أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميشيل حنا الحاج - القاعدة: ولادة طبيعية أم قيصرية















المزيد.....


القاعدة: ولادة طبيعية أم قيصرية


ميشيل حنا الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 4753 - 2015 / 3 / 19 - 17:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ملاحظة: هذا ليس مقالا ، بل فصل آخر من فصول كتابي القادم بعنوان "حرب لتصفية داعش، أم حرب لتفكيك القاعدة" الذي سيصدر في شهر نيسان من هذا العام. وهو الفصل التمهيدي وسيتصدر صفحاته بعنوان "فصل تمهيدي"

==================

مخطىء من يظن أن القاعدة قد ولدت بعد هزيمة القوات السوفياتية ومغادرتها لأفغانستان في نهايات عام 1989. فالقاعدة قد ولدت في عام 1988 عندما كانت القوات السوفياتية لم تزل متواجدة على الأراضي الأفغانية، وما زالت تسعى للتغلب على الجهاديين الذين يقاتلونهم.

الولادة الأولى
وكانت الولادة الأولى عندما عقد في 11 آب 1988 اجتماع في مدينة بيشاور الباكستانية ضم كل من أسامة بن لادن ، أيمن الظواهري، والدكتور جهاد فضل ، اتفق خلاله على تأسيس ذلك التنظيم الذي تميز بوجود ثلاثة عناصر فيه، أولها المال السعودي الذي مثله أسامة بن لادن المنحدر من أسرة سعودية ثرية، وثانيها الخبرة العسكرية التي مثلها أيمن الظواهري الذي كان يقود تشكيلا عسكريا مصريا عرف باسم "الجهاد"، ويعتنق رئيسه ( أي الظواهري) فلسفة استخدام الأعمال الانتحارية كوسيلة لتحقيق الهدف، وثالثها فكر فلسفي جهادي سياسي مثله الدكتور جهاد فضل الذي كان ايضا، كما ذكر البعض، يقود مجموعة عسكرية باسم عبد الله عزام. وكان الدكتور فضل أحد الناشطين في جماعة الاخوان المسلمين، لكنه انشق عنهم، ومثله الظواهري الذي كانت جذوره ايضا في جماعة الاخوان المسلمين المصرية. وكان لفكر الدكتور جهاد فضل تأثير كبير على تفكير أسامة بن لادن، شاركه فيه فكر "سيد قطب" المرشد السابق للاخوان، وصاحب التيار القطبي ذو التأثير الكبير في فكر العديد من المنتمين للحركات الجهادية والتكفيرية.

واذا كانت تلك هي الرواية الأولى عن ولادة تنظيم القاعدة، وهي الرواية التي كتبها Andrew Wander في 13 تموز 2008 بمعلومات من صحيفة الجارديان، فان هناك رواية أخرى تضمنت المعلومات الشائعة عن تاريخ تشكيل القاعدة ونشرت في "بروكينز" ، كما نشرتها Frontline أيضا، ومفادها بأن تشكيل تنظيم القاعدة قد تم بعد رحيل القوات السوفياتية في عام 1989 ، وقد أعلن عن تشكيلها في اجتماع عقد في بيشاور وضم كلا من أسامة بن لادن، محمد عاطف ، أبو حافظ المصري، أبو عبيدة الحيري. ولم يرد ذكر لوجود ايمن الظواهري أو الدكتور جهاد فضل مع أن الحقائق ترجح وجود دور هام لهما. كما لم يتم ايضاح دور هؤلاء الذين شاركوا بن لادن في تشكيل التنظيم، لكن المرجح أنهم كانوا من قيادات المجاهدين الذين حاربوا القوات السوفياتية على مدى عشر سنوات. ومع لك لا بد من التمويه أنه لم يرد ذكر لهؤلاء فيما بعد ، في وقت تردد فيه كثيرا ذكر أيمن الظواهري، وأحيانا الدكتور فضل.

ومهما كانت كيفية وتاريخ تشكيل تنظيم القاعدة، فان نشاطها في مرحلة الولادة الأولى وحتى مرحلة ولادتها الثانية في عام 1996، اقتصر على ثلاث عمليات اضافة الى اصدار بيان هام أثر على تواجدها في أفغانستان وباكستان ، واضطرها لنقل القيادة منهما الى السودان.

