أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - السيد شبل - الجيش المصري خارج حدود الدولة! (تصويب مفاهيم)















المزيد.....


الجيش المصري خارج حدود الدولة! (تصويب مفاهيم)


السيد شبل

الحوار المتمدن-العدد: 4765 - 2015 / 4 / 1 - 16:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم يتوقف الجيش المصري عبر تاريخه الممتد لآلاف السنين عن لعب أدوار خارج الحدود الجغرافية والسياسية لمصر بوضعها الحالي، ما اختلف فقط هو حجم المشاركة، وطبيعة الدور، والبوصلة التي يُحدد بناءًا عليها الأهداف وبالتالي النتائج.

في السنوات الأخيرة صوّر الإعلام أن تمدد الجيش في عمليات نوعية اقتصر على عهد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وهو كلام تغيب عنه الدقة إلى حد بعيد. فالحقيقة أن أغلب حكام مصر في العصر الحديث بداية من محمد علي وحتى يومنا هذا، لم يترددوا في إرسال قوات عسكرية (وإن اختلف حجمها) للعب أدوار في المحيط الأقليمي وأحيانًا خارج هذا المحيط حيث العالم بأسره، لكن ما اختلف هو طبيعة هذه الأدوار، فما ميّز عصر عبدالناصر، عن سواه، أن عمليات الجيش كانت محسوبة في عمومها لتصب في صالح حركات التحرر الوطني في الأقطار العربية مثل اليمن والجزائر، والبلدان الأفريقية مثل الكونغو ونيجريا.

في الفقرات التالية سنتناول العمليات التي نفذتها قوات تابعة للجيش خارج الحدود في فترات حكم خمسة، تخلت في عهودهم مصر عن قدر متراوح من استقلالها وسيادتها على قرارها، وهم على الترتيب من الأحدث نحو الأقدم (حسني مبارك، أنور السادات، الخديوي توفيق، محمد سعيد باشا، عباس باشا الأول)..

- حسني مبارك .. والمشاركة في تحالف تدمير العراق:

شارك حسني مبارك بنحو 34 ألف جندي في التحالف الذي قادته الولايات المتحدة ضد العراق في يناير 1991، عقب انتهاء المهلة التي حددتها الأمم المتحدة لانسحاب العراق من الكويت. ونتج عن هذه الحرب مقتل ما بين 80 ألف إلى مئة ألف عراقي، وتدمير البنية التحتية العراقية نتيجة القصف الأمريكي المركز على العراق شمالًا وجنوبًا لأكثر من شهر.

تعتبر مصر من حيث عدد الجنود المشاركين ثاني دولة عربية بعد السعودية التي شاركت بما بين 55 ألف إلى 100 ألف ضمن ما كان يعرف وقتها بعمليتي درع الصحراء وعاصفة الصحراء، كما تعتبر مصر رابع دولة بشكل عام. ويقدر عدد جنود قوات التحالف قرابة المليون، ونسبة الجنود الأمريكين بينهم 75 بالمئة.

يذكر أن حسني مبارك كان من أكثر القادة العرب حماسةً للمشاركة في التحالف الدولي، وقد جرى ما يشبه الانشقاق حول قرار المشاركة العربية حيث رفضت كل من اليمن والأردن، وتحفظت الجزائر وتونس وليبيا والسودان وفلسطين، بينما أيدت مصر وسوريا والمغرب ودول الخليج بقيادة السعودية.

نتج عن هذه المشاركة خسائر في الأرواح وإصابات تم تقديرها بالعشرات بين صفوف المصريين المشاركين. وترتب على هذه الحرب التي أطلق عليها إعلاميًا: حرب الخليج الثانية، نتائج سلبية على الصعيد العربي.. أبرزها تدمير الجيش العراقي، والبنية التحتية للبلاد من مصافي النفط ومولدات الطاقة الكهربائية ومحطات تصفية المياه، كما تم فرض عزله شديدة على العراق إثر قرار هيئة الأمم المتحدة بفرض عقوبات اقتصادية خانقة حتى الغزو الأمريكي 2003؛ بالإضافة إلى الكارثة الكبرى التي مثلها تواجد دائم لقوات أجنبية في جميع دول الخليج العربي (الكويت والسعودية وقطر والبحرين والإمارات).

