أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ابراهيم الحيدري - الحداثة دخلت من أبوابنا الخلفية















المزيد.....

الحداثة دخلت من أبوابنا الخلفية


ابراهيم الحيدري

الحوار المتمدن-العدد: 4758 - 2015 / 3 / 25 - 06:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تواجه المجتمعات العربية اليوم تحديات كبيرة بسبب الإخفافات المتلاحقة التي توالت عليها في العقود الأخيرة التي أخذت تضغط بقواها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بصورة مباشرة وغير مباشرة على المنظومات التقليدية من أجل تطويرها للسير في طريق الإصلاح والتنمية والتحديث وبناء الدولة الديموقراطية التي تقوم على التعددية واحترام حقوق الإنسان. وعلى رغم أن الإصلاح والتحديث هما في مقدمة أولويات التغيير من قبل القوى الاجتماعية إلا أن المجتمعات العربية ما زالت راكدة، ليس بالنسبة إلى الدول الصناعية الكبرى وإنما إلى دول شرق آسيا على أقل تقدير، وبخاصة في بناء أسس الدولة الحديثة.
إن الحداثة تحتاج اليوم إلى جهود كبيرة تتجاوز الأطر التقليدية الراكدة. وهي ضرورة ماسة لا بد منها إذا أراد العرب أن يتقدموا في مضمار العلم والتقنية وتحديث المجتمع. الحداثة سيرورة تاريخية واجتماعية مستمرة لا حدود لها ولا تتوقف عند درجة من درجات التطور والتقدم ولا تتعلق فقط بتقدم العلم والتقنية والاقتصاد والثقافة والسياسة فحسب، وإنما تتعلق بنظرة الإنسان إلى نفسه وإلى الآخر وإلى الكون والحياة، وكذلك إلى مكانته ودوره في المجتمع وعلاقته بمنظومة القيم والمعايير وطرائق التفكير والعمل والسلوك وما يتصل بحياة الإنسان في الزمان والمكان.
تتجاوز الحداثة اليوم القيم والعادات والمعارف والتقنيات التقليدية إلى إعادة تشكيل الإنسان الحديث من حيث هو مفهوم تنويري يخرج الإنسان من قصوره الذي اقترفه بحق نفسه، كما يقول كانط، هذا القصور الذي نتج من عجزه عن استخدام عقله إلا بتوجيه من إنسان آخر، لأن الذنب في هذا القصور يقع على الإنسان نفسه الذي لا يفتقر إلى العقل وإنما إلى العزم والشجاعة اللذين يحفزانه على استخدام عقله بلا توجيه من إنسان آخر. هذه المبادئ العقلانية التنويرية الحديثة هي التي قادت أوروبا إلى التقدم العلمي والتقني والاقتصادي والاجتماعي، وهي مبادئ إنسانية عالمية وليست أوروبية حتى لو كان الأوروبيون قد سبقوا الدول الأخرى في تطبيقها بعد أن توافرت عندهم ظروفها وشروطها الموضوعية. فقط بنور العقل والحرية وفكرة التقدم نهضت أوروبا وازدهرت فيها الحضارة. ولم تتساءل من أين أتى التحديث من الخارج أم من الداخل؟ المهم هو أن يحدث إصلاح وتنمية وتحديث وفي جميع مرافق الحياة، لأنه الطريق الوحيد للتقدم الاجتماعي. أما رفض الإصلاح والتحديث فهو رفض لجوهر الحداثة وقيمها التنويرية: العقلانية والتقدم والحرية والمساواة الاجتماعية. كما أن الخوف من الإصلاح هو خوف من الحداثة ذاتها أي خوف من الحرية والتغيير الذي يدخل الفكر السياسي والاجتماعي والاقتصادي في مأزق يكشف تخلفه وعجزه وغربته عن المجتمع الذي يعيش فيه وذلك بسبب الخطاب الاستبدادي الأبوي البطريركي والهوة العميقة التي تفصل بين المواطن والسلطة وعجز الفرد عن مواجهة جوهر الحداثة وتحديات العولمة وثورة الاتصالات الإلكترونية الجديدة وكذلك مواجهة الردة الثقافية - السياسية والتحديات التي تنتجها السياسات الرجعية والحركات السلفية المتطرفة وما يصاحبها من أحداث دموية شهدتها بدايات هذا القرن.
إن الأزمات والتحديات أصبحت اليوم أكثر وضوحاً وتحدياً وإحراجاً، فالإصلاح لم يصل إلا إلى السطحي وغير المباشر، الذي يرتبط بتحديث السلطة والمؤسسات العسكرية والاقتصادية ودخول عناصر المدنية المادية ومنجزاتها الاستهلاكية من دون عناصر الحضارة وقيمها ومعاييرها ومنجزاتها المعرفية والسياسية. أما الأرياف فما زالت الظروف والشروط الاجتماعية والاقتصادية المتخلفة وسيطرة التيار الديني اللاعقلاني تعيق كل تجديد وتغيير وتقف حاجزاً أمام ممارسة الحرية والتقدم الاجتماعي.
والمفارقة أن فئات تقليدية تتقبل الحرية الاقتصادية وتطالب بالحرية السياسية، ولكنها في الوقت ذاته تناهض التعددية والديموقراطية لأنها تعلم تماماً بأن قضية الحرية والتعددية واحترام حقوق الإنسان هي جوهر الحداثة. وتعلمنا تجارب الشعوب بأن اليابان أو بالأحرى العقل الياباني المتفتح يتقبل الحداثة وأن فصل الدين عن السياسة لا يعني فصله عن المجتمع. وبسبب العقلية المتفتحة التي لم تغلق باب الاجتهاد، كما فعل العرب والمسلمون، تقدمت اليابان في مضمار التحديث والحداثة على رغم حفاظها على عاداتها وتقاليدها وأعرافها القومية إلى حدود بعيدة.
من يقاوم الحداثة ليس الدين أو العقيدة المتسامحة، بقدر ما يقاومها وعاظ السلاطين المتمسكين بقشور الدين وطقوسه التقليدية المتخشبة وما يصاحبها من التقاليد والعادات الاجتماعية المتوارثة المتحكمة في عقلية الثقافات الفرعية كالقبلية والطائفية المنغلقة على نفسها التي تريد الحفاظ على هويتها وخوفها من الذوبان في الآخر، وكذلك من ضرب مصالحها وامتيازاتها. وكذلك السلطات الأبوية الاستبدادية المتحكمة التي لا تريد التنازل عن مواقعها السياسية ومصالحها الاقتصادية ومكانتها الاجتماعية، ولذلك تجدها تختلق التبريرات الواهية لمقاومتها.
والحقيقة لم تشهد المجتمعات العربية تحديثاً شاملاً لجميع البنى الفكرية والاجتماعية والعلمية والتقنية، لا على مستوى النظرية ولا على مستوى الممارسة العملية. وإذا حدث تحديث وتجديد هنا وهناك فلا يصدق إلا على جانب واحد هو العناصر المادية من الحداثة. والحداثة التي هي مادية ومعنوية في آن، وهي نقيض القديم والتقليدي. وهي ليست مذهباً سياسياً أو تربوياً أو نظاماً ثقافياً واجتماعياً أو فلسفياً فحسب، بل هي حركة نهوض وتطوير وإبداع هدفها تغيير أنماط العيش والتفكير والعمل والسلوك، وهي حركة عقلانية مستمرة هدفها تبديل النظرة الجامدة للأشياء والكون والحياة إلى نظرة أكثر تفاؤلاً وحيوية. وإذا دخلت عناصر التحديث بتأثير صدمة الحضارة الغربية والانبهار بالتقدم الفكري والعلمي والتقني، التي أسهمت قليلاً أو كثيراً في تغيير جزئي في مجتمعاتنا وثقافتنا ومؤسساتنا المختلفة، فإننا في الواقع لم نساهم في صنعها ولا في تطويرها.
وإذا كان «التحديث»، الذي اقتحم بنيات المجتمع التقليدية قد مسّ سطح المجتمع وقشرته الخارجية وليس عمقه الداخلي، فإننا لم ندخل عصر الحداثة من أبوابه الأمامية وإنما من أبوابه الخلفية، وهو ما أحدث تناقضاً وتناشزاً اجتماعياً وقيمياً وسلوكياً، أخذنا منجزات الحداثة المادية كالطائرة والسيارة والتلفزيون والموبايل والإنترنت وغيرها من دون قيمها ومعاييرها وأفكارها العلمية والتقنية التي صنعتها. ولذلك ما زالت كثير من أفكارنا وقيمنا مشدودة إلى القرون الوسطى، على رغم أننا نستخدم تكنولوجيا القرن الواحد والعشرين. ومما يؤكد ذلك هو دعوة فئات عدة تريد الاحتفاظ بالقيم والمعايير والتقاليد القديمة وترسيخها، وفي ذات الوقت لا تريد التنازل عن استخدام منجزات الحداثة المادية، مستغلة الأحاديث التي تعتمد على النقل وليس العقل وقوة التقاليد والأعراف والعصبيات القبلية والطائفية والمحلية على رغم عدم انسجامها وتناقضها في أغلب الأحيان مع الحياة الحضرية المعاصرة ومتطلباتها.
إن الدخول في عصر الحداثة أصبح خياراً لا رجعة فيه ومن يتخلف عنه يفوته القطار ويصبح مهمشاً وربما يخرج من التاريخ, لأن رياح التغيير والإصلاح والتحديث ستدخل المجتمعات من أوسع أبوابها، وبخاصة عن طريق وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعية، التي ستغير من نمط الحياة وطرائق التفكير والعمل والسلوك بما ينسجم وروح العصر وتكون بالتالي القدرة على مواجهة التحديات التي تفرضها العولمة وثورة المعلومات والاتصالات الإلكترونية والسيطرة على الوجود وتحويل الإمكانات المتاحة إلى قوة ديناميكية مبدعة تستطيع التحكم بآلياتها المتعددة



