أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - فاطمة ناعوت - الحاجة صيصة وذقن حتشبسوت














المزيد.....

الحاجة صيصة وذقن حتشبسوت


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4765 - 2015 / 4 / 1 - 13:11
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


قرأتُ عن الحاجّة "صيصة" التي تعيشُ في جنوب مصر، حيث مدينة الأقصر، كنز مصر الثريّ، والتقاها الرئيسُ السيسي لتكريمها كأمٍّ مثالية في عيد الأم. ارتدتْ هذه السيدةُ الجميلة على مدى أربعة عقود ملابسَ الرجال: الجلبابَ البلدي، وعِمّة الرأس الصعيدية البيضاء تلتفُّ حول طاقية رجالية خشنة، وحذاءً أسودَ رجاليًّا. نسيت "صيصة" أنوثتَها عبر السنوات الأربعين، وأخفت ملامح حسنها كامرأة، عكس غريزة النساء منذ طفولتهن حين يُحببن كونهن إناثًا ويُردن أن يقُلن للعالم: نحن الأجملُ بين البشر. لماذا فعلت هذه السيدة ما فعلت؟ كيف هانت عليها أنوثتها، وألوان ثيابها المشرقة لتستبدل بها جلابيبَ باهتةً خشنة؟ لصالح مَن؟ لصالح الثمار الصغيرة التي تنمو في أحشائنا بذورًا وتخرجُ للحياة أطفالا يملأون الحياةَ بهجة، مثلما يملأونها وجلاً وخوفًا من الغد.
مات عنها زوجُها قبل سنواتٍ أربعين. فخلعت عنها ثوبَ المرأة وارتدت جلباب زوجها لكي تكافح وتربّي ابنتها الوحيدة "هدى" وتكفيها شرَّ السؤال والعَوَز، وتتجنّب نظرات الطامعين في أنوثتها. جابت الطرقات بصندوق ورنيش تُلمّع أحذية المارّة والعابرين. رفعت على كتفيها قوالب الطوب وعقصة الأسمنت لتبني المقابر والبيوت في البلدة الجنوبية.
ذكّرتني السيدةُ المصريةُ "صيصة أبو دوح النمر" بجدّتها وجدتي الفرعونية الجميلة الملكة الاستثنائية حتشبسوت، التي أيضًا لم يكن لها إلا ابنةٌ واحدة. كانت قائدة حربية من طراز رفيع. تقود الجيوشَ وهي تضع ذقنًا رجاليًّا زائفًا لتُلقي الرعب في قلوب أعدائها، بالرغم من، أو ربما لكي تُداري، حُسنَها الطافر المشهود له في الجداريات والتماثيل. في بداية حكمها واجهت مشاكل مع شعبها الذي كان أغلبه يرى أن امرأة جميلة لا تستطيع حكم البلاد، ويرى في الملك الرجل صورة للإله "حورس" الحاكم على كوكب الأرض. لكن حكمتها كملكة، وذكاءها كخبيرة اقتصاد، وجسارتها كچنرال حربي، أثبتت لشعبها أنه كان على خطأ. أنشأت أسطولا بحريًّا حاشدًا بالسفن العملاقة لنقل المسلات الضخمة إلى معبد الكرنك وللتبادل التجاري مع دول الجوار لنقل السلع من بخور وعطور وتوابل ونباتات وأشجار وحيوانات مفترسة وجلود وغيرها. وشهد عصرها رخاءً ورغدًا لم تعرفه مصرُ في ظل حكم الملوك الرجال ممن سبقوها أو لحقوها.
لماذا تلجأ المرأةُ لأن تتقمّص دور الرجل؟ حين يكون المجتمعُ ذكوريًّا رجعيًّا لا يحترم المرأة، إلا حين يريد قلبها وجسدها. في غير هذا، يراها ضعيفة مهيضة الجناح عليها السمعُ والطاعة، أو يشخَص في جسدها فيراها مركز شهوة وغواية ليس لها إلا دورٌ واحدٌ هو الحمل والإنجاب وإمتاع الرجل. ينسى الرجال في تلك المجتمعات المأزومة أن المراة "إنسانٌ"، لها عقلٌ وإرادة وبأسٌ، قد يفوق عقل الرجل وإرادته وبأسه. ينسى أولئك الرجال المأزومون أن العقل البشري لا نوع له، كما قال كولريدچ. وينسون في غمرة زهوهم بفحولتهم أن يفتّشوا بين دفاتر التاريخ ليعرفوا كيف شيدت النساءُ مجتمعات متحضرة راقية، وكيف أشعل الرجالُ حروبًا كونية دمّرت ملايين البشر.