- أنور السادات.. ومغامرات عسكرية في خدمة الاستعمار الغربي:

في عام ١-;-٩-;-٧-;-٦-;- اشترك أنور السادات مع شاه إيران محمد رضا بهلوي وملكي المغرب والسعودية في تأسيس نادي "السافاري"، الذي رعته وأشرفت عليه وشاركت في إعداد خطط عمله، ثلاث أجهزة مخابرات (الفرنسية والأمريكية والإسرائيلية). كان النادي معني بإجهاض ثورات التحرر الوطني التي تستهدف إضعاف النفوذ الغربي بالقارة، تحت شعار مقاومة الوجود السوفيتي في القارة السمراء. وبحسب خبراء فقد اُعتبر بمثابة القفاز الناعم الذي استترت تحته القبضة الحديدية لقوى الاستعمار الغربي.

امتدت أعمال نادي "السافاري"، الذي تكفلت السعودية بتمويل أغلب انشطته، في عدد من الدول الأفريقية، بل والعربية أحيانًا. أول عمليات النادي كانت دعم الديكتاتور "موبوتو" حاكم الكونغو، للبقاء في السلطة، عقب محاولة ثورية، تمت على يد جبهة تحرير شعب الكونغو المدعومة من أنجولا، للانقلاب عليه؛ حينها قامت فرنسا بتوفير النقل الجوي لمئات من الجنود العرب (مصريين ومغاربة) للقتال الي جانب قوات حكومة "موبوتو"، ونجحت القوات في إجهاض الانقلاب، وأبقته في قصره يتمتع بسلطاته، ويرى كثيرون أن الدافع وراء العملية كان خشية فرنسا على مصالحها في مناجم الكونغو الغنية بالنحاس والكوبالت.

توسعت أعمال النادي، الذي اتخذ القاهرة مقرًا، إلى إمداد "زياد برّي" رئيس الصومال، بالسلاح، عام 1978، بهدف نقض ميثاق الوحدة الإفريقية، والتحرّش عسكريً وإثارة القلاقل مع أثيوبيا المحكومة آنذاك بنخبة ثورية بقيادة "منجستو" تميل للمعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي. كان محور الصراع بين الصومال وأثيوبيا يدور حول إقليم "أوجادين"، لكن الصراع اتخذ ابعادًا دولية، تورطت فيه مصر لصالح المعسكر الغربي. ويذكر أن "بري" كانت تربطه علاقات جيدة مع أنور السادات، وكان من العرب المتمسكين بإقامة علاقات مع مصر، رغم القطيعة العربية، بعد بدء المفاوضات الساداتية الصهيونية. ويذكر محمد حسنين هيكل: أن واحدة من دفعات الأسلحة التي كانت تمد بها مصر "سيّاد بري" قد تم الكشف عنها في مطار كينيا، واعتبرت بمثابة فضيحة على الصعيد الأفريقي.

أنشطة النادي لم تقف عند هذا الحد بل كانت له أنشطة مساندة لـ"حسين حبري" في تشاد، وداعمة لسلطنة عٌمان العربية لإخماد ثورة ظفار. وثورة ظفار: هي ثورة عربية اتخذت على مراحل طابعًا قوميًا ثم يساريًا صرف، وبدأت في عام 1965، مواكبة لحقبة الثورات التحررية، وامتدت لنحو عشر سنوات، وكانت تستهدف تحرير جنوب الخليج العربي من الاحتلال البريطاني، وإسقاط أنظمة الحكم المتحالفة مع الاستعمار، إلى جانب تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للعمانيين. وتلقت الثورة ضربات متتالية من النظام الحاكم، ومن طائرات الاحتلال البريطاني، وفي وقت لاحق في أوائل السبعينات، تدخلت إيران "الشاه" بقوات عسكرية مشاه وطائرات لإخماد الثورة.

