أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حياوي المبارك - مجرد خلخال















المزيد.....

مجرد خلخال


عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)


الحوار المتمدن-العدد: 4764 - 2015 / 3 / 31 - 00:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مجرد خلخال
فصول من الحرب العراقية الايرانيه (العام 1986)

بسبب معايشتنا الحرب العراقية الايرانية من بدايتها وحتى نهايتها، وددت كتابة بعض السطور مما أتذكره (وان كانت مؤلمة) كونها تشغل مساحة واسعة من الذاكرة، ولأن المنتصر ـ كما يقال ـ يكتب التاريخ، فأن توثيقها سيسلط ضوءاّ ولو بسيطاً على تاريخ بلد، وعن حياة جيل عاش على صفيح ساخن، لم يرَ في شبابه سوى الوجع وهو يقبع في الخنادق !
هي اذاً مسؤوليتنا بأن ننقل الأحداث بأمانة لأجيالنا... ولمن يشاء.

... في بداية 1986غيّرت أيران طريقة هجومها المنتظر وهي تبحث بذلك عن اي نصر على أرض عراقية، واثمر تكتيكهم على مكسبين اولها عسكري بأحتلال مدينة الفاو (ولو أنها تعتبر أرض ساقطة من وجهة النظر العسكرية) شأنها شأن المدن الحدودية الاخرى (كالمحمرة وعبادان)، و ثانيهما سياسي ومعنوي في قصفها للعاصمة بغداد بالصواريخ البالستية (ذات الدفع الذاتي).
فأعلنت الإذاعات العالمية ان النظام في بغداد صار يترنح على الحلبة بانتظار الضربة القاضية، وهنا تنبه الاميركان للخطر الإيراني على (أصدقائهم الخليجيين) حين اربكتهم برقية تهنئة بعث بها الايرانيون لجارهم الجديد (الكويت) !
وهنا لعب رأس المال الكويتي دورآ أساسياً بأعادة التوازن بل ورجّح كفة العراق حين أغدقت الكويت اموالا على العراق لشراء السلاح وابتياع المعلومات الأستخباراتية التي يكون لها دور هام بحسم الموقف حين الحصول مثلاً على تفاصيل وحجم هجومهم المنتظر، فيقوم العراق في مقابل ذلك باللازم في الزمان والمكان بالضبط.

لقد كان للخبث الغربي تجاه نظامين عُرفا (بمقتهم) لاسرائيل الاثر في امتداد حرب طاحنة ومنسية لثمان سنين، ولعبوا المستحيل من أجل إضعافهما وإخراجهما من معادلة القوى في المنطقة، بجعل الكفتين متكافئتين على الدوام أي لا غالب ولا مغلوب طيلة السنين الثمان، وهذا كلف اموالا وبشر، حيث كان الغرب يلعب على الحبلين، ويقوم بتجربة وبتطوير اسلحته بما يتناسب ومتطلبات جبهة الحرب، ودخلت دول مثل البرازيل والنمسا والصين والهند، تبيع سلاح لطرف وتطور المضاد له لتبيعه للطرف الآخر !