---

“عَصا موسى… عَصا موسى/ وصفحةُ ماءٍ/ تعكسُ وجهَ امرأةٍ / ولؤلؤةً/ تركتْ بلا أسفٍ/ جِيدَ السيدةِ الحسناءْ.
من فضلكْ اِحْمِل الطفلينِ عني/ فأنا يكفيني جدًا/ ثوبٌ من عَصْرِ الباروك/ مُطَرَّزٌ بعبءِ السنوات/ وثلاثُ عشرةَ ضفيرةً/ يحملها رأسي المُجْهَدُ/ وحذاءٌ/ لم يَمَسّ الأرضَ أبدًا/ ثم سَلةٌ/ تحملُ زادَ الصِّغار..
الآنَ سوف أرفعُ طَرْفَ ثَوبي/ أحاولُ أن أعبرَ جَدْوَلاً/ يَصُبُّ في بحرٍ واسع/
عليّ أن أنظرَ مَوقعَ قَدمي/ فالشمسُ باردةٌ جدًا/ وأخافُ أن أصِلَ هناكَ/ بثوبٍ مُبْتلٍّ.”

***
من قصيدة "من أجل العبور بين ضفتين" | ديوان "على بعد سنتيمتر واحد من الأرض” | فاطمة ناعوت | دار “كاف نون” 2003.
---



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طلّعى الكمبيالة يا حكومة!
- أيتها المرأةُ الملعونة، أين عضلاتُ فخذيك؟
- مصرُ أينما جُلتَ
- الرئيس.. والأم
- شكرا ونكتفي بهذا القدر
- أمي -الملاك-... التي لم تنجبني
- شارعُنا
- هل تذكرون لوزة وتختخ؟
- مفتاحُ الحياة في يدِ مصر
- لأنها مصرُ، احتشد العالم
- قطط الشوارع
- مصرُ على بوابة الأمل
- لو كان بمصر هندوس!
- زوجة رجل مهم
- قُل: داعش، ولا تقل: ISIS
- ماذا قال السلفُ القديم
- العالمُ يفقدُ ذاكرتَه
- العالم في مواجهة داعش
- دواعشُ بلا سكين
- الذهبُ على قارعة الطريق


المزيد.....




- لبنان.. العثور على جثّة امرأة مقطّعة في المية ومية
- ما هي العوائق التي تواجه النساء في إجراء تصوير الثدي بالأشعة ...
- توصية بتشريع الإجهاض في ألمانيا.. بين الترحيب والمعارضة
- السعودية.. القبض على رجل وامرأة ظهرا بطريقة -تحمل إيحاءات جن ...
- -ملكة جمال الذكاء الاصطناعي-.. الإعلان عن مسابقة هي الأولى م ...
- ازاي احمي المراهق/ة من التنمر؟
- كيفية التسجيل في منحة المرأة الماكثة في البيت 2024 والشروط ا ...
- “قدمي الآن” رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالمنزل في ا ...
- شروط صرف منحة الزواج ومقدارها والمستندات المطلوبة من التأمين ...
- تطابق الحمض النووي.. شقيقان مراهقان يوجهان تهمًا بـ-الاعتداء ...


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - فاطمة ناعوت - الحاجة صيصة وذقن حتشبسوت