مغامرات السادات العسكرية لم تقف عند حدود أنشطة نادي "السفاري"، ففي يوليو 1977، قرر دخول ليبيا عسكريًا، والسيطرة على عدد من المناطق والبلدان بها، ذلك على أثر توتر العلاقات مع الزعيم الليبي معمر القذافي حاكم ليبيا آنذاك، على خلفية معارضة الأخير لتوجه السادات المنفرد نحو إسرائيل بهدف توقيع معاهدة سلام؛ وتذكر مصادر معتبرة أن "إسرائيل" عبر اسحاق رابين قد لعبت دورًا في سكب مزيد من الوقود على النار، حين أبلغت السادات، الذي كان قد بدأ التواصل معهم بهدف إتمام عملية "السلام"، أن القذافي يخطط لاغتياله.

تضمنت العملية العسكرية ضد ليبيا، ضربات نفذها الطيران المصرى ضد قواعد جوية ليبية، نجحت في تدمير عدد لا بأس به منها، إلا أن قوات الدفاع الجوي الليبية استطاعت إسقاط عدد من طائرات مصرية. توقفت العمليات الحربية وانسحب الجيش المصري بعد توسّط الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات و الرئيس الجزائرى الراحل هوارى بومدين، خسرت مصر في هذه المعركة عدد 6 طائرات، وفقدت 100 مقاتل بين شهيد وجريح. وخسر الجيش الليبي نحو60 دبابة، و عشرين طائرة، ونحو 40 ناقلة جند، و400 مقاتل بين قتيل وجريح. ورغم تشكيك بعض المؤرخين في صحة هذه الأرقام، إلا أن الثابت هو خسارة كلا الجيشين العربيين لمعدات ومقاتلين في هذه الحرب!.

يذكر أيضًا لـ"السادات" مبادرته إلى تقديم التسهيلات اللازمة لعملية "تاباز" العسكرية التى انطلقت من مصر لإنقاذ الرهائن الأمريكيين المحتجزين فى السفارة الأمريكية فى طهران، بعد الثورة الإيرانية عام 1979، وقد منيت هذه العملية بالفشل. وكان الهدف من هذه العملية هو إضعاف الثورة الإيرانية التي عرفت بتوجهاتها المعادية لأمريكا والرافضة لوجود "إسرائيل"، كما كان لشاه إيران "محمد رضا بهلوي" المعزول، علاقات طيبة بـ"السادات"، وهو الشيء الذي تعرض بسببه الأخير للعديد من الانتقادات الداخلية، بسبب أن "بهلوي" كان بمثابة شرطيّ أمريكا بمنطقة الشرق الأوسط، وشكل حجر الزاوية في شتى التحالفات التي دعمتها أمريكا بداية من حلف بغداد وحتى نادي السفاري، كما أن بلاده كانت الأولى إسلاميًا في الاعتراف بـ، وإقامة علاقات مع، الكيان الصهوني عام 1960، كما كان للشاه دور في الضربة التي تلقتها مصر في 5 يونيو 1967، حيث استقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي ليفى أشكول (ثالث رئيس وزراء لإسرائيل من 1963 إلى 1969)، في نهايات عام 1966، واتفق الطرفان على ضرورة إسقاط المشروع الناصري!، ويذكر أيضًا أن الشاه بهلوي كان المتكفل بإمداد "إسرائيل" بكافة ما تحتاجه من مواد بتورلية من بداية الستينات وحتى إسقاطه عام 1979.

في عام 1978، حرك "السادات" وحدات خاصة من الجيش المصري، الفرقة "777"، للإغارة على مطار لارنكا الدولي في قبرص باليونان. كان تدخل القوات المصرية يهدف إلى تحرير رهائن احتجزهم المتهمون باغتيال يوسف السباعي وزير الثقافة في عهد السادات. كانت القوات القبرصية تحاول التفاوض مع المختطفين في المطار، إلا أن "السادات" قرر إرسال قوات من وحدات الصاعقة الخاصة. وبدون تنسيق مع السلطات اليونانية، دخلت القوات إلى قبرص وشنت هجوما على المطار. وكرد فعل قامت القوات القبرصية بالاشتباك مع القوات المصرية، ونتج عن ذلك تدمير الطائرة المصرية ومقتل طاقمها، وتدمير العربة "الجيب" التي كان بداخلها طاقم الطاقم الصاعقة المصري. أسفرت العملية عن مقتل نحو 16 فرد من الصاعفة المصرية، وجرح نحو سبعين، كما نتج عن العملية قطع تام العلاقات الدبلوماسية بين اليونان ومصر لعدة سنوات.

