أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - السيد نصر الدين السيد - اهدموا أهراماتكم















المزيد.....

اهدموا أهراماتكم


السيد نصر الدين السيد

الحوار المتمدن-العدد: 4759 - 2015 / 3 / 26 - 12:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم تكن اهرامات الجيزة الثلاث رمزا لخلود ما يقيمه الانسان من منشآت فقط، بل كانت أيضا "نموذجا" يحتذى به ... !. نموذجا لما ينبغي ان يكون عليه تنظيم ما يقيمه الانسان من كيانات اجتماعية واقتصادية وسياسية؟ وهكذا ألهم المصريون بقية الأمم "البنية الهرمية"، او "الهرمية" Hierarchy، لتكون الهيئة التي تنتظم عليها مكونات أي كيان، بشرا كانوا او وظائف او تقسيمات إدارية. ففي هذه البنية تتراص المكونات في طبقات يعلو بعضها البعض الآخر، ويسيطر من يوجدون في الطبقة الأعلى على من يشغلون الطبقة الأدنى بما يحوزه من عناصر القوة. وهي العناصر التي تتنوع اشكالها ما بين سلطة اتخاذ القرارات والسيطرة على أدوات تنفيذه، او القدرة على التوصل الى المعلومات. ويتدرج توزيع هذه العناصر على طبقات الهرمية فيزداد تمركزها كلما صعدنا الى أعلى نحو القمة ويقل تواجدها كل اتجهنا نحو القاعدة. وتأخذ هذه الهرميات اشكال متعددة فهي قد تتجسد في "المكان" فتكون على هيئة هياكل تنظيمية كتلك التي نراها المؤسسات الحكومية او الشركات. وهي قد تكون على هيئة قيم واعراف تحكم علاقات البشر بعضهم بالبعض الآخر فتسمع امثالا من قبيل "العين ما تعلاش على الحاجب" و"الميه ما تجريش في العالي" وغيرها من أمثال واقوال ترسخ "الدونية" في نفوس البسطاء وتحثهم على البحث عن "كبير" يحتمون به "واللى ما لوش كبير يدورله على واحد". وهكذا يفقد الانسان استقلاليته وتتآكل قدرته على "المبادرة" ويتحول الى كائن رخو في حالة "انقياد" دائم للكبير وينتظر ما سيأمر به "الكبير". وللكبير هذا اشكال متنوعة فهو قد يكون شيخ قبيلة او اب لعائلة ممتدة او رجل دين إسلاميا كان او مسيحي. ولا يقتصر وجود الهرميات على "المكان" بل نراها أيضا في "الزمان" وذلك عندما تتحكم منتجات مرحلة زمنية سابقة احداث مرحلة زمنية لاحقة فيؤمن المعاصرون ايمانا لا يتزعزع بما ورثوه عن الاقدمين ويعتقدون انه كلما تقادم الشيء وتعتق كلما ارتفعت قيمته وازدادت مصداقيته...!؟

وإذا كانت اهرامات الجيزة ظلت صامدة ومقاومة لأفعال الزمان، فان النموذج الذي الهمته، وهو الهرمية كبنية تنظيمية، لم يكن له نفس المصير. فلقد شهد النصف الثاني من العشرين العديد من التوجهات التي أدت مجتمعة الى "تسطيح" الهرميات، او الى تقليل عدد طبقات الهرمية الى اقل عدد ممكن، هذا بالإضافة الى ظهور وانتشار بنية تنظيمية أخرى هي "الشبكة". و"الشبكة" هي البنية التنظيمية التي تتمتع كل مكوناتها باستقلالية في الفكر والفعل، وتحكم التفاعلات فيما بينهم علاقة "الند بالند"، على عكس علاقة "التابع والمتبوع" او "الآمر والمأمور" التي تحكم التفاعلات بين مكونات الهرمية، وأخيرا تحظى هذه المكونات بنصيب شبه متساوي من عناصر القوة.

وأول هذه التوجهات هي "العولمة (الكوكبة)" التي تعني امتداد رقعة النشاط الإنساني لتشمل كوكب الأرض كله متجاوزة في ذلك حدود الدول والاقاليم. وهي التي يعرفها البعض بأنها "عملية التكامل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي والتكنولوجي بين البلاد على مستوى العالم". وبالطبع يتطلب تنفيذ الأنشطة العابرة للحدود (او المكوكبة) تعاونا بين أطراف متعددة متعارضة المصالح يتمتع كل منها بقدر كبير من الاستقلالية وحرية اتخاذ القرار. وهنا تبرز بعض قصور "الهرمية" كبنية تنظيمية لإدارة الأنشطة وذلك لطبيعتها المتعلقة بتركيز عناصر القوة في أيدي عدد محدود من المكونات يشغلون طبقاتها العليا.

