أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد زكريا توفيق - كيف نحارب الفكر العفن؟















المزيد.....

كيف نحارب الفكر العفن؟


محمد زكريا توفيق

الحوار المتمدن-العدد: 4757 - 2015 / 3 / 24 - 20:19
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


هل العصا والنبوت يكفيان لمحاربة التطرف وجماعات التكفير التي تنتشر في بلادنا اليوم؟ بالطبع لا. لأنه لا يكفي نزح الماء قبل أن نقفل الصنبور.

الماء هنا يمثل المتطرفين، والصنبور يمثل الفكر الفاسد العفن، الذي يجعل الإنسان العادي مستعدا لتفجير نفسه وتدمير وطنه وقتل الأبرياء بدون ذنب أو جريرة. كلما قضيت على مجموعة منهم، ساهم الفكر المنحط في خلق مجموعات أحط وأشرس.

دعنا نستدعي نظرية التطور التي لا يؤمن بها مشايخنا العظام، لكي نسمع ماذا تقول. نظرية التطور تقول بأن الكائنات والأفكار والعلوم والنظريات والمخترعات تتطور.

تتطور بمعنى تتغير لكي تلائم الوسط الجديد. من يستطيع أن يلائم الوسط والمناخ والمجتمع الذي يعيش فيه، يستمر وينمو ويتوالد. ومن لا يستطيع، يفنى وينقرض غير مأسوفا عليه.

الغزلان البطيئة تؤكل وينقرض نسلها. السريعة تنجو وتتكاثر وتستمر. الحيوانات المفترسة آكلة اللحوم البطيئة تموت من الجوع وتنقرض. الحيوانات المفترسة السريعة، تصطاد الغزلان السريعة فتعيش لتتكاثر وتستمر.

من أين أتت سرعة الغزال وسرعة النمر؟ ما حدث هو الآتي: الغزلان ازدادت سرعتها جيلا بعد جيل للهرب، والحيوانات المفترسة إزدادت سرعتها جيلا بعد جيل للقنص في نفس الوقت. من تخلف عن السبق في لعبة الحياة أو الموت، فني غير مأسوف عليه.

هناك نوع من السحالي أحمر اللون. السحلية الواحدة بها سم يكفي لقتل عشرات الرجال الأصحاء. ما جدوى السم الزائد عن الحاجة، بينما عشر هذا السم أو أقل تكفي لحماية السحلية من الأعداء؟ السبب هو وجود ثعبان يستطيع أكل هذا النوع من السحالي دون أن يموت.

كلما أكل الثعبان هذا النوع من السحالي، كلما ازدادت كمية السم في الأجيال الجديدة من السحالي لمقاومة الفناء. فتقوم الأجيال الجديدة من الثعبان بزيادة مناعتها لسم السحالي، أيضا للبقاء ومحاربة الفناء. حرب من أجل البقاء. هذا يزيد السم، وذاك يزيد المقاومة.

تعالوا معي نطبق نظرية التطور على الجماعات التكفيرية والإرهابية. هل كانت الجماعات الدينية الإرهابية بهذه الشراسة والانتشار منذ عشرات السنين؟ فماذا حدث إذن؟

ما حدث هو أننا نستخدم الفيلت والـ "دي دي تي" في مقاومة الحشرات. فتأخذ الحشرات مناعة، وتتكاثر وتصبح خارج السيطرة، وتصبح المبيدات الحشرية عديمة الجدوى.

مقاومة الإرهاب بالشرطة والقمع وحدهما، تجعل الإرهاب يتكاثر ويزداد عنفا. هذه معركة خاسرة، النصر فيها للتطرف والفكر الإرهابي بدون شك. هذا ما تقوله نظرية التطور.

اعتقد الناس خطأ أن المبيدات الحشرية الكيميائية ومنها الـ "دي دي تي" والتوكسافين، تحد من تكاثر الحشرات وتؤدي في النهاية إلى إبادتها.

فدأب الفلاحون على رش محاصيلهم بشكل روتيني منتظم، بدلا من الرش عند الحاجة. في نفس الوقت، كان المشتغلون بالصحة العامة يرون في مبيد الـ "دي دي تي" كل الأمل فى السيطرة على الباعوض المسبب للأمراض الفتاكة مثل الملاريا.

الـ "دي دي تي" بالتأكيد قد نجح في الحفاظ على العديد من الأرواح وإنقاذ محاصيل كثيرة في البداية، لكن العلماء وجدوا أن الذبابة المنزلية لم تعد تموت إذا رشت بمبيد الـ "دي دي تي".