- الخديوي توفيق.. وتدمير ما تبقى من الجيش المصري بعد الاحتلال:

واجه الخديوي توفيق ورطة ما، بعد أن انتصر حلفاؤه من الإنجليز على الجيش المصري بقيادة أحمد عرابي عام 1882. تمثلت في رفض من تبقى من قوات الجيش طاعة الخديوي توفيق، على اعتبار أنه خان مهام منصبه حين جلب المحتل إلى بلاده، تحت ذريعة إجهاض الثورة العرابية.

وجاءه الحل، عبر دفع من تبقى من جنود وضباط الجيش المصري للمشاركة في حملة الجيش الإنجليزي، بقيادة ثلاثة عشر ضابطا أوروبيا على رأسهم الضابط الإنجليزي "هيكس باشا"، لاحتلال السودان وإجهاض الثورة المهدية، وقدم للحملة كل ما يلزم من الدعم المادي، وقد منيت الحملة بالفشل في معركة "شيكان" الشهيرة.

وكان الخديوي توفيق، يسعى بإرسال هذه الوحدات القتالية المصرية، إلى هدفين، الأول، التخلص من بقية الضباط والجنود الذي بقوا على ولائهم لأحمد عرابي؛ والثاني، إرضاء الغريزة الاستعمارية الإنجليزية، التي أرادت فرض سيطرتها على السودان، بعد أن دانت لها الأمور في مصر.

وتؤكد المصادر، التي اهتمت بالتأريخ لحملة هيكس والبحث في أسباب هزيمتها، أن كثيرًا من الشكوك ساورت نفوس الجنود المصريين أثناء رحلتهم إلى السودان، حيث تصوروا أنهم في طريقهم لسجن أعده لهم "توفيق" والإنجليز، لتعاونهم في وقت سابق مع عرابي، مما دفع عدد منهم إلى الفرار.

*فيما بعد بداية من عام 1898، سينجح الجنرال الإنجليزي هربرت كيتشنر، مستعينًا بقوات مصرية خرجت بدون استئذان من الخديوي عباس حلمي الثاني، في إخضاع السودان، وقتل خليفة المهدي "عبدالله التعايشي"، في معركة أم دبيكرات 1899، لتقطع بذلك بريطانيا الطريق أفريقيًا على فرنسا، وتستولى على ثاني قطر عربي نيلي.

ويذكر ونيستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا، أثناء الحرب العالمية الثانية، والذي كان واحدًا بين ضباط هذه الحملة، أن القوات الإنجليزية أقدمت بعد زوال الدولة المهدية على أعمال انتقامية كالتمثيل بالجثث، وتعقب أبناء المهدي وخليفته وكبار قادة الأنصار وقتلهم، وتهجير قبيلة التعايشة والأشراف من آل المهدي من أم درمان إلى النيل الأزرق وسنار وود مدني، ونبش قبر المهدي!!.

- الخديوي سعيد.. وحرب المسكيك "لا ناقة ولا جمل" !!

تعود الواقعة إلى عام 1862، حيث كان سعيد باشا والي مصر آنذاك، على علاقة صداقة مع إمبراطور فرنسا نابليون الثالث الذى كانت له أطماع فى أمريكا اللاتينية، خاصة فى المكسيك.. وكان قد أرسل جيشا فرنسيا لكنه تعرض لعدد من الهزائم والمعوّقات مما جعله يستنجد بصديقه سعيد باشا طالبا منه المساعدة. فأمده بكتيبة من الجنود (مصريين وسودانيين)، عددهم 1500 بقيادة البكباشى جيرة الله محمد السودانى، والصاغ محمد أفندى ألماظ.

استمرت القوات العسكرية المصرية – السودانية في القتال بالمكسيك لنحو أربع سنوات، وقتل معظم أفرادها وقادتها، وعندما انتهت الحرب، وعادوا إلى مصر في عهد الخديوي إسماعيل، لم يبق منهم سوى 300 مقاتل.

