أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي (79)














المزيد.....

منزلنا الريفي (79)


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 4755 - 2015 / 3 / 22 - 15:03
المحور: الادب والفن
    


بمناسبة عيد الأم، أهدي هذه القصة إلى الوالدة المكافحة، وكل أسرتي وخاصة أخي بناصر

يوم الكسوف
كان صيفا، وكنا صغارا، وكنا في العزيب*، ولم يهدأ للوالدة بال، كانت ملاكا يرف من حولنا لكي يحمينا من تلك الرابضة في السماء، والتي حلقت فوق كوخنا كعقاب(ضم العين) جاثم على كتاكيت لا حول لها ولا قوة، الشمس التي كنا نتضرع إليها بعد أن نقذف أنفسنا في بحيرات الوادي من أجل جرعة حرارة، ها نحن نفر منها خشية أن تلسع عيوننا، ونهيم في ظلمة أبدية.
في ذلك المساء، سمعنا في مذياعنا المهترئ أن كسوفا سيعم البلاد، أخبرت الوالدة وطيلة الليل لم تنم، وفي غضون الفجر أشعلت الشمعة وراحت ترتق الكوخ خوفا من تسرب أشعة الشمس، وبينما نحن نمضي راحلين في الكون، وقبل أن تنبثق الشمس انتزعت من فوقنا الملحفات وغطت الكوخ، وما تبقى منها غطت بها البهائم في الحظيرة، لم نخرج في ذلك اليوم إلى المرعى، ولا ذهبنا إلى الوادي من أجل الاستحمام، ولا تعقبنا الراعيات لممارسة التحرش بهن. بدت الشمس مخيفة، ورحنا ننصت لنصائح الوالدة التي تقرفصت قرب الباب، وطلبت منا النوم إلى حين أن يزول هذا العقاب(كسر العين) الإلهي، كل إخوتي لم يسبق لهم أن سمعوا بالكسوف، حتى أنا سمعت به لأول مرة، الوالد الذي خرق الخوف من الكسوف، وذهب إلى السوق اعتبر أن العلماء يشركون بالله ! كيف يحق لهم أن يعرفوا أنه في اليوم الفلاني ستكسف الشمس ومن نظر إليها يصاب بالعمى ؟؟؟!! هذا تدخل في شؤون الله ! فالله وحده يعرف مصير الإنسان والعالم !! هكذا خرج الوالد من الكوخ، وهو ينظر إلى الشمس متحديا المعرفة العلمية ! ويقول لنا : (إذا كنت سأصاب بالعمى، فذلك مكتوب في اللوح المحفوظ، الله هو الذي يمرض و يشفي !)، في زوال ذلك اليوم، سمعنا في المذياع أن كسوف الشمس لم يدم سوى دقائق، واللحظة التي خرج فيها الوالد كان الكسوف قد ولى، آه أيها الوالد المسكين لو نظرت إلى الشمس في تلك الدقائق لندمت حياتك كلها حتى لو توسلت إلى الله بكل الصلوات والزكاة والصيام !! لأنه منحك عقلا ولم تفكر به !
رغم ما سمعناه في نشرة الأخبار، ظلت الوالدة تحرسنا، لعبت أنا وأخي الكارطة، بينما أختي قلت البطاطس والباذنجان والفلفل، أقبلنا عليها بكل تلهف، والوالدة أبت الأكل، وراحت تفكر في البهائم التي بقيت طيلة النهار دون أكل. مضت لحظات، وراح أخي يفتح ثغرة وراء الكوخ، فتسلل نور، وعانقت إيانا ريح قادمة من البحر، بينما الملحفات هامت مرمية فوق الحصيدات، أراد أخي أن يخرج، فأبت أمي وقالت له : (لا تخرج !)، تجاهل أخي كلامها، وانفلق من وسط الظلمة، وتبعته وهمنا بين الحصيدات، وعانقنا أرض التيرس كأننا ولدنا من جديد، في حين تشظى صوت خلفنا وعانقه السراب، كان الوقت عصرا، وبعد أن قطعنا عدة كيلومترات جريا، ها نحن على مشارف الوادي، وفي البعيد لاحت أمي على مشارف الكوخ تبحث عن ملحفات جرفتها الرياح، بينما لاحت فتاة صغيرة تطلق سراح القطيع الذي صار يعانق المرعى .
طفنا الوادي، وقذفنا أنفسنا في البحيرات، وتسلقنا الأشجار، وتحررنا كحمير تخلصت من القيود في عز الربيع، وبينما نجري ونجري حتى وجدنا أنفسنا قرب القطيع، فراح يمضي في المرعى، ونحن نتعقبه كطيور النغاف، فهمنا في الغروب، ولاح ضوء الكوخ في البعيد .
----------
* كنا قد شرحنا هذا المصطلح في الأجزاء الأولى من هذا المشروع القصصي .

عبد الله عنتار / 20 مارس 2015/ بني ملال – المغرب



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منزلنا الريفي (78)
- منزلنا الريفي (77)
- في انتظار بزوغ الشمس
- تغازوت
- وداعا صغيرتي
- منزلنا الريفي (76)
- جنون الثمالة
- السراب التائه
- منزلنا الريفي (75)
- منزلنا الريفي (74)
- منزلنا الريفي (73)
- منزلنا الريفي (72)
- فلتعودي من حيث أتيت
- منزلنا الريفي (71)
- منزلنا الريفي (70)
- الرماد 2
- منزلنا الريفي (69)
- كنت الوحيدة
- حلم النهضة
- شرارة كلمات


المزيد.....




- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي (79)