أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سميح مسعود - قراءة في كتاب - إنها مجرد منفضة -















المزيد.....

قراءة في كتاب - إنها مجرد منفضة -


سميح مسعود

الحوار المتمدن-العدد: 4750 - 2015 / 3 / 16 - 09:17
المحور: الادب والفن
    



هذا الكتاب للشاعر الفلسطيني الكبير الراحل سميح القاسم ، صدر عن دار راية للنشرفي حيفا ، أثار اهتمامي عند تسلمي نسخة منه مؤخراً بعد ثلاث سنوات على صدوره ، وأدركت عقب انتهائي من قراءته على مدى ما ينطوي عليه من لقطات ابداعية على امتداد صفحاته ، صاغها الشاعر الكبير بدفع عاطفي ملحوظ ، تمكن به من توفير مادة منسجمة ومتناغمة في قالب فني بمذاق متميز.

لم يرقد فقيدنا الكبير في الهزيع الأخير من عمره محموماً ، متدثراً بذكرياته ، مرجعاّ خياله بها ، بكل أستار الغموض ، بل على العكس شارك الناس بكل ما في جعبته من ذكريات ، حمل قلمه ماداً جسوراَ من السطور والكلمات مع قراءه في سياق لوحات إبداعية من السرد ، بامتادات وتفرعات كثيرة .

يمكن ملاحظة فرادة هذا الكتاب بدءاُ من عنوانه أولى عتبات النص : " إنها مجرد مِنفضة " لما في العنوان من قدرة إغوائية تدفع القارئ للتعرف على فحوى الكتاب ، وأجده في الوقت نفسه دالة متوافقة مع النص توحي بتشبيهات ساخرة مستحدثة عن الحياة بأنها مجرد مِنفضة ، كررها الكاتب في جوانب سردية كثيرة بميزة تشويقية تقوي إحساس القارئ بما يقرأ ، وعبر عنها مخاطباً نفسه بالقول : "... وبمثل ما يستمر تساقُط الرماد من لفافاتِ تبغِكَ في مِنفضة سجائرك ، فسيستمر تساقط رمادك أنت ، شعراً وجسداً وروحاً وتجربة ً، في مِنفضة الحياة الدنيا ، المِنفضة الهائلة اللامحدودة ، أجل إنها هائلة ولا محدودة ، لكنها تظل في نهاية المطاف مِنفضة مجرد مِنفضة .. إنها مجرد مِنفضة . "

يتناول الكتاب سيرة الشاعر الكبير – الجزء قبل الأخير- وهي سيرة ذاتية ممتعة ، تألق فيها صاحبها في إيقاظ مشاهد كثيرة من حياته ، قدمها على امتداد صفحات الكتاب في نسيجٍ مُحكم ومتوازن ، تناثرت فيها أسماء كثيرة من مجايليه ، وقصص عاشها مثقلة بتداعيات أحداث كثيرة فلسطينية وعربية متشعبة ، تواترت فيها مفردات النص بلغة شعرية متوهجة .

أعاد صاحب السيرة في كتابه تصوير جوانب كثيرة مهمة في مسيرته الحياتية والإبداعية ، تتبع منابت جذوره العائلية ، ومساراته الإبداعية ، وحوادث كثيرة عاشها بتفاصيلها ومداراتها ومدلولاتها التعبيرية إستلها من خبايا ذاكرته العامرة ، يتوالى فيها السرد في سياق روائي ممتع ، ويظهر فيها الراوي / الكاتب كأنه يتحدث عن شخص غائب ، يخاطبه كصديق له ويشجعه على البوح ، يقول له في بداية الكتاب " لا تقلق .لا عليك. خذ قَلمَك وباشر الكتابة . ستقول لنا مَن أنت ومِن أينَ أتيت ... إروي تاريخ أجدادك وفي طليعتهم تاريخ جدك الأول في فلسطين ، الذي تقول أوراق العائلة أنه كان من فرسان المُوحدين ، الذين أبلوا بلاء حسناً تحت قيادة صلاح الدين الأيوبي، لا سيما في الموقعة الكبرى ، موقعة حطين " ولشجاعتهم واستقتالهم في تلك المعركة أكرمهم القائد الكبير بأن وهبهم ضريح النبي شعيب والارض الشاسعة المحيطة به وقفاً خاصاً بهم.

وهكذا ، استهل صاحب السيرة كتابه بتفاصيل ثرية عن شجرة عائلته ، التي يظهر منها أن جذعها يقوم على جده الأكبر خير محمد الحسين الذي قدم الى فلسطين من شبه جزيرة العرب لمقاتلة الفرنجة ، كما يظهر منها أيضا أن لعائلته امتدادت كثيرة في فلسطين وخارجها ، ولها مآثر وطنية ، يكشف النص عن تفاصيلها بالاعتماد على مقاربة توثيقية لأحداث كثيرة ، واستحضار شخصيات بفيض تفاصيل تجاربهم الحياتية بكل ما فيها من تفاعلات انسانية ووطنية ، وتم له في هذا السياق من إيقاذ الكثيرين من جدوده وأهله وناسه إلى الحياة من جديد ، مخترقاً جدار السنين الطويلة ، وتمكن من خلالهم رسم أدق التفاصيل ببصمات إنسانية النبض عن حياة قريته الرامة ، وأجزاء كثيرة من فلسطين ، شكل بها نسقاً معرفياً فريداُ إجتماعياً ووطنياً .

