أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - فداحة العنف حتى الثوري -فصل يثبت العنوان-















المزيد.....



فداحة العنف حتى الثوري -فصل يثبت العنوان-


سلام إبراهيم
روائي

(Salam Ibrahim)


الحوار المتمدن-العدد: 4746 - 2015 / 3 / 12 - 09:00
المحور: الادب والفن
    


الحرب قذرة والعنق قذر حتى المشروع. أقدم هنا مقطعا من فصل من روايتي -الحياة لحظة- وسأتمه وأكمله كي يرى القارئ فداحة العنف حتي المشروع
فليرْمِها بحجر-1-
تمدد «إبراهيم» مسترخيًا على الأريكة يحدق في الصباح. لبث إزاء النافذة ساعات.. ينصت بسكينة تامة إلى الأصوات الخافتة القادمة من الخارج.. ينصت مستمتعًا بالوحدة، وهو يستعيد أصغر تفصيل منذ طيرانها مع طفليهما إلى اللحظة التي خرج فيها «شيركو» مع المرأتين.
أقل من شهر، انفتح له عالم عجيب كان يفور في الخارج.. بينما يقبع هو في زاوية منسية مملة معتمة، تثقل زمنه القصير بتفاصيل شديدة التفاهة عن لعب دور الزوج الوفيّ والأب الصالح، وتقنين الحياة في مواعيد محسوبة : النوم والأكل والجنس.. ولولا تجربة كردستان التي جعلته يتصارع مع المحيط، في مواجهة الخطر الكامن بقصف الطائرات اليومي، شبح الموت الحائم مع كل مفرزة يعبر فيها كمائن، التجمد في قمم الجبال في عز الشتاء، ومقاومة رجال العصابات المحرومين، وهم يحاولون الإيقاع بها.. لما ظل قابعًا في تلك الزاوية، التي سرعان ما اكتشف عاديتها وثقل قيودها في دمشق؛ إذ تحولت فيه الزوجة إلى رقيب يحسب عليه كل خطواته وتصرفاته..
سنة واحدة أطل منها على بؤس المؤسسة.. لكنه كان محاصرًا بعيون طفليه وتاريخ تعلقها المجنون به وغموض مصيرهم.. لكن بعد طيرانها ووصولها إلى الدنمارك بكل ما يحمله ذلك من أمان وجد نفسه مهيأً لخوض غمار هذا العالم الذي ظل ثاويًا في أعماق نفسه يتوق إليه، توقه القديم عندما كان يحلم في صباه ، وهو يتدله بالقراءة ، بالعيش في أمكنة بعيدة غريبة وسط أقوام آخرين..
هاهو حلم يقظته الذي رافقه منذ الطفولة والصبا يتحقق بالضبط.. وسط الروس في شقة بطرف موسكو وحيدًا، يتسكع في الأمكنة والزوايا والأسواق شاردًا حالمًا دون أن تثقله الهموم، يدور دون أوراق تثبت شخصيته، لا يدري، ولا يهمه ما تخبئ له الأيام.. يتجول مستعيدًا لحظات حلمه الشارد القديم، وهو يعانق الوجوه الغريبة، الملفوفة بالأسرار، الراطنة بلغتها المبهمة.. يبادل كل من تلتقي به عيناه البسمة..الشيوخ والعجائز، الشابات والأطفال، ويروح في لعبة ممتعة متخيلًا قصص حياتهم المختلفة، مرتبًا حكايته الخيالية حسب انفعال الوجوه وما تشي به القسمات من تكوين..
لعبة ممتعة يمر فيها الزمن خفيفًا جميلا.. ممتعًا مع البيرة وكؤوس الفودكا، التي يتناولها بشكل متقطع طوال الليل والنهار.. يساعده في غزارة الأخيلة الكم الهائل من الروايات، والتي قرأها عن حياة الروس منذ «ديستويفسكي» حتى «إتيماتوف».. قصص المناضلين الشيوعيين الأوائل في «أم» «مكسيم غوركي»، قصص الأنصار الروس في الحرب العالمية الثانية، التي كانت تملأ مكتبات قواعد الأنصار في كردستان، كان يشعر أنه يفهم ما يقولونه رغم معرفته القليلة جدًّا بالروسية، يتجول بنشوة الحالم.. ثم دخوله العاصف من قاعها المنسي.. المتشردة السكيرة ثم الشاعر وبائعتي الخضرة..
