أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - 1-ضد الحرب حتى العادلة (مشهد الزوجة العراقية عند مقتل زوجها)















المزيد.....

1-ضد الحرب حتى العادلة (مشهد الزوجة العراقية عند مقتل زوجها)


سلام إبراهيم
روائي

(Salam Ibrahim)


الحوار المتمدن-العدد: 4768 - 2015 / 4 / 4 - 00:55
المحور: الادب والفن
    


1- ضد الحرب حتى العادلة (مشهد الزوجة العراقية عند مقتل زوجها)>
سأنشر سلسلة من المواضيع حول هذا الموقف، مستقاة من الحياة وقصصي ورواياتي
لما كانت الحرب معضلة أبناء جيلي والمستمرة حتى الآن. شغلتني منذ قراءاتي وتاملاتي الأولى. ولم اجد من يمجدها من كتاب العالم المشهورين أبدا. وقتها لم اكن أعرف ان حياتي كلها ستعصف بها الحرب ثم السجون والتشرد، لأهجر في شقة في الدنمارك أعاني من أصابة حرب.
ومن هنا كان موقفي واضحا ضد الحرب حتى العادلة، ضد العنف، ضد القهر. وكانت كل رواياتي وقصصي تنطلق من هذا المنطلق الإنساني، هنا سأقدم مشهدين من روايتي _في باطن الجحيم- لأمرأتين عراقيتين الأولى فقدت زوجها في حرب الأنصار 1987 (أم فؤاد) والثانية فقدت زوجها في الحرب العراقية الإيرانية 1981 -زوجة صديقي وجاري مهدي خريبط). المشهدان جريا امام ناظري:
(أتابع تفاصيل المحاكمة والطغمة الجالسة في القفص، منتظراً دور أحدهم بالكلام، أصغي بعمق مراقباً وراصداً انفعالات الوجه ونبرة الصوت والحركة، فوصلت إلى خلاصةٍ تقول:
ـ أن هذا النمط من البشر مجرد من الضمير.. الذي يُشعِر الإنسان بالذنب.. هؤلاء لا شعور بالذنب لديهم مطلقاً.
هؤلاء غير معنيين بالآخرين، بالناس بالمجتمع.. لا يفكرون إلا بأنفسهم. هم لا يفكرون بالتفاصيل التي تنتج عما فعلوه.. وبالمناسبة هذه سمة لا تخصهم فقط بل تخص كل متعصب.
هذا النمط من البشر نُزِعَ منه الضمير، أو هو نزعه، أو هو أصلاً بلا ضمير. فلا يهمه مشاعر الآخر.
ـ قد يسأل القارئ كيف توصلت إلى هذه الخلاصة؟!.
هنا سأسرد على القارئ تجربة حية رأيتها أمامي وكلما أتذكرها الآن بعد مرور قرابة عشرين عاما أحس بشيء ما يفطر قلبي ويورثني الهم والحزن.
كما ذكرت كان الوضع مضطرباً. أنتقل مقر قاطع ـ بهدينان ـ فيها إلى وادٍ يدعى ـ شيفيا ـ وفصيل المكتب السياسي إلى ـ كاني ساركي ـ. وتقرر إبقاء مجموعة صغيرة سريعة الحركة في موقع ـ زيوة ـ، خيرونا بين البقاء أو الأنتقال إلى المقر الجديد، ففضلنا أنا وـ بهار ـ أن نكون من ضمنها بعدما أضنتنا الحياة الجماعية وتفاصيل الثوار. وفعلا كنا مجموعة صغيرة من الأنصار منسجمة إلى حد ما، ترتب يومها بشكل معقول منتظرة الآتي. كنت أشعر في أعماقي أن هذا السلامَ مؤقت عابر سرعان ما سيزول، لكن في قرارة نفسي أتمنى أن يدوم وحبيبتي بين ذراعي كل مساء في غرفة تجاور قاعة فصيل الإسناد. في أواخر الشهر السادس 1988 كنا نتناول وجبة الغداء حينما لمحنا من المسلك الهابط من قمة العمادية ثلاثة مسلحين وامرأة بثوبها الكردي الفضفاض يهبطون مسرعين، تبين أنهم من الفوج الأول المرابط في وادٍ من أودية جبل ـ كارا ـ. المرأة كانت زوجة الشهيد ـ أبو فؤاد ـ الذي قضى في القصف الأول للموقع 1987، جاءت تزور قبره بمناسبة مرور سنة على مقتله.
كيف أصف المشهد؟!.
كيف؟!.
سأحاول رغم المرارة رسم المشهد من جديد، لعل من يشاهد المحاكمة يدرك معي مقدار لا إنسانية هذه الطغمة التي تتمسكن أمام العدالة مصورةً نفسها وكأنها لا تدرك ما كان يجري وتعتقد أنها كانت تمارس واجبا وطنيا.