وبرغم كثير من الإشادات الغربية آنذاك بقوة الوحدة العسكرية المصرية والسودانية المشتركة، إلا أنها مثلت بالنسبة للمصريين حربًا بلا معنى أو طائل، وتعامل أغلب المؤرخين، الذين يتمتعون بقدر من الإنصاف، معها على اعتبار أنها طموحات استعمارية لدولة أوروبية بحجم فرنسا، تم توظيف المصريين والسودانيين في خدمتها!!.

اللافت أيضًا أن استعانة نابليون الثالث بمصر في هذه الحرب كان بسبب قناعته أن طبيعة الأوروبيين لا تتناسب ودرجة الحرارة المرتفعة لأمريكا اللاتينية، الذين فتكت بهم بهم الحمى الصفراء والدسنتاريا فتكاً ذريعاً، وكان لديه اعتقاد بأن الأفارقة يتمتعون بحصانة طبيعية من تلك الأمراض.

ويذكر أن تحريك سعيد للأورطة (الكتيبة) المصرية، لم يرض طموحات فرنسا الاستعمارية فقط، بل أجهض (بالتبعية) الثورة الوطنية المكسيكية التي قامت ضد الإمبراطور ماكسميليان الأول، المدعوم من فرنسا.

- عباس باشا الأول.. وحرب "القرم" جبهة واحدة مع تركيا وفرنسا وبريطانيا ضد الروس:

الحرب التي خسرت فيها مصر 2500 مقاتل!
مابين عامي 1853 و1858، وقعت معارك ضارية بين السلطنة العثمانية والقيصرية الروسية، حاول فيها كلا الطرفين الاستحواذ على جزيرة القرم الواقعة في الجزء الشمالي من البحر الأسود، لما لها من أهمية استراتيجية، واتخذت الحرب أبعاد دينية في بعض الأحيان.

سارع السلطان العثماني آنذاك بتشكيل تحالف دولي ضم إلى جانبه، كلًا من فرنسا وبريطانيا ومصر، لمواجهة الطموح الروسي، الذي كان يسعى إلى الخروج من الحالة القارية وإيجاد منفذ على البحر، كانت القوات المصرية المُرسلة من قبل عباس حلمي الأول، والي مصر: أسطول من 12 سفينة حربية، بها 642 مدفع ونحو 7 آلاف جندي بقيادة الأدميرال (أمير البحر) حسن باشا الإسكندراني، وقوات برية من 20 ألف جندي و72 مدفعا بقيادة الفريق سليم فتحي باشا..

شاركت القوات المصرية في الحرب، وخاضت معارك عنيفة ضمن التحالف الدولي، وحققت العديد من الانتصارات العسكرية، وخسرت فيها مصر نحو 2500 مقاتل، وشهدت كارثة تعتبر من أعنف ما تعرضت له البحرية المصرية في تاريخها.. حيث يُذكر أن قوات التحالف من أتراك ومصريين وبريطانيين وفرنسيين بشكل خاص، ألحقوا الهزيمة في 1854 بالجيش الروسي في معركة "ألما"، وأثناء عودة الأسطول المصري إلى الاستانة غرقت بارجتان مصريتان في البحر الأسود، وفقدت البحرية المصرية 1920 بحارا، ونجا 130 فقط.

كما يُذكر أنه في نوفمبر 1855 تمكن الأسطول الروسي من تدمير الأسطول العثماني عند سواحل مدينة "سينوب"، وبين السفن التي تم تدميرها كانت المصرية "دمياط"، وكان فيها 56 مدفعا، وما بين 400 إلى 500 جندي ابتلعتهم مياه البحر الأسود في ثاني فاجعة بحرية مصرية.