وكانت العمليات العسكرية الثلاث هي:
1) قنبلة وضعت في فندق Gold Mihur في عدن أدت لمقتل شخصين ، وذلك في 29 كانون أول 1992..
2) الهجوم الثاني في 26 شياط 1993. وكان الهدف فيه "مركز التجارة الدولي" في نيويورك الذي تم تدميره لاحقا في الحادي عشر من أيلول 2001. وعكس ذاك الهجوم المبكر للقاعدة ، والذي نفذه رمزي يوسف، نوعية تطلعاتهم لعملياتهم المستقبلية. وكانت نتيجة ذاك الهحوم مقتل ستة أشخاص وجرح آخرين نتيجة تفجير قنبلة زنتها 500 كيلوغرام.
3 ) هجوم ثالث نفذوه في الرابع من تشرين أول 1993 ، قتل فيه ثمانية عشر جنديا أميركيا في الصومال ، وذلك عندما اسقطت في مدينة Black Hawk Down طائرة هليكوبتر كانت تقل الجنود. ويعتقد أن أعضاء في القاعدة قد ساعدوا المقاتلين الصوماليين على اسقاطها.

وفي عام 1994 أنهى الدكتور جهاد فضل وضع دراسته عن الجهاد المقدس وسلمها للدكتور أيمن الظواهري الذي قام باجراء تعديلات عليها مما أغضب الدكتور فضل ودفعه لاعلان استقالته من القاعدة ورفضه للعمل الارهابي.

أما البيان الذي أثر على امكانية بقاء قيادة القاعدة في كل من افغانستان وباكستان، فقد كان بيان شديد اللهجة أصدره بن لادن في السابع من شهر آب 1990 اثر نزول القوات الأميركية على الأراضي السعودية كبداية لحشد القوات التي ستهاجم الكويت بغية تحريرها من الغزو العراقي لها في الثاني من آب 1990. وكان التفسير السعودي للسماح لتلك القوات على أراضي المملكة، خلافا لفتاوي دينية سابقة بعدم جواز السماح لقوات أجنبية بالتواجد على أراضي المملكة، هو حماية المملكة من احتمال غزو عراقي لها..

وكان بن لادن المنتمي لأسرة سعودية عريقة، على علاقة وثيقة بالسعودية خلال مرحلة القتال ضد القوات السوفياتية، وكان بالتالي كثير التردد على القصر الملكي ليشكر الملك السعودي على الدعم المالي الذي تقدمه السعودية للمجاهدبن الذين يقاتلون السوفيات في أفغانستان. وكان من بين من التقى بهم وتلقى تبرعات مالية منهم، كلا من الأمير تركي الفيصل، والأمير بندر بن سلطان.

وكان البيان الذي أصدره بن لادن شديد اللهجة ، حيث أعلن فيه أن السعودية ليست بحاجة لقوات أجنبية لتحميها من غزو عراقي، وأنه هو ومجموعته من المجاهدين كانوا قادرين على حمايتها. وقد اتبع ذلك البيان بتصريحات أخرى عديدة تعرضت للملك السعودي وللأسرة المالكة، مما ولد مخاوفا لديه باحتمال تعرضه لضربة عسكرية سعودية أو عملية اغتيال، أثناء تواجده في باكستان وأفغانستان. ومن ثم قرر الانتقال بكامل قيادته الى السودان التي بقي فيها حتى عام 1996، عندما عاد الى افغانستان بعد سيطرة مقاتلي طالبان بقيادة صديقه "الملا محمد عمر"، على مجريات الأمور في أفغانستان.

الولادة الثانية للقاعدة

شكلت عودة اسامة بن لادن الى افغانستان، الولادة الثانية والحقيقية للقاعدة، حيث حقق خلالها تنظيم القاعدة متمتعا بحماية طالبان، عملياته الكبرى خلافا للمرحلة الأولى التي لم ينجز خلالها وعلى مدى ست سنوات، الا ثلاث عمليات بسيطة قياسا بما تبعها في مرحلة الولادة الثانية، من عمليات كبرى اقلقت مضاجع الأميركيين.

