أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شجاع عدي الحمادي - الحركة السنوسية في طرابلس الغرب















المزيد.....



الحركة السنوسية في طرابلس الغرب


شجاع عدي الحمادي

الحوار المتمدن-العدد: 4751 - 2015 / 3 / 17 - 11:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



الحركة السنوسية في طرابلس الغرب


بحث مقدم من قبل:
م.م. شجاع عدي محمد







المـحـتـويـات
الموضــوع الصفحة
من - الى
المقدمة
المبحث الأول نشأة الحركة السنوسية في طرابلس الغرب
المطلب الاول أوضاع طرابلس الغرب قبل نشوء الحركة السنوسية
المبحث الثاني مؤسس الحركة السنوسية
المطلب الاول ولادتـه ونسبه
المطلب الثاني المطلب الثاني : نشأته وتعليمه
المبحث الثالث رحلاتهُ
المبحث الرابع نشأة الحركة السنوسية في طرابلس الغرب
المطلب الاول نشأة الحركة
المطلب الثاني مبادئ الحركة السنوسية
المطلب الثالث مؤلفات السنوسي
المطلب الرابع تأسيس الزوايا
الخاتمة
المصادر









المقدمة


جوبه العالم الإسلامي منذ أواخر القرن الثامن عشر الميلادي بتحدي الغرب العسكري ثم الثقافي ، واتخذ هذا التحدي عدة اشكال ، وفي مقدمتها الصبغة الصليبية في جميع أنحاء العالم الإسلامي .
واثر ذلك تتابع ظهور المصلحين في امتنا طوال مراحل تاريخها ، وكان أولئك المصلحون يعملون على نهضة الأمة ، ونقل الناس إلى واقع افضل ، فكان أن ظهر في سني القرن التاسع عشر الميلادي عدد من المصلحين ، الذين أسسوا عدة حركات إصلاحية في أجزاء مختلفة من العالم الإسلامي ، ومنها في أفريقيا .
وكان نهج تلك الحركات هو إصلاح أوضاع المسلمين ، وتربية الجيل الإسلامي بمنهج تربوي وجهادي ، وقد تأثرت تلك الحركات بدرجات متفاوتة بدعوة الأمام محمد بن عبد الوهاب ( 1703 ـ 1791م ) مؤسس الحركة الوهابية في الحجاز . ويهمنا من تلك الحركات الحركة السنوسية التي أسسها السيد محمد بن علي السنوسي ( 1787ـ 1859م ) في ليبيا ، والتي تركت أثراً واضحاً في العديد من الأقطار الأفريقية التي وصلت أليها السنوسية ، والتي أصبحت لها المكانة المهابة من جانب الدولة العثمانية ، التي أخذت تعتمد عليها في إدارة حكومة البلاد الداخلية ، ثم محاربة الاستعمار الأجنبي ، الذي قد بداء بالتغلغل في أفريقيا قبل قرن من ظهور الحركة السنوسية .
ودراسة هذه الحركة عامة مفيدة لمعرفة حيوية الأمة ، ولفهم التطورات التي مرت بها ، كما إن دراسة الحركات التي قامت قبل قرنين من الزمان تلقي الأضواء على الواقع الذي كانت تعيشه امتنا اليوم ، ويوضح أصوله ويعرض تجارب امتنا إزاء مشكلة التحدي التي لا تزال تجابهها حتى اليوم . وكان محمد بن علي السنوسي من الذين حاولوا إصلاح شان الأمة الإسلامية ، التي كانت تعاني من طغيان الغرب على أقطارها فارضاً عليها سيادته ، ويوغل في استنزاف دمائها بدعوة العمل على إصلاحها ، ونشر الحضارة في أرجائها .
إن هذه الدراسة محاولة متواضعة لدراسة الحركة السنوسية وتأثيراتها الإيجابية في محاولتها لجمع الصفوف الإسلامية وتهيئة الأجيال وتربيتها تربية إسلامية جهادية ، إذ جمعت السنوسية بين منهج التوحيد ومنهج التصوف في طرح جديد ، كأساس لبناء الشخصية المسلمة المنوط بها إصلاح المجتمع ، بناءً على الفقه الذي يشحذ العقول ويعتمد على التصوف الذي يصلح الأرواح .
فالسيد محمد بن علي السنوسي ما كان يريد غير العبادة واقتفاء اثر السلف الصالح ، وإرشاد عباد الله إلى ما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة ، ولم ينشر دعوته بالسيف بل عن طريق الهداية والتعليم والإرشاد على عكس ما كانت تسير عليه الوهابية التي حاربت الدولة العثمانية ، والذي جعل من المتعذر أن تستقيم لهم الأمور سنين طويلة حتى تم لهم الأمر بحد السيف ، وغلبة السياسة .

المبحث الاول
نشأة الحركة السنوسية في طرابلس الغرب

المطلب الاول : أوضاع طرابلس الغرب قبل نشوء الحركة السنوسية
كانت الدولة العثمانية حتى نهايات القرن السابع عشر للميلاد قوية إلى درجة لا باس بها ، وكانت قد وصلت جيوشها إلى قلب أوربا ، وقهرت الكثير من ملوكها وأمرائها ، ومن هنا كانت تعد حامية الإسلام ومحط أنظار المسلمين ، وكان السلطان العثماني هو خليفة المسلمين وخادم الحرمين الشريفين يتوجه إليه المسلمين للدفاع عن بـلادهم ودفـع الحيثى عنهم ( ) ، ثم جاءت نقطت التحول ودخول العالم الإسلامي القرن الثالث عشر الهجري ودخول أوربا في القرن التاسع عشر الميلادي ، حيث بدت علامات الضعف ، وامارات الانحلال بوضوح على كل الدول الإسلامية ، وغرقت شعوب هذه الدول في عصر الانحطاط الفكري ، بينما شرعت دول أوربا وشعوبها بقطف ثمار النهضة العلمية الأوربية ، التي بدأت قبل ذلك الوقت بثلاث قرون ، فعرفت أوربا الثورة الصناعية ثم التوسع الأوربي ، يقابله في ذلك وضع الدولة العثمانية المتردي ، الذي كانت بدايته في القرن الثامن عشر الميلادي ، فقيل عنه القرن الذي شهد كرسي السلطنة سلاطين أقوياء يساعدهم وزراء قديرون ، وسجل تاريخها رخاءً اقتصادياً كبيراً وتوسعاً كبيراً في الفتوحات ، إلا أن هذا التطور ما لبث أن حل به الجمود والتدهور الاقتصادي ، وتوقف عمليات الفتح والتوسع ، وكان ذلك في ظل سلاطين ضعفاء انغمسوا في حياة القصور ، وتركوا أعمال الدولة بيد الوزراء والولاة الذين لم يكونوا على قدر المسؤولية ، وهكذا مرت السنين والدولة جامدة في مكانها لا تحرك ساكناً للقضاء على الداء الذي استشرى أمره ، وظهرت آثاره للعيان ، مما دفع الدول الأوربية أن تطلق اسم (الرجل المريض ) على الدولة العثمانية ، وهو اسم معبر يعني أمرين ، أولهما الإشارة إلى حقيقة وضع الدولة بما فيه من ضعف وانحلال واستشراء الداء ، وثانيهما لما وراء هذه الحقيقة من أن لهذا الرجل المريض له ثروة ضخمة وأملاك ، وبإمكان الأقوياء أن يضعوا أيديهم على البعض منها ، كما إن البعض الآخر سيصبح تركة لهم بعد وفاة هذه الرجل المريض ( ) .
ومن المعروف ان طرابلس الغرب (ليبيـا) كانت تحت السيطرة العثمانية منذ منتصف القرن السادس عشر ، حيث عرفت مرة بطرابلس وبرقة ، وأخرى بطرابلس الغرب فقط ، ذلك لأنها كانت ولاية بينما كانت برقة سنجقاً منفصلاً ، وفي الوقت نفسه كانت منجذبة نحو الداخل ونحو صحراء بعيدة كل البعد عن تأثير البحر والشمال وأوربا بصفة عامة ، وهذا ما مهد للصحراء لان تكون مهداً للحركة السنوسية ، والقاعدة الخصبة لنشاطها ، والتي أوجدت نمطاً من التنظيم السياسي ، وهو نمط شيوخ القبائل وملوك الصحراء على غرار بقية الحركات الإصلاحية السلفية الأخرى كالوهابية والمهدية ( ) ، وهي ذات طابـع خاص تشترك مع الوهابيـة وحركة جمال الدين الأفغاني في النهوض الثـقافي ، إلا أنها تمتلك وسائلها الخاصـة وأهدافها الأكثر عمقاً وفاعلية ، منذ تأسيس أول زاوية لها في نجد حتى انتهى بها المطاف في ليبيـا ، وخاصةً في برقة لتكون مقراً لمجالها العلمـي والدينـي ، ومركز لمقاومة الاستعمار ، ومنبعاً لنشر الإسلام في ربوع أفريقيا ( ) .
كما إن حال الولايات المتردي في تلك الفترة كان له دوراً كبيراً في ظهـور الحـركة السنوسية ، حيث أرهق بعض الولاة الفاسدين الشعب بالظـلم والضرائب ، وكان أكثرهم لا يمكث اكثر من عام واحد ثم ينقل بعدها إلى ولاية أخرى ، لسبب أو لآخر ، وهـذه المدة لا تكفي الوالي للتعرف على احول الولاية ، وأحـوال أهلها ولوضع الخطط الأزمة للإصلاح , كما أن زيارة محمد بن علي السنوسي إلى مكة أثرا كبيراً في قيام الحركة السنوسية وظهور شانها ،كما ساعد على ذلك جملة أسباب أهمها وجوده في مكة وإقامته بها وهي المدينة المقدسة التي يقصدها المسلمون للحج من مختلف الأقطار مما أتاح له الفرصة للاطلاع على أحوال المسلمين والإلمام بالمعلومات الوافية عن أخلاق وعادات معظم المسلمين الوافدين إلى مكة وباختلاف أجناسهم ولغاتهم، فضلاً عن انه كان يلتقي مع كبار علماء الدين والوجهاء والمفكرين منتهزاً الفرصة للتعرف على أوضاع المسلمين ، ويتعمق معهم في البحث والتمحيص لخدمة الملة ولرفع لـواء الإسلام عالياً، وإصلاح أحوال المسلمين على أساس الاتحاد وجمع الكلمة والتآزر وشد الصفـوف ( ) .
ومن هذا كله نبعت حركات الإصلاح التي تتابعت في الدولة العثمانية ، منذ النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي فجميعها قامت بتأثير عوامل ثلاثة :الأول إحساس أفراد من النخبة بسوء الأوضاع في العالم الإسلامي ، والثاني تحدي الغرب للعالم الإسلامي واحتلاله لأجزاء منه ، والثالث يمكن عده عاملا مساعداً هو إن الاتصال بالغرب ساعد على كشف حقيقة التخلف وأبرازها أمام أعين أبناء العالم الإسلامي ، وقد صنفت هذه الحركات إلى نوعين : الأول هو الحركات التي قامت بها السلطات المشيرة للإصلاح ، والثاني ، الحركات التي قام بها مصلحون من عامة الشعب ، وان اول الحركات التي قامت هي حركة الإصلاح والتجديد في الدولة العثمانية والتي بدأت في عهد السلطان مصطفى الثالث، والملاحظ ان هذه الحركة عنيت بالاصلاح العسكري فقط ، وذلك لانها قامت اثر هزائم الدولة العثمانية امام الجيوش الاوربية المزودة بالاسلحة الحديثة ،وكان الغرض منها ايقاف تلك الهزائم ، وام تعِ هذه الحركة اهمية الاصلاح الشامل الا في عهد السلطان عبد الحميد الثاني ( 1876-1909م ) ، الذي تحدث عن الاصلاح الاداري الشامل ، كما جاء في خط شريف كولخانة ، الصادر في عهد السلطان عبد المجيد الثاني (1939-1861م ) في عام 1839م، ثم ان هناك الحركة الوهابية التي قامت في نجد على يد الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وكان الدافع لها احساس مؤسسها بانحطاط شأن المسلمين وتاخرهم ، وحركة محمد علي باشا التي قامت اثر الغزو الفرنسي لمصر 1897م ، وكان دافعها هو اقامة دولة قوية ، ومن ثم ظهرت في الربع الاخير من القرن التاسع عشر الحركة السنوسية ، وكان الدافع لها احساس مؤسسها محمد بن علي السنوسي بتخلف المسلمين وتاخرهم ، وبتحدي اوربا وخطرها على العالم الاسلامي ( ) .