اما ثاني هذه التوجهات فهو "التعقد الفائق" الذي تشهده المجتمعات المعاصرة. وهو التعقد الذي تشكله ثلاثة عوامل متداخلة هي “التنوع الفائق"، "التواقف المتزايد"، و"التغير المتسارع". ويتعلق "التنوع الفائق"، أول أبعاد التعقد، بتعدد وتنوع مكونات المجتمع المادية والمعنوية والبنيوية. فعلى سبيل المثال ينتج المجتمع الفرنسي حوالي 350 وأكثر من أنواع الجبن بينما لا ينتج المجتمع المصري إلا 4 أنواع فقط (الرومي، الدمياطي، القريش، المش). ولايقتصر تعدد وتنوع مكونات المجتمع الحديث على مكوناته المادية المتمثلة فيما ينتجه من سلع مصنعة بل يمتد أيضا ليشمل مكوناته غير المادية (المعنوية). وهي المكونات التي تشمل الرؤى والمعتقدات والأفكار المختلفة التي يعزز تواجدها مبدأ "حرية التفكير"، هذا بالإضافة إلى البنى الاجتماعية والسياسية التي تضمن وجودها وفعاليتها "مبادئ حقوق الإنسان". أما ثاني أبعاد التعقد، "التواقف" (أو "الاعتمادية المتبادلة") Interdependence، فيتعلق بطبيعة العلاقات بين مكونات المجتمع الحديث التي تتميز بتشابكها الشديد ومن ثم اعتماد وجود كل مكون من هذه المكونات وأفعاله على إمكانيات وأفعال بقية المكونات. ونصل أخيرا إلى ثالث أبعاد التعقد، "التغير المتسارع"، فلقد بلغت معدلات التغيير خلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين تبلغ خمسة أضعاف متوسط معدلات التغيير في القرن العشرين. فعلى سبيل المثال تطرح شركة سوني اليابانية منتجا جديدا كل 20 دقيقة بينما تقدم شركة ديزني الأمريكية منتجا جديدا كل 3 دقائق ...! ولا يمكن مواجهة هذا التعقد وادارته الا بتنشيط روح "المبادأة" لدى أعضاء المجتمع وتفعيل الدور الذي يلعبه كل منهم في تنظيم وإدارة شئون حياته بوصفه انسانا له رؤيته الخاصة وليس مجرد ترس في آلة. فبدون هذا الدور النشط للفرد يتحول المجتمع الى كيان متيبس غير قادر على التعامل مع تعقد الواقع المعاصر.

اما ثالث هذه التوجهات فهو ظهور برمجيات التواصل وانتشارها غير المسبوق. فعلى سبيل المثال بلغ عدد مستخدمو الفيسبوك Facebook على مستوى العالم المليار و400 مليون مستخدم. وتعتبر هذه البرمجيات تجسيدا ملموسا للبنية الشبكية التي تتساوى فيها الرؤوس والتي تتيح لمستخدميها التعبير عن آراءهم دون قيود، وتيسر لهم تشكيل "مجموعات مصالح"Interest Groups. وهي بذلك توفر البنية الاساسية لـ "ديموقراطية المشاركة" لتحل محل "ديموقراطية التمثيل".

لقد أدت هذه التوجهات وما صاحبها من تغيرات الى الكشف عن عجز "الهرميات"، بشتى اشكالها، مواكبة التغير الذي تزايدت معدلاته، وعن عدم قدرتها على التكيف مع مستجدات الواقع. وهذا العجز هو نتيجة طبيعية لحصرها ميزة المبادأة وحرية اتخاذ القرار في قلة تحتل قمة الهرمية، بتحديدها اتجاه الحوار ليكون من اعلى لأسفل، وبقصرها موضوع الحوار على الأوامر والنواهي والممنوعات والمسموحات. وهي بذلك تحرم المجتمع من الطاقات الكامنة في الكثرة من افراده وتكرس فيهم حالة القنوط والإحباط واللامبالاة.

ان انتشار الهرميات، بشتى أنواعها، وتغلغلها في صلب تكوين مكونات مجتمعنا، مؤسسات وافراد، يقلل من فرص نجاح عملية "التنمية المستدامة" ويشكل عائقا امام محاولات تحديثه. لذا يصبح هدم هذه الهرميات، او حتى تسطيحها، امر لا غنى عنه ان رغبنا دخول نادي "النمور الاسيوية".



#السيد_نصر_الدين_السيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشيطان يعظ
- هوجة الانتخابات
- فيها حاجة مش ولابد !
- على هامش حوارات المجموعة 42: الديموقراطية
- الديموقراطية من تحت لفوق
- هي فوضى ...؟ تبدل الأحوال (2/2)
- هي فوضى ...؟ الابجدية (1/2)
- تاتا تاتا خطي العتبة
- ويسألونك ... ؟ (2/2)
- ويسألونك عن ...؟ (1/2)
- البكسل التائه والصورة الغائبة: خارطة طريق (2/2)
- البكسل الحائر والصورة الغائبة: الرؤية (1/2)
- وكنتم خير أمة ... !
- في البدء كانت الكلمة !
- حكاية البيضة والفرخة
- المستقبل مضارعا
- الديموقراطية وقيمها الغائبة
- فنجرة البق وملاعيب الكلام
- سلالالالام سلاح
- لا يا شيخ ... ! (أو نقد المرجعيات)


المزيد.....




- السعودية الأولى عربيا والخامسة عالميا في الإنفاق العسكري لعا ...
- بنوك صينية -تدعم- روسيا بحرب أوكرانيا.. ماذا ستفعل واشنطن؟
- إردوغان يصف نتنياهو بـ-هتلر العصر- ويتوعد بمحاسبته
- هل قضت إسرائيل على حماس؟ بعد 200 يوم من الحرب أبو عبيدة يردّ ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن قتل عضوين في حزب الله واعتراض هجومين
- باتروشيف يبحث مع رئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطينية الوضع ...
- قطر: مكتب حماس باق في الدوحة طالما كان -مفيدا وإيجابيا- للوس ...
- Lava تدخل عالم الساعات الذكية
- -ICAN-: الناتو سينتهك المعاهدات الدولية حال نشر أسلحة نووية ...
- قتلى وجرحى بغارة إسرائيلية استهدفت منزلا في بلدة حانين جنوب ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - السيد نصر الدين السيد - اهدموا أهراماتكم