- مدد.. مدددددددددددد!
قفز من الأريكة صارخًا وهو يشعر بغبطة طير يجوب الأعالي. وركض مثل مجنون نحو المطبخ.. تلقف قنينة الفودكا وصب كأسًا.. أفرغها في جوفه دفعة واحدة وصب الثانية والثالثة.. ظل يعب ويصرخ، يعب ويهذي من غبطة لم يسعها قلبه الصغير.. استعر صراخه، صار مبهمًا وكأنه يصدر من حيوان بري لحظة تساقط ندف الثلج بكثافة من جديد.. يصرخ ويهذي ناطقًا بأسماء أشجار ..بشر.. سواقي ماء.. بساتين.. يهذي ويصرخ إلى أن سقط على السرير، وراح في نومٍ عميق.. ليفز عند منتصف الليل محدقًا حواليه في أشياء الغرفة الغارقة في عتمةٍ باهتةٍ .. في السقف.. في النافذة.. في كفيه المتيبستين متسائلًا:
- أين أنا؟!
وقليلا.. قليلا عادت به أشياء الغرفة والنافذة، وندف الثلج التي لم تنقطع وبقايا بخار السكر ؛ إلى غبطته التي ما زالت قوية، فنهض نشطًا يصرخ من جديد وهو في طريقه إلى المطبخ لملء كأس أخرى من الفودكا صبها في جوفه، ثم انطلق يدور بين المطبخ والممر والغرفة يغني بصوته الأجش.. يغني ويشرب.. يصرخ ويشرب.. يضحك قائلا:
- مرة واحدة.. مرة واحدة خلصت من الحرب بالجبهة والخوف من كلاب السلطة.. ومن الحزب ورجال العصابات والموت بالجبل.. ومن العائلة.. مرة واحدة.. مدددد.. مرة واحدة.. ولكم صرت طير.. والله طير.. شوفوا راح أطير.
وراح يدور بأرجاء الغرفة رافًّا بذراعيه.
كان أحيانا يصحو قليلًا من دوار الغبطة والسكر، فيجد نفسه وحيدًا وسط الشقة التي عاد الغبار يتراكم على الأرض والأريكة والسرير والمكتبة والحيطان وكل شيء.. يقترب من الهاتف الميت المغبر متسائلًا:
- وين صار «شيركو»؟!
فمنذ هبوطه بئر السلم في ذلك الصباح لم يظهر، ولم يتصل.. وكأن كل ما جري لـ «إبراهيم» كان حلمًا أو أخيلة سكر، رواية قرأها منذ زمن بعيد، يفزعه الصحو والغبار، صمت الشقة والنافذة المطلة على سكون أشجار الغابة الشاهقة الواقفة بسكون لابسةً ثوبها الأبيض الناصع وكأنها نذير موت.. تفتح بابًا إلى تفاصيل عمره العنيف.. في دوامة الدم بجبهات قتال الحرب مع إيران وفي الجبل.. في المعتقلات حيث فقد أخاه وأعز الأحبة.. دوامة جعلته يغامر في محاولة للحفاظ على كينونته، التي كان أو ظن أنها تكمن في العائلة؛ ليكتشف هنا في موسكو أنها كانت وهمًا آخر من أوهام العمر الفقاعة.. يتلفت في الخواء المحيط به، في الصمت، في وضعه البشري شديد الاضطراب، يصرخ بغتة:
- الصحو جحيم.. جحييييييييييييييييم!
