أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - هادي اركون - بعض مظاهر بيانية النص القرآني















المزيد.....

بعض مظاهر بيانية النص القرآني


هادي اركون

الحوار المتمدن-العدد: 4747 - 2015 / 3 / 13 - 20:49
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    



لا يخضع النص البياني ،لمقتضى الاتساق المعهود في النصوص البرهانية .فهو يعبئ كل طاقات اللغة ومخزوناتها ،في التعبير عن القصد الأساس : حمل المتلقي على الانقياد .
عادة ما يستثمر النص البياني ،المخزون البلاغي والأسطوري والمجازي للثقافة ويوظفه ،حتى يتمكن من التأثير الفاعل في المتلقي .لا يمكن التأثير في المتلقين ، دون إثارة حساسية الأفراد والجماعات ،ومحتويات الذاكرة الجمعية ،ونوابض الوجدان الجمعي .
النص ومخزونات الذاكرة الجماعية :
يمتاز النص البياني ،بتفاعله الدائم مع مخزونات الذاكرة الجماعية ؛فاللغة العربية خزان ،ثقافي ،ممتلئ بالخبرات والتصورات والأساطير الجماعية المختلفة ، جوهريا ،مع الخبرات المفترضة في المعيارية الاسلامية .
فأيا تكن قدرته ، على تطويع تلك الذاكرة لخدمة الهدف التوحيدي ،وإقناع الآخرين بالاندماج ،في تاريخ النجاة ،فإنه لا يتمكن كليا من تطهير اللغة من مخزوناتها الثقافية القديمة.
إن تطهير اللغة من كل مخزوناتها القديمة ، وهي تشبيهية أساسا ،غير ممكن ،عمليا ، وغير متصور وظيفيا . تحويل مجرى اللغة ، يعني الانقطاع عن تقاليد التلقي والتدوال ، والحال أن النص المؤسس ،يراعي خصائص العربية ،بلاغة وتداولا .
فكما تيسر مخزونات اللغة التواصل والتداول ،فإنها تلون المضامين الجديدة ،بأفكارها وترسباتها ومضمناتها الميتافيزيقية(أحسن الخالقين ،أرحم الراحمين...... الخ).
وبما أن اللغة تشبيهية ،أساسا ،فإن تطويعها لأداء أكثر التصورات وحدانية غير متيسر في كل الحالات .وقد بدل المتكلمون ،لفك الارتباط بين اللغة وتشبيهيتها محاولات تأويلية ،اتسمت بالتضارب ،مما حفز البعض على التشكيك أصلا ، في جدوى الكلام وقدرته على رفع التباسات اللغة التشبيهية ورفض المجاز والتخييل جملة وتفصيلا(الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة لابن تيمية ) .
النص واللامعقول :
لا ينطلق النص البياني ،من التفكير العلي ، المستقصي دوما للعلل والمعلولات ؛بل يعتمد على تصور رمزي وتمثيلي للظواهر الكونية ،وعلى شبكات ترابطات وتعالقات ميثية غير مقبولة في الفكر العقلاني .
لا يمكن بناء نص بياني ،دون الالتجاء إلى الأسطرة ودون إعادة بناء العالم خياليا ؛وكل إعادة بناء للخيال و المتخيل ،تحتاج ،إلى إضفاء السمات اللاعقلانية على العقلاني أي على الكون والتاريخ والإنسان .فالعقلاني ،لا يبعث على الدهشة ،ولا يثير الخيال ،ولا يحفز النفوس على التفكير في حلول بديلة للمعضلات الوجودية الكبرى ،ونيل الأبدية بالاندماج الطوعي في تاريخ النجاة .
فقد تميزت النصوص البيانية في كل الثقافات الآسيوية الكبرى ،بأسطرة الحوادث والشخصيات والظواهر الطبيعية والاجتماعية ،والإجابة الميثية عن مخاوف ومنتظرات الإنسان(جالجامش والفيدا والأفستا....الخ ) .
ولذلك ،فلا يمكن تعقل النصوص اللامعقولة(حديث النمل وهدهد سليمان وإحضار عرش ملكة سبأ بلقيس ويأجوج ومأجوج وناقة صالح ) ،بالإحالة على تفسيرات غير متسقة مع مقصد النص وآليات اشتغال دلاليته ،بل بالإحالة على بيانيته ومشابهتها للنصوص الكبرى في التقاليد الثقافية السامية ،وبخاصة التوراة والأناجيل .
لقد حاول بعض المفسرين ،قديما وحديثا،استحداث تفسيرات عقلانية ،لآيات مشكلة ؛ دون مراعاة خصوصية النص البلاغية والأسلوبية والدلالية والتداولية .
