أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عادل مرزوق الجمري - ما بعد الإمبراطورية الأمريكية















المزيد.....


ما بعد الإمبراطورية الأمريكية


عادل مرزوق الجمري

الحوار المتمدن-العدد: 1323 - 2005 / 9 / 20 - 09:14
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


إيمانويل تود في "ما بعد الإمبراطورية"
تكهن أنثربولوجي عتيق، دون متى أو كيف؟
ايمانويل تود في‮ ‬كتابه‮ "‬ما بعد الإمبراطورية‮" ‬وعلى مدى ثمانية فصول،‮ ‬يتنبأ بسقوط الولايات المتحدة الأمريكية،‮ ‬وهو يرى أنها أصبحت تلعب دور المثير للفوضى حيثما تستطيع.‮ ‬يرجع تود بمضامين نقده إلى تحليلات انثروبولوجية تختص بالديموغرافيا المدنية في‮ ‬كل من أوربا وأمريكا واسيا واوراسيا،‮ ‬ويشن هجمة شرسه تجاه سياسات الولايات المتحدة،‮ ‬متهماً إياها بأنها تفتعل الحروب كردة فعل طبيعية لإحساسها بتفككها ونهايتها،‮ ‬كما انه‮ ‬يعتمد بقوة على ذلك المكون الرئيس للتركيبة الأمريكية،‮ ‬ويزعم بأنها توليفة لن تستطيع البقاء،‮ ‬وأن الإثنيات المكسيكية والزنجية لازالت‮ ‬غير قادرة على الاندماج السلمي‮ ‬في‮ ‬المجتمع الأمريكي. ‬إلا أن تود لا‮ ‬يعطي‮ ‬المكون الثقافي‮ ‬والسيسيولوجي‮ ‬ذلك التنظير والتفكيك الكافي‮. ‬الذي‮ ‬يعطيه أحقية إصدار سلسلة أحكامه‮ "‬تنبؤاته‮" ‬النهائية‮.‬
تود،‮ ‬عالم الأنثروبولوجيا والديموغرافيا والتاريخ‮. ‬يذهب في كتابه إلى نتائج أولية قلما تجدها لدى الكتاب الإنثروبولوجيين،‮ ‬إذ أنه لم‮ ‬يذكر كلمة أمريكا إلا وأردفها بتعليق ونتيجة‮ "‬أمريكا الإمبريالية المنهزمة‮" "‬أمريكا التي‮ ‬ستزول‮" "‬أمريكا الاستعمار الحديث‮". ولعلها حالة تحيل القارئ الى الإحساس بإنزياح تود من العلمية الى الكتابة السياسية أو حتى الى فلسفة العمود الصحفي في صحافة الرأي. ‬
إن الإسقاط النهائي‮ ‬لنتيجة دراسته الديمغورافية فيه ربط لا أجده ملائما مع مفهوم الإمبراطوريات الحديثة، خاصة إذا ما أخذنا بالإعتبار آخر كتابات الثنائي مايكل هاردت وانطونيو نيغري.‮
