|
القادة العظام يصنعون أمجادا والقادة الصغار يبددون حقوقا وأوطانا
إبراهيم ابراش
الحوار المتمدن-العدد: 4758 - 2015 / 3 / 25 - 11:41
المحور:
القضية الفلسطينية
في كل الشعوب توجد (قيادات) عابرة لا يترك رحيلها أثرا ، لا على واقع حياة الشعب ولا في الذاكرة الوطنية ، وإن تركوا أثرا يكون ذكريات مريرة عما الحقوه بشعوبهم من خراب ودمار ، إنهم الذين صَيرتهم الصدفة أو أطراف خارجية إلى مواقع القيادة والحكم . وفي المقابل هناك قيادات تصنع تاريخا لنفسها ولشعبها ، لذا تبقى في الذاكرة الوطنية ومن حق الشعب أن يُخلِد ذكراها ويجعل منها قدوة للأجيال ، ليس من خلال استنساخ الشخصية بل استلهام التجربة . هذا ينطبق على شعبنا الفلسطيني الذي أنجب وصنع في بداية ثورته الوطنية قادة عظام ، صحيح أنهم لم يحرروا الوطن ولكنهم انتشلوا الشعب من حالة التيه والضياع ووضعوه على طريق الحرية والاستقلال ، فيما يبدد مَن صَيرتهم الصدفة أو التوازنات والحسابات الخارجية في موقع القيادة اليوم ما أنجزه الشعب تحت قيادة الأولين ، حيث يقبلون ما رفضه الأولون حتى وإن كانت سلطات هزيلة على بقايا أشلاء وطن . نعم ، إن الشعوب تصنع تاريخها بنضالها وبريادة قيادات وطنية ، وفي تاريخنا الفلسطيني ، سواء الحضاري الممتد طوال أكثر من أربعة آلاف عام أو السياسي الحديث الممتد لأكثر من مائة عام ، محطات مشرفة كثيرة ، علينا أن نفتخر بها ونبني عليها ، ليس أقلها الحفاظ على الثقافة والهوية الوطنية واستمرار قضيتنا الوطنية حاضرة في الضمير والوجدان العربي والعالمي . صحيح ، الفلسطينيون لم يحرروا وطنهم بعد ، ولم يهزموا إسرائيل عسكريا ، ولكن في المقابل لم يستسلموا أو يتخلوا عن حقوقهم التاريخية ، وصمودهم يعني فشل إسرائيل في تحقيق مشروعها الصهيوني حتى الآن . هذا التاريخ وهذه الإنجازات صنعها الشعب تحت قيادة قادة عظام ما زال الشعب يخلد ذكراهم بعد رحيلهم .
نعم ، لو بحثنا عن سر صمود الشعب الفلسطيني لوجدنا وراء ذلك – بالإضافة لعظمة الشعب وشرعية حقوقه الوطنية وصبره وقوة تحمله - تكمن حركات وقيادات سياسية وطنية المنشأ والمنطلق والأهداف ، كانت قريبة من نبض الشعب ومتفاعلة مع معاناته ومستعدة لقيادته في معركة التحرير . هؤلاء القادة لم يكونوا ملائكة ، ولم يكونوا منزهين عن الخطأ ، إلا أنهم لم يفكروا بسلطة أو جاه ، ولم يساوموا على استقلالية القرار الوطني ، أو يلتحقوا ويُلحقوا معهم القضية بهذا المحور أو ذاك أو هذه الأيديولوجيا أو تلك ، بل وظفوا كل المحاور والأيديولوجيات لخدمة المشروع الوطني التحرري . قادة رفعوا شعار (فلسطين أولا ) ، شعار جسدوه بالبندقية وبالاشتباك المباشر مع الكيان الصهيوني وبثقافة وهوية وطنية صهرت الكل الفلسطيني في بوتقتها بالرغم من الشتات والغربة . لم تكن عظمة القادة الأوائل للمشروع الوطني الفلسطيني تكمن في قوة حسهم وانتمائهم الوطني فقط بل أيضا في قوة بصيرتهم وتلمسهم أن القيادة ليست موقع فخري يُدِر المال والحياة المرفهة ، فحياتهم اتسمت بالزهد والتقشف ، بل القيادة مسؤولية جماعية ، ومن هنا كانوا قادة عظام أوجدوا إلى جانبهم قادة كبار ليقودوا معهم قاطرة التحرير ، وهذا للأسف ما يفتقده النظام السياسي الفلسطيني اليوم ، حيث يقوده غالبا قادة صغار يصنعون ويحيطون أنفسهم بقادة اصغر منهم شأنا ورؤية ، هم أقرب إلى الأتباع والمريدين منهم إلى القادة . هذه (القيادات) ومهما كثر عددها وتعاظم مالها المشبوه لا تنشئ مؤسسة قيادة بل تؤسس علاقة خضوع وتبعية كتلك التي تنشأ بين الشيخ ومريديه ، الشيخ يستمر متسيدا على مريديه ، وهؤلاء يسترون عيوبه وأخطائه دون أن يجرؤوا على نقده أو مناقشة نهجه . الشعب الفلسطيني يعاني اليوم من أوضاع صعبة على كافة المستويات وهناك انغلاق للأفق السياسي ، فهل إسرائيل وحدها مَن يتحمل المسؤولية ؟ . لا شك أن قادة إسرائيل مسؤولون مسؤولية كبرى عن الوضع المأزم للقضية الفلسطينية . لكن لمعادلة الصراع طرفين ، أحدهما إسرائيل وقادتها ، والثاني النخبة السياسية التي تقود الشعب ، سواء في مسار المفاوضات والتسوية أو في مسار المقاومة ، فكيف نتحدث عن فشل نهج التسوية والمفاوضات ولا نتحدث عن فشل أصحاب هذا النهج من النخبة السياسية الفلسطينية ؟ ! ، وكيف نتحدث عن فشل نهج المقاومة المسلحة ولا نتحدث عن فشل أصحاب هذا النهج من نخب وحركات سياسية ؟ والفشل في جميع الحالات يتطلب المحاسبة ، أو على الأقل ممارسة النقد الذاتي والمراجعة الاستراتيجية ، وهذا للأسف ما لم يحدث ، حيث تستمر نفس القيادات المأزومة والفاشلة على رأس النظام السياسي ، بل لا تخجل هذه القيادات من التحدث عن الانتصارات ! .