وقد حاول بعض الإعجازيين ،البرهنة على علمية تلك النصوص ،رغم منافاة تأويلاتهم لأدنى خصوصيات النص البياني .
تباينات النص :
يمتاز النص البياني ،بالتباين والتعدد والتغاير ،تبعا للمستجدات ونوعية التفاعل مع استجابات المخاطبين . كما أن كل سياق ثقافي ،يتطلب تكييفات ضرورية .إن للنص أبعادا تداولية واضحة ،فبما أن السياقات مختلفة ، فمن الضروري أن تراعى هذه الاختلافات في طبيعة التفاعلات النصية . وقد حاول المفسرون ،حل تضارب النصوص ،إما باصطناع تفسيرات أو تأويلات ، عبر توسيع أو تضييق دلالات الكلمات والعبارات والجمل ، أو توسيع أو تضييق مساقات أو سياقات النصوص ،أو بالإحالة إلى أسباب النزول أو اعتماد نظرية النسخ .
ليس الكون ،من زاوية النص القرآني ،إلا علامات وآيات ، دالة على الخلق وعلى الرعاية (دليل الاختراع و دليل الرعاية لدى ابن رشد ) والسير نحو التاريخ الآخر ،"تاريخ" الأبدية ؛لا مجال في التداول البياني ،لتعقل الكون ،بل للانبهار والاندهاش إزاء آياته وإيحاءاته .
لا يقدم النص البياني ،أي دليل علمي حول القوانين الكونية أو حول بداية الكون وظهور الحياة والإنسان .فوظيفته الأساسية ،هي تحفيز الفرد ،على التفكير على نحو مخصوص في العلامات الكونية ،ومالآتها القيامية.
فالفرد مدعو هنا ، إلى التفاعل أو الانفعال الوجداني أمام حقائق قدسانية ،موحية بالرهبة والدهشة والطاعة .
ليس النص البياني نصا متسقا واستدلاليا وبرهانيا ، بل هو نص تمثيلي ،يستعين بكل مكنونات الذاكرة الجمعية ومخزوناتها البلاغية والأسطورية والمجازية ،لإقناع المترددين بالاندماج العاطفي والوجداني والسلوكي في سيرورة تاريخ آيل إلى القيامة.
وكل المشاهدات الكونية ،إنما تعضد هذا القصد ،بالدرجة الأولى،ولا تورد لذاتها كما في الكتب الطبائعية قديما ، أو في كتب العلوم التجريبية حديثا .
ليس الكون إلا إشارات وعلامات على تمام القدرة ،ورموزا للتأويل وإعادة التأويل ،وفقا لما يقتضيه الفكر والتاريخ التوحيديان .
وبما أن اللغة الطبيعية تشبيهية ،أي غير متسقة ومنضبطة مثل اللغة العلمية ،فإنها مولدة لتأويلات متعددة ,إلا أن عرض تلك التأويلات على القصد الأول ،ينفي التناقض ،ويوضح المشكل كما يعتقد بعض المتخصصين في علوم القرآن والتفسير والكلام .
(وليس على كتاب الله تحريف الجاهلين ،وغلط المتأولين.وإنما كان يجد الطاعن متعلقا ومقالا لو قال :والأرض بعد ذلك خلقها أو ابتدأها أو أنشأها ،وإنما قال: (دحاها) فابتدأ الخلق للأرض على ما في الآي الأول في يومين ، ثم خلق السموات وكانت دخانا في يومين ،ثم دحا بعد ذلك الأرض ،أي بسطها ومدها ، وكانت ربوة مجتمعة ، و أرساها بالجبال ، وأنبت فيها النبات في يومين ، فتلك ستة أيام سواء للسائلين ، وهو معنى قول ابن عباس .
وقال مجاهد :بعد ذلك في هذا الموضع ، بمعنى (مع ذلك)،و (مع) و ( بعد ) في كلام العرب سواء .) 1)
لقد أدرك بعض المتخصصين ،القدماء تشبيهية النصوص واستعانوا بخصائص العربية لتبرير المشكل والغامض والمتناقض والمبهم ( ابن حزم والسيوطي ... الخ) ،إلا أنهم حصروا ذلك في النصوص المتشابهة ،دون المحكمة ،متناسين ،أن التشبيه يطال اللغة في كل صياغاتها.
التكرار في النص :
ينتج عن مراعاة السياقات الظرفية ،التأكيد على بعض النصوص ،وإعادة صوغها ،تبعا لمقتضيات السياق وتداعيات الموقف السياسي أو العسكري أو الاجتماعي .وهذا ما يفسر ،ظاهرة التكرار ،المميزة لبعض أجزاء النص القرآني .
