أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عماد حياوي المبارك - لعنة الكويت















المزيد.....

لعنة الكويت


عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)


الحوار المتمدن-العدد: 4750 - 2015 / 3 / 16 - 11:10
المحور: سيرة ذاتية
    


لعنة الكويت

أحتضن شارع النهر عدد كبير من المصريين خلال حرب إيران في الثمانينات، والسبب الرئيس كان لأجل التعويض عن النقص ـ كأي قطاع عمل آخر ـ في الأيدي العاملة العراقية التي ساقتها (خدمة العلم) للجبهة لتعد الأيام بانتظار مصير مجهول.

ورغم تحفظات مهنة الصياغة عن كل ما هو غريب ودخيل عليها، لكن فرضت الكثير من العمالة المصرية نفسها، وراح العمال وبكل سهولة ويسر، يفتحون الورش ومعامل السحب وغيرها، ولنا معهم عِشرة أفرزت الخيرين منهم فاحتضناهم، ولفظت السيئين فأنكشف أمرهم، فأبعدناهم ولو بعد حين.

كان أحد العمال المصريين من أقباط صعيد مصر محافظة (سوهاج)، قد تعلم الصنعة وأتقن أصولها بسرعة في ـ مدرسة شارع النهر ـ وتميز خلال شهور، وكسبَ حُب الشارع له وثقته به، فعملنا معاً آخر الثمانينات، ولمسنا نزاهته وعفته ودلـّعناه (سمسم).
كان كلما يربح أجوراً يوفرها دنانير، لا يبعثها لمصر ولا يُحولها ذهب، لأنه يراهن على أن الدينار العراقي سيعود قوياً وستزهو أيامه، وهكذا بقيت قاصته (تعجّ بالدنانير).

تنتج ورشته نوعي سيتات (طخامة) نسميها (الفراشة والشمس) ونتعامل معه بشكل مباشر فنقايض الذهب بذهب، ويصمم طبعاً استلام أجوره دنانيراً، وكان يداور الذهب بينه وبين ورشة سلاسل مجاورة له صاحبها من (بلدياته)، وهو ما يتطلبه شغله.

سكنَ أولاَ بالميدان، ثم لمّا أجر ورشة واسعة ببناية (بهاء الدين خروفة) وسط شارع النهر في عام تسعين، أتخذ من أحد الغرف مناماً له، وصار قريب من شغله ومن حلال الناس.

في بداية أزمة الكويت أصيب بخيبة أمل كبيرة حين (هوى) الدينار العراقي، وراح المسكين يضرب أخماساً بأسداس، فهو يرى أمام عينيه في القاصة، كيف تحترق الدنانير (الحلوة) بدون نار، وهو عاجز عن إطفاءها !
قبل انتهاء مُهلة الأميركان للعراق بأيام، أي بمطلع عام 1991، أغلقنا الحسابات وحملنا الحلال وعاد الجميع يحتضن عائلته بطريقته، ببغداد أو الرحيل بعيداً عنها.
ثم قامت الحرب وجرى القصف اللئيم، وحدث ما حدث...
× × ×

في نيسان من ذلك العام وبينما يعود شارع النهر ببطء وحذر للحياة، ألتقيته وتطرقنا ـ طبعاً ـ لما جرى، ولما أخبرته بحزني لتوقف النبض بالشارع ولأول مرة في تاريخه، ضحك وقال بأن نبضه لم يكن متوقفاً، بل كانت تجري عمليات بيع وشراء مستمرة !
وأنه وبسبب سكنه في الشارع لاحظ بأن هناك حركة سوق محدودة وخجولة، وتعرَفَ بالصدفة على فتاتين من مدينة الثورة، وهنّ الآن ـ قال لي ـ يعملنَ لديه، ثم دعاني لاستكان شاي وللتعرف عليهن.

أختان تتحجبان خارج الورشة، وتخلعان الشال وتظهران بصورة بهية و(مودرن) خلال العمل، وهن يتمرنَّ سريعاً ويتطورنَ، وأن ذهب متوفر للعمل.
ـ شنو السر أبو السماسم ؟
قال : مش ح أخفي عنك الحكاية، عشان كتير غيري كمان عملوها !