‬كل صور الصراع البشري‮ ‬يمكن إسقاطها على الحرب الأسطورية بين أثينا وروما،‮ ‬إلا أن الإمبراطوريات الحديثة القائمة أو القادمة،‮ ‬تختلف‮. ‬وجه الاختلاف أن المنظومة الإمبراطورية الحديثة "‬إمبراطورية ديمقراطية"،‮ ‬حتى وإن كانت ديموقراطية منتقصة أو مشوهة،‮ ‬وهذا ما‮ ‬يجعلها ذات آليات مختلفة‮.‬
سأتفق مع تود على حتمية السقوط،‮ ‬ولي‮ ‬أسبابي‮ ‬الأخرى،‮ ‬لكن التنبؤ‮ (‬الحديث‮) ‬ليس تنجيماً،‮ ‬بل دراسة وبحث،‮ ‬لذا كيف ومتى تسقط الإمبراطورية الأمريكية؟ وعلى‮ ‬يد من؟ وما هي‮ ‬سيناريوهات السقوط؟،‮ ‬هل تلعب القوى الدولية دور المحجم لأمريكا؟،‮ ‬أم أنه تفكك داخلي؟،‮ ‬أم هي‮ ‬صورة تنتهي‮ ‬بهتلرية أمريكية. ‬
إنشغل تود بالإجابة عن سؤال إفتراضي‮ (‬هل‮ ‬يمكن للإمبراطورية الأمريكية أن تسقط؟‮)‬،‮ ‬سواء عسكرياً أو اقتصادياً أو حتى أيديولوجياً،‮ ‬لكنهُ لم‮ ‬يستطع الإجابة على الأسئلة الكبرى،‮ ‬التي‮ ‬هي‮ ‬محور التنبؤ ‬أو قيمته الفعلية، متى؟ وكيف؟‮.‬
ذاته ايمانويل تنبأ بسقوط الإتحاد السوفيتي،‮ ‬بانياً أسَ تنبؤهِ على معدلات الخصوبة والتعليم آنذاك،‮ ‬إلا انهُ هذه المرة،‮ ‬لم‮ ‬يكلف نفسه في‮ ‬تحديد ماهية السقوط،‮ ‬ومدى ارتباطه بدراساته وتحليلاته الديموغرافية‮. ‬إمبراطورية الشرق انتهت،‮ ‬وبقت إمبراطورية الغرب التي‮ ‬امتدت خلال العشرين سنة الماضية بصورة كوكبية،‮ ‬نتائج التاريخ‮ (‬المخادعة‮) ‬تذهب لتود،‮ ‬ولنسلم بها،‮ ‬لكن ما‮ ‬يجب التنبه له والعناية به،‮ ‬هو أن سقوط الولايات المتحدة لن‮ ‬يكون عبر خطاب سياسي‮ ‬خلف المكتب البيضاوي،‮ ‬كما فعل جورباتشوف،‮ ‬ثمة صور أخرى ولعلها ملتصقة بالدمار والقتل،‮ ‬الإنسان الذي‮ ‬بنى جنته في‮ ‬أمريكا هربا من أوروبا الظلام،‮ ‬سيعود مرة أخرى بظلمة لم‮ ‬يتنبأ بها احد‮.‬
تحاليل القوة الأمريكية متفارقة،‮ ‬فهي‮ ‬اقتصادية لدى بول كنيدي،‮ ‬وثقافية دينية لدى هنتنغتون،‮ ‬ودبلوماسية وعسكرية لدى كيسنجر وبريجنسكي،‮ ‬وتبقى القوة الذرية والنووية‮ (2000 ‬رأس نووي‮) ‬أكثر الأمور إخافة عن الخوض في‮ ‬سقوط الولايات المتحدة،‮ ‬لعلنا لا نتجرأ في‮ ‬مخاطبة ذاتنا بتعليق بسيط‮ "نهاية الإمبراطورية الأمريكية سلمية،‮ ‬ولكن أن لا تنتهي‮ ‬سلميا،‮ ‬معناه أن تنتهي‮ ‬وننتهي‮ ‬كلنا معها‮!!".‬
الذهاب إلى الوراء..