المبحث الثاني
مؤسس الحركة السنوسية

المطلب الاول: ولادتـه ونسبه
هو محمد بن على السنوسي الخطابي الحسني الادريسي ، بن العربي بن محمد بن عبد القادر بن شهيد بن حم بن القطب الشهيـر السيد يوسف بن القطب السيـد عبد الله بن خطاب بن علي بن يحيى بن راشـد بن احمد المرابط بن منداس بن عبـد القوي بن عبد الرحمن بن يوسف بن زيان بن زين العابدين بن يوسف بن حسن بن ادريس بن سعيد بن يعقوب بن داؤد بن حمزة بن علي بن عمـران بن إدريس الأصغر بن إدريس الأكبر بن عبد لله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طـالب -;- وكان يلقب بالجاهري ، ولد في ترٌش قرب ( مستغانم ) علـي ضفتي ( وادي شلف ) ، في محلة الواسطة ، بضاحية مثيا ( ) بمقاطعة وهران الجزائرية من نواحي فاس من المغرب الأقصى( ) ، وكان مولده في يوم مولـد النبي -;- في 12 ربيـع الأول من عام 1202ه الموافق 22كانون الأول من سنة 1787م ، لذلك سمـي محمد تيمناً باسم الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام .
أما تسميته بالسنوسي ترجع إلى حده الرابع المعروف بالسيد السنوسي ، الذي كان أحد كبار علماء المسلمين وقبره موجود في تلمسان ، أي إن اسم الحركة منتسب من اسم جده المولود في مدينة سنوسة بالجزائر، حيث كانت اسرته تقيم ( ) ، وكان تعداد الحي الذي ولد فيه محمد بن علي السنوسي ما يقارب من 70,000 نسمة في مقاطعة وهران الجزائرية ، وقد اشتهرت الأسرة السنوسية بعراقة النسب، لرجوع اصلها إلى النبي-;- ( ).
المطلب الثاني : نشأته وتعليمه
نشا محمد بن علي في بيت علم ودين وفضـل هو بيت آل سيدي عبدا لله الخطابي ببلدة مستغانم ، وكان أبناء البيت السنوسي أهل علم، لذلك لم يكن من الصعب عليه أن يرتشف من مناهل العلم الصحيح منذ حداثته ، حيث اشتهر بقوة العارض وفهم روح الإسلام الصحيح ، وانبثقت في نفسه روح الدعـوة إلى الإسلام وترك البدع وكان جده ووالده وأعمامه وأبناء أعمامه وكثير من نساء هذه الأسرة العريقة كجدته أم أبيه السيدة الزهراء ، وعمته فاطمة ، كانوا جميعاً علماء ، وكانت الأخيرة من فضليات أهل زمانها متبحرة في بالعلوم ، ومنهمكة في التدريس والوعـظ ، ويحضر دروسـها ومواعظها الرجال ، وهي من احتضن السيد السنوسي بعد وفاة والده وهو فـي الثانية من عمره ، حيث توفي والدة وهو في سن الشباب وعمرة خمسة وعشرون سنة ، فاعتنت بالطفـل وتولت تربيته وتثقيفه ، واشغلته بعلـم العقائد والتوحيد منذ صغر سنه ، بعد أن جمع القرآن وأتقن علوم الدين على يد أكابر العلماء من بلده أمثال ( الشيخ الصالح أبي طالب المازوني ) ، والسيـد ( أبي المهل ) و(ابن القندوز المستغانمي ) و( أبي راس المعسكري ) المتوفى عام 1823م ، والسيد ( محمد عبد القادر بن أبي روينة ذي السند العالي ) ( ) .
لقد كان للجو الذي عاش فيه اثـر فـي توعيته ، فقد قراء القران الكريم وأجاد قراءاته وأتقن علمي التوحيد والفقه ، ونبـع في النحو والصرف ودرس الحديث والتصوف ( ) ، وكان فصيح اللسان جذاب المظهر طويل القامة ، وكان لسرعة تفهمه لعقلية البدو فضل كبير في نجاحه ، فقد عرف كيف يؤثر في نفوسهم ، وينفذ إلى قلوبهم بسهولة ، الامر الذي ساعده في ان يصنع الانجاز الكبير الذي حققه ، لامته ولدينه بسلوكه الطريق الذي سلكه منذ صباه وابراز دعوته وشخصيته فارساً ومعلماً ، مجدداً ، ومعادياً للاستعمار ، فقد قسم يومه إلى نصفين الأول لطلب العلم وتحصيله والثاني ولتعلم الفروسية وركوب الخيل واستعمال أدوات القتال ، كما كان متأثرا من تدهور حالة الإسلام في أفريقيا منذ صباه ( ) , كما يختلف المؤرخون وخاصة السنوسيون في تحديد المدة التي قضاها مع عمته السيدة فاطمة حتى وفاتها عام 1792م ، غير أن حفيده إدريس ـ ( الملك إدريس الأول ) فيما بعد ـ يذكر أن جده بقي معها حتى سن العاشرة ، حيث رعته وربته تربية حسنة ، فضلاً عـماير، تاريخ الحروب ، ص غذته به من حنان ومحبة للآخرين ، وبعد وفاتها تولاه ابن عم له اسمه ( الشارف ) ، وكان رجل علم ، حيث تابع العناية به ، واستمر السنوسي يجمع العلوم متقناً القرآن الكريم ودراسة الفقه والحديث والتصوف على يدي ابن عمه ، فضلاً عن رعاية اشهر العلماء له في تلك الفترة ( ) .