يصرخ في طريقه إلى المطبخ والقنينة ليحيي دورة الغبطة؛ كي يستعيد جناحيه.. لا يدري كم من الزمن مرَّ عليه.. بين الصحو الطارئ.. وغبطة السكر العاجِّ بأحلام اليقظة. اختصر أوقات خروجه إلى محل بيع الخمور القريب. وذات ليلة طُرِق الباب طرقًا شديدًا جعله يستيقظ من غفوته.. انتظر قليلا ليتأكد.. فعاود الطرق أكثر شدةً. قرر أول الأمر عدم فتح الباب، فالوقت أول المساء وهو الموعد الذي تأتي فيه عادةً المتشردة الروسية. أراح ظهره على مسند الأريكة متجاهلا القرع؛ الذي تواصل مما جعله يغادر جلسته مقتربًا بحذر من الباب، فسمع صوت بالعربية يقول للآخر:
- خاف مات صاحبنا ياول .
عرف به صوت «أسعد» التكريتي.. فتح الباب فوجد أكثر من ستة رفاق يقفون خلف «أسعد» ضجوا حالما رأوه، حضنوه واحدًا.. واحدًا، ودخلوا.
لم يعد وحيدًا.. تحولت الشقة إلى ملجأ حقيقي لكل من يجد نفسه دون سكن في موسكو من «البيشمركه» القدماء؛ خصوصًا من تلك الوجبات التي كان الحزب الشيوعي يرسلها في بعثات إلى الاتحاد السوفيتي الموشك على التفتت وقتها.. عشرات من النساء والرجال ممن قاتلوا في الجبل وتعبوا كانوا يتخلصون منهم في بعثة لغرض الدراسة.. وآخرها كان أثناء وجوده في الشام، قبيل حرب الخليج الثانية أي عام 1990؛ حيث بعثوا أعدادًا كبيرة جدًّا من أولئك المقاتلين كبار السن كي يواصلوا دراسة كانوا قد قطعوها قبل أكثر من ثلاث عشرة سنة..
سيكتشف لاحقًا أن قبولهم لم يتم بسبب كونهم رفاق نضال.. بل إن منظمة الحزب في موسكو رشت الموظفين الروس ممن كانوا في لجان القبول.. عشرات منتشرون في مدن وجمهوريات بعيدة لم يستطيعوا إكمال دراستهم.. كانوا متعبين.. أعداد منهم جرحوا أو أصيبوا بغازات سامة في «الأنفال».. أعداد أخرى خرجت بوقت أبكر.. أنهكها القتال بين الثوار أنفسهم، والذي كان يحتدم بين الحين والآخر طوال الثمانينيات قبل «الأنفال» بين «الطالباني» من جهة و«البرزاني» والشيوعيين من جهة أخرى..
أولئك المساكين وجدوا بالشقة مكانًا يبيتون فيه ليلتهم، وهم يقابلون لجانًا من الأمم المتحدة؛ كي يحصلوا على توطين في بلد آخر. عادت الأيام التي يبيت فيها وحيدًا نادرة. أسعده ذلك وأحزنه في الوقت نفسه.. فقد تخلص من وحشة الصحو المرعب، ولكنه خسر غبطة الأجنحة في السكر وأحلام اليقظة.. في المقابل انغمر في حوارات عنيفة مع المقاتلين القدماء، الذين وجدوا بالشقة منتدىً للحوار، أوجد مناخًا جعلهم يصارحون بعضهم عن همومهم وما كان يثقل كاهلهم في التجربة العنيفة..
كانوا لا يستطيعون التعبير عن تلك الأفكار والأحاسيس هنالك في الجبل خوفًا من السجن كما حدث لعددٍ من المقاتلين الشبان في أعقاب مذبحة «بشتاشان» ممن وجدوا في توريط المقاتلين بقتال داخلي جريمة، جهروا مطالبين بإجراء انتخابات علنية لاختيار قيادة جديدة، فكان مصيرهم السجن والتعذيب حتى أن أحدهم، ويدعى «منتصر»، مات تحت التعذيب بيد رفاقه. أما البقية فقد تشتتت بين متمرد تطرف وانسل إلى إيران، مكونًا تجمعًا شيوعيًّا صغيرًا شديد التطرف، ومن أُذِلَ فبقى في المقرات يعاني هستيريا تشبه الصرع بين الحين والحين، عرف إبراهيم بعضًا منهم، كان أحدهم في الموقع الذي كان فيه.. حاول مرات عدة جره إلى الكلام عن تلك التجربة، فكان يلتفت حواليه مذعورًا.. قبل أن يحدق نحوه بعينين فزعتين قائلا:
- الله يخليك غيَّر هذا الموضوع!.
