أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - الدهشة الاولى














المزيد.....

الدهشة الاولى


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 4758 - 2015 / 3 / 25 - 17:59
المحور: الادب والفن
    


الدهشة الاولى
سعد محمد موسى
في الصباح الباكر نقلتنا حافلتين من بوابة مخيم رفحاء الى مطار الظهران بعد ان ودعنا الاصدقاء المتبقين في المخيم وبعد أن أكمل الحرس السعودي تفتيش حقائبنا وصادر الصور الفوتغرافية واوراق الكتابة ثم اخذوا منا هويات اللجوء.
انطلقت الحافلتين ولوحنا من وراء النوافذ مودعين الاصدقاء للمرة الاخيرة ثم انفجر البعض بالبكاء في لحظات الفراق المؤثرة.
في الطريق الصحرواي المؤدي الى مدينة الظهران استنشقت هواء مختلف خارج اسوار المخيم الذي كنت منفيا فيه لاكثر من اربعة سنوات ونصف حين كان الخيار الاخير هو الهجرة القسرية بعد حرب الخليج الاولى وبعد اجهاض الانتفاضة العراقية عام 1991
دقق رجال الامن السعودي مع موظف من الامم المتحدة مرة اخرى باسمائنا قبل ان يمنحونا الفيزا التي تسمح بدخولنا الى استراليا .. تلك القارة البعيدة والمنسية التي لانعرف عنها الشيء الكثير، سوى انها كانت جزيرة واسعة مشهورة بالسواحل والغابات والمراعي والكناغر وكان يسكنها منذ الالاف السنين سكان تلك الجزيرة الاصليين من الابورجنيز البدائيين!!!
تسلقنا سلم الطائرة بينما الحرس كانوا يحدقون بنا بحنق وبغيرة لاننا نلنا الحرية أخيراً.
كان السفر على متن طائرة بوينغ التابعة للخطوط الجوية التايلندية في ظهيرة يوم التاسع والعشرين من حزيران عام 1995
الشعور بلحظات انطلاق الطائرة اعاد بي ذكرى ارجوحة العيد وذاكرة الطفولة ونشوة صعودي في الارجوحة وهي تشهق عاليا وانا أحلق مع بالونات العيد الملونة وكأني اوشك ان المس قبة السماء الزرقاء لاول وهلة.
احتفى طاقم الطائرة بالمسافرين المتوجهين نحو بانكوك عاصمة تايلند .. واعتذروا عن تقديم المشروبات الروحية حتى يتم تجاوز حدود المملكة السعودية.. يالسطوة آل سعود وارهابهم حتى في المجال الجوي يترصدون بك ولايسمحون لك ان تشعر بالحرية فهم يطاردوك بوصاياهم في الارض وفي السماء أيضاً .. مازال ثمة قلق وهاجس يتعقبني ..متأملاً ان اتجاوز حدود الظلام واختراق اسوار السجن نحو فضاءات اخرى.
كنت اراقب حركة طيران طائرة البوينغ على شاشة كبيرة منصوبة امام مقصورة المسافرين وانا أعد بالكيلومترات المتبقة كي تخترق الطائرة الفاصل الجوي وتصل نحو السماء القادمة.
ثم جاءت النادلات الرشيقات وهن يدفعن بعربات الضيافة التي اضيفت لها المشروبات الروحية بعد ان ولت حدود السعودية خلف الطائرة شعرت بالحرية والارتياح وتنفست الصعداء.