الموقع يطل على مجرى ـ نهر الزاب الأعلى ـ، على رابية متدرجة يبدو أنها كانت في أوقات السلم مزارع عامرة تحولت وقت الثورة والهجرات إلى مساحات عشبية متدرجة من الرابية وحتى ساحل المجرى في مسطحات تمتد لأكثر من عشرة أمتار. على المسطح التالي لفسحة رابية موقع الإسناد دُفِنَت جثتا ـ أبو فؤاد ـ وأبو رزكار ـ وعادة ما يقوم الرفاق بوضع الزهور على قبري الشهدين بين الحين والحين، لم يكتب شيء على الشاهدتين، لكن الكل يعلم من يرقد على اليسار ومن يرقد على اليمين. كنت أحس أن المرقدين مدفونين بقلبي حتى أني الآن لحظة الكتابة أراهما تحتي وكأنني عدت إلى تلك اللحظات المدمرة حينما كنت أضع باقتي زهور برية وأكلمهما عما جرى في غيابهما مستذكرا كل الأحباب الذين غابوا في المعتقل أو قتلوا لاحقا في المعارك.
قدمنا لهم الطعام. كنت أختلس النظر إلى وجه ـ أم فؤاد ـ التي رفضت بشدة تناول الطعام مكتفيةً بجرعة ماء بلّت به ريقها الذي بدا ناشفاً. كنت أتتبع الماء الذي تحاول بلعه بعناء، إذ يتكسر وجهها ألما. قلت مع نفسي:
ـ سيكون هذا اليوم عسيراً!.
ففي التحاقي الثاني بالثوار شباط 1985، ومعي زوجتي حللنا ضيوفا في بيتهم في قرية صغيرة أقيمت على عجل، تجاور الفوج الأول تجمعت فيها عائلات البيشمركة اليزيدين التي هجرتها السلطة من قراها، إذ كُلِفَ ـ أبو فؤاد ـ بتوصيلنا إلى مقر القاطع، فرأيت مدى عمق علاقة الشهيد بها، كان لا يكف عن المزاح معها مزاحاً لطيفاً يجعل وجهها يتهلل سعادة. كان لديهما جوقة من الأطفال، أحدهم أرسل إلى ـ الاتحاد السوفيتي ـ للدراسة.. وهو وحده من نجا من العائلة إذ ستضيع جميعها في مقبرة جماعية لم تكتشف لحد الآن. وهذا ما سأحاول إلقاء الضوء عليه لاحقاً.
ما أن فرغنا من الوجبة حتى سألتْ عن قبره. ارتبكت الوجوه، ورحنا نحملق الواحد في وجه الآخر منتظرين مبادرة أشجعنا. كررت السؤال مرة ُثانية وثالثة، فهبطت قلوبنا إلى أسفل أقدامنا، ممعنين بالصمت، هاربين بعيوننا إلى القمم والسفوح وذرى الأشجار الشاهقة.. إلى أن أنقذتنا ـ بهار ـ مجيبة:
ـ سآخذك إليه!.
قادتها من ذراعيها وتوجهت بها صوب المسلك الهابط جوار مجرى النبع. تبعها المقاتلون الثلاثة الذين قدموا معها. خطوتُ خلفهم متردداً. انحرفتُ يميناً مبتعداً عن المسلك الهابط. تلفت فوجدت رفاق الموقع جميعهم يتوجهون صوب الحافة المطلة على فسحة القبرين. يتابعون بعيونهم المضطربة الموكب المكون من المسلحين الثلاثة السائرين خلف زوجة الشهيد يهبطون تتقدمهم ـ بهار ـ . استداروا صوب الفسحة الصغيرة الممتدة على مسافة عشرة أمتار فقط. أبطأوا الخطو. سحبتها زوجتي برفق من معصمها الناحل إلى أن وقفتا أمام القبرين. ورأيتها تشير نحو كومة التراب المرتفعة قليلاً.
كانت الشمس ساطعة في ذلك اليوم تضفي على المشهد وضوحاً يركز في الذاكرة.. تحجر نظري على وقفة الأرملة التي كانت تنتظر عودة زوجها من العلاج بعدما تعرض لمحاولة اغتيال قبل عامين، إذ دس رفيق تعاون سرا مع السلطات سم الثاليوم في كوب لبن. قاوم ونجا بعد علاج لمدة عام في إيران. كان في طريق عودته للقاء العائلة فحلّ في الموقع على أن يبيت ليلته ليواصل في الصباح الباكر طريقه إلى الفوج الأول في وادي ـ مراني ـ بگارا، وفي ذلك الغروب قصفت الطائرات العراقية ـ زيوة ـ بالغازات السامة، ومن سوء حظه أنه كان يجلس على حافة موقع سقوط القذيفة التي أعمته على الفور وغيبته بعد ساعات ست إلى الأبد.
أرى الآن وأنا أشرف من الربوة قامات الرجال الذين لم يجرؤا على الاقتراب، فبقوا على مبعدة أمتار إلى يمين ويسار المرأتين الواقفتين أمام القبر. رجعت زوجتي خطوتين وتركتها وحيدة، وتحتها يرقد حلمها المستحيل نائماً في الترابِ. طال الصمت وسكون قامتها المتماسكة المصلوبة جوار كومة التراب.
ـ هل كانت تخّلقه من جديد من ذاكرتها؟!.
هذا ما بت متأكدا منه، وما حدث معي حينما زرت العراق 2004 ووقفت أمام قبر أمي وأبي اللذين قضيا وأنا في المنفى!.