هذا التحول في النخبة السياسية وفي القيادة يفسر الاهتمام الكبير للشعب الفلسطيني بإحياء ذكرى رحيل قادته الكبار ، فاستحضار ذكراهم وإن كان يعبر عن حب وتقدير لأشخاص هؤلاء القادة إلا أنه في نفس الوقت يعبر عن حنين لمرحلة ولنهج في العمل الوطني نفتقده اليوم ، حنين لزمن كان يحكم فيه قادة كبار لم يسمحوا للخلافات الأيديولوجية ولا لأصحاب الأجندة الخارجية ولا للمال السياسي ، أن يكون سببا في الاقتتال الداخلي وفي الانقسام وتدمير المشروع الوطني ، زمن كان القادة الكبار يختلفون ويتنافسون ولكن على قاعدة المصلحة الوطنية ، ولم تكن خلافاتهم تصل إلى درجة تكفير أو تخوين بعضهم البعض .
[email protected]
#إبراهيم_ابراش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
استخلاصات من نتائج الانتخابات الإسرائيلية
-
عودة مشروع -غزة أولا- ولكن بثمن أفدح
-
لكل أمة مشروعها الحضاري القومي إلا الأمة العربية
-
مقاربة مفهومية لتفكيك ظاهرة الإرهاب
-
المطلوب من المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية
-
انقلاب هادئ وخطير في أراضي السلطة الفلسطينية
-
مشهدان متناقضان في فلسطين المحتلة
-
هل سيغطي إرهاب داعش على الإرهاب الإسرائيلي ؟
-
صناعة دولة غزة
-
هل توجد استراتيجية فلسطينية لمواجهة الحرب القادمة ؟
-
الحذر من تعويم مفهوم الإرهاب
-
كيف ستنجح حكومة التوافق الفلسطينية في ظل غياب التوافق !
-
المؤتمر السابع لحركة فتح : عليه المسؤولية والرهان
-
فشل التصويت على القرار العربي في مجلس الأمن (رب ضارة نافعة)
-
الفريضة الغائبة وطنيا
-
حول مشروع القرار المقدم لمجلس الأمن حول فلسطين
-
إسقاط صفة الإرهاب عن حركة حماس إنصاف لحق المقاومة
-
مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني بعد الحرب على قطاع غزة
-
اغتيال زياد ابو عين : حدث عابر أم لحظة فارقة
-
داعش فلسطينية ضرورة إسرائيلية
المزيد.....
-
مشهد صادم.. رجل يتجول أمام منزل ويوجه المسدس نحو كاميرا البا
...
-
داخلية الكويت تعلن ضبط سوداني متهم بالقتل العمد خلال أقل من
...
-
مدمن مخدرات يشكو للشرطة غش تاجر مخدرات في الكويت
-
صابرين جودة.. إنقاذ الرضيعة الغزية من رحم أمها التي قتلت بال
...
-
هل اقتصر تعطيل إسرائيل لنظام تحديد المواقع على -تحييد التهدي
...
-
بعد تقارير عن عزم الدوحة ترحيلهم.. الخارجية القطرية: -لا يوج
...
-
دوروف يعلّق على حذف -تليغرام- من متجر App Store في الصين
-
أبو عبيدة: رد إيران بحجمه وطبيعته أربك حسابات إسرائيل
-
الرئاسة الأوكرانية تتحدث عن اندلاع حرب عالمية ثالثة وتحدد أط
...
-
حدث مذهل والثالث من نوعه في تاريخ البشرية.. اندماج كائنين في
...
المزيد.....
-
المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق
...
/ الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
-
حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية
/ جوزيف ظاهر
-
الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية-
/ ماهر الشريف
-
اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا
/ طلال الربيعي
-
المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين
/ عادل العمري
-
«طوفان الأقصى»، وما بعده..
/ فهد سليمان
-
رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث
...
/ مرزوق الحلالي
-
غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة
/ أحمد جردات
-
حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق
...
/ غازي الصوراني
-
التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|