هذا التفاعل مع جذوره العائلية في فلسطين غني الدلالة على عمق فخر واعتزار صاحب السيرة بأصوله العربية ، وتشبثه بارضه وهويته الوطنية ، وارتباطه بالوطن العربي كله، ولهذا جند شعره طيلة حياته للتغني بفلسطين والعروبة وأمجادها ، رش في شعره نبضاً بحروف سَنها باحجار الصُوان المغروسة بجمر الصمود والبقاء ، ونال بجدارة لقب شاعر العروبة وشاعر المقاومة والتصدي والتحدي .

وضمن هذا المجرى استرسل صاحب السيرة برصد صور مجسمة لتجربته في سجون الاحتلال بكل ما فيها من دلالات مأساوية على ذروة فقدان الحرية وقهر الفلسطيني في بلده في ظل ظروف محن موجعة ومريرة ، وتمكن في مشاهد واضحة ومنظورة تناثرت على صفحات الكتاب من تعرية الإحتلال البغيض ، كما تمكن في الوقت نفسه من تصعيد قدرته التعبيرية بدقة عن هموم شعبه النازفة ، وأحاسيسه الوطنية ، وعن عشقه الدائم لارضه ووطنه ، وقدرته على تحمُل وحشة السجون في جولات سجنه المتعاقبة ، وتحمُل كل مسببات القهر وتنويعاته، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً .

والمعروف أنه تصدى مبكراً لقانون التجنيد الإجباري الذي فرضه الاحتلال على أبناء طائفته الدرزية ، وكان أحد المؤسسين للجنة المبادرة العربية الدرزية ضد التجنيد في عام 1972، ودفع ثمن ذلك أياماً وليالي طويلة من عمره أمضاها خلف قضبان الظلم وطغيان الإحتلال ، وبقي وفياً لمبادئه ومقاومته للتجنيد حتى أخر أيام حياته .

ومن المسارات الأخرى اللافتة في الكتاب ، تلك المتعلقة بالمكان، فقد استحضر الكاتب في هذا الجانب أمكنة كثيرة بصور مكثفة في داخل فلسطين ، وفي بعض الدول العربية والأجنبية ، مثل حيفا وعكا وقريته الرامة والقاهرة ودمشق وموسكو ولندن وبراغ وغيرها من المدن الأخرى التي زارها ، أتقن وصف أدق تفاصيل تلك الأمكنة ، وأدق تفاصيل قصص له متصلة بها ، وتمكن في إطارها من النفاذ إلى دواخل أصدقاء التقى بهم من الشعراء والادباء والنقاد ومن أهل السياسة ، تلمس أحاسيسهم الوجدانية ، ونبض مشاعرهم وصلاتهم الإنسانية ، ورصد جوانب من قصص له معهم باسلوب قادر على خطف اهتمام القارئ بتفاصيلها في تتابع الفضاء النصي من قصة إلى أخرى ، وهذا امتياز دون أدنى شك ، حققه الكاتب على امتداد نصه ، اعتبرهُ أحد اسباب المتعة في كتابه .

ويضاف الى كل هذا متعة أخرى تتجلى بذكر قصائد معدودة له ترتبط بأحداث واقعية محددة مؤثرة وملهمة ، تتعلق باصدقاء له تحدث عنهم صاحب السيرة في تكوينات سردية جميلة ، وُفق فيها باستحضار حوارات ومواقف وصورمسترجعة من الذاكرة ، تثير المتعة والدهشة .

وهكذا تسنح الفرصة للمتلقي أن يطلع على نص أدبي بمذاق متميزيعكس ذروات وخواتم وحبكات وعمق حكائي لمشاهد كثيرة من حياة شاعر كبير ضمن تحولات مكانية وزمانية متواترة ، تظهر في منظومة تركيبات نصية بإيقاعات جميلة تتنامى عبر الصفحات في سياق موضوعات كثيرة .

ومجمل القول ، كتاب " إنها مجرد منفضة " إضافة مهمة للأدب العربي ، مؤثر ومًلهم ، يُعطي للمبدعين أنموذجاً جيداً للكشف عما صادفهم من أحداث ومشاهد في مراحل حياتهم المختلفة ، لكي تظل آثارهم مضيئة عبر الأيام .



#سميح_مسعود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ايام في اسطنبول
- منْ مِثلُكِ
- الكلمة الصادقة
- الأوزون وظِلال الحُروب الموحِشة
- مقتل فنان في بغداد
- مَقاطعٌ لها
- أمة إقرأ لا تقرأ
- عن مصر وأقباطها
- المرأة الحديدية
- أشهر فضيحة ثقافية في القرن العشرين
- عيد الميلاد
- نقولا زيادة الحاضر الغائب
- لماذا يسرقون أرضنا ؟
- العشق في مصادر التراث
- جبرا إبراهيم جبرا: متى يُكرم؟
- طفولة شاعر
- ألوانُكِ
- بطاقات شعرية صغيرة
- في البدء كانت الكلمة
- مدينة النجوم


المزيد.....




- أوركسترا قطر الفلهارمونية تحتفي بالذكرى الـ15 عاما على انطلا ...
- باتيلي يستقيل من منصب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحد ...
- تونس.. افتتاح المنتدى العالمي لمدرسي اللغة الروسية ويجمع مخت ...
- مقدمات استعمارية.. الحفريات الأثرية في القدس خلال العهد العث ...
- تونس خامس دولة في العالم معرضة لمخاطر التغير المناخي
- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سميح مسعود - قراءة في كتاب - إنها مجرد منفضة -