كنت غير مصدق بأنهما يرقدان هنا خلف حائط من الجص والآجر في سرداب صغير ضائع بين بحر من القبور في مقبرة ـ السلام ـ في النجف!.
تلفتُ حولي، فوجدت رفاقي موزعين خلف شجيرات الحافة، مثل من يخاف من شيء يلوح تحتنا على لوحة الفسحة الصامتة، رجال بأسلحتهم المتدلية على الجنب، زوجتي المنتظرة، قامة الأرملة الجامدة بثوبها الفضفاض الطويل وكأنها تؤدي صلاة ما سرية!. وخلفها غابة صغيرة، فالنهر الدافق، ثم سفح قائم وكأنه جدار يرتفع عالياً أمامنا، وحده دوى مجرى الزاب الهادر يتردد صداه في الوادي.
هل كانت بصمتها الطويل الذي أربكنا ووتّرنا تمارس طقساً من طقوس الموت لدى الطائفة اليزيدية؟!.. لا ادري!. لكن تلك اللحظات أشعرتني بفداحة الفقد المباغت لمحب حميم.
لا أدري كم من الوقت ظلت ساكنةً كتمثالٍ من حجرٍ.. فزمن تلك اللحظات زمن مختلف لا يقاس.
كنت أحبس صراخي مستذكراً أحبابي الذين ضاعوا في المعتقلات!.
كنت أحبس دمعي متخيلاً ألم كل عراقية فقدت زوجها غيلةً!.
كنت أحبس هاجسي متخيلاً زوجتي الواقفة خلفها بمسافة مترين، تقف هي أمام كومة ترابي لو قضيت في القصف الذي قضى على أبي فؤاد!.
كنت أركز نظراتي على قامتها الجامدة، فلمحت أول تمتمة دون صوت بانت من حركة شفتيها. تمتمت بصمت فيه جلال، وقليلاً قليلا بدأ الصوت يظهر ضعيفاً مكسوراً أول الأمر، ثم شرع في التماسك شيئا فشيئا إلى بات واضحاً، خصوصاً بالنسبة لنا نحن الواقفين على حافة تطل على المشهد. بدأت بسرد قصة حبهما وكأنه متجسدٌ أمامها. تقص وتعلق وكأنها تسمع ما يقوله لها. القصة جديرة بالسرد في موقع غير هذا. ففيها يتجسد حجم معاناة زوجة العراقي المتورط بالسياسة، والذي يحبها وتحبه، فالأمر ليس بسيطاً كما يتخيل البعض. من يتورط في السياسة بصدق المبادئ، ويعارض سلطة دكتاتورية ويضحي بكل شيء حتى بتشريد عائلته داخل وطنه ذلك يعني أن مثل هذا الشخص كرس كل عمره لحلم مدينة فاضلة ما زالت الإنسانية تصبو إليها.
كنت أنصت لصوتها رائيا ألوان القص، شاما روائح الحكاية، لامساً أجسادَ الشخوص.
قصت كل ما جرى لها وللعائلة أثناء غيابه الطويل الذي بات وقتها سنتين. سنة علاجه في ايران، ومرور سنة على مقتله.. قصت إلى أن أنهكها الكلام والحكاية، فصرخت صرخةً واحدةً طويلةً حادةً أصابتنا بالكمد وارتمت على كومة التراب. غطتها مولولةً صارخةً باسمهِ. كنت أنشج بصمت، وجواري ينشج رفاقي. وتحتنا ينشج الرجال الثلاثة بصمتٍ، وأم فؤاد تناديه كي يقوم من جديد قابضةً على ذرات ترابه في حركة تشتد وتنبسط وكأنها تحاول خلقه من جديد. وحدها زوجتي بدت متماسكة منتظرة لحظة مناسبة كي تنتشلها من وهم عودته.
كانت الشمس شديدة السطوع تبحر في سماء شديدة الزرقة، بالغة الجمال وجدتها شديدة القسوة، لحظتها اكتشفت أن الطبيعة الجميلة تبقى ساطعة غير آبهة بأحزان البشر ومأزقهم. هذا ما ينتابني حتى الآن كلما رأيتُ مشهد تفجير في بقاع العراق وخلف المشهد نخيل وسماء صافية ووجوه عراقية مندهشة تظهر على شاشة التلفاز مطالبة بالأمان. الطبيعة في كينونتها السرمدية ضد فعل القتل. هذا ما ترسخ لدي في وقفتي مطلاً في يومٍ صيفي مشمس زاهي على مأساة ليست فردية إذ أنها ستعمم منذ ذلك التاريخ وحتى هذه اللحظة حيث القتل والترمل بات مألوفا وكأنه قدر العراقيات.
أحسستها وكأنها تحاول الغور في التراب ومسكه فيزيقيا من جديد.
حلم مستحيل.. لوعة الأرملة المحبة، فتذكرتُ مشهدٍ مماثل وقفت فيه مثل وقفتي هذه محملقاً ومتأملاً ذات العذاب.. ذات الألم، لكن بوضعٍ مختلفٍ تماماً، فقد كان القتيل حاراً أي جسده الفيزيقي ملفوفا بالكفن الأبيض. كان جاري العسكري المطوع ـ مهدي خريبط ـ سائق الدبابة الذي قتل في جبهة الحرب الإيرانية العراقية عام 1981. كنت أحبه والمحلة والمدينة كلها. كان شفافاً حميما شهماً ودعّنا قبل مقتله بأسبوع، فدفع حساب المائدة في نادي موظفي الديوانية قائلا:
ـ يجوز بعد ما تشوفوني!.
وجلبوه ملفوفا بالعلم العراقي. حضرت طقوس الغسل على دكة غسل الموتى الأسمنتية في مغسلٍ بطرف مقبرة السلام بالنجف. تابعتُ ردود فعل الجسد الميت المستسلم ليدي المغّسل.. رأيته حياً يقف ذلك المساء قبل أسبوع وهو يودعّنا. أدركت أنه من البشر الذين يرون خفايا القادم. اصطحبت الجثة بعد التغسيل إلى مرقد الأمام علي، حيث لففنا بها حول الضريح ثم إلى المقبرة. وهنالك وجدت زوجته وأخته وأمه ينتظرون.
ركزت على وجه الزوجة لسبب خاص أكشفه الآن، ففي ليلة صيفية من ليالي ـ الديوانية ـ كنا نمرّ جوار بيتهم ذي الطوابق الثلاثة الكائن خلف شارعنا في ـ الحي العصري ـ أنا و ـ هاشم لفتة ـ الذي سيقتل هو الآخر في الحرب بعد أشهر. سمعنا صوت ضحك امرأة صاخب مزق صمت الليل، يأتي من نافذة في الطابق الثاني لبيت خريبط. أسر لي هاشم بأنها غرفة ـ مهدي ـ وكان وقت السماع لتوه متزوجا، فتخيلت وقتها مقدار البهجة التي تكمن في سرير الزوجية، تذكرت ضحكتها وأنا أحملق في جثته وهم يخرجونها من تابوت الخوص ملفوفة بالكفن الأبيض لتوارى في حفرة. رميت بصري نحو وجه زوجته، فرأيت وجهها شاحبا.. لا بل ميتا.. كانت تحاول الصراخ دون جدوى، فصوتها مات، فراحت تجود بنفسها غاديةً رائحةً في مسافة عشرة أمتار تسمح بها فسحة بين القبور.
وجه جميل فيه صفرة الموتى لن أنساه أبدا مختلطاً بصدى ضحكتها العاصفة الهابطة من شباك في طابق ثاني في الحي العصري.
يا إلهي.. لماذا تزيد من عذابي وتجعلني أشهد عذاب الأرملة العراقية وهي في أقصى لحظات تمزقها؟!.
يا لقسوة ترابك يا وادي الرافدين!.
أقف على حافة رابية، وتحتي أرملة عراقية أخرى، قبضتها تمسك بتراب القبر صارخة بكل ما بالصراخ من وحشية، حالمة بقيام نديمها من التراب. نشجت بصمتٍ، لا أدري الآن لماذا كنت خجلا من التعبير عن مدى حزني لفقد ـ أبو فؤاد ـ لا أدري.. أفكر الآن لحظة الكتابة وأنا أتعّصر ألماً. لِمَ لَمْ أنزل وأبكِ جوارها؟!. لِمَ؟!!. والجواب.. كنت في غير هذا النضج الفكري والإنساني الذي رمى بيّ عن كل فكر أيديولوجي وبقيتْ لدي فكرة واحدة.. واحدة تقدس الإنسان كقيمةٍ مطلقةٍ.
في لحظة أدركت زوجتي ضرورة تدخلها.. وهذه اللحظة لا تحتاج إلى عقل بل هي غريزة. رأيتها تتقدم قاطعةً مسافة المترين الفاصلة بينهما تحت شمس الله المولعة، وتنحني نحو جسدها الحاضن تراب القبر وتشّده بذراعيها شداً خفيفا وكأنها تقول: كفى.. كفى. ساعدتها على النهوض. بدت الأرملة بائدة القوى، متعبة، فاستسلمت لذراعيّ زوجتي مكفكفة دمعها بطرف ثوبها، ومتمتمة بصوت خفيض كلاماً غير مسموع.
صعدت بها نحونا. كان ذلك اليوم من أشدّ التجارب ألماً، فان يقتل رفيق جوارك في معركة أو قصف، غير ما تشاهد من له علاقة حميمة به وهو يندبه.
أجلس أمام التلفاز كل صباح يبث فيه محاكمة مجرمي الأنفال محملا بهذه التفاصيل، متسائلا بذهول:
ـ كم عراقية ترملت في زمن العراق الدامي؟!.
ـ هل الجالسون في قفصٍ من صنف البشر؟!.
ـ هل يشعرون بذرة مما شعرنا به ونحن نشاهد فظائع ما فعلوه بمن عارضهم في الرأي؟!.
الشاهد الذي أوردته ـ أبو فؤاد ـ مثالاً يلخص كل ما فعلته زمرة ـ صدام ـ في العراق والعراقيين!.
هل تشعر الطغمة الجالسة في قفص الإتهام بما شعرت به أو يشعر كل إنسان ذي ضمير من تفاصيل القتل والتهجير والسحق لمناطق وبشر ليس لهم ذنب سوى وجودهم الجغرافي في أمكنة لم تستطع السلطة السيطرة عليها؟!.