المبحث الثاني
رحلاتهُ

كان السنوسي منذ حداثته يميل إلى الانزواء والانفراد ، ويمضي وقته في التفكير فيما يرى حوله من أحوال الاسلام ، فكانت حياته زاخرة بالعلم والتجارب عبر ترحاله الطويل ، وكان وهو في ذلك السن عميق الايمان في ضرورة العمل من اجل إحياء الأمة الاسلامية وتوحيد صفوفها ، للنهوض بالدين الحنيف نهضة صحيحة قوية ( ) ، وحدث ذات مرة أن وجده أحد الشيوخ ذات مرة جالساً فوق كثيب من الرمال ، وتبدوا عليه دلائل التفكير العميق ، فلما سألوه عن سبب تفكيره ، فكان جوابه انه يفكر في حول العالم الإسلامي ، الذي لا يعدوا من كونه قطيعاً من الغنم لا راعي له ، على الرغم من وجود سلاطينه وأمراءه وشيوخ طرائقه وعلمائه ، ومع وجود المرشدين وعلماء الدين في كل مكان إلا أن العالم الإسلامي لا يزال مفتقرا اشد الافتقار كل الافتقار إلى مرشد حقيقي ، يكون هدفه سوق العالم الإسلامي اجمع إلى غاية واحدة وغرض واحد ، والسبب في ذلك هو انعدام الغيرة الدينية لدى العلماء والشيوخ آنذاك ، وانشغالهم في الخلافات القائمة بينهم ، والتي مزقتهم شيعاً وجماعات ، فاصبحوا لا يعنون بنشر العلم والمعرفة ، ولا يعملون بأوامر الدين الحنيف ، كما أن الشعوب المجاورة في السودان والصحراء من أفريقيا الغربية في تلك الفترة لا تزال تعبد الأوثان ، فبدلاً من أن وعظ هذه الشعوب الوثنية ودعوتها وارشادها إلى الدين القويم ، فانهم كانوا يفضلون المكوث في كل مسجد من مساجد المعمورة غير عاملين بعلمهم ، لا هم لهم سوى راحة أجسادهم ، وحريصين على لذاتهم ، فضلا عما كانت تصله من أخبار عن طريق القوافل التجارية الواصلة إلى مستغانم ، والتي تخبره بان الإسلام هناك مغلوباً على أمره في كل مكان ، وانه في حالة تدهور مخيف ، فكانت هذه الأمور مؤلمة للسنوسي الذي كان منذ صبا يعمل على تحسين أحوال العالم الإسلامي ( ) .
لم يكتف السنوسي في تحصيل العلم في بلاده ، وإنما قصد فاس محط رحال العلماء ، حيث مكث فيها سبعة سنوات (1882ـ1889م ) ، متنقلاً في الجامعات الدينية في الجزائر والقرويين والحجاز ، واثناء اقامته في فاس انه رحل الى القاهرة في عام 1824م ، أي في اثناء فترة اقامته في فاس ، ودرس في الازهر ثم ذهب الى نجد في عام 1825م ، لاداء فريضة الحج ( ) ، والتقى ببعض الشيوخ في مكة واخذ منهم العلوم ، حيث تاثر السيد السنوسي ببالوهابية ، ولما عاد الى وطنه ينشرها ثم اخذ يؤسس طريقته الخاصة في بلاد المغرب، فاخذ العلم بالرواية من افضل علماء فاس ، أمثال السيد حمودة بن الحاج ، والسيد حمدون بي عبد الرحمن بن الحاج والسيد الطيب الكيراني ، والسيد محمد بن عامر المعواني ، والسيد أبي بكر الادريسي ، والشيخ بن زيان العراقي ، والشيخ محمد بن منصور ، والشيخ محمد بن عمر المزروالي والشيخ محمد البازعي والسيد بن احمد الدرقاوي ( ) ، وكان السيد محمد السنوسي أول من قرا عليـه في مستغانم القـرآن الكريم والفقه والتفسير ، والسيد أبو عبدا لله سيدي محمد بن الكنـدوز والسيد طيب بن كيـلان الفاسي والسيد محمد بن طاهر الفيلالي ، والسيد أبو بكر بـن زياد الادريسي والشيخ عبد الوهاب التازي وغيرهم ( ) ، وكانت طيلة السنوات السبع التي قضاها في جامع القرويين في فاس ( ) ، بعد أن تلقى تعليمه في مستغانم ثم في مازونة طالباً للعلم ومعلماً له ، والتي كانت تمثل آنذاك مركز العلم في بلاد المغرب لوجود جامع القرويين بها ، فكان منارة المغرب كما هو الحال بالنسبة للجامع الأزهر في مصر( ) .
اكتسب السنوسي في تلك الفترة شهرة علمية عظيمة بين الناس ، واخذ التلاميذ يتوافدون عليه من كل حدب وصوب ، وكان حبه لمنفعة المسلمين ورغبة ان يرى العدل باسطاً جناحيه على آهل السلطنة وشعوب الإسلام ، قد جعله يكثر من الموعظة الحنة في أثناء دروسه تارة بالإرشاد وتارة بالشدة ، وعلى الرغم من أن دعوته إلى العدل وجمع كلمة المسلمين وتطهير النفوس لم تثمر كثيراً ، فأنها نبهت الناس في والي فاس مولاي سليمان الذي أمر بتشديد الرقابة عليه خشيةً أن تنقلب الدعوة الدينية إلى سياسية تعصف بالسلطنة على غرار ما كان يحدث في الأزمنة البعيدة ، فرأى السنوسي انه لا جدوى من بقائه في فاس ، فقرر الارتحال في اواخر عام 1245هـ/1825م -;- ، مفضلا الاستمرار في بث دعوته إلى الدين القويم ، ونشر ألوية الهداية والإرشاد بين الشعوب المجاورة ، فضلا عن انه كان يريد التعرف على الطرائق المعروفة وزيارة زواياها ( ) ، حيث انه درس في أثنـاء إقامته في فاس الطريقة القادرية والشحيثلية والدرقاوية والناصرية والحبيبية والجزولية وغيـرها من الطرائق وعمد من خلال رحلته إلى زيارة الزواية والاجتماع بالإخوان ، ومعرفة مختلف الطرائق كالزيانية والمحمدية حتى بلغ ( عين مهدي ) ، حيث درس فيها الطريقة التيجانية ، ثم قصد لاغوات وفضل الإقامة بها لأهمية موقعا بجنوب الجزائر بجوار ( خطة توات) بوصفها من مفاتيح الصحراء ، ومحط للقوافل الاتية من السودان الغربي والذاهبة إليه ، حيث مكث فيها بعض الوقت يتلقى دروس الفقه والشريعة( ) ، وكان الدافع من وراء تركه لمدينة فاس رغبته في إصلاح العالم الإسلامي ، فضلاً عما يراه من فائدة التنقل من لاغوات إلى الأماكن التي يراها صالحة لبث الدعوة ونشر الموعظة ( ) .
أما الأسفار الشاقة التي قام بها السنوسي ، فما هي إلا بحثاً وتنقيباً عن الوسيلة التي تمكنه من خدمة الإسلام ورفع شان المسلمين ، وكذلك جزء هام من برنامج هام اخذ يعمل عليه وينظمه ويضع الخطط الخاصة به ، والذي نجم عن هذا الجهد ظهور الحركة السنوسية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي كرادع قوي للاستعمار الأوربي ، المتمثل بالغـزو الإيطالي والفرنسي ، إذ اخذ المستعمرون الأوربيون يتخوفون من تنظيم هذه الحركة ونشاطها ( ) .
وبعد مغادرته لاغوات اتجه نحو مدينة ( مسعد ) ثم إلى ( جلفة ) ثم إلى بو سعدة ، فاقام بها عدة شهور ، وقد تزامنت مع الغزو الفرنسي للجزائر عام 1830م ، وسقوط عاصمة الجزائر بيد المحتلين ، فاراد الرجوع إلى وطنه لعله يستطيع ان يدفع عنه الضرر ، وان يقاوم المحتلين ، من خلال مقاومة المحتلين ، ولكنه سرعان ما عدل عن ذلك عندما جاءه من رؤيا مشهورة ، من الخير والواجب أن يستمر في سيره صوب الشرق، وقد اتفق عدد من مؤرخي السنوسية المحدثين على أن السنوي ، بعد رحلته إلى الجزائر الداخلية غادرها إلى تونس قاصداً الشرق ، فالمؤرخ برتيشارد يقول (( ذهب من فاس إلى جنوبي الجزائر ثم إلى قابس فطرابلس وزليطن -;- ، ثم إلى مصراته وبنغازي ، ويعض في أثناء سيره في أي محل يحل فيه)) ، ويذكر محمد فؤاد شكري (( انه لم يعد إلى مستغانم ، وانه أراد عندما احتل الفرنسيون الجزائر ، ان يقاوم المحتلين ، إلا انه عدل عن ذلك اثر لرؤية مشهورة لم يفصل عنها شئ ، والتي تنصحه بالسفر صوب الشرق )) ، إلا أن احمد صدقي الدجاني يخالف تلك الآراء معتقداً أن السنوسي (( بعد رحلته في مدن الجزائر الداخلية عاد إلى مستغانم )) معتمداً بذلك على رأي حفيده إدريس الذي يذكر بان جده عاد إلى مستغانم ، وان كان ذلك قبل احتلال الفرنسيين للجزائر بعشرة سنوات حسب رأيه ، وأقام بإتمام أول زواج له من إحدى بنات عمومته ، ثم نشأ خلاف بينه وبين أقاربه حول أملاكه التي كانوا قد وضعوا أيديهم عليها ، ولم يرسلوا له شيئاً من ريعها له طيلة غيابه ، ويذكر حفيده الملك إدريس انه طالب أولاد عمه بالريع وتسليم الملك له ، فامتنعوا ، فرفع عليهم قضية وربحها ، فسلمت له الحكومة أملاكه له ، وسجن أولاد عمه ، فتنازل الأمام عن طلبه ، وطلب إخلاء سبيلهم ، وبعد ذلك صفى أملاكه وانتقل إلى جهة قسنطية ، وجاء عند عرب أولاد نايل القاطنين في جنوب شرق قسنطية فبنى زاوية ، ويتبين من خلال قول حفيده إدريس أن هنالك فترة مجهولة في تاريخ السنوسي ، وهي اين قضى الثلاث سنوات ما بين ( 1829م ) وهي سنة مغادرته فاس ، وسنة (1831م ) ، وهي سنة مروره بطرابلس ، ويجيب على هذا سؤال المؤرخ الدجاني ويقول بان السنوسي أمضى جزءً من هذه الفترة في مستغانم بعد أن عاد إليها من جنوبي الجزائر وهناك تزوج ، ولكن زواجه لم يعمر طويلاً على الرغم من انه انجب طفلاً ، وذلك لان السنوسي عندما قرر الارتحال إلى مكة عرض على زوجته أن ترافقه فلم ترغب في ذلك ، فرأى أن يحـررها ، لأنـه لا يعـرف مدة غيابه ، أما الطفـل فقد تـوفي وهو صغير ( ) ، كذلك أمضى السيـد السنوسي جـزءاً من هـذه السنوات الثـلاث عند أولاد نايـل بجهة قسطنطينة ، إذ قـام ببناء زاوية هنـاك ، مما يشير إلى انه مارس الوعظ والتعليـم فيما بينهم ( ).