#ابراهيم_الحيدري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيكولوجية الإرهاب: التكفير بدل التفكير
- الحداثة والبنى التقليدية في المجتمع العربي
- سوسيولوجيا الإرهاب: هل يولد الإرهابي بالضرورة إرهابياً؟!
- تراجيديا كربلاء-سوسيولوجيا الخطاب الشيعي
- عصر التنوير والحداثة
- الفساد آفة تنخر جسد الدولة والمجتمع
- التسامح فضيلة أخلاقية يجب رعايتها
- النظام الأبوي الذكوري وهيمنته على المجتمع والسلطة
- علينا ان نتعلم من سنغافورة!
- النقد الحواري وما بعد الحداثة
- علماء الاجتماع العرب يحتفلون بمئوية على الوردي
- فصل الدين عن الدولة
- أدورنو وتصنيع الثقافة
- الحداثة والاعتراف بالحرية
- النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت
- علي الوردي.. جمع بين رصانة الفكر وبساطة الأسلوب فأحبه الناس
- أدب ما بعد الحداثة
- على الوردي والتغير الاجتماعي في العراق
- تحديات العولمة وخيار الحداثة
- سؤال النهضة والحداثة 2-2


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ابراهيم الحيدري - الحداثة دخلت من أبوابنا الخلفية