أجلس كل صباح متابعاً تفاصيل المحاكمة ساخراً من مرافعاتهم التي يحاولون فيها تصوير أنفسهم كموظفيين مهنييين كانوا يؤدون واجباً!.) ص150-ص166 طبعة وزارة الثقافة- بغداد العراق 2013.



#سلام_إبراهيم (هاشتاغ)       Salam_Ibrahim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أصدقائي الأدباء 1- شاكرالأنباري
- باب الظلام
- أساتذتي 1- وفاء الزيادي الشيوعي الوديع
- أيها المثقف العراقي لا تزيد سعار الحرب الطائفية العراقية الم ...
- فداحة العنف حتى الثوري -فصل يثبت العنوان-
- قصائد عن تجربة قديمة
- من كافكا إلى غوركي
- كّتاب قادسية صدام 9- جاسم الرصيف
- كتاب قادسية صدام 8- الكتابة المضادة.
- كتاب قادسية صدام 8- بثينة الناصري
- كتاب قادسية صدام 6- محمد مزيد
- كتاب قادسية صدام 5- المغني حسين نعمة
- كتاب قادسية صدام خضير عبد الأمير-4-
- كتاب قادسية صدام 3- حنون مجيد
- كتاب قادسية صدام 2- وارد بدر السالم
- أدباء قادسية صدام -1- عبد الخالق الركابي
- -مثل طفل يقفز من الرحم إلى العالم. قلب أبيض. عالم أبيض وصرخة ...
- من حصاد زيارتي إلى العراق الشهر الماضي 12-2014 1- حمود الخيا ...
- بمناسبة صدور -حياة ثقيلة- في القاهرة الأدهم 2015 سلام إبراهي ...
- في مديح المهبل


المزيد.....




- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - 1-ضد الحرب حتى العادلة (مشهد الزوجة العراقية عند مقتل زوجها)