أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - مقدمات التحول السلطاني في سورية















المزيد.....

مقدمات التحول السلطاني في سورية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 4751 - 2015 / 3 / 17 - 15:19
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


كيف أمكن أن لسورية، أول الجمهوريات العربية، أن تنقلب إلى دولة سلطانية وراثية؟ كيف حصل ان البلد الذي قال رئيس سابق له إن سكانه موزعون بين سياسيين وزعماء وأنبياء، أن تقوم حياته السياسية على التبعية الشخصية والولاء لسلطان طاغية؟ كيف أمكن لـ"قلب العروبة النابض" أن يقع طول ما يقارب نصف تاريخ كيانه إلى مملكة أسدية، لم تجد ما تحمي به استمرارها غير تسليم البلاد للمحتل الإيراني وأتباعه؟ هذه أسئلة عن الحاضر والمستقبل، وليس عن الماضي حده. التحول السلطاني يحمل في باطنه التفجر الحالي وتسليم البلاد لأجنبي عدائي، مثلما هو حُمل على مقدمات تتقصاها هذه المقالة.
في الخلفية ثلاثة أشياء في تصوري. أولها أزمة البلد الكيانية المستمرة بفعل حداثته وما تعرض له من اقتطاعات متكررة. فعدا أنه كان حاضرا على الدوام في وعي نخب السوريين أنه جرى اقتطاع استعماري لأجزاء من سورية الكبرى أو بلاد الشام، تشكلت منها دول لبنان والأردن وفلسطين، وأقيمت إسرائيل على حساب سكان الأخيرة، وذهبت أراض منها إلى تركيا الحديثة بعد الحرب العالمية الأولى، وجرى اقتطاع لواء اسكندرون لتركيا قبل الحرب العالمية الثانية، والجولان لإسرائيل إثر حرب 1967. وعاشت سورية حتى حكمها حافظ الأسد مضغوطة بين إسرائيل وتركيا، تشعر بالحصار ويتملك نخبها قلق وجودي على الكيان، الحديث والهش. سورية أشبه بولد تعرض في صغره لانتهاكات قاسية، فظلت شخصيته مضطربة، تتناوبها أطوار التفكك والتجبر.
الهروب من أزمة الكيان الفتي "المصطنع" عبر عن نفسه في "التوق إلى الطبيعة" في واحد من شكلين أو ثلاثة: أولهما "الوطن العربي الكبير" في حدوده "الطبيعية" بين المحيط والخليح وبين جيال في الشمال والشرق وصحراء كبرى في الجنوب؛ وثانيهما سورية الطبيعية التي أضيفت مناطق من نوب تركيا وسيناء المصرية و... قبرص؛ وثالثها الأهل أو الجماعات الأهلية كأطر حياة أكثر طبيعية. السوريون فروا من سورية في كل اتجاه. وفي إحدى موجات الفرار نحو "الطبيعية" انحل الكيان السوري في وحدة سورية مصرية، لم تلبث أن بدت أكثر اصطناعا من سورية الصغيرة. الحكم الأسدي عالج المشكلة بأن سخر الأهلي في خدمة مشروع سلطاني، "يُصعّد" من أزمة الكيان، ويشارك في السيطرة على الإقليم، ويتحكم بقاعدة الحكم المحلية.
الشيء الثاني هو حالة اللااستقرار السياسي التي ميزت سورية بين استقلالها وحتى حكم حافظ الأسد. خلال 21 عاما شهد البلد أكثر من عشرة انقلابات عسكرية نجح معظمها، وكانت سورية طول معظم هذين العقدين موضع تجاذب دولي وإقليمي مقلقل، وفرت انقسامات النخب السياسية والعسكرية، وكثرة الزعماء والأنبياء والسياسيين، أرضية استقبال مناسبة جدا له. وخلال هذه الانقلابات اعتقل رؤساء ورؤساء وزراء وأهينوا، وأجبروا على الاستقالة. صحيح أنه قلما كانت هذه الانقلابات دموية، إلا أن البلاد لم تستقر على نسق مؤسسي وقانوني مقبول. منذ تأسست، سورية ليست دولة قائمة على "التقاليد" مثلما قد توصف، تجاوزا، بلدان الخليج العربية، ولم تتطور فيها أيضا قواعد حكم حديثة تقربها بقدر ما من تركيا.