كما واصـل السيد السنوسي على النهل من مناهل العلوم ، حيث كـان يقصد إلى حيث يستطيع أن يبلغ دعوته الإصلاحية ، إلى اعظم جمهور من المسلمين فـي ديار كان يعلو ذكرها في ذلك الحين ( مصر ) ، أو في الأخرى كانت من مسارح حركة الوهابيين الدينية وهي ارض ( نجـد ) ، وعلى هذا يمم السنوسي وجهه شطر الديار المصـرية ، التي كان واليها وصاحب شانها آنذاك محمد علي باشا، وقد اشتهرت بعلماء الأزهر ، وكان من جملة الأئمة والعلماء الشيخ حسن العطار والشيخ الأمير والشـيخ القويسني ، وكذلك الشيخ الميلي التونسي والشيخ ثعيلب والشيخ الصاوي وغيرهم ، فحضـر السنوسي مع هؤلاء العلماء ، واجتمع بهم على الرغـم من انه كان يتمتع بشهرة كبيرة كعالم جليل وأستحيث ، ويحضر مجلسه العديد من التلاميذ ، وكان لما أظهره من شدة تمسـكه باستقلاله في الرأي ، وكفاءته وعلمه وعدم مبالاته بالحكام ، أو اهتمامه باجتذاب رضـاهم إليه كما حدث له في فاس وغيرها ( ) .
لم يلبث ذلك أن جعله موضـوع حد وربيبة من جانب علمـاء عصـره الذين كانت تربطهم بالحكام روابط وثيقة ، ويخشون من بطشهم ، وعلى هذا فلم تستطب نفسـه بالإقامة في القاهرة لما تحمله من صعوبات جملتها عدم وجود اهتمام بالعلم والروحانيـات بالدرجة التي كان يتوقعها ، واصبح هـو الذي يلقي المحاضـرات بـدلا من أن يتلقى العلم ويأخـذ من علمائها ، كما وجهت إليه اتهامات ومعارضـة شديدة من جانب أولئك العلماء ، حيث اتهموه بأنـه متطرف في آرائه الدينيـة وتعاليمه ، كما وازدادت شدة المعارضة له لدرجة أن أحد العلماء وهو الشيخ ( الحنيش ) حاول أن يدس السم له بعد أن وجه له اتهامـات ( ) ، مما دفع السنوسي إلى التوجه إلى الحجاز -;- لأداء فريضة الحج بعد خيبة أمله بحال الأزهر وعلمائه ، فضلاً عن وجود النقص في النشاط الروحي والدراسة الصوفية في الأزهر ( ) ، وعدم ارتياحه من نوع الحكم الذي أقامه محمد علي باشا في مصر ، ولكون حكومة الوالي ماير، تاريخ الحروب ، ص كانت تنظر إلى العلماء بتلك العين التي تعود من سبقه من الولاة أن ينظروا بها إليهم ، كما أن السنوسي كان يشعر بالألم بسبب انصراف الوالي عن ( دعوة نقباء ) الأمة لاستشارتهم في شؤون الحكم ، وعدم انبهاره ورضائه بتلك الانتصارات والإنجازات التي حققها والي مصر في نضاله مع السلطان العثماني صد الخلافة في العالم الإسلامي آنذاك ، وقد وصف السنوسي تلك الإصلاحات (بالإفراط والمبالغة) والاستخفاف بالحقوق الإسلامية والاحتقار للجنسية العربية ( ) .
لقد كانت رحلة السنوسي إلى الحجاز رغبة منه في أداء فريضة الحج ، ولكون ذلك المكان ملتقى العلماء المسلمين من مختلف أقطار العالم الإسلامي ، فزيارة الديار المقدسة ستتيح له فرصة الاتصال بالمسلمين من مختلف أقطارهم وتنائي ديارهم ، ويلتقي بكبار رجال العلم ويتزود من صحبتهم ويعوض ما فاته في اتصاله بشيوخه الأوائل ، وكانت من مكة ونجد تحت حكم والي مصر محمد علي باشا ، وكانت أتيحت للسنوسي الفرصة بان يلتقي باسيد ( احمد بن إدريس ) المولود (1750 ـ1835م) مؤسس الطريقة الادريسية ، حيث اقام معه حتى توفي ابن إدريس ( ) ، وقد عده أستحيثا أو شيخاً له واخذ عنه العديد من علوم القرآن الكريم والفقه والتربية وأحكام السلوك والحديث النبوي وأصول التصوف ، ثم نقلها بعد ذلك لاتباعه بتأديب النفس وتنقيتها من ألا كدار والاغبار بتقوى الله واتباع أوامره ، ويبدو أن هناك علاقة وصلة قوية بين السنوسي وشيخه الادريسي ، وعند مكوث السنوسي في نجد ، فقد لازمة في مكة وارتقى إلى أعلى درجات في السلم الصوفي ، وصار من كبار التلاميذ ، وهناك العديد من الإشارات تعد دليلاً على اثاره ومكانته وأهليته ، فعندما غادر الادريسي مكة إلى اليمن وفي صحبته السنوسي مع بقية الأخوان حتى ميناء القنفذه ومن هناك عاد إلى مكة ، بإشارة من أستحيثه ليقوم مقامه في ماله وما عليه ونشر دعوته ، وإعطاء طريقته وتعليم تلاميذه ( )، وقد أشار الادريسي إلى امتزاج روح السنوسي في روحه كما روى عنه أحد تلاميذه بقوله : (( إن السنوسي منا ونحن منه، وهو خليفتنا والقائم مقامنـا ، وان ولدنا السنوسي فنحن أمـرناه أن يدل الخلق على الله ويجذب الطالبين إلى الله ..))( ) ، كما كان الادريسي يشيد بمكانة السنوسي في رسالته إلى الميرغيني عند نصحه بصحبة السنوسي والانصياع لنصحه من قوله له : ( فلا يكن أمرها عليك ولا شيئا احب إليك من صحبة أخيك محمد بن علي السنوسي ، فعليك به فاتخذه صاحبا وصديقا ، فانه قد انسلخ من نفسه انسلاخاً كلياً كما تنسلخ الحية من نفسها ، فهو في أمر عظيم من الله ومن نفسه وانه نسخة صحيحة منا فأنزله منزلتنا ..)) ، كما أورد الادريسي أن الأخذ عن السنوسي اخذ عن الرسول محمد -;- ، وانه صار نسخة صحيحة عن أستحيثه ، وصار عين أستحيثه ، كما ذكر في أحد رسائله بان جماعة من المغاربة قد صحبوه فعلت همتهم ، في الله وتسابقوا في المعرفة بالله ، وعلى ما يبدو فأن السنوسي توافرت له الأسباب والظروف لرئاسة الطريقة الادريسية في مكة المكرمة عند غياب أستحيثه ، وبعد وفاته وهذا ما حدث عندما قام بإلقاء الدروس على التلاميذ وعند وفود الحجاج ، والوقوف على أحوال العالم الإسلامي ، وظل على صلته بأستحيثه في اليمن بالمراسلة وإرسال الهدايا , ويبدو أن السنوسي أراد أن يوسع قاعدة الدعوة وينقلها إلى المغرب العربي بعد أن ازدادت معارضة علماء مكة له ، بعدما توجهوا بالنقد والمعارضة لأستحيثه احمد بن إدريس بوصف منهج الادريسي منهجاً لا يتفق مع ما اعتاد عليه هؤلاء العلماء منذ فترات طويلة ، مما اضطر السنوسي أن يتبعه إلى صبيا ( العسير ) ، وأقام معه هناك حتى وفاة أستحيثه ( ) .
وعلى الرغم من المعارضة الشديدة التي تلقاها من علماء مكة ، إلا أنها لم تقوى على صد تيار الدعوة التي تدعمت بتأييد بعض القبائل مثل ( بني الحارث ) و( بني الحرب ) ، وازدياد عدد الزوايا في المدينة وفي الطائف وينبع والحمراء وجدة ، الأمر الذي شجع السنوسي على العودة إلى مكة وإنشاء زاويته الأولى في جبل أبي قبيس عام 1837م ، ويعد هذا التاريخ هو بداية قيام الحركة السنوسية ، وما تبعها من تأسيس الزوايا, لذا تعد الفترة التي اقامها السنوسي في مكة ذات اثر كبير في تجربته ، وفي نمو النزعة الإصلاحية ونضوجها عنده، خاصة بعد أن وقف على حالة الضعف التي كانت تسود البلاد الإسلامية ، وازدياد الخطر الأوربي الذي كان يهدف إلى الحد من الإسلام ( ) .
لقد استطاع السنوسي بفضل ما آتاه الله من سعة العلم ، وطلاقة اللسان ودقة الفكر ، ومن ميزات أخرى كالتمسك بالعقيدة والمبدأ مع لطف المعشر والهيبة ، أن يجمع حوله من التلاميذ والمريدين والأشياع أعداد كبيرة، اثارة ضده عداوة شيوخ مكة وعلمائها الذين يخالفـونه ، وينتقدون اعتمـاده الصريح والخالص على الكتاب والسنة في دروسه ، واقتفاء اثر السلف الصالح في إرشاده وتعليمه ، وخشية السلطة التي أخذت تتوخى الحذر منه من جراء التفاف الكثير من الناس والمتذمرين من السلطات العثمانية والعربية ( الشريفية ) حوله ، حيث كان السنوسي يحاول جاهداً الابتعاد عن الهيئات الحكومية ( ) كما إن الأمر ازداد خطورة بالنسبة للسلطات الحكومية عقب استمرار السنوسي بالاتصال بابناء أستحيثه الادريسي في ( صبيا ) ، وهي ارض سعودية، وفي الوقت نفسه كان العداء مستحكما بين الحكومة العثمانية والأشراف وبين الوهابية ، هذه هي أهم الأسباب هي التي دعته إلى ترك مكة في 30 /كانون الأول من عام 1255هـ/1839م ، قاصداً بلاد المغرب فتوجه إلى مصر ومنها إلى طرابلس الغرب بطريق واحة سيرة والجبل الأخضر ، وكانت رغبة في زيارة موطنه الأول الجزائر ورؤية ولده هناك ، إلا انه خشي من الفرنسيين الذين كانوا قد احتلوا الجزائر في عام 1830م أي قبل وصوله بفترة قصيرة ( ) .

