أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل محمود - طريق الحرير














المزيد.....

طريق الحرير


نبيل محمود

الحوار المتمدن-العدد: 4768 - 2015 / 4 / 5 - 14:51
المحور: الادب والفن
    


( هذا النص من (تفاحات إيروس)، يتضمّن بعض السمات من الأجناس الأدبية المعروفة، ولكن لا يمكن احالته إلى أيٍّ منها بشكلٍ قاطعٍ ففيه ما فيه من القصيدة والحكاية والمقالة..... إلخ.)

تدور دائرة اليانغ والين* باستمرار، تتمزّق الشرانق، وتحلّق الفراشات الملوّنة بعيداً في الزرقة الصافية.. ينسلّ خيط الحرير، ويمتدّ من الصين إلى السين عبر طريق الحرير، ويلفّ جسد فاتنة العصور. تمسك في يدها كأساً زجاجيةً برّاقة من فينيسيا، ترتشف النبيذ الأحمر، وتمسح فمها البلّوري بمنديل الشمس. فاتنة العصور ليست بباريس أو ببغداد أو ببكين، عيناها تستطيلان ببكين وتستديران ببغداد وتنعسان بباريس. فاتنة العصور في كلّ حلمٍ، في أيّة خفقة عشقٍ خارج خطوط المكان ودقّات الزمان.. هي في كل وجودٍ يتعامد فيه الين واليانغ.

تمتزج العناصر وتختلط الأشكال فتنبثق الأجساد. تتناغم الأصوات في الموسيقى فتتجسّد الروح.. الموسيقى ذلك النداء القديم.. النداء العميق للحب وللحرب، تتجمّع الأجساد بالحب وتتفرّق بالحرب**. حين يتعانق جسدان ويتقلّبان، لا شرق ينوح ولاغرب يطغى، الشمال يستدير جنوباً والجنوب يتمدّد شمالاً، يتناوبان الفوق والتحت فتزدهر كلّ الجهات.. تشتبك الشفاه بالشفاه فوق قرص العسل، يساكن الجسد سواه بقوّة ضمائر الوصل وتغيب ضمائر التملّك. يتنافذُ الحيُّ بالحيِّ ويعتصران الأشواق حتى يسيل رحيق الحياة. يخلع الحب أسمال الهويات وينزع أشواك الفروق ويُزيل حراشف التمايزات.. يرتدي الحرير فتنتشي الخلايا بأفراح الأعياد.. الحرب الأولى كانت حباً حين كانت الغنيمة قبلةً حميمة..!

لماذا أيها الشيخ الجليل هيجل أوقفتَ الحضارة في برلين؟ ها قد انتزعها ناقمو أوربا (التفتيش) والتمييز والحروب. رموا أعباء التاريخ ومآسيه خلف ظهورهم وتخفّفوا من أوزار الخرافة. حملوا أحلامهم وأبحروا خفافاً هرباً من تاريخٍ دامٍ وعبروا الأطلسي إلى العالم الجديد. جغرافيا جديدة بلا تاريخٍ مثقّلٍ بالرزايا. أينع الحلم هناك على امتداد البراري وابتدأوا تاريخاً جديداً غير ملوّث بالخطايا.. لكن المأساة حدثت هناك أيضا..! اُقتلْ هندياً واغرسْ وتداً.. تملك الأرض وما فوقها وما تحتها! وتلوّث الحلم بالتملك الدموي.. كان الحلم بلا حدود والأرض ثرية بلا حدود والعقل بلا حواجز. لكنّ (الكاوبوي) اِمتطى حصانه ومرّغ الحلم بالغبار والدم وخلق أسطورة تمييزٍ جديدة.. عقدة كلّ حضارةٍ وجرثومة كلّ سـقوط. الحضـارة التي ناطحت السحاب وتوغلت عالياً في الفضاء ووطأت تراب القمر. خُيّل إليها أنّها فوق البشر وأنّها من جنس الآلهة.. جرثومة أستحلّت دم الآخر، فانحشرت في المحنة وأغرقها تاريخٌ جديدٌ من العنف والدم.