كانت الطائرة مليئة بعشرات المسافرين اغلبهم خليجيين وآسيويين وهنود وقليل من الاوربيين ، أما اللاجئيين العراقيين فكان عددهم بحدود 60 مسافر.
كان يجلس بجانبي لاجئيين عراقيين لم تربطني بهما معرفة كثيرة.
مرت العربة التي تدفعها المضيفة التايلندية في الممر الضيق بين صفي المقاعد من الدرجة الثانية . كانت الابتسامة تعلو وجه المضيفة وهي تسأل الركاب عن رغباتهم في طلب نوع المشروب . اعتقد ان جميع العراقيين في الطائرة طلبوا اما عصير برتقال او شاي او ماء وبعضهم كانت لديه رغبة بشرب الكوكا كولا .. لكنهم كانوا مترددين بسبب بعض الفتاوي الدينية التي تحرم هذا الشراب!!!
وحين جاء دوري سألتني المضيفة : ماذا تطلب سيدي عصير ام شاي !! فلم تكن تتوقع طلب اللاجيء العراقي الوحيد في الطائرة الذي كسر القاعدة وطلب كأس من الويسكي مع قليل من الصودا ابتسمت المضيفة باستغراب ، ثم قدمت لي الكأس المترع بويسكي (بلاك ليبل).
هذا الكأس الذي يليق بنخب الحرية...
لم اتذكر متى كانت اخر مرة احتسيت فيها الويسكي في العراق.
أما في فترة النفي الصحراوي فلم احتسي عرق التقطير الذي كان يصنعه اللاجئيين في الخيام. واعتذرت من الاصدقاء الفنانين والادباء في دعواتهم لمشاركتهم الامسيات السرية في تعاطي الكحول المقرف مثل زجاجات الكولونيا التي تسمى ب( الحرشة) التي كان يتاجر بها بعض المهربين سراً بعد جلبها من حلاق في مدينة رفحاء .. وقد اكتشف الحرس فيما بعد محل الحلاقة فاغلقوه وعاقبوا صاحبه.
ثم أخذ الاصدقاء بابتكار طريقة جديدة لتقطير العرق المصنع من مادة السكر وتحضيره خفية في الخيام.
كنت احضر امسيات الاصدقاء لكني لم اشاركهم تجرع هذا الكحول القاتل .. وكنت اوعز لنفسي بان الخلاص قادم وسوف احتسي حينها الخمرة الفاخرة والاصلية، ناهيك عن تجنب عقوبة الجلد الذي يقوم به المطاوعة ضد شاربي الخمرة.

طلبت كاس ويسكي ثاني من المضيفة . فجلبت لي المشروب بطيب خاطر .. شعرت بالمسافرين اللذّين يجلسان بجانبي يتململان ومنزعجان فغادرا وتركا لي مقعدين شاغرين .. شكرتهم في سري وانا استرخي بحرية اكثر.

وقبل ان تدخل الطائرة حدود تايلند طلبت الكاس الثالث وانا كنت اشعر بانتشاء الخمرة تسربت الى اوصال جسدي .
ثم هبطت الطائرة في مطار بانكوك .. فهب الخليجيون على وجه السرعة الى مراتع تجارة الاجساد والبغاء في احياء بانكوك.
اما اللاجئيين العراقيين فتوزعوا ضمن رحلات مختلفة كل مجموعة تغادر بطائرة مختلفة الى ولاية استرالية.

أما أنا فكان مقرراً لي ان اتوجه واقيم في مدينة بيرث غرب استراليا.

صعدت الى طائرة اخرى .. تابعة للخطوط الجوية الاسترالية

فحلقت طائرة كوانتس فوق المحيط الهندي ثم تراءت الصحراء برمالها الحمراء والكثبان الطويلة.. ثم انخفضت الطائرة بهبوطها التدريجي ، فبانت خضرة غابات الاشجار التي تحد البصر وبعدها تقترب الطائرة من حدود مدينة بيرث فهبطت في مدرج المطار .. وفي لحظات الوصول الى المطار داهمني شعور يجمع مابين اليقظة والحلم .. ثم حملتنا بعدها حافلات من المطار الى المدينة فشعرت بلحظات الدهشة الاولى فوق الارض بعد ان شعرت بها في السماء اثناء تحليق الطائرة في اول مدينة واول محطة لترحالي فيما بعد.



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السرقات النبيلة
- حفلة في غابة
- الغراب وشجرة الصمغ الاحمر
- تجليات الفانوس
- يوميات الارصفة والمقاهي
- حكايات البخلاء
- قراءة الكاتب رضا الاعرجي حول تجاربي الفنية
- ليس للمقامر مايخسره
- جار وحديقة
- مكالمات هاتفية عابرة في هذا الصباح
- مابيني وبينك كان أكثر من عناق
- ليس للمزاميرِ مواسمُ للرقصِ
- تأملات في أبجديات الحرف والطين واللون
- مرثية الرماد والرصيف
- قارب الموت
- نهاية شرهان وقدره المأساوي
- وكأنك ليس سوى أنا
- ثلاثية العشق والجنون
- مذبحة سبايكر
- غزوات ضد الفن


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - الدهشة الاولى