المبحث الثالث
نشأة الحركة السنوسية في طرابلس الغرب

المطلب الاول : نشأة الحركة
جوبه العالم الإسلامي منذ اواخر القرن الثامن عسر الميلادي بتحديات الغرب العسكرية والثقافية ، فكان ظهر في سني القرن التاسع عشر الميلادي المصلحين العرب المسلمين ، وفي أجزاء مختلفة من العالم الإسلامي ( ) .
وكان محمد بن علي السنوسي أحد هؤلاء المصلحين ، والذي انشأ الحركة السنوسية ، وكان متبحراً في أصول الدين الحنيف ، ودرس الطرائق على يد شيوخها فعظمت همته ، فكان يحزنه ما يرى من سوء الحال الذي كان عليه المسلمين ، ما هم عليه من تأخر ، فعقد النية على أن يخصص حياته ووقته من اجل إصلاح أوضاعهم ، فأشرقت من هذا العزم الصحيح الحركة السنوسيـة ، التي انتشرت في الصحراء الكبرى وولاية برقة ، والتي نشأة كـرد فعل على الأحوال السائدة آنذاك ، التي أثرت في حياة المسلمين ، وأبعدتهم عن تعاليم الدين ،ومن هنا تختلف هذه الطريقة عن الطرائق الصوفية الأخرى ، التي كانت بداية ظهورها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، وبالتحديد في عام 1833م ، والسنوسية كالحركة الوهابية والميرغينية ، تعد من الحركات العربية التي انطلقت لتخليص الدين الإسلامي من البدع والخرافات والممارسات غير الصحيحة التي ألصقت به ( ) .
ودراسة هذه الحركة الإصلاحية مفيدة لمعرفة حيوية الأمة ولفهم التطورات التي مرت عليها في المراحل المتعاقبة ، حيث أدت هذه الحركات دوراً معيناً في حياة امتنا العربية والاسلامية ، فكانت لها استجابات للتحدي الغربي نبعت من محاولات إصلاحية في أجزاء مختلفة من العالم الإسلامي ، فهدفت من ذلك إلى التوحيد العربي خلال الحكم العثماني ، فكانت حركات ذات طابع ديني أولا وذات طابع عربي قبلي ثانياً ، ومن أهم هذه الحركات الحركة السنوسية والوهابية التي أسسها محمد عبد الوهاب في نجد سنة 1747م( ) , والسنوسية فهي حركة إصلاحية إحيائية إسلامية ( ) ، اتخذت الزواية قاعدة لها ومنطلقاً ، وهي طريقة صوفية معتدلة جمعت بين الطريقتين الصوفيتين البرهانية والاشراقية -;- في الوصول إلى الكمال الأعلى ، كما أنها ترجع في اصولها إلى الرغبة في التمسك في أهداب التعاليم الإسلامية الصحيحة ورفض ما علق بالإسلام من أمور خارجة عنه سببها الجهل ( ) ، فأصبحت من أهم الحركات الإصلاحية في المغرب العربي ، والصحراء الكبرى في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، حيث ابتدأت في برقة ومنها امتدت إلى الأقاليم الأخرى ، ليرتبط شأنها فيما بعد بالحركة الوطنية التي كانت نواة العمل التحرري في ليبيا ، حيث نشأة هذه الحركة بغيـة إصلاح حال المسلمين ومقاومة الاستعمار الأوربي في العالم الإسلامي ، فصادفت نجـاحاً كبيراً في معظم البلدان الإسلامية ، خاصة في ليبيا وصحراء مصر الغربية ، وقد توسعت فيما بعد خاصة في الفترة ماير، تاريخ الحروب ، ص بين (1860ـ1901م ) لتشمل تونس والصحراء الوسطى والسودان الاوسط والسـودان الغربي مثل السنغال ، مقاومة بذلك التغلغل الاستعماري الأوربي, إذ كان السنوسي يعتقد بان تحرر العرب والمسلميـن من السيطرة الاستعمارية والتسلط العثماني لابد أن يسبقه تجدد في الجوانب الروحيـة (الفكرية ) ، وهذا لا يتم إلا بالرجوع إلى القرآن ، وسنة محمد -;- ، أي : الإسلام الحقيقي ، وتطهيـره مما لحق به من بدع في تلك الفترة ، وفي الوقت نفسه عملت السنوسية على تقديم الأنموذج العملي للمجتمع الجديـد والمنشود ، وتمثل ذلك بالزوايا التي أقامتها وجعلتها مراكز للنشاط الاقتصادي والسياسي والاجتماعي ( ) ، فقد قامت على الاخوة والزهد والعبادة والتزام أصول الإسلام ( ) ، ودعت ضرورة تحرير الفكر الإسلامي من خلال الاجتهـاد ، وضرورة إصلاح الدولة كخطوة أولى لإصلاح المجتمع ، ومن جانب آخر كانت ترى أن الخلافة الإسلامية يجب أن تعـود إلى العرب وفي قريش حصراً , والطريقة السنوسية لم تكن كغيرها من الطرائق الصوفية التي ظهرت في القرون الماضية، والتي جعلت من الكشف وسيلة العلم وهدفت إلى البعد عن الحياة الدنيا والعكوف على أنواع من الرياضات البدنية والنفسية كالذكر والانصراف عن طلب الرزق ، والاعتماد على المريدين والمحبين في مد يد العون والمساعدة ( ) .
المطلب الثالث: مبادئ الحركة السنوسية
إن المتتبع لسير الحركة السنوسية سيتعرف عليها ، ويجد أنها (فكر وحركة) و(منهج وعمل ) ، وليست مجرد دعوة فكرية أو مذهب أيدلوجي فحسب ، وهذا يدل على تكاملية الحركة السنوسية وتطرقها إلى مجالات عديدة ، فهي كما وصفها بعض المؤرخين عبارة عن جمعية مذهبية ، وطريقة صوفية وسياسية واجتماعية وليس لها أغراض تمردية على الدولة ، أي إنها لا تحارب دولة الخلافة ، وإنما ترفدها وتسندها بخلاف ما كانت عليه بعض التيارات الأخرى كالحركة الوهابية والحركة المهدية ، كما أنها لم تقتصر على جانب معين وتترك الآخر وان كانت تحكمها ظروف العصر ، فهي قد نشأة في ظل الدولة العثمانية التي كانت دولة الإسلام والخلافة .
وللسنوسية أسس فكرية ومبادئ سارت عليها يمكن أن نجملها على النحو الآتي ( ):
1. دعوة الناس كافة إلى الالتزام بالتعاليم الإسلامية الظاهرة والباطنة ، وإذ إن المسلمين في تلك الحقبة قد انتشر الجهل بينهم وقلة الالتزام ، فكان تعليم الناس أحكام الشريعة هدفاً أوليا سعت من اجله السنوسية حتى يحقق المسلم معنى إسلامه .
2. الاعتماد على الكتاب والسنة ، بوصفهما مصدري للشريعة الإسلامية ، والانتفاع من المذاهب المختلفة فيما يناسب المسلمين ، وييسر حياتهم ، أي العودة بالإسلام إلى ما كان عليه في عهد الرسول -;- وخلفائه الراشدين .
3. كان من الأسس التي نادت بها السنوسية عدم المواجهة مع الاتجاهات الإسلامية الأخرى ، وهذا يتضح من خلال عدة مواقف للأمام السنوسي ، مثلاً موقفه من الحركة المهدية ودعوتها ، حيث أرسل إليه محمد بن احمد المهدي مؤسس المهدية في السودان كتاباً ، ولم يرد عليه السنوسي بنفي أو إثبات بعدما أعلن ادعاءه المهدية مع العلم أن السنوسي كان يرفض الفكرة.
4. توحيد المذاهب وجمع العالم الإسلامي على وحدة حقيقية .
5. لم تقتصر السنوسية على العبادة للتصوف ولكنها أرادت للمسلمين أن يكونوا عباداً عاملين منتجين نشطين ، لا مجرد عباداً خاملين عاكفين في المساجد ، يعتمدون على الغير في قضاء حوائجهم ، وهذا ما وضحته الزوايا التي كانت تحوي المساجد والمزارع والمتاجر .
6. العمل بالاجتهاد في الإسلام ، حيث أن تركه كان سبباً في تحجر الفكر الإسلامي ، ودخول البدع إليه .
7. رفضها للتقليـد الذي أوجبه المتاخـرون ، وحمـلوا الناس عليه ، وترك الاجتهاد .
8. ومن مبادئها القيام على الاخوة والزهد والعبادة والتزام أصول الإسلام ، ولا يطلب من المريد حين يأخذ العهد إلا أن يقرا الفاتحة للحفاظ على هذا العهد .
9. الأيمان بما تدعيه الصوفية من الرؤية والاتصال والكشف .
10. من المبادئ التي امتازت بها السنوسية هي الربانية المتمثلة في الطريقة الصوفية السائرة على منهج الكتاب والسنة.
11. نشر الإسلام في البلاد التي لم ينتشر فيها .
12. حصر الإمامة في قريش .
13. تطهير العقيدة من ادران البدع والخرافات.
14. العودة بالإسلام إلى نقائه الأول.
15. مقاومة النفوذ والاستعمار الأجنبي.

