمة السياسية و الإديولوجيات في العالم فلا يمكن الحديث عن الديموقراطية أو عن المواطنة في أي بلد دون تحقيق العلمانية كنمط سياسي للحكم.



#عبد_الوهاب_عتى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإرهاب .... بضاعتنا رُدّت إلينا.
- الإرهاب ... بضاعتنا رُدٌت إلينا.
- العِلمانية و تدبير الإختلاف في المجتمع
- أساس إستمرارية المجتمع، الثقافة!
- المؤسسة التعليمية... الحق في التعليم و المعرفة
- العِلمانية ، العَلمانية و الديموقراطية


المزيد.....




- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الوهاب عتى - عندما يتكلم الجميع عن المواطنة.