في المقام الثالث سورية بلد مركب اجتماعيا، يفتقر إلى متن اجتماعي ثقافي. أكثريته العربية المسلمة السنية مخلخلة كثيرا، وإطار البلد الجغرافي لا يشدها (هذه الأكثرية) إلى مركز أو فكرة جامعة. تتخلل السنيين انقسامات تحيل إلى الأصول (طوال معظم تاريخها، سورية الطبيعية إقليم جاذب لسكان متنوعين) والجهات، وما أورثته الطبيعة من استعدادات سياسية ونفسية (مثلا: دمشق واحة موالية للحاكم عموما خوفا من غزوات البادية)، وتقاربات مع دول مجاورة (بحكم تواصل النسيج الاجتماعي وتقارب أنماط الحياة). وفي سورية "أقليات" وازنة تشكل بمجموعها نحو ثلث السكان، وكان تاريخ البلد المعاصر طوال ما يقارب القرن حتى اليوم في وجه منه تاريخ ظهورها وقيامها بأدوار كبيرة.
وتراكبت طول عقدين صاخبين بين انتخاب شكري القوتلي رئيسا للبلد عام 1943 وبين الانقلاب البعثي الأول التخلخل الجهوي للبلد مع التمايزات الدينية والمذهبية الحاملة لنفور من المركز السلطوي القديم، وكان مدينيا ومسلما وسنيا، وفوارق اجتماعية كبيرة بين شرائح ضيقة من كبار ملاك الأراضي وصناعيين وأصحاب أموال صاعدين، وبين جمهور واسع من المحرومين في الأرياف، تقارب أوضاع كثيرين منهم حد الفقر المدقع. وهو ما وفر بيئة مناسبة أيضا لتراكب تطلعات التغير الاجتماعي والسياسي المشروعة مع المطامح السياسية الحزبية والشخصية، ومع الانحيازات الجهوية والطائفية.
العهدان البعثيان بين 1963 و1970 كانا أطارا لهذا التراكب الأخير. وضمن النخبة الجديدة ظهر الرجل الذي استند إلى تغير اجتماعي محقق، وإلى إيديولوجية وإطار سياسي يمثله ويحامي عنه، وإلى طموح سلطاني، وإلى محاباة قاعدة أهلية كانت مهمشة لقرون.
جرت تقوية كبيرة وفورية للمركز السلطوي وتزويده بأدوات جهازية فعالة، أمنية وسياسية، المخابرات والسجون و"الجبهة الوطنية التقدمية"، جرى وضع حد للتجاذب الإقليمي للبلد ولحالة اللاستقرار السياسي. وجرت تغطية الأزمة الكيانية عبر "الدور الإقليمي لسورية"، وفحواه الفعلي العمل كمتعهد إقليمي فرعي لضبط الساحات والقوى المشاغبة، وأولها الداخل السوري نفسه، في إطار الطلب الأميركي والغربي المرتفع على الاستقرار في المنطقة. وبعد "الصراع على سورية" بدأ زمن "الأسد والصراع على الشرق الأوسط"، حسب عنوان كتابين للمرحوم باتريك سيل، أحد مادحي حافظ الأسد الغربيين المشهورين.
واعتمدت تقوية المركز على القاعدة الأهلية العلوية، التي جرى تحويل تطلعها إلى الكرامة والاعتبار إلى رصيد لتأمين الحكم الجديد ضد أي اعتراض داخلي. بامتداداتها الإقليمية، السلطانية الأسدية تركيب بين التطلع الامبراطوري القومي العربي وبين تغذية تطلعات جماعة محرومة غنية بالرغبات، ثم طموح شخصي للمجد والرفعة.