المطلب الثالث : مؤلفات السنوسي -;-
لم يستطع المؤرخون الذين كتبوا عن السنوسي أن يحصوا مؤلفاته بدقة ، وذلك لإن بعض منها طبع والبعض الآخر ظل مخطوطاً ، فضلاً عن أن البعض منها قد فقد ( ) ، وقد تنوعت كتبه التي دلت على جمعه ما بين الشريعة والحقيقة والتزامه بالكتاب والسنة موضحاً فيها المسائل الفقهية ، وكذلك مسائل الإفتاء والاجتهاد وله فيها عدة مؤلفات ، وعد البعض منها متشابه ، لأنه يخدم غرضاً فكرياً واحداً مثل كتابه (بغية المقاصد) ، الذي انتهى من كتابته في يوم 23 نيسان 1848م ، وكذلك كتابي (ايقاض الوسنان في العمل بالحديث والقرآن) و(شفاء الصدور) ( ) .
المطلب الرابع : تأسيس الزوايا
قبل التطرق إلى الزوايا التي أسسها السنوسي لابد من الإشارة أولا إلى أن فكرة الزاوية كانت موجودة في العالم الإسلامي قبل ظهور الحركة السنوسية ، حيث كانت الزاوية هي المكان الذي يجتمع فيه الصوفية ، ويتلون أورادهم وصلواتهم الخاصة بهم ، ولم تتطور لتؤدي دوراً آخر إلا في عهد الأمام السنوسي , لقد كان السنوسي إمام تحديات كبرى منها استعمار أوربي مسلح بحضارة حديثة ، وعملاقة وسلطنة عثمانية ضعيفة تكالبت عليها قوى الاستعمار والتخلف والجمود ، مما جعل بلاد العرب والمسلمين فريسة سهلة للأطماع الأجنبية، وانتشار البدع والخرافات ، وأمام مثل هذه التحديات الخطيرة وجد السنوسي انه لابد من إعداد الذات العربية للصبر والجهاد والمقاومة ( الفروسية ومجاهدة النفس وتقويتها وتقويمها ) ، فوجب عليه المرابطة مستنداً إلى الحديث النبوي الشريف ( رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها ) ، ومن هذا كانت فكرة الزاوية وهي أ نموذج جديد لـ (الرباط )-;- الإسلامي والتي أصبحت أنموذجاً للإنسان والمجتمع الجديد الذي أراده السنوسي ، وعلى هذا الأساس كان بناؤه لأول زاوية بمكة عام 1837م ( ) .
1.أركان الزواية
كانت الزاوية السنوسية بمثابة المؤسسة الحكومية التي يرأسها قائد يسمى ( مقدم الزاوية ) ، وهو عضو في المجلس العالي الذي يرأسه السيد السنوسي ، ويعد المرجع الأول في الطريقة السنوسية وتنحصر أعمال الزاوية في عدة أشخاص معنيين ومختصين بأعمالهم هم بمثابة أركان الزاوية وهم :
أ.مقدم الزاوية : الـذي يوجه الأهالي ويحل مشاكلهم ويحثهم على مزاولة الإنتاج الزراعي ، وهو خطيب الجمعة والقيم على الزاوية ، متولي أمورها ، ومبلغ الأوامر الصادرة من السنوسي ( ) .
ب. الوكيل : وهو الذي يساعد مقدم الزاوية في الأمور الاقتصادية بالكامل ، وكان يطلق عليه ( وكيل الدخل والخرج ) ( ) .
ج. شيخ الزاوية : فهو الإمام في الصلاة والمسؤول عن تعليم الأطفال القراءة والكتابة وتلاوة القرآن الكريم ، ويعقد فيها عقود النكاح ، ويصلي على الجنائز ، كما كان عليه الحفاظ على القضاية الشرعية ، ولشيخ الزاوية كساء سنوي يتألف من عشر بدلات ، وتتكون البدلة من قميص وسروال وغطاء راس وحذاء ، ويشترط أن لا يكون من الحرير أو الجوخ ، فضلاً عن حرامين صيفيين وحرامين شتويين ، وله الحق في تعيين معلم للصبيان ومنادٍ للصلاة ( مؤذن ) ، وعدد من الخدم والعمال حسب مقتضيات الضرورة ، وتكون أجورهم ونفقاتهم من موارد الزاوية ، ومن واجباته أيضا إحضار الطعام الكافي لعشرة أشخاص يومياً في موعدي الغداء والعشاء ، وذلك باسم الضيوف المحتمل مجيئهم إلى الزاوية ، وان نقص هذا العدد كان عليه أن يكمل العدد من الفقراء ومجاوري الزاوية ، وإذ ما تجاوز العدد فعليه إحضار ما يكفي في وقته ، وكان الطعام لا يتجاوز نوعاً واحداً إلا في الحالات الخاصة ، وكان له الأمر حيثا انقضى الأمر بالنحر للضيوف ، ولا يحق له أن يضيف أقاربه على حساب الزاوية لان له عشـرة الواردات ، وله مواشٍ خاصة به ، وله الحق في ممارسة الزراعة لحسابه الخاص، ويستطيع من ذلـك سد نفقاته الخاصة التي لا حق له بأخذها من أموال الزاوية ، وكان له الحق أن ينحر لنفسه ولزوجته وأولاده منها شـاتين أسبوعيا , د.المجلس الاستشاري للزاوية : ويتألف من وكيل الزاوية وشيخ القبيلة المتربط بها واعيانه ، والوجهاء المهاجرين إليها ، ومهمة هذا المجلس هي النظر في مشاكل الناس وفض المنازعات ( ) .