الحضارة اليوم تستدير عائدةً عبر الهادي إلى قارة الحكمة!. فهل يستطيع (التاو) القديم أنْ يعلّم الحضارة كيف تُنهي خصومة العقل والعدل؟! وتنجو من جرثومة التمييز التي لوّثت سيرتها منذ موهانجو دارو وسومر ووادي النيل والأغريق فأوربا وأميركا... العالم واحدٌ وصور الحضارة شتّى... والعشق واحد والعشّاق عديدون. والوجود موجود لأنّه لا يبدأ ولا ينتهي***. تغلق دائرة الوصل مسيرة الحضارة وتُبدّد وهم التفوق، يعود خيط الحرير ممتزجاً بكل الألوان ومضمَّخاً بعطر البشر أجمعين. من امتزاج العناصر واختلاط الأشكال، ومن تدرّج الألوان وائتلاف الأصوات، يبدأ إنسانٌ جديدٌ رحلةً جديدةً في طريقٍ جديدٍ لحرير العشق. ينضو عن جسده الملابس الضيقة لهويات الانتماءات المتوجّسة وصراعاتها العدمية. هاجس الانتماء إلى جماعةٍ غريزة القطيع المتوجّس من خطر الذبح والإبادة. العقل المتحرّر من وهم غريزة القطيع، يتسلّى بسرد أساطير الأولين وقصص حروب الجماعات ونزاعات الآلهة القديمة. ويندهش من تبديد الفوائض في حروب الهيمنة وتشتيت اللبيدو في حقول الموت وحروب الأنا والآخر..

في سطح الكرة كلّ نقطةٍ هي ابتداء وانتهاء يلتقي الكلّ بالكلّ، لا قهقهة تترفّع ولا دمعة تتوجّع! سنابل الحنوّ تكنس كدر الأرواح، ونشوة الورد تذيب هوس العنف، وقزح العشق يبشّر بحلول العيد البشري...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) (يقوم التفكير الصيني منذ أقدم الأزمنة على النظر إلى الحياة والإنسان، والوجود بأكمله، على أنه نتاج حركة قوتين ساريتين في كل مظاهر الوجود، هما الـ "يانغ" والـ "ين"...)، (إن فن الحياة ينبغي أن لايقوم على طلب اليانغ واستبعاد الين، بل الحفاظ على حالة من التوازن بين القطبين، لأنه لا قيام لأحدهما إلا بوجود الآخر...)
كتاب التاو، ترجمة وشرح وتعليق فراس السواح، الطبعة الأولى 1998، دار علاء الدين-دمشق، ص 9، 10.

(**) (حياة الإنسان مدينة لتكتّل الـ تشي فإذا ما تفرّق، حدث الموت.)
هادي العلوي، المستطرف الصيني، دار المدى، 2000، ص122.
وعند أنبادوقليس يتجاذب الوجود بالحب ويتنافر بالبغض.

(***) (قفْ قبلها لا ترى بداية / كنْ بعدها لا ترى نهاية.)
هادي العلوي، المصدر السابق، ص144.



#نبيل_محمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في ديوان (ريثما...) للشاعرة المغربية سعيدة عفيف
- زيارة سرية
- قمر إنهيدوانا
- أنتي فالنتين!
- هجوم إبليس بباريس
- وجه مكسيم
- شتاء آخر
- من يحلّق ليلاً؟
- تحت ظلّ الزيتون
- اضاءت وفاح الفالس
- صرخة
- أسئلة الدم
- ليلة سقوط الدمعة
- الأبدية لحظة حضور
- هجرة
- النص الطباعي والملتيميديا.. الوسيط المهيمن
- غربة المقيم
- (ريثما...) ينقذنا الجمال !
- طاحونة الزمان
- عيد المرأة والرياء الذكوري!


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل محمود - طريق الحرير