وفسر السيد "أيمن دين"، العضو السابق في تنظيم القاعدة، في لقاء معه أجرته ال "بي بي سي عربي" ضمن برنامج "عن قرب" ، سبب الركود في تلك المرحلة، بكون أفغانستان كانت تعاني عندئذ من الفوضى وعدم الاستقرار والحرب الأهلية بين الفرق المتصارعة، حيث تعاقبت عليها عدة حكومات، ووقعت صراعات كبرى بين تيارات مختلفة افرزتها الحركات الجهادية المتنوعة التي قاتلت السوفيات في افغانستان.

فكان يتصارع على موقع القيادة ، عدد من الزعماء الذين قاتلوا ضد السوفيات. فكان هناك "أحمد شاه مسعود" أحد القيادات البارزة من شمال أفغانستان ، الذي قلب في عام 1992 حكومة "محمد نجيب الله" المنتخبة من الشعب بانتخابات عامة أجريت بعد رحيل السوفيات. وبعد ذلك تسلم رئاسة الجمهورية "برهان الدين رباني" الذي كان يقود سبعة مجموعات من الجهاديين.

وقد تم اعدام "محمد نجيب الله" في عام 1996 اثر تولي طالبان السلطة. وكان "نجيب الله" قد لجأ بعد سيطرة المجاهدين على "كابول" الى موقع للأمم المتحدة متواجد في كابول. لكن قوات طالبان لدى سيطرتها على كابول، اقتحمت الموقع ذو الحصانة الدبلوماسية الدولية ، واعتقلت "نحيب الله" ثم علقته على أقرب شجرة هناك، ثم سحلوا جثماته في شوارع العاصمة الأفغانية.

وقبل وصول طالبان الى سدة الحكم ، كان قد تولى زمام الأمور في كابول "قلب الدين حكمتيار" الذي قلب حكومة "رباني" وسيطر تماما على كابول الى أن تسلمتها "طالبان" في عام 1996. ووصف البعض حكمتيار بأنه كان وثيق الصلة بالحكومة الايرانية، في وقت كان فيه (كماورد في الويكيبيديا) الرجل المحبب لدى ال "سي آي آيه". واستطاع "حكمتيار" الصمود طويلا ، لكونه قد نصب مدافعه على رؤوس قمم الجبال المحيطة بالعاصمة كابول، وكان يهدد بتدمير المدينة لو حاول البعض قلب حكومته.

لكن حركة "طالبان" التي ظهرت على الساحة السياسية والعسكرية منذ عام 1994، وضمت مقاتلين من قبائل "البشتون" الأفغانية والباكستانية، استطاعت أخيرا في عام 1996 اجتياح كابول والسيطرة على مقاليد الأمور بعد صراع دام طويلا. وكانت في مرحلة سابقة قد سيطرت على "قندهار" وجعلتها مركزا مؤقتا لقيادتها. وهنا بات "الملا محمد عمر" الذي له صفة دينية (ولذا يلقب بالملا وهو لقب ديني) اضافة الى صفته العسكرية كقائد حركة طالبان ، وصفته السياسية كصديق حميم لأسامة بن لادن قائد تنظيم القاعدة، هو سيد الموقف في أفغانستان ، مما أتاح الفرصة لتنظيم القاعدة بقيادة بن لادن من التحرك بحرية تامة.

ونفذت العملية الكبرى الأولى في السابع عشر من تشرين ثاني1997 ، عندما هاجم مقاتلون من تنظيم الجهاد الذي يقوده أيمن الظواهري ، مجموعة من السائحين في الأقصر (مصر) فقتلوا 62 منهم.

وفي شهر شباط 1998 أصدر بن لادن فتواه الشهيرة التي تعتبر كل الأميركيين أهدافا مشروعة لتنظيم القاعدة. وتنفيذا لذلك، فجرت السفارتان الأميركيتان في كل من نيروبي وتانزانيا ، مما أدى لمقتل 223 كانوا متواجدين في السفارتين أو قربهما، مع جرح أكثر من 400 انسان آخر معظمهم لم يكونوا من الأميركيين. وردت الولايات المتحدة فورا بقصف مواقع القاعدة في كل من أفغانستان والسودان.

