أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زينب علي - قصة قصيرة (بسمة)














المزيد.....

قصة قصيرة (بسمة)


زينب علي

الحوار المتمدن-العدد: 4760 - 2015 / 3 / 27 - 22:33
المحور: الادب والفن
    


صر الباب الخشبي القديم, ذو اللون البني, الممسوح الطلاء, وقد تدرج لونه من بني غامق لافتح, للون الخشب المتآكل والذي بعثر مرور الزمن رونقه ونفخت حافتاه قطرات المطر التي هطلت عليه طوال أعوام طويلة-;- صريرا بطيئا متثاقلا بدا صوت وكأنه يحكي سيمفونية ألمها, عذابها, صراخها, استنجادها, ذلها, و يحمل معه بقايا جراحها التي امتزجت مع بؤس مشاعرها وآهاتها الطويلة المتعالية التي يرجع صداها ليصطدم برأسها كلما أطلقتها. تعب يديها المتشققتين المسمرتين المليئتين بجروح وخدوش لا يعرف مصدرها, عمل شاق ام عذاب شاق ووجنتان كان للحزن والنكد قد قعر انتفاخهما اللذيذ وذهب بالبقعة الوردية التي كانت تتلون انعكاسا لألوان ثيابها المزهرة التي كانت تشعرها بأنها وردة في حديقة ربيعية خضراء, كلما ارتدتها.
وذلك الشعور المرير جدا حينما تطلب أمان أو نجدة فلا يد تمد لها.. انه أسوا شعور حينما تكون بحاجة للكل, فلا تجد أحدا منهم يمد يده لك, بينما هو يصغي لموتك البطيء باهتمام.
كانت يدها المشوهة كأنها بقايا بلاستيك كان قد سكب عليه الزيت فتموج بتموجات مشوهه كأنها أخاديد في ارض متعرجة, تمسك مقبض الباب الذي أكل بريقه الزمن فيندفع شعاع الضوء للبيت المظلم الذي تآكلت جدرانه وأصبح باردا رطبا فاتحا فاه بشهية لأصغر شعاع شمس لالتهامه كي يشبع بدفء وان كان ضئيل فقير .
التفتت سعيدة, الأخت الكبرى لبسمة, التي تجلس على فراش تم خياطته من بقايا ثيابها التي تمزقت. كانت وحيدة متعبه ليس لها راحة بال بعد زواج بسمة ووفاة والديها غير قراءة الكتب والمجلات القديمة التي احتفظت بها لسنوات ومشاهدة الإخبار على التلفاز الذي لا تظهر سوى إخبار موت وصور جثث, ما أسوا حالنا وحظنا, حينما ننصت للإخبار السيئة فقط لنقتل فراغنا الممل. سعيدة هذا جدولها اليومي ليمضي يومها المميت بعد عمل متعب ككاتبة تدير أمور الطلبة في مدرسة صغيرة.
بسمة!؟ قالت بصوت يبشر بالفرحة مع استغراب!
تقدمت بسمه بخطى ثقيلة مرتدية ثوبا زهريا كانت قد أخذته معها يوم زواجها لأنه كان هدية سعيدة لها, فسعيدة تعرف إن بسمة مهووسة بالألوان الوردية الفاتحة التي تعكس حبها للجمال والحياة. بسمة لم ترتدي ذلك الثوب طوال السنين الخمس التي عاشتها مع زوجها, الا اليوم. كانت تغطي شعرها الذي بهت بريقه بغطاء اسود . تقدمت وفي يدها اليمنى صرة مصنوعة من جاكت رمادي يحمل ماترتدية من ملابس قليلة جدا لا تتعدى حاجتها لتغيير ملابسها بعد اتساخها, وابتسامة مرسومة على شفتيها المهملتين ممزوجة بدموع تتساقط كانها قطرات مطر متبقية على لوح زجاج متسخ فتهرب هنا وهناك بتمايل لتجد طريقها لغايتها.
وضعت صرتها وخلعت نعليها الممزقتين اللتين حملتا بحب قدميها المتعبتين, الخشنتين والمتشققتين وسارت على الفراش المصنوع من بقايا مالبست سعيدة. اندفعت باتجاه سعيدة التي وقفت لتستقبل بسمه فاغرة الفم بسبب ابتسامتها, فلأول مرة تبتسم بسمة بعد زواجها.
ما الذي يجعلها تبتسم؟
تقدمت بسمه ومدت يديها لتعانق شقيقتها, فاحتضنتها بقوة وبكت بصوت مرتجف
سعيدة بار كيلي يا حبيبتي انا حرة لأول مرة في حياتي.
ابتعدت سعيدة وهي لاتزال تمسك بذارعي شقيقها
حرة؟ ماذا تقصدين؟ وكان سر ابتسامة سعيدة لازال سؤالا يدور في رأسها.
تزحزحت بسمه للوراء ببطيء وهي تنظر لعيني سعيدة وكأنها تريد ان تلفت نظرها لما تريد ان تقوم به بعناية. خلعت قطعة القماش التي تلف شعرها ورمتها أرضا بينما سعيدة تراقب بصمت وشغف لتعرف ما سر الابتسامة وما معنى كونها حرة!
انحنت بسمة لتخلع ثوبها الزهري الذي يذكرها بجمالها الذي رحل يوم الزواج. مسكت الثوب من أذياله ورفعته للأعلى خالعة اياه لتكشف عن جسد مشوه بالنار لا يحمل ملامح امرأة , لا انحناءات امرأة, ولا أنوثة امرأة. انه جسد تملؤه الطرق المتموجة التي صنعتها النار وجعلت منه كحجر خشن متمايل الألوان والتضاريس.
وضعت سعيدة يديها على فمها وشهقت
بسمة هل احترقتي؟
نعم.. احترقت عندما كنت أقوم بإشعال المدفاءة له بعد موجة ضرب وصراخ, لأنني تأخرت بإشعالها ككل يوم.
كم تمنيت مرارا وتكرارا.. في كل يوم مر علي في السنوات الخمس, ان اموت في ذلك اليوم ولا أعاني العذاب والاهانه والذل المصاحب لنهاري القاسي علي كقسوة ذئب على فريسته. صرخت كل صباح بسبب أنيابه في لحمي, واستنجدت كل ظهر بسبب سياطه على جسدي المتعب المنهك, وبكيت كل مساء بسبب صفعاته المؤلمة ولم يأتي أحدا لينقذني. عانيت حتى شعرت باليأس وأدركت ان لا احد في هذه الدنيا يهتم لماساتي وامري.
سالت دموع سعيدة وهي تلمس بأصابع شقيقتها المشوهتين.
أتعلمين ياسعيدة يبدو ان المدفاءة هي الوحيدة التي ملت وجعي على عتبتها كل صباح, فقررت ان تحررني. احتضنتني بأذرع نيرانها على جسدي لتعتقه من عقابه اليومي المتكرر. آلمتني جدا في البداية, ولكنها اعارتني حريتي وبسمتي في النهاية.
بل وسعادتي, حين رايته ينفر مني ومن جسدي, معلنا إطلاق سراحي مقابل بحثه عن فريسة جميلة أخرى.



#زينب_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في يوم المرأة.. كيف نحتفل ونحن سبايا
- إسرائيل و-شرعنة- انتهاك القانون الدولي الإنساني


المزيد.....




- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زينب علي - قصة قصيرة (بسمة)