2.تكوين الزاوية :
الزاوية عبارة عن بناء يتكون من عدة غرف يتوقف حجمها على أهمية المكان الذي تقام فيه ( ) ، وهي في الحقيقة بيت من بيوت الله ومسجد من مساجده ( ) ، لها سوران كبيران وفيها مدرسة وطلبة كثيرون , وعبيد للخدمة يقارب عددهم نحو الفي عبد واكثر خدمة هؤلاء لبناء الدكاكين وحرث الأرض وغرس الأشجار ، وفيهم أصحاب حرف فمنهم التجار والحدادين ومنهم من يصلح البنادق وغيرهم ( ) ، وعلى الرغم من أن الزاوية كانت معروفة في المغرب وفي العالم الإسلامي منذ قرون بعيدة ، إلا أن الزاوية هي بمثابة الجامعة التي يؤمها الشباب لكي يتلقوا فيها انواع العلوم ، اما الزاوية السنوسية كانت من نوع خاص ، فهي مركز للحياة الروحية ، والزراعية والتجارية ، ويتم إنشاء الزاوية على قطعة ارض مختارة ، ولا يتم البناء عليها إلا بموافقة القبيلة صاحبة الشان، وعادة ما تكون على ربوة عالية تشرف على ما حولها ، ويفضل أن تكون ذات مناخ صحي )).
وتتآلف الزاوية من مجموعتين الأولى مخصصة لسكن شيخ الزاوية والمقدم والوكيل وأسرهم ، والثانية تشمل المسجد والمدرسة والمضيف وحجرات لسكن الطلبة ، واتباع ، ومحل لإيواء اللاجئيـن ، كما يوجد في الزاوية خزان للمياه ومخزن للمتاع ، وإسطبل ، ومتجر وفرن ، وتقـوم حولها مبانٍ أخرى يقوم بإنشائها أغنياء الأهالي ، ليأووا إليها في موسم الصيف ، ويحيط بها سوران تعلوه أبراج للدفاع عنها في حالات الهجوم عليها ، كما لها آبار جوفية وأراض زراعية خاصة بها , وكان إنشاء الزوايا على الأغلب في الأراضي التي تتمتع تربتها بخصوبة ، وبالقرب من العيون والآبار، وكان على كل شخص من أفراد القبيلة أن يتبرع بحراثة يوم ، وبزراعة يوم ، وحصاد يوم ليسهل على الجميع بناء واعمار الزاوية دون صرف مبالغ كبيرة ( ) ، كما كان الحرم التابع للزاوية والمتفق على تخطيطه حول الزاوية ، يكون حرماً آمنا لمن دخله واستجار به ، ولا يجوز شهر السلاح ، أو إطلاق الرصاص داخل الحرم ، وكذلك المشاجرة وإعلاء الصوت بالفناء مثلاً أو الخصام ، كما يمنع رعي الحيوانات ، وكان للعمال والخدم في الزاوية الحق في أكل اللحم كل يوم جمعة من الأسبوع في الزاوية ، التي لها حدود ها الخاصة بها وتفصل بيها وبين الزاوية المتاخمة لها ،ولا يجوز لشـيخ الزاوية أن يتعدى على تلك الحدود ، ويجتمع شيوخ الزوايا سنويا كلهم أو بعضهم ، حيث ماير، تاريخ الحروب ، ص رأوا وجوب ذلك ، وعليهم أن يتشاوروا في تحديد موعد الاجتماع ومكانه إن لم يكن أحد شيوخ الزوايا هو الراعي لعقد الاجتماع ،إذا التجأ إلى الزاوية شخص أو مجموعة من الأشخاص الى احدى الزوايا لسبب مافعلى الزاوية السعي من اجل إزالة سبب لجوئهم إلى الزاوية ، بموجب نصوص الشريعة ، وما كان متفق عليه من العرف والتقاليد المتبعة ، وكانت موارد إلزوايا تتكون من العديد من الموارد المختلفة ، كالزراعة وتربية المواشي والهبات الخيرية والزكاة الشرعية ، وكان شيخ الزاوية يقدم في نهاية كل سنة تقريراً مفصلاً إلى الحركة السنوسية في نهاية كل عام عن جميع أعماله ومقترحاته ، وما قام أو ينوي القيام به ، كما يقوم شيخ الزاوية بين فترة وأخر بزيارة المركز الرئيس للزوايا ( ) ، فنلاحظ من ذلك أن النظام المحكم أن الحركة من خلاله وعن طريقه كانت منظمة ، ولم تكن عشوائية ، وبذلك يمكننا القول أن الزاوية مركز دعوي قائم بذاته له موارده وأموره الخاصة به .
لقد لعبت الزوايا السنوسية دوراً كبيرا في طرابلس الغرب ، فهي فضلا عن كونها خير عون على تحقيق أهداف الدعوة ، فإنها كانت خير عامل على تحسين حالة البلاد من حيث تنشيط حركة تجارة القوافل ، وذلك بتامين طرقها ، فضلا عن قيامها بنشر الثقافة بين السكان من خلال نشر التعليم ، وتهذيب أخلاق أهل منطقة الزاوية ، ونشر الأمن من خلال المناطق التي يتواجدون فيها ، وفض النزاعات بين السكان ، كما إنها ساعدت على توسيع مساحة الأراضي المزروعة ، مما ساعد على تحسن حالة البلاد الاقتصادية ، كما إنها عملت على إيواء المساكين والفقراء وأبناء السبيل ، ويرجع هذا الإنجاز الذي حققته الزواية إلى الدور المهم لمؤسسها ( ) .
قام السنوسي ببناء أول زاوية بعد وصوله إلى طرابلس ، ومن ثمة إلى مدينة البيضا في الجبل الأخضر، والتي عرفت بالزاوية البيضاء عام 1843م ، التي عدت أماً للزوايا السنوسية ، ومن ثم زاوية رفاعة ثم تمسة ، وبعدها تم إنشاء زاوية جغبوب عام 1855م ( ) ، وتبعها العديد من الرواية كزاوية ( شحات ، بنغازي، درنة ، مارة ، امالرزم ، العرقوب ، توكرة ، طلميثة ،الطيلمون ، القائدية ، المخيلي ، القصور ، المرج وفزان ، مزرق ، زويلة ، هون ، سوكنة ، طرابلس ، مزدة ، الرجبان ، تونين ، مصراته ، زليطن ، زلة)، حتى وصل عدد الزوايا التي تعد مراكز حربية وزراعية وتجارية ، وملتقى طالبي العلم إلى مائة وستة واربعون زاوية موزعة في العديد من المناطق ، فكانت في منطقة برقة وحدها خمسة وأربعون زاوية ، وفي منطقة طرابلس ثمان زوايا ، وفي منطقة فزان خمسة عشر زاوية ، وفي منطقة الكفرة ست زوايا ، وفي السودان أربعة عشر زاوية ، وفي الصحراء إحدى وعشرون زاوية ، بينما بلغ عددها سبعة في بلاد المغرب ( ) .

الخاتمة

شهدت قارة أفريقيا في بدايات العصر الحديث موجة من الصراع الاستعماري بعد خروج المسلمين من الأندلس ، وسقوط آخر معقل لهم في عام 1492م ، والذي أدى إلى قيام الكشوفات الجغرافية ، التي انتهت بالدوران حول أفريقيا ، والوصول إلى شواطئها الشرقية ، والتي كانت تسير تحت الصبغة النصرانية ، لان البابوية باركت هذا العمل العدائي ضد المسلمين ، وعدت كل من يقتل في سبيل هذا الهدف من شهداء الكنيسة ، مؤيداً لها العديد من الملوك والأمراء الأسبان والبرتغاليين ، حيث رصدوا مبالغ ضخمة لتحقيق هذا الغرض ، الأمر الذي أدى إلى تقويض جزء من الحضارة الإسلامية ، واخذ يهددها في جميع مجالات الحياة .
لقد كان لمثل هذه الأحداث وخاصة ًفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، أن تعاني أجزاء من أفريقيا من التمزق والتجزئة ، وكثرة الحدود المصطنعة التي قسمت أبناء القبيلة الواحدة بين اكثر من وحدة سياسية ، والتي تعد ألان الحدود الأساسية لتلك الدول ، والتي لا تتفق مع واقع القارة وشعوبها ، فأصبحت مشكلة الحدود من اعقد ما يواجه القارة الأفريقية في مرحلة البناء والتعمير لفترات طويلة بعد الاستقلال من الاستعمار الأوربي .
فكان أن ظهرت العديد من الحركات الإصلاحية في القرن التاسع عشر لما أصاب الإسلام من تدهور في الأوضاع العامة ، وكثرة الخرافات التي الصقت به ، وكثرة الأوهام بين الناس وتصديقها ، وكل هذه الأمور وليدة الاستعمار الأوربي ، فكان هدف هذه الحركات الإصلاحية الرجوع إلى الإسلام ببساطته الأولى ومحاولة نشره في ابعد نقطة من أرجاء المعمورة ، فكانت السنوسية واحدة من تلك الحركات الإصلاحية التي ظهرت في وقت كانت الأمة الإسلامية بحاجة إلى مثل هذه الحركات ، والتشجيع على القيام بمثل هذه الحركات ، إذ ظهرت السنوسية في فترة تكالب الاستعمار الأوربي على الولايات العربية ، التي كانت تابعة للدولة العثمانية في أواخر أيامها ، واصطناع الحدود من قبل الاستعمار ، إلا أنها على الرغم من ذلك استطاعت أن تتجاوز تلك الحدود ، وان تصل بنفوذها السلمي الديني والثقافي ، إلى ابعد جزء في جنوب الصحراء في قلب أفريقيا إلى بحيرة تشاد ، وعن طريق إنشاء الزوايا ، التي كانت بمثابة المؤسسات الحكومية التي تدير شؤون الناس عن طريق بنيتها الهيكلية ، وقد استطاعت الزوايا أن تلعب دوراً كبيراً في نشر الدين والثقافة الإسلامية بين الناس ، وترسيخ النشاط التجاري ، وخاصة تجارة القوافل التي كانت سائدة آنذاك ، كما ساهمت في رفد الحركة العلمية والقافية ، من خلال تعليم الطلاب ، وتهذيب أخلاق أهل منطقة الزوايا ، ونشر الأمن في أنحاء المناطق التي يتواجدون فيها ، كما استطاعت السنوسية عن طريق تلك الزواية أن تنشر الإسلام في أرجاء تلك المناطق النائية من القارة الأفريقية .
ومن خلال ما تطرقنا إليه في المباحث الدراسة السابقة يمكننا أن نحدد بعض الملامح الرئيسة للسنوسية، والتي يمكن أن نوجزها على النحو آلاتي : ـ
1. عملت السنوسية على التجمع والتآلف والمؤازرة والتكافل الاجتماعي والمشاورة بأمور الناس المختلفة عن طريق الزوايا ، واجتماع أعضائها ومسئوليها ( الهرم التنظيمي ) ، ومناقشتها مع المسؤؤل الأول للسنوسية .
2. إن الحركة السنوسية نجحت بالاعتماد على نهج جديد في أسلوبها فقد جمعت التصوف والسلف في نهج جديد يتلاءم مع وضع الحركة السنوسية .
3. كان ظهور الحركة السنوسية متزامناً مع معانات شعوب القارة الأفريقية من كثرة تكالب الدول الاستعمارية ، حيث تزامن ظهورها مع الموجة الاستعمارية التي اجتاحت الولايات العربية .
4. استطاعت السنوسية بفضل تنظيمها الدقيق ، وعدم اصطدامها مع الحكومات أن تؤسس لها كياناً خاصاً بها ، ومن ثم تفرض اعترافاً دولياً بوجودها ، كما حدث عندما اعترفت الدولة العثمانية بزوايا السنوسية ، واعفائها من الضرائب ، ومن ثم جعل جباية الضرائب أمرا منوطاً بها .
5. كما عملت السنوسية على عدم الاصطدام مع الثورات والحركات التي تزامنت مع قيامها ، وبناء هيكلها ، وقد تجلى هذا من خلال عدة مواقف لزعيمها مع بعض الاتجاهات الإسلامية ، وخاصة مع الحركة المهدية في السودان ، حيث حاول الابتعاد عما كان يدعو إليه مؤسسها محمد احمد المهدي والانضمام إليه ، وعلى الرغم من ذلك فإنها لم تقف بعين المشاهد ، مما كان يدور من أوضاع تهدد مصير الشعوب الإسلامية ، فمثلاً موقفها من الثورة العرابية وتلبية نداء احمد عرابي ، الذي استنجد به لمؤازرته ضد الإنكليز والخديويات في مصر .