... وأضاف أنه في فترة القصف وغياب سلطة الدولة وهيبتها، ظهر بشارع النهر جنود ودلالين يبيعون ذهب مسروق من الكويت بأي ثمن غير مبالين بوزنه ونوعه أو حتى قيمته الحقيقية، وكانوا بحاجة لنقد بعد أن (وشّلت) جيوب حائزيه الذين دفعوهم لتصريفه.
وقد تعرّف (سمسم) على هاتين البنتين بالبداية في ظهيرة يوم حين سألنه عن صائغ يشتري ذهب يحملنـَهُ، وحين عرفنَ أنه صائغ، طلبن أن يساعدهن بتقدير قيمته ففعل، ثم بحثَ معهن عن صائغ يفتح محله، فوجد أحدهم في سوق (دلّة)، ومع أن الصائغ دفع لهن ربع السعر الطبيعي، لكنهنّ ان يترددن في البيع برغم أن (سمسم) قد أشّر لهن أن يرفضن، وهو ما زاد في استغرابه وفي فضوله !
ولما قام بتنبيههن عن الفرق، قلنَ أن صاحب الذهب خولهن بيعه بأي ثمن ووعدهن بالمزيد، وقلن بأنهن يسكنّ مدينة الثورة، وأن الذهب متوفر وممكن الحصول عليه بسهولة شرط الدفع... (كاش) !
ثم أضاف بأنه أبرم اتفاقاً مع الفتاتين بأن يشتري هو الذهب فوافقن ونقلن له المزيد، وهكذا نجح (بمكافحة) ما أدخره من سيولة، بشراء كيلوين وربع ذهب منوع ذي عيارات عالية، وكان يَعزل للأختين (عمولة) محترمة ومكافئات مجزية !
وهكذا كان (الحظ) حليفه باستثمار دنانيره، وأمسى يعمل بالكيلوات.
× × ×

... بعد عدة أسابيع من لقاءنا، صارت مشكلة بورشة السلاسل المجاورة، فجاء ضابط مركز شرطة السنك، وتحفظ على ذهب الورشة ثم على ذهب (سمسم) معتبريه شريكاً وتم توقيفهما، فجاءتا الأختين تستنجدان بي بعد أن أرشدهن من غرفة التوقيف لمسكني، فوضحن ملابسات المشكلة، فتطوعنا نحن بعض أصدقاءه لزيارته لنجده بأسوأ حال، طالباً منا إنقاذ ذهبه بأي ثمن.

أخبرْنا الضابط بأنه يعمل لحسابنا، وأن الذهب يعود لتاجر جملة معروف بشارع النهر، وقمنا بفتح حساب إخراج كمية الذهب من محل التاجر بأسم (سمسم) وتقديم السجل للضابط، مشى ذلك على الشرطة بعد تدقيق السجل، ونجحنا بإعادة ذهبه كاملاً للورشة.
وكان في إجراءنا بعض الصعوبة خصوصاً أقناع التاجر بأن الذهب فعلاً يعود (لسمسم)، وأن يذهب ليشهد بأنه قد أستلمه منه، كما خدَمنا شكل الذهب كونه كان في مرحل التصنيع، معظمه أسود لا تفهم الشرطة قيمة ولا يدفعهم للطمع به، وهكذا عاد الذهب بأقل خسائر ممكنة.

الغريب أن الذهب الذي تحفظت الشرطة عليه، يعادل نفس كمية ما أشتراه من ذهب الكويت بدنانيره، وهو ما جعلنا نسمي هذه الكمية من ذهبه دون غيرها، بذهب... الكويت.

... إستمر (أبو السماسم) السنوات التالية يعمل بجد واجتهاد، عاونه أخويه الذين التحقا به من مصر، وتضاعفت إمكانيته وأصبحت خمسة كيلوات...
× × ×

بآخر التسعينات قرر امغادرة العراق والعودة لمصر بعد قناعة شخصية بضرورة الاستقرار ببلده والزواج هناك، فقسّم ذهبه قسمين وضعهما بحقيبتي سفر، بخطة صممها هو ونفذها مع إخوته دون علم أحد، وهي تحوير هيكل الحقيبتين المعدني من حديد لذهب من أجل أن يصل به لمصر عبر الأردن، وقد نجح بتمريره عبر منفذ طريبيل، ومن ثم أدخاله الأردن حتى معبر (العقبة ـ النويبع).
وبينما مرت الحقيبة الأولى ليذهب بها بعيداً داخل العبارة، لاحظ ضابط الكمارك الأردني وقبل عودة (سمسم) لاستلام الثانية، بأنها ورغم صغرها، كان وزنها أكثر من المعقول، فشكّ بأمرها، فنادي من يكون صاحبها...