وفي أوكتوبر (تشرين اول) عام 2000 ، تم في خليج عدن تفجير سفينة أميركية اسمها "كول" باصطدام زورق بها محملا بكمية كبيرة من المتفجرات.

وفي شهر حزيران (يونيو) 2001 ، تم اندماج تنظيم "الجهاد" التابع للظواهري ، بتنظيم القاعدة التابع لأسامة بن لادن. وهنا دخلت القاعدة مرحلة الولادة الثاثة التي هيأت للعملية الأكبر في التاريخ ، وهي التفجيرات الكبرى في نيويورك وواشنطن والتي اتسمت بالطابع الانتحاري الذي تميز به فكر أيمن الظواهري. ولكن الحكومة الأميركية وصفت "خالد الشيخ محمد" المتواجد في المتطق الحدودية بين باكستان وأفغانستان بكونه العقل المدبر لتلك العملية، وطالب-ت الرئيس الباكستاني "برويز مشرف" باعتقاله وتسليمه لهم.

والملاحظ أن معظم المشاركين في هذه العملية وعددهم 19 مشاركا، قد قضوا نحبهم أثناء التنفيذ، ولم ينج من الموت الا عدد قليل جدا يعد على أصابع اليد. وكان دور أولئك لوجستي اداري مسهل لعمل المجموعة الانتحارية، كتأمين السيارات، ووسائل الاتصال، ووصول الأموال للمشاركينالعليينبالعملية، وتأمين السكن للمشاركين الانتحاريين. من أبرز أولئك "زكريا موسوي" الذي يقضي الأن حكما بالسجن المؤبد في أحد السجون الأميركية. وسوف يرد ذكره بمزيد من التفصيل في فصل لاحق.

الولادة الثالثة للقاعدة

اذا كانت الولادة الثانية للقاعدة قد تحققت بعودة بن لادن الى أفغانستان قادما من السودان، وبتحقيق التحالف العضوي بين طالبان والقاعدة ، اذ توفرت عندئذ القاعدة الآمنة لتنظيم القاعدة، فان الاندماج الذي تحقق بين القاعدة وتنظيم الجهاد بقيادة الظواهري، قد شكل الولادة الثالثة أو المرحلة الثالثة في حياة القاعدة. ولم يكن هذا التطور قد حصل نتيجة اندماج فصيلين جهاديين تكفيريين، بل نتيجة بسط الفلسفة "الظواهرية" التي اعتدت بفكر العمليات الانتحارية كوسيلة لمحاربة الكفار غير المؤمنين (كالأميركيين والصليبيين مثلا) الذين طالما أفتى "بن لادن" باستباحة دمهم، باعتبارهم أعداء للمسلمين وللاسلام. وهذا التطور النوعي في فكر القاعدة، هو الذي تميزت به العمليات العسكرية اللاحقة وأبرزها عملية تفجير الأبراح في نيويورك والهحوم على مبنى البنتاغون الواقع في ضواحي واشنطن.

والملاحظ بعد ذلك كله، أن دور بن لادن الحقيقي في بداية الصراع ضد القوات السوفياتية ، كان يقتصر بالدرجة الأولى على تأمين الأموال اللازمة لتمويل وتسليح المجاهدين في مرحلة القتال ضد التواجد السوفياتي في أفغانستان. اذ كان بسبب انتمائه لعائلة سعودية عريقة، وعلاقته بالأسرة المالكة في السعودية، الرجل الأقدر على تنفيذ تلك المهمة. وقدر الكم المالي الذي كان يتدفق على المجاهدين سنويا من دول الخليج وخصوصا من السعودية ، بأكثر من مليار دولار، في وقت كانت فيه الولايات المتحدة توفر الخبراء العسكريين لتدريب أولئك المجاهدين وتوجيههم عسكريا.

وقد لاحظنا من قبل النتائج الهامشية التي حققتها القاعدة منذ تأسيسها في عام 1989 (أو 1988 كما قيل في رواية أخرى) والتي كانت زهيدة وقليلة التأثير. في وقت ازدادت (كما) وقوة بعد العودة من السودان وتحالفه مع طالبان. ثم تميزت (نوعا) بعد اندماج تنظيم القاعدة بتنظيم الجهاد الذي يقوده الظواهري المؤمن بفكر العمليات الانتحارية.