المصادر والمراجع

1. ابراهيم السامرائي ، علافات المرابطين بالممالك الاسبانية في الاندلس والدول الاسلامية ( بغداد : 1958 ) ، ص
2. ابراهيم خليل احمد ، تاريخ الوطن العربي في العهد العثماني 1516ـ1916م ، دار الكتب للطباعة والنشر ، ( الموصل : 1980م) ، ص260 .
3. احمـد امين ، زعماء الاصلاح في العصر الحديث ، مكتبة النهضة المصرية ، ( القاهرة : 1971م ) ، ص23 ؛ الدجاني ، الحركة السنوسية ، ص63 ـ 64 .
4. احمد حسين العلي ، حركة الاستقلال العربي ، رسالة ماجستير غير منشورة ، الجامعة المستنصرية ، ( بغداد : 1988م) ، 15 ـ 16 .
5. أرشيف رئاسة الوزراء باستانبول : رقم البحث (3961) ، أوراق يلدز ، رقم القسم (18) ، رقم الأوراق (377/553) رقم الظرف (93) ، رقم الكاتون (36) الوثيقة غير مؤرخة .
6. ارشيف رئاسة الوزراء باستانبول ، رقم البحث (3961) اوراق يلدز ، رقم القسم (18) ، رقم الاوراق (337 / 553 ) ، رقم الظرف (93 ) ، رقم الكارتون (36) ، الوثيقة غير مؤرخة .
7. انور الجندي ، الفكر والثقافة المعاصرة في شمال افريقيا ، الدار القومية للطباعة والنشر ، ( القاهرة : 1965م ) ، ص 20 ـ 21 .
8. جمال الدين الشيال ، محاضرات عن الحركات الاصلاحية ومراكز الثقافة في الشرق الاسلامي الحديث ، جامعة الدول العربية ، ( القاهرة : 1957م ) ، ص69 .
9. الجندي ، انور , العالم الاسلامي والاستعمار ، ( القاهرة ، مطبعة الرسالة : 1958م ) ، ص 139 ـ140 .
10. حمدون المصدر السابق ، ص 119 ؛ وللمزيد ينظر : نيقولا زيادة ، برقة الدولة العربية الثامنة ، دار العلم للملايين ، ( بيروت : 1950م ) ،ص 55 ؛ المحافظة ، المصدر السابق ، ص 57ـ58 .
11. خدوري ، مجيد, ليبيا الحديثة ، ترجمة : نيقولا زيادة ، ( بيروت ، مؤسسة فرنكلين للطباعة والنشر : 1966م ) ، ص 62 .
12. الدجاني ، احمد صدقي , ليبيا قبيل الايطالي او طرابلس الغرب في اواخر العهد العثماني ،( القاهرة ، د. م. : 1971م ),ص 12 ـ14 .
13. دريد عبد القادر نوري ، محمد بن علي السنوسي (1787ـ1859م ) ، جامعة الدول العربية ، منظمة التربية والثقافة والعلوم ، (تونس : 2002 م) ، ص1 .
14. ستانلي لين بول ، تاريخ الدول الاسلامية ، ترجمة فرزات محمد صبحي مطبعة الملاح (دمشق : 1974م).
15. شكري ، السنوسية دين ودولة ، ص238 ؛ عامر ، المصدر السابق ، ص 7 ، القابسي ، المصدر السابق ، ص 31 .
16. شكري ، محمد فؤاد , ميلاد دولة ليبيا الحديثة ووثائق تحريرها واستقلالها ، ج1 ، ( القاهرة ، مطبعة الاعتماد : 1957) ، ص20 .
17. شكري، السنوسية دين ودولة ، ص 12 ؛ فلاديمير لوتسكي ، تاريخ الاقطار العربية الحديثة ، دار الفارابي ، ( بيروت : 1980م ) ، ص 364 ـ 365 .
18. عامر ، جلال علي , الحركة السنوسية ، مؤسسها ، فكرها ، تنظيمها ، بحث منشور في شبكة الانترنيت ، موقع المختار، 18كانون الثاني ، 2002م . ، ص 2 .
19. عجيل النشمي ، السنوسية تعد للعمل الجهادي لمساندة دولة الخلافة ، بحث منشور على شبكة الانترنيت موقع الفسطاط ، 4 شباط 2004 ، ص2 .
20. العلي ، احمد حسين , حركة الاستقلال العربي ، رسالة ماجستير غير منشورة ، الجامعة المستنصرية ، ( بغداد : 1988م ) ، ص 16 .
21. علي المحافظة ، الاتجاهات الفكرية عند العرب في عصر النهضة ، ( بيروت : 1983م ) ، ص 55 .
22. علي محمد محمد الصلابي ، الحركة السنوسية ، ج2 ، دار البيارق للنشر ، (عمان : 2002 م) ، ص2 .
23. كنود هولمبو ، صراع الصحراء ، رحلة عبر ليبيا ايام نضالها ، ترجمة : عمر حبيل الحاج ، ، دار المصراتي ، ( ليبيا : 1969م) ، ص181 .
24. كولافولايان ، " حركة المقاومة في ليبيا " ، ترجمة : محمد على داهش ، ومحمد عبدالله ، مجلة افاق عربية ، المجلد (6) ، العدد(2ـ4) ، (بغداد : 1979م ) ، ص108 .
25. لوثروب ستودارد ، حاضر العالم الاسلامي ، ج1، مطبعة دار الفكر ، ( بيروت : 1971م ) ، ص297.
26. محمد عبد الباقي الهرماسي ، المجتمع والدولة في المغرب العربي ، مركز دراسات الوحدة العربية ، ( بيروت : 1987م ) ، ص 116ـ117 .
27. محمد عـزة دروزة ، نشأت الحركة العربية الحديثة ، المكتبة العصرية ، ( بيروت : د. ت. ) ، ص75 ـ76 .
28. محمد عمارة ، العرب والتحدي ، سلسلة كتب عالم المعرفة ، ( الكويت : 1980م ) ، ص 161 .
29. محمد فريد بك المحامي ، تاريخ الدولة العلية العثمانية ، تحقيق : احسان حقي ، دار النفائس ، ( بيروت : 1981 ) ، ص 455-456 .
30. مصطفى احمد بن حليم ، ليبيا انبعاث امة وسقوط دولة ، منشورات الجمل ، ( ليبيا : 2003 م ) ، نقلاً عن مقال لصحيفة الشرق الاوسط على شبكة الانترنيت ( موقع ليبيا ) .
31. مصطفى عبدالله بعيو ، المختار في مراجع ليبيا ، دار ليبيا للنشر والتوزيع ، ج1 ، ( ليبيــا : 1967م ) ، ص14 ـ 15.
32. ناجي علوش ، الحركة القومية العربية نشوئها وتطورها واتجاهاتها ، دار الطليعة ، ( بيروت : 1957م ) ، ص113 .
33. نيقولا زيادة ، " السنوسية بدأت دعوة الى الكتاب والسنة ثم ترابطت زواياها فكانت دولة حربت الاستعمار الايطالي والفرنسي بقوة " مجلة الفكر العربي ، ( الكويت : 1960م ) العدد (16) ، ص 38 .



#شجاع_عدي_الحمادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- صدمة في الولايات المتحدة.. رجل يضرم النار في جسده أمام محكمة ...
- صلاح السعدني .. رحيل -عمدة الفن المصري-
- وفاة مراسل حربي في دونيتسك متعاون مع وكالة -سبوتنيك- الروسية ...
- -بلومبيرغ-: ألمانيا تعتزم شراء 4 منظومات باتريوت إضافية مقاب ...
- قناة ABC الأمريكية تتحدث عن استهداف إسرائيل منشأة نووية إيرا ...
- بالفيديو.. مدافع -د-30- الروسية تدمر منظومة حرب إلكترونية في ...
- وزير خارجية إيران: المسيرات الإسرائيلية لم تسبب خسائر مادية ...
- هيئة رقابة بريطانية: بوريس جونسون ينتهك قواعد الحكومة
- غزيون يصفون الهجمات الإسرائيلية الإيرانية المتبادلة بأنها ضر ...
- أسطول الحرية يستعد للإبحار من تركيا إلى غزة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شجاع عدي الحمادي - الحركة السنوسية في طرابلس الغرب