كما يرجع التكرار إلى مراعاة الإيقاع،والمراهنة عليه في التأثير في المتلقي .ومن المعلوم ، أن النصوص البيانية ، كثيرا ما تراعي الجماليات الصوتية ، وتعتمد على التناغم الصوتي ، لتحقيق الوقع وكسب موافقة المتلقي .
(و أما تكرار الكلام من جنس واحد وبعضه يجزئ عن بعض ، كتكراره في:( قل يا أيها الكافرون) [الكافرون:1]وفي سورة الرحمن بقوله:( فبأي ألاء ربكما تكذبا) [ الرحمن: 13] فقد أعلمتك أن القرآن نزل بلسان القوم ، وعلى مذاهبهم . ومن مذاهبهم التكرار : إرادة التوكيد والإفهام ،.....) 2
الناسخ والمنسوخ :
يمكن فهم مسألة النسخ على نحو جديد ،في ضوء بيانية –أدبية النص القرآني .
إن للنص البياني ،استراتيجيات للإنشاء ،واستراتجيات للتكييف . تحدد استراتيجيات الإنشاء ،المحاور الأساسية للاعتقاد ( الالوهية والنبوة والمعاد ) ،فيما تحدد استراتجيات التكييف ،الشرائع والأحكام ،الملائمة لطبيعة السياقات البيئية والظروف الزمانية ونوعية التلقي والتداول .
إن للسياق المكي ،خصوصيات ،لا بد من مراعاتها ،وإلا استحال تفعيل استراتيجيات الإنشاء . أما السياق المدني ، فتميز بالاشتغال على نحو أوضح ،على استراتجيات التكييف ،تبعا للمستجدات العسكرية والسياسية والثقافية ، وطبيعة التوازنات بيثرب و بالجزيرة العربية عموما .
وكلتا الإستراتجيتين ،تشتغلان بمقتضى البيان ،وتنبنيان،جوهريا ، على استثمار طاقات اللغة و المجاز ومخزونات الذاكرة العربية والذاكرة السامية(التوراة والأناجيل والتلمود ) .
إن رافضي النسخ من القدماء والمحدثين ،يكتفون بمراعاة مقتضيات استراتجية الإنشاء دون الاهتمام بآلياتها وإجراءاتها البيانية في الانجاز . أما المدافعون عنه ،فيكتفون بإستراتجية التكييف ،دون الاهتمام بالآليات البيانية ،الموظفة في تحقيقها .
ثم إن للكلمات اشتباهها ،وتعدد دلالاتها وإيحاءاتها القريبة و البعيدة ؛وهذا ما يفسر الاختلاف حول بعض الآيات ،فذهب البعض إلى أنها منسوخة ،فيما تمسك البعض الآخر بإحكامها .
لنتأمل هذا النموذج الدال والمعبر .
(-أخبرنا أبو بكر بن حبيب العامري ، قال : ابنا علي بن الفضل ، قال : ابنا عبد الصمد ، قال : ابنا عبد الله بن حمويه ، قال : ابنا إبراهيم بن حريم ، قال : ابنا عبد الحميد ،قال : بنا إبراهيم ، عن أبيه ، عن عكرمة ( اتقوا الله حق تقاته ) قال ابن عباس : فشق ذلك على المسلمين ،فأنزل الله عز وجل بعد ذلك (فاتقوا الله ما استطعتم ) [التغابن :16])
(-أخبرنا المبارك بن علي ،قال : ابنا احمد بن الحسين بن قريش ، قال : ابنا إسحاق البرمكي ، قال : ابنا محمد بن إسماعيل بن العباس ، قال : بنا أبو بكر بن أبي داود ، قال : بنا يعقوب بن سفيان ، قال : بنا أبو صالح ، فال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ( اتقوا الله حق تقاته ) قال : لم تنسخ ،ولكن (حق تقاته) :أن يجاهدوا في الله حق جهاده ،ولا يأخذهم في الله لومة لائم ،ويقوموا الله بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم .) 4
قصارى القول أن اليقين التداولي ،هو يقين التفسير والتأويل ،أي يقين العمل التاريخي ،المنجز في إطار الحضارة العربية –الاسلامية ،لا يقين النص الموسوم بالبيانية والاحتمالية والتعددية.
وبما أن هذا اليقين التداولي تاريخي ،فمن اللازم إعادة النظر في آلياته وإنجازاته التفسيرية والتأويلية وإعادة استكشاف النص في ضوء بيانيته وتشبيهيه،وتقريبه من النصوص الكبرى في تاريخ البشرية.
ويقتضي هذا الاستكشاف،إعادة النظر ،جذريا في التأويلية الاسلامية القديمة والحديثة وفي مناهج الأصوليين( أصول الدين و أصول الفقه)،وربط الصلة مجددا بالمدونات النصية والميثية السامية والآسيوية.