وكانت عملية الحادي عشر من أيلول 2001 والتي ادت الى تفجيرات نيويورك وواشنطن السابق ذكرها مرارا، هي العملية الأضخم والمتميزة نوعا ونتائجا، حيث قتل وجرح فيها الآلاف. وربما كان من بين من قتل في ذاك التفجير (هذه واقعة غير مؤكدة) "جون أونيل" نائب مدير ال FBI الذي استقال من منصبه في شهر تموز 2001 ، وتولى بعد استقالته منصب المسؤول عن الأمن في مركز التجارة العالمي الذي تم تفجيره .

وكان "أونيل" قد استقال من منصبه كنائب مدير الFBI احتجاجا على طريقة الرئيس "بوش الابن" بالتعامل مع قضايا تتعلق بالتحقيق مع القاعدة وطالبان. حيث كانت قد وردت "للأف بي آي" تقارير تفيد بوجود خلايا نائمة في أميركا تابعة للقاعدة وطالبان. وذكر الكاتب الفرنسي Jean Charles Brisard استنادا لمعلومات تلقاها من "أونيل" ، بأن الرئيس بوش قد أوقف ملاحقة ذاك الأمر، لكون الولايات المتحدة كانت تتفاوض سرا مع طالبان حول تسليمهم بن لادن للسلطات الأميركية مقابل معونات مالية كبرى لطالبان من أميركا والسعودية في آن واحد. وذكرت صحيفة "الفيغارو" أن مسؤولين في السي آي ايه قد التقوا مرارا بأسامة بن لادن قبل تفجير البرجين، في وقت ذكرت فيه صحيفة الواشنطن بوست أن السي آي ايه قد التقت أيضا ب "رحمة الله هاشمي" الذي جاء منتدبا من قبل الملا محمد عمر – قائد طالبان، وأن اللقاءات كانت في شهر تموز 2001 ، أي قبل وقوع التفجيرين.

وبعد وقوع الحدث الكبير في الحادي عشر من أيلول، وجهت الولايات المتحدة انذارا رسميا الى طالبان، يطالبهم بتسليم بن لادن للحكومة الأميركية. لكن "الملا عمر" لم يستجب لذاك المطلب، مما أدى الى قيام الولايات المتحدة بالشروع بقصف مواقع طالبان منذ السابع من تشرين أول 2001 تمهيدا للغزو الشامل. وقد شرعت أميركا بالعمل العسكري بعد أقل من اكتمال الشهر على حادثة الحادي عشر من أيلول. وفي الثالث عشر من تشرين ثاني، وبعد أن دخل الغزو مرحلة واضحة ، أخلت طالبان كابول وانسحبت الى مواقع أخرى.

وفي ذلك الشهر أيضا، نجا "بن لادن" من الموت عندما أغارت الطائرات على موقع تواجده في جبال "تورا بورا". الا أن الطائرات الأميركية بدون طيار، عادت وبالتعاون مع وسائل أخرى ، وأغارت عليه لاحقا (بعد عشر سنوات) لتقتله في الثاني من أيار (مايو) 2011. لكن ذلك كان هو النصر الوحيد الذي حققته الحرب ضد القاعدة ، والتي استمرت ثلاثة عشر عاما ولم تزل قائمة ، مع احتمال التمديد لبقاء القوات الغربية وخصوصا الأميركية في افغانستان ، لسنتين اضافيتين عن موعد الانسحاب المقرر وهو نهاية عام 2014 .

وفي شهر أيار عام 2003، قال وزير الدفاع الأميركي "رونالد رامسفيلد" أنه قد تمت السيطرة على كامل الأراضي الأفغانية. وجاء اعلانه ذاك في وقت كانت العمليات العسكرية التي تقودها طالبان بمشاركة من القاعدة ، ضد القوات الأميركية وحلفائها، ما زالت قائمة على قدم وساق داخل أفغانستان، كما أن أذرع القاعدة المتواجدة خارج أفغانستان ، كانت ما تزال تعمل أيضا وبنشاط كبير، لتعلن بأن الحرب على أفغانستان لن تنهي وجود القاعدة.