سلوكيات عدوانية،‮ ‬جسارة في‮ ‬التحدي،‮ ‬لغة دبلوماسية تتسم بالتهديد،‮ ‬مغامرات عسكرية وسياسية،‮ ‬من جانب عصبة من الحكام لا تضبطها رقابة كافية‮. (‬أمريكا العدوانية‮) ‬هل هذه بالتحديد‮ ‬بوادر نهاية الإمبراطورية التي‮ ‬اعترف بقيامها روبرت كاغان ووليام كرستول‮ "نعم أمريكا إمبراطورية،‮ ‬ويجب أن تتصرف على هذا الأساس مستفيدة من تفوقها الكاسح‮". ‬ولعلنا في‮ ‬خطورة اكبر حين نقرأ في‮ (‬رقعة الشطرنج الكبرى‮) ‬لزبغنيو بريجنسكي‮ "إن حلفاء أمريكا أتباع وخدم،‮ ‬وعليهم أن‮ ‬يدفعوا الجزية‮".‬
يرى تود أن الاندفاعية التعليمية جعلت الأمريكيين‮ (‬أقل خصوبة‮) ‬يعيشون في‮ ‬عالم الفرنسي توكفيل، الذي‮ ‬يرى أن مسيرة الديمقراطية‮ "إلهية‮"‬،‮ ‬وبالطبع‮ ‬يقصد تود أن القابلية للتعليم المميز أعطت الطبقة التي‮ ‬استطاعت الحصول على التعليم المتقدم إحساس تمايز ورقي‮ ‬عن باقي‮ ‬الطبقات،‮ ‬وتؤكد هذا الرأي رؤية ميشال لند في‮ ‬كتابه‮ (‬الأمة الأميركية الثانية‮) ‬والذي‮ ‬صنف فيه الطبقة العليا الحاكمة بالطبقة الأعلى‮. ‬هذه الإشكالية ممتدة إلى بريطانيا‮ (‬الحليف الرئيس لواشنطن‮) ‬ولكن التجربة البريطانية لازالت مصابة بالماضي‮ ‬الأرستقراطي‮ ‬والذي‮ ‬لا‮ ‬يخفي‮ ‬المحافظون الأمريكيون حسدهم لبريطانيا جراء بقائه،‮ ‬ثمة مكون رئيسي‮ ‬في‮ ‬ثقافة الإمبراطورية الأمريكية هي‮ (‬الملكية الأمريكية‮) المفتقدة.‬
قانون ميشال دويل الذي‮ ‬يرى إستحالة قيام حرب بين الأنظمة الديمقراطية الليبرالية،‮ ‬لم‮ ‬يعد ذو أهمية تذكر كما‮ ‬يرى تود،‮ ‬إذ أن الشعوب التي‮ ‬تعيش في‮ ‬الأنظمة الديمقراطية لم تعد تمسك بزمام السلطة،‮ ‬وأنها أصبحت رهينة لعفونة الديمقراطية الغربية في‮ ‬مراحلها المتقدمة‮. ‬نعم كانت أمريكا ناشئة عن أسطورة تاريخية تدعي‮ ‬الهروب من عالم فاسد إلى ارض الحرية والنعيم،‮ ‬من الديكتاتورية إلى ارض الأخلاق والتعددية،‮ ‬ولكنها معادلة أصبحت‮ ‬غير صالحة،‮ ‬فالأمريكيون لا‮ ‬يستطيعون البقاء وحدهم،‮ ‬وهذا ما كان فرضا عليهم فترة‮ (‬الحربين العالميتين‮)، ‬وما اختاروه بمحض إرادتهم في التدخل في‮ ‬الشرق الآسيوي‮ ‬أو الصراع العربي‮ ‬الإسرائيلي‮ ‬أو حتى الحرب على الإرهاب،‮ ‬السؤال‮.. ‬هل كانت أمريكا من‮ ‬يسعى للتدخل،‮ ‬أم أنها الفتاة البريئة التي‮ ‬يجرها الذكور المنتشرون في‮ ‬الرواق للعراك؟‮.‬
أمريكا الإمبراطورية،‮ ‬تسعى للسيطرة والزعامة،‮ ‬وهي‮ ‬في‮ ‬مسيرتها المشوبة بالمخاطر،‮ ‬تصطدم كثيرا بما‮ ‬يدعى بالإجماع الدولي،‮ ‬والذي‮ ‬لا تستطيع تهميشه في‮ ‬كل مرة‮. ‬ولأمريكا الإمبراطورية ثلاث خيارات‮:‬