كذلك الحال بالنسبة لحشرات أخرى، أصبحت بدورها هي أيضا تقاوم نفس المبيد. في عام 1992، وجد أن ما يقرب من 500 نوع من الحشرات أضحت مقاومة لمادة الـ "دي دي تي"، والأعداد في تزايد مستمر.
عندما تبين للفلاحين أن الرش بالـ "دي دي تي" لا يأتي بالنتيجة المرجوة، كان الجواب هو المزيد من نفس المبيد. عندما كان المزيد من نفس المبيد لا يفيد، لجأ الفلاحون إلى بديل أقوى من المبيدات مثل الملاثيون. وعندما يفشل المبيد الجديد، يبدأون في البحث عن مبيد آخر أكثر فاعلية، وهكذا .
الرغبة فى إبادة الحشرات باستخدام مادة الـ "دي دي تي" أو باستخدام سم مشابه، قد حظيت بفشل هائل. كل عام، يستخدم ما يقرب من 2 مليون طن من المبيدات الحشرية فى الولايات المتحدة وحدها.

لكن النمل قاطع الأوراق، يستخدم طريقة أخرى لمحاربة الآفات التي تصيب مزرعته من عش الغراب. فقد وجد العلماء أن جسم النملة مغطى بطبقة باكتيريا الستربتوماسيس، التي يستخرج منها المضاد الحيوي الستربتومايسين. هذه الباكتيريا تنتج مركبا كيميائيا يقتل الفطر الطفيلي أثناء قيام النمل برعاية المزرعة.

في مقاومتنا للآفات، نعزل مركب كيميائي واحد ونستخدمه في مقاومة الحشرات. لكن الباكتيريا التي يستخدمها النمل هي كائن حي، يستطيع أن يتطور هو الآخر بحيث يبقى فعالا إذا واجه مقاومة من الفطر الطفيلي.

بمعنى آخر، يقوم النمل باستخدام قوانين التطور لمصلحته، بينما نفعل نحن العكس ونحارب نظرية التطور. حتى الآن، لم يستطع الإنسان بعلمه ومبيداته الحشرية أن يقضي على نوع واحد من الحشرات قضاء مبرما.

ما معنى كل هذا؟ معناه أننا لن نستطيع بالقوة وحدها القضاء على التطرف والفكر التكفيري. قد نستطيع اخفاءه من السطح، ولكنه سيظل ينمو ويترعرع تحت الأرض إلى أن تحين الفرصة ثانية لكي يظهر أكثر شراسة وعنفا. القوة وحدها في مقاومة التطرف، هي وصفة أكيدة للفشل والإخفاق.

إذن ما العمل؟ وهل من الممكن إيجاد حل لهذه المعضلة؟ نعم هناك حل. الحل يأتينا من نظرية التطور. وكما أن النمل يستخدم المقاومة البيولوجية، وليست الكيميائية، في مقاومة الباكتيريا الضارة.

نحن أيضا يجب أن نستخدم الفكر في مقاومة الفكر التكفيري. بدون ذلك، لا أعتقد أنه يوجد حل آخر. لقد حاولت أميركا بمساندة دول الغرب، استخدام القوة المفرطة وحدها في أفغانستان والعراق. لكن النتائج كانت كارثية.

عندما أراد محمد علي باشا النهوض بمصر، أرسل البعثات إلى أوروبا. فقام أعضاء هذه البعثات، ومنهم الأزهري رفاعة الطهطاوي، بقلب المجتمع المصري رأسا على عقب.

هذه البعثات، لم تكن تبغي شهادات علمية أو ثروة، وإنما كانت متعطشة للمعرفة والحضارة. عادت لتحول مصر من ولاية عثمانية تعيش في غيابات العصور المظلمة، إلى دولة حديثة سبقت دولا أوروبية كثيرة. هذا هو تأثير الفكر المستنير على الشعوب.

ماذا نفعل لمحاربة هذا الفكر الظلامي الكارثي الإجرامي؟ وكيف نحاربه؟ المثل يقول لا يفل الحديد إلا الحديد. وأيضا، لا يفل الفكر العفن إلا الفكر المستنير.

• هذا ما يجب أن نفعله، ولا مندوحة عن ذلك:

تنقية كتب التراث، المتاحة للعامة والطلبة، من الخرافات والإجرام والخزعبلات والأساطير والإسرائيليات التي تطفح بها. الأصول توضع في المتاحف والجامعات، ويقتصر الاطلاع عليها على الدارسين دراسات عليا والمتخصصين فقط. الثعبان الأقرع، يجب أن يختفي من كتبنا قبل أن تختفي داعش من حياتنا.

إعادة كتابة السيرة النبوية والتاريخ الاسلامي على حقيقته بصدق وأمانة، وإعادة شرحهما وشرح المسكوت عنه فيهما، حتى لا نسمم أفكار الناس ونحولهم إلى عبدة أصنام من نوع جديد.

وحتى لا يتأثر صغار السن وأنصاف المتعلمين بأحداث التاريخ المزور بدون فهم، ويتخذونه كمبرر لأعمال العنف والقتل والخروج على القانون. الصحابة لم يكونوا أبدا ملائكة، والتاريخ الإسلامي لم يكن كله نور وفخار.