ففي 12 ايار 2003 نفذت عملية ضد سكن للأجانب وخصوصا الأميركيين منهم، أدت الى مقتل 27 من السكان. وبعدها بأربعة أيام، اي في 16 أيار (مايو) 2003 ، نفذت عملية انتحارية في "كازابلانكا" أدت الى مقتل 45 مدنيا.

ويقول الكاتب Andrew Wander في دراسة بعنوان "تاريخ الارهاب حتى عام 2008" أن المصالح البريطانية في تركيا، قد هوجمت في العشرين من كانون أول ( ديسمبر) عام 2003. وأدى الهجوم الى مقتل 27 شخصا واصاية آخرين. ويقول الكاتب المذكور الذي وضع دراسته في عام 2008 ، أن الهدف من ذاك الهجوم، كان التأكيد بأن القاعدة لم تزل حية وقوية رغم الهجوم الوحشي الذي تواجهه قيادتها في أفغانستان.

ويمضي الكاتب قائلا في دراسته حول عمليات القاعدة الارهابية حتى عام 2008 ، أنه في 11 آذار (مارس) 2004 ، وقع هجوم في مدريد أدى لمقتل 191 شخصا وجرح قرابة الألفين. وفي 17 تشرين أول (اوكتوبر) 2004 ، أعلن "أبو مصعب الزرقاوي" الذي يقاتل الأميركيين في العراق، انضمامه لتنظيم القاعدة رغم اعتقاد البعض بأن حكما بالاعدام ينفذ في أفغانستان ضد ذاك التنظيم. لكن الزرقاوي باعلانه ذاك، لم يبد عندئذ مقتنعا بأن القاعدة سوف تموت أو تتم تصفيتها.

وفي السابع من تموز (يوليو)2005 ، نفذ هجوم انتحاري كبير في مركز عام للمواصلات في لندن ، وقتل 52 شخصا في ذاك الهجوم الذي نفذه مواطنون بريطانيون ينتمون لتنظيم القاعدة. ويضيف الكاتب أنه في الثاني من حزيران (يونيو) 2008 ، وقع هجوم على السفارة الدانماركية في باكستان أدى الى مقتل ستة أشخاص.

ولكن الأمر لم يقتصر على نشاط المنتمين للقاعدة المتواجدين في الخارج ، ذلك أنه في عام 2005 ، شهدت أفغانستان تناميا كبيرا في نشاط طالبان والقاعدة معا وبعمليات غالبا ما تكون مشتركة. وتقول "الويكيبيديا" أن عام 2005 قد شهد عمليات كبرى ألحقت خسائر مؤلمة بالقوات الأميركية وقوات "ناتو" المتحالفة مع الولايات المتحدة.

وأوردت الويكيبيديا جدولا بعدد قوات طالبان على مدى الثلاثة عشر عاما من الغزو الأميركي. ويقول الجدول أن عدد قوات طالبان كان في عام 2001 خمسة وأربعين ألف مقاتل. لكنه تدهور تدريجيا نتيجة الغزو، ليصبح العدد أحد عشر ألفا فحسب في عام 2008 . الا أنه رغم تضاؤل العدد بنسبة كبيرة نتيجة موت البعض في القتال، وأسر آخرين، اضافة الى فرار البعض من صفوف طالبان نتيجة للحرب، فان الحركة في عام 2005 قد بدأت فعلا تلتقط أنفاسها وتدخل مرحلة الهجوم عوضا عن الاكتفاء بالدفاع والتواري عن الأنظار، مما أدى الى عودة الكثيرين الى صفوفها، بحيث ارتفع عدد قواتها في عام 2010 ليبلغ ستة وثلاثين ألف مقاتل، وبعدها ليبلغ عدد المقاتلين في صفوفهم عام 2014 ستين ألف مقاتل ، وهو عدد تفوق على عدد المنضمين تحت لوائها قبل شروع الولايات المتحدة بغزو أفغانستان.