أولا‮: ‬ألا‮ ‬يتم إيجاد الحل النهائي‮ ‬لموضوع ما لتبرير العمل العسكري‮ ‬الإمبراطوري‮ ‬من قبل الدولة العظمى الوحيدة على مستوى العالم‮.‬
ثانيا‮: ‬التركيز على الدول الصغيرة أو التحالفات الضعيفة،‮ ‬مثل العراق وإيران وكوريا الشمالية‮.‬
ثالثا‮: ‬تطوير أسلحة جديدة من شأنها أن تضع الولايات المتحدة على مسافة متقدمة جدا من أوربا وروسيا،‮ ‬بحيث تصبح سيدة للعالم بلا منازع على أي‮ ‬مستوى من المستويات‮.‬
إن حركة دمقرطة العالم مستحيلة،‮ ‬ويرى تود‮ (‬وهي‮ ‬أقوى رؤاه في‮ ‬أطروحته التنبؤيه‮) ‬أن قيمة الحرية أصلية متجذرة في‮ ‬الجذور الأنغلوسكسونية والفرانكفونية،‮ ‬إلا أنها على الصعيد الألماني‮ ‬والياباني‮ ‬والروسي‮ ‬والصيني‮ ‬والعربي‮ ‬لا توجد أو أنها مشوهة،‮ ‬فاليابان ليست هي‮ ‬أمريكا بعد دمقرطتها وكذلك إيران وكذلك روسيا،‮ ‬تلك الاختلافات تلعب دوراً‮ ‬مهماً‮ ‬وفاعلاً‮ ‬في‮ ‬الصراع،‮ ‬إذ لا تكتفي‮ ‬الولايات المتحدة بدمقرطة العالم ولكنها تريد أن تكون دمقرطتها بمدى ملاءمتها الاقتصادية مع المؤسسة الاقتصادية والسياسية الأمريكية‮. ‬لن تنتهي‮ ‬معادلة الصراع الأمريكية فهي‮ ‬إمبراطورية صراع من الدرجة الأولى،‮ ‬وهذا إيذان بأن لا نهاية للصراع،‮ ‬وان نهاية الصراع هي‮ ‬نهاية واشنطن‮.‬
‮تواجه الأنجلوسكسونية مشكلة بدائية أنثروبولوجية،‮ ‬إذ أن علاقتها مع الآخر ذات تأزم مستمر،‮ كما أن أكثر المحللين السياسيين الحاليين‮ ‬يذهبون بقوة إلى أن الإخفاق الأمريكي‮ ‬في‮ ‬العراق هو إخفاق خطاب سياسي‮ ‬لا إخفاق إستراتيجيا عسكرية،‮ ‬تلك اللغة الخطابية الاستفزازية كان لها تأثير هام في‮ ‬تفعيل المقاومة العراقية‮. ‬المشكلة الأمريكية مشكلة خطاب لا مشكلة تخطيط‮.‬
روسيا الخائبة ستنمو..
التنبؤ بصعود روسيا الاتحادية كقطب بديل لأمريكا،‮ ‬وكحامي‮ ‬للديمقراطية وشرطي‮ ‬للأمن الدولي،‮ ‬فيه مراهنة‮ ‬غريبة على إقتصاد متهالك‮ ‬يسير نحو ليبرالية لها طابعها الخاص الجديد‮. ‬ويرى "تود" بأن اليابان قادرة أن تلعب دوراً‮ ‬حساسا في‮ ‬القوى الدولية،‮ ‬ويراهن على إنفكاكها عن السياسة الأمريكية‮. ‬بالنسبة للحالة الروسية فكما ذكرت هي‮ ‬تعيش حالة مخاض طويل للتخلص من المؤسسة الماضية والتي‮ ‬لها جذورها التي‮ ‬لازالت تسيطر على الكثير من المؤسسات الاقتصادية،‮ ‬كما أن فساد المؤسسة العسكرية الروسية لجمة قوية عن أي‮ ‬تطور قد‮ ‬يمثل تهديدا لمشروع الدرع الصاروخي‮ ‬الأمريكي‮. ‬