ثم يلوذ بصمته، وقسم أُبعِدَ إلى الخارج.. التقى «إبراهيم» بأحدهم لاحقًا، وسمع منه تفاصيل ذلك الرعب الذي عاناه في فترة التحقيق، في سجن غرفة من الطين والحجر بموقع على الحدود الإيرانية بقاطع «أربيل». كان سقوط التجربة السوفيتية ووضع الروس، الذي أحتك به المقاتلون محرضًا على إعادة النظر فيما كان يجري من تفاصيل في تجربة الجبل.. يضاف إلى ذلك الفودكا وما تمنحه الخمرة للإنسان من شجاعة .. زائدًا بوح إبراهيم وأسعد وشيركو الذين، كل حسب تجربته، شجع الآخرين على البوح. في جلسة، حدثهم «إبراهيم» عن كيفية تعامل البشمركة مع المعتقلين.. عن ذلك الإذلال المريع لهم بسلوك يشبه سلوك سجانيه في المعتقل:
ردّ أحدهم:
- لكننا نعاملهم بالمثل!
- وتلك الخطيئة الكبرى!
جاوب «إبراهيم»، وأردف:
- قد أوافقك في تبرير العنف المقابل رغم عدم إنسانيته وشرعيته.. لكن اسمع ما سوف أحكيه لك. في ليلة من الليالي حصلنا على قنينة خمر وتعرف أن الشرب ممنوع.. لكن كان مكتب فصيل هم من دعوني. وبعد عدة كؤوس شربناها في البستان المجاور، قال مسؤول المكتب لي:
- أتريد يا «إبراهيم» تنفس شوية عن نفسك!.
لم أفهم فقلت له:
- ماذا تقصد؟!
قال:
- أنت معتقل أكثر من مرة وذقت ضربهم.. تعال بوقت حراستي بعد ساعة، واضرب مثل ما تريد وأش لون ما تريد. أختره واحدا من العملاء، أتريد تدخل جوه لو تريد أطلعه وتأخذه على التل وتموته ضرب!.
رفضت عرضه، مدركًا أي ذلٍ يومي يمارسه هذا الرفيق وأمثاله من تلك الكائنات المسكينة القابعة في عتمة غرفة معتمة، شباكها الوحيد فتحة دائرية بحجم مرآة مدورة صغيرة، حتى أن لون بشرتهم صار بلون الزعفران.. الضرب هنا ليس له علاقة بالتحقيق.. بل ممارسة سادية كان يضحك لها بعض الرفاق.. لا يضحكون فقط، بل كانوا يتندرون بها ملتذين.. أليس كذلك؟!
- ...
- لم تسكت؟!
- ..
- كنت واحدا منهم؟!
سيشاهد «إبراهيم» بعد أكثر من عشرة أعوام، وهو في المصحّ ذلك الشخص نفسه، الذي دعاه إلى وليمة التعذيب، يعود بطائرة خاصة في برنامج بثته قناة «العربية» الفضائية عقب سقوط «صدام» على يد الأمريكان؛ حيث اصطحبته من مطار الأردن إلى مطار بغداد إلى مدينة الثورة، وكان يذرف الدموع قبيل اللقاء بإخوته في بيت فقير بمدينة الثورة ببغداد. وسوف يشاهده لاحقًا أمام عدسات التلفزة يقف خلف «عدنان الباججي»، قياديًّا في حزب ديمقراطي عراقي.. شاهده صدفة في المصحّ فعفط عفطةً عظيمة على ديمقراطية الأحزاب الجديدة؛ مما جعل الممرضة تهرع إليه متسائلة:
- ماذا أصابك؟!.
- لاشيء.. لاشيء!.
ردد متمالكًا أعصابه.