كان لايران في كل ربيع هجوم رئيسي، تهيأ له الطاقات على مدار عام، وجربت وفشلت بدءاً بالعام 82 وما بعده، وبالذات على الفيلقين الثالث (بصرة) والرابع (عماره)، هدفها احتلال مدينة او قطع شارع عام، ولكنها تفشل بالرغم من همجية مقاتليها واستقتالهم لنيل (الشهادة)، وكان القادة العراقيون ينجحون باحتواء الضربة الأولى وبالتالي صد الهجوم، فيحسب انتصاراً للعسكرية العراقية، ويشعل هذا بقلوبهم نار الغيض أكثر فأكثر ليبدءوا استعداداتهم دون ملل للهجوم الكبير اللاحق.
ولا ننسى طرق التحشيد النفسي وغسل الادمغة ومفاتيح الجنة وخارطة طريق كربلاء التي يحملها مقاتليهم... حتى وصلت (الحمية) بأحدهم لضرب مدرعة عراقيه بسكين !
ولاجل الحفاظ على المعنويات العراقية عالية، دفع العراق بكل طاقة لأعادة الفاو، وكان هذا (في وقتها) خطأ فادح دفع ثمنه اكثر من 52 ألف شهيد دون أحراز أي تقدم، فالقوات مكشوفة ولا مجال للمناورة مطلقآ، فتدمرت قطعات من خيرة جيش العراق وبكى الجندي العراقي (دم) على ألويته وفرقه وهي تسحق امامه والتي كانت تعني له الكثير، فهي بيته وأهله... وشرفه.
ان مدينة مثل الفاو تقع في شبه جزيرة ومحاطة بالماء من الجنوب (الخليج) والشرق (شط العرب وايران) والغرب (المملحة وهي ارض هشة سبخة) لاتساعد الدرع بالتقدم (وهو الاداة الحاسمة لمسك الأرض)، وكان الطريق من الشمال عبارة عن شارع مواز لشط العرب وهومستمكن ومكشوف ومعرض بأستمرار للقصف، ورغم ان غابات النخيل ساعدت بتمويه وحماية بعض القطعات، الا ان ثمن ذلك كان باهضآ جدآ حيث خسر العراق (نصف) ثروته في واحدة من اسوء المجازر بأعدام افضل انواع اشجار النخيل في العالم، إما تدميراً وحرقاً بالقصف أو بقطعها لأستخدام جذوعها ببناء تحصينات وملاجئ سريعة، حتى أن قائد الفيلق الثالث صرح بأنه يريد أن يشاهد بالمنظار من ساحة سعد بالبصرة مدينة الفاو دون اي (نخلة) تعيق الرؤيا !
واقول جازمآ ان هذه الجريمه التي لا تغتفر، يتقاسم وزرها طرفي المعركة.

أما قصف بغداد فبدأ بنهاية 85 وكانت صواريخهم عمياء بسبب زيادة مداها التي جعلها تفقد دقتها أكثر فأكثر، وكان أول صاروخ استهداف وزارة الدفاع اصطدم (بصدفة عجيبة) ببناية مصرف الرافدين، ولم يستطع احداً وقتها من تفسير هكذا انفجار ودمار هائل، حتى ظن البعض انه تهريب لبارود بواسطة عملاء وعلى مراحل وتجميعه بالطوابق العليا ثم تم تفجيره، وظل هذا اللغز لأسبوع دون حل، حتى ان وزير الاعلام (لطيف نصيف جاسم) قال وقتها للصحفيين الاجانب... (اترك لكم تحليل وتفسير ما جرى) !
وحين أعقبه الثاني والذي سقط ليلا عبر نهر دجله في منطقة الكرخ وكان يستهدف الدفاع ايضآ، فسقط على عمارة من ثلاث طوابق وأحالها بساكنيها وهم نيام إلى ركام، كان هذا الصاروخ يحمل أضافه لما يحمله من بارود ودمار وموت... كان يحمل تفسيرآ للغز.

وهنا دخلت القيادة بمنافسة تذكرنا بما حدث للسوفيت بعد الحرب العالمية الثانية وكيف سابقوا الزمن لصناعة قنبله ذرية واللحاق بالقدرة النووية التدميرية للامريكان، فراح التصنيع العسكري العراقي مُسخراً جهد الدولة التكنولوجي كله لزيادة مدى صواريخ سكود العراقي. وإذا كان سكود الايراني يحتاج لمدى (100 كم) لإصابة بغداد، فأن مهمة سكود العراقي أصعب لتحقيق مدى (500 كم) لدك طهران وهو هدف سياسي اكثر منه تعبوي... ونجح العراق بتحقيق ذلك.
× × ×

في خضم هذه المعمعة، كانت كتيبة مدفعية ذ.ح.(ذاتية حركة) 46 في موقع ما على كتف الشارع النازل للفاو، وهذا المكان أشبه بمحرقة لم تترك شئ الا ودمرته، حصل أخي عريف صلاح على يومين مأمورية لبغداد، وكان مثقل برسائل الضباط والجنود لطمأنة اهلهم بسبب ايقاف الاجازات بشكل قطعي، مما اقلق الأم والزوجة والأهل وجعلهم في قلق دائم.
جاء بزيارة سريعة لتحية بعض الاصدقاء يعملون معي بالورشة بشارع النهر، ولما سأله أحدهم بأي صنف يخدم بالجيش، أخبره صنف المدفعية، فضحك وقال: أنا أعرف احد معارف مدير الصنف، سأتصل بها الآن وأسألها أمكانية نقلك من الفاو لاي مكان.
وليثبت مصداقيته، أتصل مباشرة بها وسألها هل بإمكانها نقل جندي صنف مدفعية من الفاو ؟
أجابت: طبعاً وإلى بغداد لو يريد !
فض اللقاء وسافر صلاح للبصرة بنفس الليلة.