خاتمة:

إن الهدف من السطور السابقة والتي حاولنا أن نقتطع فيها جزءًا من تاريخ الجيش المصري، الممتد منذ الألفية الرابعة قبل ميلاد المسيح عليه السلام، وهو الجزء الخاص بالمرحلة الحديثة (منذ محمد علي وحتى اليوم) مع الابتعاد عن الشخصيتين الأبرز في هذه المرحلة وهما محمد علي وجمال عبدالناصر، لما طالهما من كثير البحث والتأريخ، لنركز على شخصيات أخرى من الأسرة العلوية مثل (وعباس حلمي الأول ومحمد سعيد باشا والخديوي توفيق)، وآخرين من عهود قريبة مثل (أنور السادات وحسني مبارك). وسبب التركيز هو أن أنصار المنهج السياسي، المنزوي والمنكمش والمنبطح بالضرورة، الذي يمثله هؤلاء، هم أكثر الأشخاص لومًا على فترات النهضة المصرية سواء في عهد محمد علي أو جمال عبدالناصر (مع اعتبار الفارق بين مشروع الاثنين)، بسبب الأدوار التي لعبها الجيش خارج "الحدود"، وبالتالي فنحن نستهدف الرد عليهم من ذات الدائرة.

إذن فعمليات الجيش المصري في العصر الحديث لم تتوقف، وإن اختلف حجمها ومداها، وأن ما يتوهمه كثيرون بشأن اقتصار تمدد القوات المسلحة خارج الحدود السياسية، بفترات نمو الكبرياء الوطني، غير صحيح. فقط الفارق هو أنه في فترات الانبطاح كانت القرارات تأتي في سياق تحالفات دولية ويتم توظّيفها لخدمة مصالح قوى استكبار عالمي، أما في المراحل التي استقلت مصر بقرارها، وفرضت إرادتها على الصعيدين الإقليمي والدولي، كانت القرارات تصب:

- إما في صالح مصر من حيث ما هي قوة إقليمية، عبر إخضاع عدد من الدول المحيطة، كما جرى في عهد محمد علي، وهو ما طبع جانبًا من عصره بطابع استعماري، وجعل الأمر متسقًا مع نهضته الداخلية التي تم توجييها (في حياته) لصالح طبقة بعينها، وعموم الشعب عنها معزول.

- وإما في صالح القضية الإنسانية عامة، عبر مساندة الشعوب العربية والأفريقية في تحقيق استقلالها عن الدول الإمبريالية، وحماية ثرواتها من الاستنزاف على أيديهم، وهذا كان حاضرًا (حتى وإن أصابه بعض التطرف عند التنفيذ) في عهد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، مما كان له عظيم الأثر الإيجابي على الدوائر الثلاث (العربية والإفريقية والإسلامية)، وعلى الدولة المصرية تارة بالأصالة وتارة بالتبعية.


* بقيت نقطة هامة وجب لفت الانتباه إليها حتى لا يُوظف الكلام في غير سياقه المناسب وهي:

أنه لا يمكن بأية حال تحميل الجيش من حيث ما هو مؤسسة (لا من حيث ما هو قيادات صف أول وثان) وزر العمليات التي أشرنا إليها في العهود الخمسة السابقة، وإنما تتحمل القيادة السياسية المسؤولية كاملة؛ فالقوات المسلحة مطالبة بتنفيذ الأوامر بالشكل الذي يحفظ للدولة استقرارها وأمنها ووحدتها ولا يجعلها عرضة للاضطرابات والانشقاقات بين الحين والآخر.. ويذكر للجيش المصري في الأربعين عامًا الأخيرة عددًا من المواقف الوطنية التي أبدى فيها قدرًا من التحفظ أو المعارضة لقرارات ومواقف اتخذتها الإدارة السياسية، وكثيرًا ما كان عامل ضغط نحو الاستجابة للمطالب الشعبية، كما كان مراقبًا لإدراة شؤون الدولة بشكل عام ويسعى لإصلاح ما يمكن إصلاحه.. ونذكر منها ما يلي:

- حالة التذمر التي استشرت في جنبات المؤسسة العسكرية سواء بين صغار الضباط أو بين كبار القادة، بسبب تردد الرئيس السادات في اتخاذ قرار العبور، وهو ما مثل عامل ضغط في اتجاه اخضاع القيادة السياسية للإرادة الشعبية واتخاذ القرار في أكتوبر 1973.