الاحالات :
1-[ ابن قتيبة : تأويل مشكل القرآن ،علق عليه : إبراهيم :شمس الدين ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان ، 2002،ص.47-48] .
2-[ ابن قتيبة : تأويل مشكل القرآن ،-ص. -149] .
3-[جمال الدين بن الجوزي،نواسخ القرآن ،المكتبة العصرية ،صيدا،بيروت،2004،ص.98 ]
4-[جمال الدين بن الجوزي،نواسخ القرآن ،ص.100]


هادي اركون



#هادي_اركون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في بيانية النص القرآني
- طه عبد الرحمان التأنيس في زمان التحريق


المزيد.....




- -بعد فضيحة الصورة المعدلة-.. أمير وأميرة ويلز يصدران صورة لل ...
- -هل نفذ المصريون نصيحة السيسي منذ 5 سنوات؟-.. حملة مقاطعة تض ...
- ولادة طفلة من رحم إمرأة قتلت في القصف الإسرائيلي في غزة
- بريطانيا تتعهد بتقديم 620 مليون دولار إضافية من المساعدات ال ...
- مصر.. الإعلان عن بدء موعد التوقيت الصيفي بقرار من السيسي
- بوغدانوف يبحث مع مدير الاستخبارات السودانية الوضع العسكري وا ...
- ضابط الاستخبارات الأوكراني السابق يكشف عمن يقف وراء محاولة ا ...
- بعد 200 يوم.. هل تملك إسرائيل إستراتيجية لتحقيق أهداف حربها ...
- حسن البنا مفتيًا
- وسط جدل بشأن معاييرها.. الخارجية الأميركية تصدر تقريرها الحق ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - هادي اركون - بعض مظاهر بيانية النص القرآني