|
في رحيل عبد الله رضوان
شاكر فريد حسن
الحوار المتمدن-العدد: 4764 - 2015 / 3 / 31 - 10:50
المحور:
الادب والفن
فقدت الساحة الثقافية الأردنية قبل أسابيع قليلة ، واحداً من مبدعيها وفرسانها الكبار ، وأحد رواد العمل الثقافي والأدبي والنقابي في الأردن ، هو الشاعر والناقد من أصل فلسطيني ، صاحب المنجزات النقدية والأعمال الشعرية الإبداعية ، عبد اللـه رضوان ، الذي غيبه الموت بعد معاناة وصراع مع مرض لم يمهله طويلاً ، تاركاً وراءه إرثاً ثقافياً وأدبياً واسعاً . الفقيد عبد اللـه رضوان من مواليد العام 1949 ، جاء إلى الدنيا في قرية بيت محسير (قضاء القدس) ، ونزح عنها إلى الأردن ، ولم يحقق حلمه بالعودة إليها مثل الكثيرين من أبناء شعبه المهجرين والمشردين في أنحاء المعمورة . عمل في وزارة الثقافة ومديرية الثقافة في أمانة عمان الكبرى ردحاً من الزمن ، وكان له الدور الفاعل الملموس والمميز في الحياة الأدبية والمشهد الثقافي الأردني . وكان سنداً وعوناً للمثقفين والمبدعين الشباب ، ولم يتوان لحظة ، وبذل وقته وماله وجهده من أجل دعم الثقافة وخدمة عشاق القلم والكلمة والأدب . وبشهادة كل من عرفه كان عبد اللـه رضوان إنساناً بالغ الرهافة ، متسامحاً ، مثيراً للإعجاب ، عرف بدفئه الإنساني ، وخفة ظله ، ودماثته ، وحبه للناس ، وعشقه للحياة بكل تقلباتها وأفراحها وأحزانها وخيباتها . وهو شاعر شفاف منحاز للنص الإبداعي ، ومشغول بأسئلته الوجودية وأوجاعها المقلقة . غنى على قيثارة الشعر أعذب الألحان الإنسانية التي عبر فيها عن خلجات النفس ونبضات الوجدان . وهو كذلك ناقد رصين وحصيف تميزت أعماله وكتاباته النقدية بالجدية والأصالة . وللراحل عبد اللـه رضوان مجموعة وفيرة من الأعمال الشعرية والكتب النقدية والدراسات الأدبية ، من أشهرها وأهمها : "خطوط على لافتة الوطن ، وأما أنا فلا اخلع الوطن ، الخروج من سلاسل مؤاب ، أرى فرحاً في المدينة يسعى، ديوان المراثي ، شهقة الطين ، كتاب الرماد ، عروس الشمال ، مقام حبيبي ،مقام المليحة ، مقام عمان ، ذئب الخطيئة ، غراب أزرق ، قصائد أردنية ، أسئلة الرواية الأردنية ، البنى الشعرية ودراسات تطبيقية في الشعر العربي ، أدباء أردنيون ، عرار شاعر الأردن وعاشقه ، دراسات في سوسيولوجيا الرواية العربية " وغيرها . جاءت أشعار عبد اللـه رضوان غزيرة بثروتها الفكرية والمعنوية ومتأججة في زخمها الوجداني الإنساني والوطني ، وعكست صورة حقيقية صادقة لشخصيته القلقة المتمردة وتطلعاته الثورية .وما يميز قصائده التزامها بالهم الجماعي الإنساني وانتصارها لجموع وعوالم المسحوقين والمهمشين والمقهورين ، اجتماعياً ونفسياً وفكرياً ووجدانياً ، والتغني بالوطن وأحلام الأمة وعذابات الشعب ، ومناجاة عمان ، وإعلاء قيم الجمال والحق من خلال تأملاته ومشاعره وأحاسيسه النبيلة الفياضة . وتشيع فيها ومضات متميزة في حب الوطن ، وعشق المكان ، وحب الحرية ، وحب الحياة . وتتسم بالعواطف القوية والأخيلة الرحبة ، والألفاظ السلسة العذبة ، ورقة الكلمة ، وانسياب الموسيقى الشعرية ، والتراكيب القوية ، ومفعمة بالصور والإشارات والدلالات البليغة والمعاني البديعة الصادقة ، وتتراوح بين البساطة والتعقيد . وفي ديوانه "المراثي" يأخذنا رضوان نحو أفق عربي واسع يحتفي بالثورات والانتفاضات العربية وربيعها ، ملامساً الوجع الشعبي وصيرورتها ونهوضها ، ويواصل تجواله وتطوافه الوجودي المشبع بالقلق والألم ، مستحضراً الموت في كثير من قصائده . وقد ظل عبد اللـه رضوان طوال حياته وفياً ومخلصاً لعمان ، العاصمة والمدينة الأردنية الساحرة التي أحبها ، وتفجرت رؤاه الإبداعية فيها ، وأفرد لها ديواناً خاصاً هو "مقام عمان" . وعن ذلك يقول الدكتور عماد الضمور في كتابه "عمان في شعر عبد اللـه رضوان " : " شكل المكان في شعره ملاذاً لأحزانه وحالة وجد خاصة ، عبر من خلالها عن عذابات النفس ، وفق مرجعية منتجة للنص ، جعلت المكان ينزاح من استخدامه المألوف بوصفه جغرافيا مرئية ووصفاً للمشاهد السردية إلى كونه بنية دالة ، وموضوعاً شعرياً يحمل أبعاد التجربة الشعرية بكل أبعادها . ويضيف : " إن البعد الجمالي لمدينة عمان في شعره حقق تأصيلاً واضحاً لفكرة الجسد في الشعر ، فانعكاس هذه التقنية البصرية كان واضحاً في رسمه لصورة عمان كما أحسها ، مما عكس بعداً فكرياً خصباً يقوم على التأسيس لرؤيا حداثية ، تجعل من النص الشعري لحظة انعتاق ، ولحظة سكينة ، وخلود في الوجدان ، فضلاً عما يشكله من تجاوز الارادة نحو الرؤيا وتجاوز للرغبة نحو التآكل ، وهذا يبرز دور الفنان في إعادة صياغة الواقع برؤى جمالية خالدة " . أخيراً يبقى القول ، عبد اللـه رضوان رمز ثقافي وقامة شعرية ونقدية سامقة وساطعة في ولافتة في المشهد الثقافي الأردني ، أبدع في الشعر والنقد ، فجعت به قبيلة الشعر العربي الحديث / المعاصر ، وسيظل في الذاكرة والتاريخ الثقافي العربي بتراثه الأدبي الذي تركه . فوداعاً يا طائر الفينيق ، والشاعر الجميل الذي انتصر لقضايا الناس والفقراء والمعذبين في الأرض ، وغنى لهم .
#شاكر_فريد_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ومضات من شعر المرحوم عبد الرحمن كبها (أبو صدام)
-
المجلات الثقافية والفكرية في بلادنا / مجلة (المرصاد )
-
الثقافة الفلسطينية بين الماضي والراهن
-
حنين زعبي تقض مضاجعهم ..!
-
استهداف المقدسات الإسلامية والمسيحية
-
شلت أيدي قتلة البشر وإرثهم الحضاري
-
المطر في آذار أحلى ..!
-
الدواعش يحرقون مكتبة الموصل
-
ملاحظة على الهامش
-
المجلات الثقافية والفكرية في بلادنا / مجلة الأسوار العكية
-
إصدار العدد الحادي عشر من مجلة -الإصلاح- الشهرية الثقافية
-
فشل المؤامرة على سورية ..!
-
في مواجهة التطرف الديني والفكر الداعشي الظلامي ..!
-
مجلة -الجديد-
-
صدور عدد كانون ثاني من مجلة -الإصلاح- الثقافية
-
على هامش أحداث العنف في أبو سنان ..!
-
ارفعوا أيديكم عن الثقافة والإبداع أيها الظلاميون ..!
-
عدد جديد من -الإصلاح- الثقافية
-
مجتمعنا إلى أين ؟!
-
انتصار الديمقراطية في تونس الخضراء ..!
المزيد.....
-
فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي
...
-
الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب
...
-
خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو
...
-
سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح
...
-
منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز
...
-
فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي
...
-
سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
-
وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي
...
-
-كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟
...
-
ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق
...
المزيد.....
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
-
الهجرة إلى الجحيم. رواية
/ محمود شاهين
المزيد.....
|