اليابان ليست منفكة أو مستقلة عن الاقتصاد الأمريكي‮ ‬وحجم التبادل الاقتصادي‮ ‬قوة تصب لصالح الأمريكيين،‮ ‬صحيح أن التبادل التجاري‮ ‬يصب لصالح اليابانيين، إلا أن ثبات‮ (‬الين الياباني‮) ‬يعتمد اعتمادا كليا على ثبات الاقتصاد الأمريكي،‮ ‬بمعنى أن سقوط واشنطن هو سقوط لطوكيو في‮ ‬ذات الوقت‮.‬
ايمانويل تود،‮ ‬يؤسس مغالطة خطيرة في‮ ‬التبشير بليبرالية روسية ناجعة،‮ ‬ويضيف عليها مغالطة أخرى بأن ثمة مسيرة ديمقراطية قوية تكتسح العالم بدون أمريكا،‮ ‬ويرى‮ "‬أن الديمقراطيات المختلفة التي‮ ‬تنشأ في‮ ‬العالم ستضطر الولايات المتحدة إلى الركون بآلتها العسكرية جانبا‮".‬
السؤال،‮ ‬هل أنظمة الحكم في‮ ‬الشرق الأوسط داخلة بالفعل في‮ ‬تسارع سيسيولوجي‮ ‬نحو الديمقراطية؟ وهل الصين ديمقراطية؟،‮ ‬وهل روسيا الاتحادية ذات نظام ديمقراطي؟،‮ ‬وهل كان صدام حسين أو ملا عمر رجلا ديمقراطية وإصلاح؟‮. ‬فلنسلم أن أمريكا تتداخل بعنف في‮ ‬العديد من المناطق ذات التأثير الاقتصادي‮ ‬على مصالحها،‮ ‬ولكن من صور ممارسة الخديعة على النفس أن ندعي‮ ‬أننا نعيش في‮ ‬عالم ديمقراطي‮ ‬باستثناء أمريكا الديكتاتورية‮. ‬
يدعو تود إلى مقاطعة الولايات المتحدة في‮ ‬حربها على الإرهاب،‮ "‬لنترك أمريكا الحالية تستنفذ ما بقي‮ ‬لها من طاقة في‮ ‬محاربة الإرهاب،‮ ‬تلك الحرب التي‮ ‬تسعى من ورائها إلى الاحتفاظ بهيمنتها التي‮ ‬لم تعد موجودة،‮ ‬وإذا أصرت على أن تثبت قوتها الهائلة فإنها لن تفلح في‮ ‬أكثر من أن تكشف للعالم عن عجزها‮". ‬يكرر تود هذه النظرة،‮ ‬إن أمريكا هي‮ ‬لوحدها المعنية بالحرب على الإرهاب،‮ ‬وأنها الوحيدة المستهدفة بذلك‮. ‬ولكن كيف لنا أن نفسر صور الإرهاب التي‮ ‬تنتشر في‮ ‬العالم أجمع،‮ ‬في‮ ‬روسيا وأوربا والدول العربية‮. ‬ليس الإرهاب قضية أمريكية فقط،‮ ‬هو قضية كوكبية‮. ‬وليست أمريكا وحدها المعنية بالنظر وبدراسة وبمقاومة هذه المشكلة،‮ ‬بل العالم اجمع‮. ‬
على الصعيد ذاته،‮ ‬الولايات المتحدة تلعب آلتها العسكرية دورا رئيسيا في‮ ‬الحرب على الإرهاب،‮ ‬وهي‮ ‬نجحت حتى اليوم ومنذ الحادي‮ ‬عشر من سبتمبر في‮ ‬حماية أراضيها من أي‮ ‬اعتداء،‮ ‬وعلى العكس فشلت أسبانيا وروسيا والسعودية والمغرب والجزائر في‮ ‬ذلك‮. ‬تحاول الولايات المتحدة أداء مهمتين في‮ ‬وقت واحد،‮ ‬فهي‮ ‬في‮ ‬نفس الوقت الذي‮ ‬تحارب فيه الإرهاب، هي تحاول وضع مصالحها القومية والإستراتيجية الاقتصادية في‮ ‬الحسبان،‮ ‬فليست أسلحة الدمار الشامل العراقية هي‮ ‬الذريعة أو المبرر الوحيد لغزو العراق،‮ ‬بل أن هناك مصالح كثيرة ومهمة.‮ ‬لماذا‮ ‬يصل سعر برميل النفط إلى خمسين دولارا دون أي‮ ‬اعتراض،‮ ‬وهل وقع الأمريكيون على نفط في‮ ‬المريخ،‮ ‬أم أن النفط العراقي‮ ‬يشحن مجانا‮ "ضريبة حرية‮" ‬إلى مصانع التكرير الأمريكية‮.‬
