أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هويدا صالح - طرف من سيرة جدتي دولت














المزيد.....

طرف من سيرة جدتي دولت


هويدا صالح

الحوار المتمدن-العدد: 4760 - 2015 / 3 / 27 - 17:24
المحور: الادب والفن
    




كانت جدتي " دولت " وهذا اسمها بطلة روايتي الأولى "عمرة الدار" ليس لأننا نعود لطفولنا ونكتب ذواتنا وخاصة في العمل الأول، ولكن لأنها كانت امرأة شديدة الباأس قوية، لها كلمة مسموعة بين العائلة، يعود إليها الرجال في كل تفصيلة، يأخذون برأيها الذي غالبا ما يكون صوابا وحكيما، وهي لا تدخر وسعا في أن تكون حياة العائلة مستقرة وسعيدة.
كانت الجدة "دولت " ابنة عائلة فقيرة لا تقل فقرا عن عائلة جدي. جدي الذي لم يكن يمتلك من الدنيا سوى ذراعه. انتقلت مع زوجها الشاب الفقير إلى بيت من الطين في غرب البلد، وقررت أن تسانده وتعيش حياته ، بل وتصنع معه حياة يتحدث بها رجال القرية ونسائها في ليالي الشتاء الطويلة . كانت جدتي بطلة لحواديت النساء لصغارهن. بدأت تساعد الشاب الفقير في بعض الصناعات الصغيرة من الليف وجريد وسعف النخل، وهو يذهب بها للسوق يوم الأربعاء ويبيعها، وفي نفس الوقت كانت تربي الدجاجات والطيور المختلفة، فيبيع الزوج مع الصناعات اليدوية التي تصنعها الزوجة البيض أيضا.أنجبت منه ثلاثة من الذكور وصبيتين، وربت أبناءها هي وزوجها الفقير على فكرة العدل، العدل في المطلق، وكانت دائما ترى أن القوة والشجاعة دون عدل تؤدي حتما للظلم ، فلا يكفي أن تكون قويا وشجاعا، بل يجب أن تكون عادلا أيضا، فلا يذكر أحد أن زوجها أو ابنها ظلم ضعيفا أو اعتدى عليه، بل دوما يساندون الفقراء والضعفاء، ولا يقفون إلا في وجه الأغنياء.
مرت السنون الطويلة وأربعة من الرجال يعملون في حقول الآخرين أجراء وامرأة توفر وتدبر وتسير الأمور كما يجب، وكان السؤال الذي كنت دوما أطرحه على والدتي وهي تحكي عنها بفخر شديد كيف لم يشتر جدي أرضا ويصير غنيا وجدتي كانت بهذه الحكمة، فتخبرني أمي عن بيت جدي الصغير الذي تحول إلى محطة لاستقبال رجال الله القادمين من الشمال في طريقهم إلى الشيخ عبد الرحيم القناوي في الجنوب، فلابد يستضيفهم جدي، ليستريحوا ويتزودوا بما يمكنهم من إكمال الرحلة إلى القطب الصالح، وكذلك القادمون من الجنوب وفي طريقهم للشمال، لزيارة آل البيت في القاهرة أو أقطاب الصوفية في طنطا وإسكندرية لابد أيضا يحلون ضيوفا على بيت جدي. صار بيت جدي محطة للاستراحة يقصدها رجال الله وشيوخ الصوفية. وصارت "الختمة " ويقصد بها ليلة للذكر وختم القرآن، صارت موعدا أسبوعيا ليلة الجمعة من كل أسبوع، يتجمع الضيوف القادمين من الجنوب والشمال ومشايخ الصوفية في البلدة في حضرة ذكر وبعدها يتناولون العشاء. ولم يأت يوم ضيف لجدي دون أن يجد طعاما وشرابا ومبيتا.
كبر الأبناء وزوجتهم جدتي وعاشوا جميعا في البيت الذي تطور وأعيد بناؤه وصار بيتا ينافس بيت الأغنياء في البلدة ، وصارت جدتي سيدة الدار ملجأ كل فقير ومحتاج في البلدة، وصارت كذلك مقصد نساء البلدة يستشرنها في كل أمر، وتتدخل دوما لتحل المشكلات التي تعاني منها النساء. وأحيانا كثيرة تجبر الرجال على تحقيق وعود قطعوها على أنفسهم حتى تقبل وساطتهم وتصلح ذات البين بينهم وبين زوجاتهم. الأبناء والبنات تزوجوا وتفرعت العائلة ، وصار في بيت جدي عشرات من الصبية والصبايا الصغيرات، وأصرت جدتي أن يتم إرسال كل هذه الذرية إلى المدارس، وحين أخبرها جدي أن البنات مصيرهن للزواج، فلا بجب أن يرسلوهم إلى المدارس أصرت على رأيها ، وقالت له نحن نصنع منهم ثروة لا تقل أهمية عن الفدادين والأرض. وكانت تقول للجميع أنهم صنعوا فدادين لكنها وجدي صنعت بني آدمين، وتقصد أعمامي وأبي وشباب العائلة.
عاشت جدتي تسعين عاما، ولم تمت إلا وفي العائلة الأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات والمدرسين والمحاسبين. عشرات من شباب وشابات العائلة أشرفت جدتي دولت على تعليمهم وتعليمهن. وساندت أبنائها زووجها في كل أمر. لم يكن جدي الفلاح الفقير يتصور أن يبني عائلة متسعة وقوية بهذا الشكل. ودائما كان يداعبها ويمزح معها أمامنا ويحدثنا عن جمالها وهي صبية وعن مساندتها له. هكذا تصنع النساء في الصعيد الرجال. النساء في الصعيد مصنع للرجال.



#هويدا_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكرنفالية وتعدد الأصوات في رواية - كلما رأيت بنتًا حلوة أقو ...
- هل قتل النبي كعب بن الأشرف بكلمته؟!
- الخروج: آلهة وملوك.. أم إثبات حق العودة ؟!
- قراءة في صورة لقاء المثقفين بالرئيس عبد الفتاح السيسي !!
- امرأة الميدان ( حكاية عن شهرزاد يوم جمعة الحداد)
- المجتمع وضريبة الجسد !
- جابر عصفور والتنوير !!
- المثقف الميداني واستراتيجية العمل الثقافي
- خرائب النصر
- تشظي الذوات في نصوص فرق توقيت
- نماط متمايزة تصوغها رؤية أدبية مكثفة للواقع صورة المثقّف في ...
- العلاج بالفن في متتالية بيوت تسكنها الأرواح د. عمرو منير
- وجع اللذة في تمارين لاصطياد فريسة لعلي عطا
- سيرة الحرب والحب في رواية تيو
- بلاغة التفاصيل في رواية - الذرة الرفيعة الحمراء -
- التحريض والتثوير في روايات نجيب محفوظ
- الخطاب الأبكم الهامس في الفقه الأصولي .. قراءة في كتاب -النص ...
- إعادة استباحة مصر مجددا / ردا على تصريحات فاطمة ناعوت في جري ...
- دماء الصبايا على مذابح الإخوان المسلمين في مصر
- ذاكرة مصر البصرية في لوحات زهرة المندلية - حياة النفوس -


المزيد.....




- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هويدا صالح - طرف من سيرة جدتي دولت