كان على (سمسم) اتخاذ قراراً صعباً وسريعاً، في أن يلتزم الصمت ليُضحي بواحدة، أو يتكلم ليفضح أمره وأمر الحقيبة التي صارت بين يديه، حين ذاك سيقع تحت رحمة سلطات الكمارك الأردنيين، فيُصادرون (الحلال) ويتعرض أيضاً لعقوبة السجن بتهمة التهريب.
قرر (سمسم) السكوت وأن يرضى بقدره بدل أن ينكشف أمره أكثر، وهكذا فرّغ الضابط الحقيبة لينكشف أمرها كونها وهي فارغة، أثقل كثيراً من مثيلاتها.

أسوء اللحظات تلك التي عاشها، وهو يناولهم أتعاب أيام عمره (بحقيبة) من... ذهب !

وصل أخيراً لبلده بنصف كمية الذهب التي حملها معه، مقتنعاً بأن (لعنة الكويت) قد لحقته حتى حدود بلدهِ، ورضي بقدرهِ وأدار ظهره تاركاً عرق الأيام وتعب الليالي، ذكريات حلوة ومرّة، سعيدة وحزينة، قال لها جميعاً... وداعاً.
وداعاً للحقيبة التي احتوت ـ كما قال لي لاحقاً حين ألتقيته بمصر ـ بأن وزن الذهب كان فيها يعادل بالضبط الكيلوين وربع التي كسبها من مغامراته بشراء ذهب الكويت، و(ألف) عافية ـ قال ـ على الأردنيين.

... ترى كم (لعنة) رافقت المكاسب غير المشروعة للمتاجرة بالمال الحرام جراء فوضى اجتياح الجنود العراقيين الكويت، حكايات كثيرة ـ ربما ـ لا يجرؤ على البوح بها أصحابها حتى اليوم...

عماد حياوي المبارك

× بدأ (أبو السماسم) بما تبقى له بسوق خان الخليلي بالقاهرة، ولما زرته في عام 2006، كان يجلس بمحل مكون من ثلاث طوابق، معرض وفوقه ورشة وفوقها مكتب.
يستاهل ابو (السماسم) النجاح، فهو طيب وأمين وقدرَه أن يعمل بالحلال.
سيبارك ربك فيه وفيك، وإنشاء الله كمان وكمان.



#عماد_حياوي_المبارك (هاشتاغ)       Emad_Hayawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ظاهرة البرازيلي
- صراصر... بنات عوائل
- حلال... حلال
- عيون... (العيون)
- (حبيبة)... الحبيبة
- ما في حد... أحسن من حد !
- عصر الفولاذ
- السبي في التاريخ
- جداريات... (تشوّر)!
- في 13 شباط... استذكار شهداء ملجأ العامرية
- تهنئة لمواليد 29 فبراير
- نذر لاند
- البوسطجي
- مدارس أو مذاهب
- لغز بِعثة (فرانكلين)
- عن الأسماء وعن القصص...
- (مغماطيس)... إبن حلال
- من (الديرة)... إلى (كبطاش).
- زيارة... (ميمونة!).
- رحلتي الأخيرة إلى المغرب


المزيد.....




- سلاف فواخرجي تدفع المشاهدين للترقب في -مال القبان- بـ -أداء ...
- الطيران الإسرائيلي يدمر منزلا في جنوب لبنان (فيديو + صور)
- رئيس الموساد غادر الدوحة ومعه أسماء الرهائن الـ50 الذين ينتظ ...
- مجلس الأمن السيبراني الإماراتي يحذّر من تقنيات -التزييف العم ...
- -متلازمة هافانا- تزداد غموضا بعد فحص أدمغة المصابين بها
- ناشط إفريقي يحرق جواز سفره الفرنسي (فيديو)
- -أجيد طهي البورش أيضا-... سيمونيان تسخر من تقرير لـ-انديبندت ...
- صورة جديدة لـ -مذنب الشيطان- قبل ظهوره في سماء الليل هذا الش ...
- السيسي يهنئ بوتين بفوزه في الانتخابات الرئاسية
- الفريق أول البحري ألكسندر مويسييف يتولى رسميا منصب قائد القو ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عماد حياوي المبارك - لعنة الكويت