إن النقطة الأكثر وضوحاً‮ ‬هي‮ ‬ذهاب تود إلى مفهوم مهم وجديد،‮ ‬وهو أن الديمقراطية كلما اتسعت رقعتها،‮ ‬كلما كانت أكثر تشوه في‮ ‬مناطقها الأم المركزية،‮ ‬بمعنى أن الولايات المتحدة التي‮ ‬تسعى لنشر الديمقراطية في‮ ‬العالم أصبحت لا ديمقراطية في‮ ‬الداخل،‮ ‬سواء عبر التعرض لحرية المسلمين أو حتى المكسيكيين‮ (‬راجع مقالات هنتنغتون الأخيرة في‮ ‬مجلة السياسة الخارجية الأمريكية‮) ‬تعاني‮ ‬الحريات الشخصية في‮ ‬الولايات المتحدة حاليا إشكاليات كبرى،‮ ‬ولا‮ ‬يستطيع احد إنكارها،‮ ‬أو التقليل من أثارها المستقبلية‮.‬
كما تعاني‮ ‬الهوية الأمريكية من عدم اندماج السود‮ (الهسبانيك‮) ‬ونشوء القوميات المكسيكية،‮ ‬وهي‮ ‬نقطة تحسب لتود،‮ ‬هذه الإشكالية‮ ‬يرجعها البعض لتلك القوميات الناشئة إبان تكون الولايات المتحدة،‮ ‬خاصة‮ (‬القوميات الألمانية‮) ‬التي‮ ‬كانت تشكل خطورة اكبر على بناء الدولة الأمير كية،‮ ‬إلا أن السياسات الأمريكية آنذاك استطاعت إذابة تلك الكتل وجعلها قادرة على الانخراط داخل تشكيلة الهوية الأمريكية الحديثة‮. ‬
النتائج المقلقة..
"‬إنها ضعيفة جدا‮.. ‬عسكريا واقتصاديا وأيديولوجيا‮"‬،‮ "المجتمع الأمريكي‮ ‬يعتبر نفسه بالطبيعة معاديا للدولة‮" ‬نتائج‮ ‬غريبة؟!!‮. ‬هل‮ ‬يمكننا القبول بهذه الرؤية؟‮. ‬بالطبع أيديولوجيا تعاني‮ ‬الولايات المتحدة العديد من المشاكل،‮ ‬إلا أن الصراع الليبرالي‮ ‬بين الحزبين ما انفك على هذا المنوال،‮ ‬ولا‮ ‬يمكن اعتبار الاستحقاقات الرئاسية مؤشراً‮ ‬لسقوط الولايات المتحدة‮. ‬فالعملية الانتخابية لها طابعها المعهود منذ بداياتها،‮ ‬ولم تكن هذه الإشكالية الثنائية ذات تأثير على مستوى التماسك المجتمعي‮ ‬في‮ ‬أي‮ ‬فترة من الفترات‮.‬
الجانب العسكري،‮ ‬تتوزع الإمبراطورية الأمريكية على ‮٦٢ ‬دولة،‮ ‬ينتشر فيها ‮260000 ‬ألف جندي،‮ ‬كما أن السيطرة الجوية والبحرية تميل لصالح الإمبراطورية بقوة،‮ ‬حتى روسيا التي‮ ‬يعتبرها تود المنتصر الرئيس في‮ ‬الحرب العالمية الثانية،‮ ‬أصبحت تعتمد في‮ ‬كثير من عملياتها التحديثية‮ - ‬رغم قلتها‮ - ‬على التكنولوجيا الأمريكية‮. ‬كما أن الآلة العسكرية الأمريكية إذا ما حللنا بدقة أماكن تواجدها الدولية نجدها قريبة وقادرة على التدخل في‮ ‬أي‮ ‬منطقة من مناطق الصراع الدولية،‮ ‬بما فيها روسيا الاتحادية‮.‬