ويبدو أن الشكوك بدأت تتأكد في عقل المخططين الأميركيين منذ عام 2005، حول عجز النشاط العسكري وحده عن استئصال القاعدة ومن يؤازرها في حركة طالبان. فقدرة القاعدة وطالبان على استعادة نشاطهما منذ عام 2005 رغم الضربة الكبرى التي وجهت لهما منذ نهايات عام 2001 ، استدعت التوقف والبحث عن وسائل أخرى للتعامل معها، خصوصا وأن الأميركيين قد لاحظوا أيضا، أن الضربة الأولى والكبرى والتي مثلها زخم الغزو في بدايته، ربما نجحت لبعض الوقت بأن توقف التنظيم الأم المتواجد في أفغانستان عن العمل لبعض الوقت، الا أن أذرعها التي باتت منتشرة خارج أفغانستان، قد ظلت تعمل رغم ما كانت تتعرض له القاعدة الأم في أفغانستان من ضربات أرضية وجوية. ومن أبرز تلك الأذرع ، تنظيم القاعدة في اليمن ، ومثله في الصومال، وآخر في المغرب العربي، كذلك تنظيم "بوكو حرام" في نيجيريا ، ومثله في أفريقيا الوسطى.

وهذا استدعى البحث عن وسائل أخرى ، ربما كانت في مجال الاحتمال في بداية الأمر، لكنها بدأت الآن تطرح نفسها كحلول ضرورية لا بديل عنها ازاء تنامي قوة طالبان الحاضنة للقاعدة ، وتزايد قوة القاعدة في الخارج والداخل رعم ذلك كله.

ويبدو أن الحل في رؤية الولايات المتحدة في زمن الرئيس بوش الابن، كان في السعي لتفكيك القاعدة، وتجريدها من أذرعها الخارجية. ومن هنا ولدت فكرة ايجاد تنظيم ارهابي مشابه لتنظيم القاعدة، يصبح منافسا لها ، ويسحب البساط تدريجيا من تحت أقدامها ، فيستحوذ على اهتمام العالم ومن ثم اهتمام الحركات الارهابية سعيا لاستدراجها للانفضاض عن تنظيم القاعدة والالتحاق بالتنظيم البديل الذي تتوقع الولايات المتحدة ان تبقى مهيمنة عليه ومسيطرة على سلوكه ونشاطه.

ولكن هل تستطيع الولايات المتحدة أن تضمن فعلا نتائج وافرازات خطوة كهذه ، ان صح وجود تفكير عشوائي كهذا ، أم سيكون مصير ذلك التعامل كمصير تعاملها مع ايران في اوائل الثمانينات ، عندما جاءت بنظام الملالي (اي رجال الدين) الى الحكم ليكون لعبة في أيديهم، واذا بالولايات المتحدة تصبح هي لعبة ايران والملالي الذين باتوا يحكمونها. كذلك عندما سلحت المجاهدين في أفغانستان ليحاربوا الاتحاد السوفياتي، فباتوا في النهاية يحاربون الولايات المتحدة.

وهكذا تتجلى بوضوح خطورة اللعبة الجديدة التي ربما بات يلعبها الأميركيون ، والتي يفترض بها أن تكون افراز استراتيجية متأنية ومدروسة ... فان كانت تلك حقا هي استراتيجيتهم الجديدة، (والتي آمل ألا تكون كذلك) الساعية لتصفية تنظيم القاعدة أو لتحجيمه على الأقل ، كحل بديل للحل العسكري الذي ثبت تدريجيا فشله وعدم جدواه... فان تأكدت جدية الولايات المتحدة في هذا الاتجاه ، يكون علينا أن نتوقع نتائج وخيمة، وعواقب أسوأ من تلك العواقب التي ترتبت على تحالفهم في أوائل الثمانينات مع تيار الاسلام السياسي في ايران ، ثم في افغانستان ابان التواجد السوفياتي. وهو يؤكد بأن الأميركيين لا يتعلمون من دروس وأخطاء الماضي ، فيمضون قدما بتنفيذ ما يلوح لهم من مخططات أولية درامية تعتمد النتائج الأولية والمباشرة المتوقعة لما يريدون تحقيقه، دون أن يقدروا المفاجآات والتطورات غير المتوقعة التي قد تطرأ، بل ومن المرجح أن تطرأ ، فتنحرف بمخططهم عن المسار الذي توقعوه وبنوا الآمال عليه بأن يتحقق دون انحراف عن مساره .