تحولت شقة موسكو إلى منصة للتطهر.. جعلت كل من يحلّ فيها يعترف بما اقترف أو عانى من فظائع، عندما كان يقاتل من أجل مدينة العدل والفضيلة. قال «أسعد»:
- اسمعوا يا جماعة.. تدرون بماذا اعترف لي «أبو سنية» في الأوردكاه بإيران.. قال لي : والله ظلمناكم.. يقصد أنا وابن عمي. ما سَلَحْناكم.. ولما انسحبنا بالأنفال خليناكم تمشون بالمقدمة خاف توقعونه بكمين!.
يبدي الجالسون امتعاضهم.. فالأمر جريمة بحق «أسعد» وابن عمه. فالصدف وحدها جعلتهم ينجون من نار الجنود العراقيين المهاجمين، وبنادق الرفاق المصوبة نحوهما من الخلف.. قال «نادر» الذي كان صامتًا طوال الجلسة:
- احمد رَبَّكْ.. فكل ما جرى لك ما يساوي شيء، قياسا بما جرى معي قبل خمس سنين عند التحاقي!.
شخصت العيون نحو «نادر» منتظرة.. تضرج وجهه وابتدأ ينضح، بدا أنه تورط في الكلام. لما طال صمته حثه «أسعد»:
- ما تحكي؟ بعد منين خايف.. كلها شهر شهرين، وراح نتفرق بين الدول!.
ركَّز «إبراهيم» نظره على كتلة« نادر» التي صغرت تحت وقع العيون المحملقة بفضول.. فهو يعرفه عن قرب.. يشتركان في الاهتمام بالأدب والكتابة، وأسرا لبعضيهما عن أمكنة عيشهما في المدن. فعرف أن «نادر» من البصرة، التحق في أواخر1981. ولكنه لم يخبره عن التجربة التي تبدو مريرة.. لاحظ أن «نادر» يفرك كفًا بكف مثبتًا عينيه القلقتين على المنضدة المكتظة بالكؤوس. امتد الصمت لدقائق أخرى.. قبل أن يرفع بصره نحو «إبراهيم» وكأنه يستنجد به، ابتسم مشجعًا وملأ له كأسًا من الفودكا.. تناولها بأصابع ترتعش ودلق كل ما بالكأس في جوفه.. أغمض عينيه وارتد متكئًا على ظهر الأريكة وكأنه يستجمع قواه، ثم فتح عينيه واعتدل في جلسته قائلًا:
- هربت من الجبهة. وبقيت مختفي أكثر من سنة. ما أعرف وين أروح.. ثقلت وجوه الأخوة والأخوات والأقرباء اللي كنت أتنقل بين بيوتهم.. وكنت أحلم بالوصول إلى كردستان والقتال بصفوف الأنصار اللي كنا نسمع أخبارهم من إذاعة صوت العراق من دمشق.. وصدفة التقيت بزميل دراسة كردي من أيام الجامعة. سألني عن أحوالي فأخبرته، وكان يعرف قربي من الشيوعيين فسألني : لماذا لا تلتحق بهم في كردستان؟ قلت له: هذا حلم.. كيف الوصول إليهم؟ ضحك وقال: أنا أوصلك.. قلت له بلهفة: كيف؟.. قال: يدخلون لقريتنا القريبة من العمادية بالليل.. ويتوزعون ببيوتها، يأكلون وينامون ويطلعون قبل الفجر..
تواعدنا بعد يومين في بغداد.. رتبت كل أموري.. وأخذني إلى قريتهم. ما أريد أطوّل الموضوع كيف عبرنا نقاط التفتيش اللي تيبس دمي مع كل وقفة.. وكيف أخذني إلى أماكن وقرى مختلفة، قبل أن نصل بسلامة إلى تلك القرية. مرت عدة أيام قبل ما تمر المفرزة.. ما تدرون كم فرحت لما شفت الرفاق بأسلحتهم في جامع القرية.. دمعت عيوني وأنا أسلم عليهم.. أخبرهم زميل الدراسة الكردي بقصتي. فأخذوني معهم عند الفجر.