- رفض قادة الجيش الدفع بالقوات والمعدّات إلى شوارع القاهرة لفرض الأمن ومقاومة أعمال الشغب، في يناير 1977، إلا في حال تراجعت القيادة السياسية عن القرارات الاقتصادية التي ساقت الجماهير إلى التعبير عن غضبها واحتجاجها بالصورة التي بدت في انتفاضة يناير.

- لجوء المؤسسة العسكرية لتأسيس اقتصاد وطني موازي (جهاز مشروعات الخدمة الوطنية) مع أفول عقد السبعينيات، وذلك بالتزامن مع عمليات تصفية القطاع العام الذي كان بمثابة المورد الرئيسي للإنفاق على المجهود الحربي. حيث يعمل الجهاز في مسارين الأول، تحقيق الاكتفاء الذاتي للقوات المسلحة؛ الثاني، زيادة العائد القومي, عن طريق إقامة مشروعات متعددة مع التركيز على مشروعات البنية التحتية والمشروعات التنموية بالمحافظات الحدودية.

- توسع المؤسسة العسكرية في مشروعاتها، مع بدايات التسعينات، وذلك كمحاولة لتدارك الأخطاء الفادحة الذي تسبب فيها تسريع وتيرة الخصخصة؛ حيث استهدفت المؤسسة العسكرية، عبر توسيع مشروعاتها، توفير مخزون استراتيجي من المشروعات الاقتصادية الضخمة، بحيث لا تبقى الدولة، وسيادتها وقراراها، رهينة لرأس المال الداخلي أو الخارجي.

- تأييد المطالب الشعبية سواء في يناير 2011 بإجبار محمد حسني مبارك على التخلي عن السلطة، أو في يونيو 2013 بإزاحة محمد مرسي العيّاط عن سدة الحكم.



#السيد_شبل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أما آن للدولة المصرية أن تنظر في أمر الزوايا!
- الآن.. عن -السيسي- نتحدث
- المؤتمر الاقتصادي (الرسائل، والمكاسب، والتخوفات)
- مراكز صنع القرار الأمريكي.. عقول صهيونية وأدوار مشبوهة
- مجلس النواب القادم، والمسكوت عنه !
- مصر والسعودية، إلى أين ؟!
- عقلية الفيس بوك تحكم الإعلام
- استفزاز التلفاز
- إعلام خاص غير مؤهل، وحكومي بلا رؤية أو تخطيط (دراسة).. بقلم ...
- عن الحوثيين وديماجوجية خصومهم !
- تسقط الحرية!.. بقلم: السيد شبل
- فخ مدة الرئاسة في دساتير (الربيع العربي) ! ..
- إعلام خبري بلا توجه يساوي صفر في المحصلة .. بقلم: السيد شبل
- السينما بين الابتذال والتغريب
- بيزنس الساحات الشعبية وإهدار الطاقات الشبابية
- هل يمكن بشكل واقعي الانتصار على الإخوان.. وكيف؟ (دراسة)
- أسماء القرى والمدن، ورُخص الباحثين!
- وعود السيسي، وأحلام البسطاء
- -السقا- الذي ارتدى ملابس رئيس الوزراء
- فؤادة أكثر -فرعنة- من عتريس!


المزيد.....




- مكالمة هاتفية حدثت خلال لقاء محمد بن سلمان والسيناتور غراهام ...
- السعودية توقف المالكي لتحرشه بمواطن في مكة وتشهّر باسمه كامل ...
- دراسة: كل ذكرى جديدة نكوّنها تسبب ضررا لخلايا أدمغتنا
- كلب آلي أمريكي مزود بقاذف لهب (فيديو)
- -شياطين الغبار- تثير الفزع في المدينة المنورة (فيديو)
- مصادر فرنسية تكشف عن صفقة أسلحة لتجهيز عدد من الكتائب في الج ...
- ضابط استخبارات سابق يكشف عن آثار تورط فرنسي في معارك ماريوبو ...
- بولندا تنوي إعادة الأوكرانيين المتهربين من الخدمة العسكرية إ ...
- سوية الاستقبال في الولايات المتحدة لا تناسب أردوغان
- الغرب يثير هستيريا عسكرية ونووية


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - السيد شبل - الجيش المصري خارج حدود الدولة! (تصويب مفاهيم)