|
المرأة الفلسطينية – بين الأمومة و السياسة.
نضال الربضي
الحوار المتمدن-العدد: 4755 - 2015 / 3 / 22 - 15:02
المحور:
حقوق الانسان
المرأة الفلسطينية – بين الأمومة و السياسة.
يوجد تواصل ٌ خفي ٌّ بين السياسة و الحياة الفردية للأشخاص، و أسمية "خفيا ً" لأن الفرد لا يرى أثر السياسة في حياته اليومية إلا إذا ذكره به حدث ٌ يجتمع عليه الأفراد بين يدي إعلان ٍ سياسي أو خطاب ٍ للقائد، بينما يمضي دون ذلك َ كلٌّ في حياته كأنه منفصل ٌ عن هذا المجتمع و تلك الدولة، لا يتصل بهما إلا تحقيقا ً لحاجات الطعام و الشراب و الملبس و المسكن و الدواء و العمل و الترفيه، و كلها ذوات أقنعة تخفي اليد السياسية التي تديرها و تؤثر عليها.
مر عيد ُ الأمِّ هذه السنة كغيره من السنين، لا جديد، ذات ُ الإعلانات، ذات ُ التسابقات التسويقية من أجل إرضاء ست الحبايب ظاهرا ً، و تكويم ثراء التجار و الشركات خفاء ً، لكنه حمل هذه السنة الإعلان الذي كتمته السياسة ُ منذ عقود عن أمهات فلسطين، و أعني به تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه لن تقوم دولة فلسطينية طالما انتخبه الشعب الإسرائيلي، و قد تم له ذلك.
لا يحتاج الأمر إلى ذكاء ٍ شديد أو عبقرية ٍ من نوع ٍ خاص للتوصل إلى ما قاله نتنياهو، فأيُّ مفاوضات ٍ تستمرُ ربع قرن ٍ من أجل أمور ٍ محددة و معروفة يمكن حلُّها بوضع خطة ِ عمل على مراحل لو توفرت النية الحقيقية للحل!؟ هذه المفاوضات التي أصبحت أدنى من أن تُوصف بالعبثية خرجت من العبث ِ نحو المرارة ِ الممزوجة ِ بالسخرية اللتين تضربان ِ قاع َ اليأس و تخترقان ِ حاجز ِ الظلم ِ و الألم لتصلا إلى أبشع ِ سلب ٍ للإنسان ِ و تجريده من أبسط حقوقه في وطن ٍ يعطيه هوية ً وجودية.
إن وقع إعلان نتنياهو يهبط ُ على الأم ِّ الفلسطينية ِ هذا العام بثقل ٍ شديد، فهو يعني أن أعداد الأسرى و الجرحى و القتلى و الممنوعين من العمل و السفر و المشوهين نفسيا ً من صغار ِ الأجيال الفلسطينية سوف يزداد.
إنه يعني بوضوح ٍ شديد أن مأساة الطفل و الولد و البنت و البالغ من أجيال الفلسطينين سوف تستمر، و أن الأم الفلسطينية سوف تدفع ُ من قلبها و إحساسها و جسدها و حياتها ضريبة احتمال هذا الألم الذي تعيشه مع أبنائها، و أنها ستبقى محرومة ً من أن تشاهد ابنها و ابنتها يعيشان "متل باقي الناس" بكرامة و سعادة و فرح.
إنه يعني أن على الأم الفلسطينية أن تبقى في العذاب، تنظر إلى المستقبل فلا ترى إلا ضبابا ً يخفي المصير و لا يُظهر ُ من معالم ِ الطريق إلا ما يزيد الألم و يستديم الحسرة، و يدفع القلب المتعب نحو مزيد من الخفقان و الصدر َ نحو مزيد ٍ من الجيشان و العيون َ إلى دمع ٍ قد نضب َ أو كاد.
هذه تحتضن ُ شهيداً، و تلك َ تسهر ُ على سرير مريض، و ثالثة ٌ لا تريد ُ سوى أن يكمل ابنها دراسته الجامعية، و رابعة ٌ أبناؤها أسرى، و خامسة ُ تلد على حاجز، و سادسة ٌ زوجها في المعتقل، و سابعة ٌ تصرخ ُ أمام كاميرات التلفزيون أمام أرضها المصادرة، و ثامنة ٌ و تاسعة ٌ و عاشرة ٌ حتى المليون.
بعيدا ً عن العاطفة، فلنتأمل سويا ً:
- حكومة ٌ إسرائيلية ٌ متطرفة لم ترد يوما ً سلاما ً و تعلن بكل وقاحة عن موت المفاوضات. - فصائل ٌ فلسطينية ٌ متنازعة لا يوجد لديها أي برنامج عمل سوى استدامة النزاع بينها. - دول عربية متفرقة لم تكن يوما ً قد اتحدت و لن يحدث، فلا يجمعها سوى اللغة و الدين، و هذان لا يصنعان وحدة. - دعم عالمي لدولة إسرائيل و تعهد دولي بضمان حمياتها و وجودها. - شعب ٌ عربي في الداخل الإسرائيلي يعامل كمواطنين من الدرجة الثانية. - شعب ٌ عربي في مناطق السلطة و قطاع غزة يعيش في كانتونات يشرف عليها السيد الإسرائيلي.