اقتصاديا،‮ ‬يعول تود نظريته على العجز المتنامي‮ ‬في‮ ‬الموازنات الأمريكية خاصة قبل ‮2001 ‬م،‮ ‬ويرى أن المؤسسات الأمريكية الكبرى تحولت إلى مؤسسات متعددة الجنسيات،‮ ‬وأنها بذلك تحررت من براثن الإمبراطورية‮. ‬لدي‮ ‬نقاط أود الإشارة إليها في‮ ‬هذا الصدد،‮ ‬لابد من التنبه إلى أن المؤسسات متعددة الجنسيات تصب أموالها وتحتفظ بها في‮ ‬المصارف الأمريكية،‮ ‬وهي‮ ‬بذلك تكون أشبه بالمال العام في‮ ‬الاقتصاد من بورصة وعمليات شراء وبيع للعملات،‮ ‬بمعنى أنها نسيج من الاقتصاد الأمريكي‮ ‬ذاته‮. ‬كما أن الدينامية التي‮ ‬يتمتع بها الاقتصاد الإمبراطوري‮ ‬وباعتراف تود ستبقى تغري‮ ‬كافة رؤوس الأموال العالمية بالبقاء في‮ ‬السوق الأمريكية‮. ‬وفي‮ ‬دراسة أخيرة لوزير الخزانة الأمريكي‮ ‬السابق في‮ ‬عهد كلينتون‮ ‬يشير فيها إلى خطر معاكس لما‮ ‬يراه تود،‮ ‬إذ أن دينامية وحركة الاقتصاد الإمبراطوري‮ ‬تجره إلى حقيقة أكثر‮ ‬غرابة،‮ ‬وهي‮ ‬انعدام مفهوم التوفير لدى الأمريكيين‮. ‬بمعنى أن المال في‮ ‬حركة دائرية متصلة‮.‬



#عادل_مرزوق_الجمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصحافة المدنية والصحافات الأخرى
- عقوبة واشنطن !!
- !!الأمريكيون.. بطعم الشوكولا
- نعم.. لمطرقة الإصلاح بالخارج.
- التشكيل السياسي الأمريكي -تحت المجهر-:
- ما يمنع الصحافة أن تتأدب؟
- يتلاعبون بالإعلام والصحافة
- من خيارات الإرهاب إلى المدنية العجوزة..
- الولايات المتحدة، الإعتباطية المنظمة!!
- صحافيون متعجرفون
- كيف تدير مجموعات المعارضة العربية إعلامها؟: بعيداً.. عن الزو ...
- قراءة في الحقل الإلكتروني معرفيا..
- قنواتنا الحكومية كسيحة، والإتجاه نحو الغرب سيفشل
- تأديب برابرة الليبرالية الجديدة
- لماذا، وكيف تقرأ.. هذه الجريدة.. ؟
- أحداث سبتمبر جديدة.. على الأبواب


المزيد.....




- من أجل صورة -سيلفي-.. فيديو يظهر تصرفا خطيرا لأشخاص قرب مجمو ...
- من بينها الإمارات ومصر والأردن.. بيانات من 4 دول عربية وتركي ...
- لافروف: روسيا والصين تعملان على إنشاء طائرات حديثة
- بيسكوف حول هجوم إسرائيل على إيران: ندعو الجميع إلى ضبط النفس ...
- بوتين يمنح يلينا غاغارينا وسام الاستحقاق من الدرجة الثالثة
- ماذا نعرف عن هجوم أصفهان المنسوب لإسرائيل؟
- إزالة الحواجز.. الاتحاد الأوروبي يقترح اتفاقية لتنقل الشباب ...
- الرد والرد المضاد ـ كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟
- -بيلد-: إسرائيل نسقت هجومها على إيران مع الولايات المتحدة
- لحظة تحطم طائرة -تو-22- الحربية في إقليم ستافروبول الروسي


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عادل مرزوق الجمري - ما بعد الإمبراطورية الأمريكية