فالأميركيون كانوا للأسف وما زالوا ، يتدارسون ثم يتبنون تنفيذ المخطط الاستراتيجي في بداياته، ولا يغوصون الى الأعماق بحثا في دراسة متأتية تعتمد عمق الرؤية والتحليل، عن نتائج تلك الاستراتيجية في نهاية مطافها وليس في بداياتها.

ترى كيف ستكون نهاية مطاف تلك الاستراتيجية الأميركية الجديدة ، ان صح وجودها وتأكد اعتمادهم لها.

الفصول القادمة ستناقش أمرين، أولهما احتمالات وجود استراتيجية أميركية جديدة في كيفية التعامل مع مسألة القاعدة الأفغانية التي فشل الحل العسكري في معالجتها، وثانيهما النتائج المتوقعة وغير المتوقعة التي ستصل اليها تلك الاستراتيجية (ان وجدت) في نهاية مطافها.



#ميشيل_حنا_الحاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- داعش .. و بندر بن سلطان
- تسعة أسئلة، بل عشرة، تنتظر الاجابة من الادارة الأميركية
- داعش تبلغ أعلى مراحل البربرية باعدامها معاذ كساسبة
- هل الحرب الأميركية ضد الارهاب الداعشي، هي حرب لاغتيال داعش، ...
- المخطط الأميركي لتفكيك -القاعدة-، بدءا بغزو أفغانستان عام 20 ...
- لا تندهي .. ما فيه حدا آذان أصابها صمم، فلا تسمع رجع الصدى . ...
- هل كان الصاروخ الذي ادعت داعش اسقاطه للطائرة، أول الأخطاء ال ...
- ولادة الفكر الارهابي نتيجة متوقعة للفراغ الذي تركه اغتيال ال ...
- لما الاستغراب لوصول الاسلام السياسي الى السلطة في تونس ومصر ...
- أخطار تهدد الخليج، وأخرى تهدد أوروبا، وأخطار تهدد الشرق الأو ...
- كيف تحولت -عين العرب- الى -كوباني-غراد-، وهل سيؤثر ذلك على ا ...
- هل تصبح -كوباني- معركة مصيرية لمستقبل تركيا في حلف -الناتو- ...
- من استدرج من الى حرب سوريا؟ دول الخليج؟ أميركا؟ أم تركيا أرد ...
- هل تصبح -عين العرب- معركة مفصلية تحدد جدية التحالف في محاربة ...
- قصيدة سياسية بمناسبة عيد الأضحى
- الورقة اليمنية وورقة -داعش-، والمتغيرات المتوقعة بسببهما في ...
- هل نقطع رأس داعش أم نقطع رأس المؤامر ة؟
- هل نحارب الفكر السلفي التكفيري بمحاربة العروبة باعتبار بلاد ...
- الأردن وسياسته الضريبية كحل غير مجد لمشاكله الاقتصادية
- من يقطع رأس داعش.. قاطعة الرؤوس؟ ولماذا تتلكأ الولايات المتح ...


المزيد.....




- وسائل إعلام إيرانية: سماع دوي انفجار شمال غرب أصفهان
- صافرات الإنذار تدوي في شمال إسرائيل وأنباء عن هجوم بالمسيرات ...
- انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية ومسؤول أمر ...
- وسائل إعلام: الدفاعات الجوية الإيرانية تتصدى لهجوم صاروخي وا ...
- وسائل إعلام: إسرائيل تشن غارات على جنوب سوريا تزامنا مع هجوم ...
- فرنسي يروي تجربة 3 سنوات في السجون الإيرانية
- اقتراب بدء أول محاكمة جنائية في التاريخ لرئيس أميركي سابق
- أنباء عن غارات إسرائيلية في إيران وسوريا والعراق
- ??مباشر: سماع دوي انفجارات في إيران وتعليق الرحلات الجوية فو ...
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية الرسمية نقلا عن تقارير: إسرائيل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميشيل حنا الحاج - القاعدة: ولادة طبيعية أم قيصرية