وفوق الزعماء والأنبياء المتخاصمين فرض حافظ نفسه زعيما أقوى من الجميع، سلطانا، امتلك البلد بأهلها، قبل أن يورثها لابنه. ليس بالرغم من أن السوريين كانوا سياسيون وزعماء وأنبياء سادت عليهم تنظيمات سلطانية قامعة، طوعتهم أفرادا ومجموعات وجماعات أكثر من أربعين عاما، بل لأنهم كذلك. الخصومات الصغيرة اللامتناهية تبقي الباب مفتوحا لمجيء كبير، يضرب الصغار ببعضهم ويؤدل بعضهم، ليسود على كلهم.
غير الحكم السلطاني لحافظ الأسد البيئة السياسية في سورية وحولها بعمق، مستفيدا من ضجر السوريين ومحيطهم من ثالوث مشكلات سورية ما قبل السلطانية: القلق الكياني، القلق السياسي، قلق التكوين الاجتماعي. لكن السلطانية جمدت هذا القلق الثلاثي إلى حين، وغطت على الصدوع الجهوية والاجتماعية ولم ترأبها. لقد ولدت مشكلات كبرى بالمقابل، وحين ووجهت بتهديد جدي لحكمها، سلمت البلد لقوة أجنبية عدائية. وعادت سورية بفعل ما تعرضت له من تكسر متولد عن جمود وتصلب الهياكل السلطانية مساحة للتجاذبات الإقليمية والدولية، ويعود السوريون الذين عاشوا زمن السلطانية المحدثة زعماء وسياسيين وأنبياء صغارا من جديد، وركائز محلية للتنافس الإقليمي والدولي، على استعدادا ميسورا للتبعية لمن هم أقوى وأكبر منهم في الداخل أو الخارج.
هناك خيار بسط لم يُضطلع به، قد يسعف في كسر التعاقب بين قلق كياني وسياسي واجتماعي شال، وبين سلطانية مميتة: قبول اصطناع الكيان السوري كعبء وقدر، والعمل على أن يكون إطارا للمساواة والكرامة يجمع سكانه المختلفين، تسوى النزاعات والمنافسات في داخله.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في نقد عبدالله العروي ”المثقف العربي“ برنامجاً لتحقيق الحداث ...
- في الأصول البنيوية لانقسامات المعارضة السورية
- في مواجهة ثلاث عقائد تمييز، أين ثقافة التحرر؟
- أربعة وأربعون شهرا وأربعة وأربعون عاما/6- سميرة، رزان، وائل، ...
- السلطان الحديث: المنابع السياسية والاجتماعية للطائفية في سور ...
- الإسلام، سورية، والعالم/ حوار
- أربعة وأربعون شهرا وأربعة وأربعون عاما/ 5- المصادرة: صورة طب ...
- الرقة: من ثالوث استعمار إلى ثالوث مستعمرين
- نهاية الترقي العام وصعود الإسلاميين
- عن التفاؤل والتشاؤم، وعن -الشعب الطيب- ومسؤوليته
- ربعة وأربعون عاما وأربعة وأربعون شهرا/ 4- فلسطنة السوريين وح ...
- خطاب العقل وظهور تيار العقليين
- السلفية الجهادية كظاهرة مسرحية
- أربعة وأربعون شهرا وأربعة وأربعون عاما 3- مقاومة إسلامية، مق ...
- الحق في الدين بوصفه أساساً للحرية الدينية
- خصوصية قضية مخطوفي دوما الأربعة
- مغيّبون: تجارب السوريين في التغييب السياسي خلال جيلين
- أربعة وأربعون شهرا وأربعة وأربعون عاما/ 2- حروب ضد العامة
- امرأتان ورجلان من سورية
- سميرة ورزان: وقائع أسطورة معاصرة


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - مقدمات التحول السلطاني في سورية