في اليوم التالي اتصلت لتخبرنا بشرطها (الوحيد) وهو ان يشتري لها الخلخال المعروض في فاترينة الصائغ محمد هاشم الورد، وقالت لو يوافق الآن، ستأخذ اسمه ورقم وحدته وسيكون في الغد في بيته.
وافقتُ على الفور، وذهبتُ لأشاهد الخلخال المطلوب منا شراءه (لو صدقت بوعدها)، وكان يزهو بشكله و(بوزنه) !
مساء اليوم التالي، والكلام هنا لصلاح، وصلت سيارة واز فيها نقيب، طلب عريف صلاح بالاسم كونه مطلوب من قيادة الفرقة.
صاح الآمر: لك يمصخم شمسوي ؟
بدون تأخير أصطحبه ليتسلم رساله بضرورة مقابلة اللواء مدير الصنف غداً صباحاً بمقر المديرية بساحة الواثق ببغداد، هناك في اليوم التالي وجد أسمه لدى الاستعلامات.
دخل عليه فسأله: بابا منين تعرف... ؟
ـ صديقة أختي.
ـ راح أخليك معلم بالمحاويل، يله روح أجازة اسبوع وبعدين تعال أخذ كتاب نقلك.

... وهكذا بعد أيام نقل كمعلم للجنود الجُدد في كتيبة تدريب بالمحاويل، وكان يعمل معنا مساءاً بالورشة، وأستمر لشهور يعمل ويسدد ما بذمته من ذهب الخلخال، ولحسن الحظ كان المساعد في وحدته الجديدة هو ابن مختار القادسية فساعده بمقابل ايصاله يومياً ، دون أن يحتاج ـ والحمد لله ـ ذكر من هو واسطة نقله للمحاويل.
... أقول ـ الحمد لله ـ لان بعد شهور قليله قيل بأن السيد المدير قد (أعدم) بقضية تقاضي رشى في صفقة شراء سلاح فرنسي !

عماد حياوي المبارك ـ 1986

× بعد عامين، في نيسان عام 1988 ، تم تحرير الفاو بخطة عسكرية تم خلالها دك (قصف) كل شبر من أرض الفاو بالمدفعية الثقيلة حتى تقاطعت الدوائر المؤثرة لكل تشظية قنبلة، فدخلها الجيش العراق لتكون فاتحة لأنصياع إيران وقبولها وقف اطلاق النار...



#عماد_حياوي_المبارك (هاشتاغ)       Emad_Hayawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دقّ الجرس
- حدث في (الفاكانسي)
- وقودات
- (الله سِتر) !
- مَن القاتل؟ ج 3
- من القاتل؟ ج 2
- مَن القاتل؟ ج 1
- لعنة الكويت
- ظاهرة البرازيلي
- صراصر... بنات عوائل
- حلال... حلال
- عيون... (العيون)
- (حبيبة)... الحبيبة
- ما في حد... أحسن من حد !
- عصر الفولاذ
- السبي في التاريخ
- جداريات... (تشوّر)!
- في 13 شباط... استذكار شهداء ملجأ العامرية
- تهنئة لمواليد 29 فبراير
- نذر لاند


المزيد.....




- مادة غذائية -لذيذة- يمكن أن تساعد على درء خطر الموت المبكر
- شركة EHang تطلق مبيعات التاكسي الطائر (فيديو)
- تقارير: الأميرة كيت تظهر للعلن -سعيدة وبصحة جيدة-
- عالم روسي: الحضارة البشرية على وشك الاختفاء
- محلل يوضح أسباب فشل استخبارات الجيش الأوكراني في العمليات ال ...
- البروفيسور جدانوف يكشف اللعبة السرية الأميركية في الشرق الأو ...
- ملاذ آمن  لقادة حماس
- محور موسكو- طهران- بكين يصبح واقعيًا في البحر
- تونس تغلق معبر رأس جدير الحدودي مع ليبيا لأسباب أمنية
- ?? مباشر: تحذير أممي من وضع غذائي -كارثي- لنصف سكان غزة ومن ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حياوي المبارك - مجرد خلخال