و يحمل ُ ثقل َ كل هذا الأم الفلسطينية، تلك التي تربي فُيختطف من يديها من تربيه، ليموت أو يُسجن أو يصبح ذا عاهة ٍ أو أقله ليقبل َ بالقليل القليل في وطن ٍ لم يعد يملكه، و المحظوظ ُ منهم من هاجر َ إلى بلد ٍ آخر حتى "يعيش متل باقي الناس"، و ترك َ كل الألم ِ وراءه.
ليس لدي حلول لأقدمها، فالموضوع أصبح َ فرض َ واقع ٍ لا يقبل ُ التنظير!
كثيرون يُنظرِّون، و سيظلون، و كثيرون يتحدثون عن المقاومة، و مثلُهم عن المفاوضات، و مثلهم عن مسار ٍ يجمع المقاومة َ و التفاوض، بينما تمضي إسرائيل لتصادر الأراضي و تبني المستوطنات، و تبني دولتها على المزيد من دماء الشعب الفلسطيني يوما ً بعد يوم.
كتبت ُ هذا المقال لأنني شاهدت ُ صورا ً البارحة لأمهات ٍ فلسطينيات يحتضن َّ جثامين أولادهن، بينما نطبع ُ نحن القبل على وجنات ِ أمهاتنا و نقدم لهن َّ الهدايا.
لست ُ متشائما ً أبدا ً، و أعتقد ُ أنه يجب علينا أن نستمر َّ في الفرح ِ و الاحتفال و السعادة و تقدير أمهاتنا يوم عيد الأم و كل َّ يوم ٍ آخر، كما أعتقد ُ أننا يجبُ بينما نفعل ُ ذلك َ أن نذكر َ أؤلئك َ اللواتي لا هدايا لهن َّ سوى جثامين الأبناء، أو ذكريات البناتِ في المعتقلات يقضين السنين في الزنازين ،أو مظاهر ِ الحسرة ِ و الألم، في أرض ٍ عاصمتها اسمُها "مدينة السلام"، يذكر ُ التاريخ ُ أنها لم تعرف يوما ً أي سلام.
هذا المقال ليس سياسيا ً أبدا ً فهو لا يتضمن حقائق تحت هيئة ِ إحصاءات، و لا يقدِّمُ نفسه بصياغة جدِّية ٍ رصينة ٍ تليق بالجمل التقريرية لأرباب ِ السياسة ِ و محلليها، لأنه مقال "إنساني" من قلبٍ إلى قلوب، يقصدُ أن ينفذَ إلى عقولكم ليستنهض َ صورا ً قد غابت او غُيـِّبت، بقوة الصلة الخفية التي كانت أولَّ جملة ٍ في هذا المقال، و آخر جملة، و كأنني أريد أن أقول: أن السياسةَ حينما تعلو على الإنسان، تغيبُ الأم، و يغيبُ معها الإنسان، لأترككم بين يدي تلك الصور مُعتذرا ً عن قسوة ِ هذا الاستدعاء.
#نضال_الربضي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بوح في جدليات - 9 - ديك أسكليبيوس.
-
عشتار - 4 – انبثاقُ الحياة.
-
عمَّا بين النقد المُنفلت و نجاعة التأثير - 2
-
الفيلا في وسط الغابة –الياكيم، باراك، أوباما و التاريخ.
-
في نجوى معاذ
-
عمَّا بين النقد المُنفلت و نجاعة التأثير.
-
قراءة في القداسة - 3 - عن المقدس و الطاهر و العلاقة بينهما.
-
ذات َ كأس ِ قهوة - 2
-
قراءة في القداسة - 2 - عن المقدس و الطاهر و العلاقة بينهما.
-
قراءة مغايرة في إرهاب شارلي إبدو.
-
قراءة في القداسة – عن المقدس و الطاهر و العلاقة بينهما.
-
ذات َ كأس ِ قهوة
-
قراءة في الوجود – 3 – عن الموت.
-
قراءة في الوجود – 2 – عن الحياة.
-
عشية الميلاد – نحتفل ُ في أرضنا.
-
قراءة في الوجود – عن الوعي.
-
قراءة في الشر -8 - كمصدر للمعنى ضد استحقاقات الوجود العبثي
-
بوح في جدليات – 8 – نباتيون، متعصبونَ، وحشيونَ و متحضرون.
-
سقوط كوباني الوشيك.
-
بيريفان ساسون
المزيد.....
-
أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين
...
-
التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ
...
-
العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما
...
-
قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة
-
زاهر جبارين عضو المكتب السياسى لحماس ومسئول الضفة وملف الأسر
...
-
حماس: لا نريد الاحتفاظ بما لدينا من الأسرى الإسرائيليين
-
أمير عبد اللهيان: لتكف واشنطن عن دعم جرائم الحرب التي يرتكبه
...
-
حماس: الضغوط الأميركية لإطلاق سراح الأسرى لا قيمة لها
-
الاحتلال يعقد اجتماعا لمواجهة احتمال صدور مذكرات اعتقال لعدد
...
-
مسؤول أمريكي: قرار وقف النار وتبادل الأسرى بيد السنوار.. وقد
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|