يجب تدريس أعمال أرسطو والمسرح الإغريقي وقصص أيسوب في مدارسنا للطلبة، حتى نعودهم منذ نعومة أظافرهم على التفكير العقلاني والحياة الراقية واحترام الإنسان والطبيعة والفنون والآداب.

وأن نزرع فيهم حب الوطن والشجاعة والصدق والقيم النبيلة الإنسانية. الأخلاقيات المبنية على الفهم والعقل، أكثر ثباتا واستقرارا وعدلا، من الأخلاقيات المبنية على الثواب والعقاب والمصالح والأغراض، والتي تجيز الكذب والنفاق والرياء والقتل والذبح والنهب لنصرة العقيدة والرب المعبود.

يجب تدريس فكر الأنوار، فولتير، جان جاك روسو، منتيسكو، كوندورسيه، تومس بين، إلخ. للطلبة حتى نربيهم على الانتماء وحب الحياة والحرية والمساواة واستقلال الفكر وحرية الرأي والديموقراطية والتقشف والعمل الجماعي والإيثار.

يجب تدريس الموسيقى الكلاسيكية الغربية إلى جانب الموسيقى العربية الأصيلة، ومسرح شكسبير وروائع الأدب العالمي للطلبة منذ نعومة أظافرهم، حتى ينمو شعورهم ويرقى احساسهم وتهدأ انفعالاتهم وتسمو نفوسهم. الموسيقى خير علاج لنزعة الإجرام في النفوس المريضة.

يجب أن لا نغفل دور الأحزاب ووزارة التربية والتعليم والمساجد في محاربة الفكر التكفيري المظلم، وتبيان مثالبه وخطره على المجتمعات. كما يجب تطهير كل الوزارات والمؤسسات والمدارس والجامعات من هذا الفكر الظلامي التكفيري الإرهابي. بجد موش بهزار.

الغاء كل الأحزاب الدينية بدون استثناء وفقا لما نص عليه الدستور. هذا هو المنطق والعدل. هذه أمور لا تصلح معها الحلول الوسط والمهادنة. الدين بكل بساطة، لا يجب أن يستخدم كسلاح في أيدي القتلة وعتاة الإجرام والنفوس المريضة، للقتل والسبي والإنتقام.

ولفرض تميز فئة، باللحية والجلباب والنقاب واللباس المخصوص، عن باقي فئات المجتمع. الدين علاقة روحانية وأسلوب حياة بينك وبين الخالق. بمحض اختيارك، أنت مسؤل عنها وحدك.

حزب النور وباقي السلفيين، لا يقلون إجراما وتوحشا، عن بتوع داعش وأخواتها. إذا وصلوا للسلطة، فسوف يهدمون الهرم وأبي الهول وآثارنا وكل شئ جميل في حياتنا، ويغلقون كل دور السينما والمسارح والأوبرا.

ناهيك عما يفعلونه بالمرأة والمسيحيين. إذا كنتم في شك، راجعوا تصريحات كبيرهم، مولانا عبد المنعم الشحات، أو مشايخ السلفية.

يجب إلغاء المدارس الدينية ومدارس الأزهر وجامعة الأزهر، وتحويلها إلى مدارس مدنية وجامعة مدنية، يدرس فيها الدين في أقسام كليات الآداب بجانب الفلسفة والأديان المقارنة. الدين لا يجب أن يدرس في المدارس الحكومية، وعلى أيدي الإخوان وبتوع داعش.

هذه خطوات يجب أن تتخذ إلى جانب الحل الأمني. الحل الأمني وحده لا يكفي. خطره أشد من فائدته. الحل الأمني وحده، يجعل التطرف أكثر شراسة. هذا ما تقوله نظرية التطور لداروين. وهذا ما يقوله العلم والعقل.



#محمد_زكريا_توفيق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من أساطير الإغريق: أورفيوس ويوريديسي
- من أساطير الإغريق: فايتون وعربة الشمس
- من أساطير الإغريق: صندوق باندورا
- من أساطير الإغريق: بروميثيوس
- آلهة الأوليمب: زواج أفروديت
- آلهة الأوليمب: هيرميس
- آلهة الأوليمب: غراميات أبولو
- آلهة الأوليمب: أبولو
- آلهة الأوليمب: أرتميس (ديانا)
- آلهة الأوليمب: ديميتير واختطاف بيرسيفون
- آلهة الأوليمب: هاديس (بلوتو)
- ذبح 21 برئ في القرن 21
- آلهة الأوليمب: بوسيدون
- آلهة الأوليمب: أثينا (منيرفا)
- آلهة الأوليمب: هيرا، أثينا
- آلهة الأوليمب
- قصص وحكايات من الأساطير القديمة - زيوس
- قصص وحكايات من زمن جميل فات - أناس عرفتهم
- فكر الأنوار الفرنسي
- عالم الخرافات


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد زكريا توفيق - كيف نحارب الفكر العفن؟