قطعوا بي جبالًا وعرة ووديانًا وسهوبًا إلى أن وصلنا إلى إحدى القواعد.. وبعد يومين استراحة بدأ التحقيق معي. ومن سوء حظي، لم يكن في القاعدة أحد من شيوعيي البصرة يعرفني.. ظللت أشرح بالتفصيل عن الحياة بالبصرة ذاكرًا عشرات الأسماء التي أعرفها، ووصفت كيف جرت حملة 1981 وفصلت كل شيء عن حياتي. لكن لم يصدقني أحد وشككوا في كل ما قلته.
وفي ليلة من الليالي الشديدة الظلمة.. أيقظني رفيقان: يريدوك الرفاق؟!. رابني الأمر وصدق ظني إذ ما أن عبرت عتبة باب القاعة حتى وثقا ذراعي إلى الخلف بالحبال وعصبوا عيني. تساءلت مذعورًا: لماذا؟! لماذا؟!. قال أحدهم بصوت جاف: أسكت ولك بعدين تعرف!. لا أدري إلى أين أخذوني.. فقد ساروا بي مسافة بدت لي وأنا معصوب العينين طويلة، بعدها أمروني بالوقوف. وقفت منصتًا لحفيف الأردية واحتكاك البنادق، للصمت الذي استمر أكثر من خمس دقائق، قبل أن أسمع صوتًا يقول بلهجة تهديد: «اعترف بكل شيء نعفو عنك.. وإلا راح تشوف نجوم الظهر».. جعلني التهديد شديد الغضب، فأكدت بقوة أن كل ما قلته عن نفسي هو الحقيقة. زاد التهديد وبقيت مصرًا إلى أن أحسست بلطمة هائلة أسقطتني أرضًا، كدت أنفجر باكيًا لا من اللطمة بل انهضمت.. فلم يخطر ببالي أبدًا أن رفاقي سوف يضربونني.. لكنني لم أبكِ فقد يفسرونه محاولة لإثارة عطفهم. فلزمت الصمت، متجاهلًا صاحب الصوت الأجش.. يردد مهددًا اعترف.. اعترف.. ليعقبها بكلمات بذيئة.
كنت أردد ما قلته سابقًا بين فترة وأخرى.. مما أثار غضبهم فألقوني أرضًا وشدوا ساقيَّ بعصا وحبل، وراح أحدهم يضربني على راحة قدمي بعد أن جردني من الحذاء.. كنت أتمزق بصمت.. أتألم بصمت.. وبقيت مصرا على أقوالي.. وضعوني في السجن وهو غرفة شديدة العتمة وسط المشبوهين.. جِفِتْ وملأَ جسدي القمِل. لا أدري كم بقيت مسجونًا، فظلمة الغرفة ضيعت الأيام.. كانوا يأخذونني بالليل لأدخل الدورة نفسها.. جرِّبوا معي أشكال التعذيب.. غطسوني بحوض النبع في ِعّزْ برد الشتاء، وحشروا بين فخذيَّ، نباتا أخضر بأوراقه إبر تحرق مثل النار، شطت للسماء.. طفوا السجائر في صدري.. كل ما يخطر أبالكم سووه وياي!.
قاطعه «إبراهيم» متسائلا:
- فيم كنت تفكر.. بماذا كنت تحس؟!.
- ما كنت أفكر بشيء.. عدا أنني سوف أقتل مظلومًا بيد رفاقي. وعندما أخذوني في أحد الأيام ليلا.. ومشوا بيّ مسافة طويلة جدًّا، قال لي السائر خلفي: حُكِم عليك بالإعدام!. ونحن في طريقنا لتنفيذه. تصورته يمزح.. لكن عندما أسندوني إلى جدار صخرة. وابتعدوا.. قلت في نفسي يبدو أن الأمر جّديّ. ثم سمعت نفس صاحب الصوت الأجش يتلو قرار الإعدام كوني عميلا للمخابرات العراقية، حاول الاندساس بصفوف الثوار. سمعت صوتًا يأمر فصيل الإعدام بالتهيؤ، ليضج بعدها صوت سحب البنادق، تلك اللحظة الخاطفة ندمت على التحاقي.. على هروبي من الجيش.. وتأسفت على نهايتي.. ووجدت نفسي أصرخ هاتفًا:
- يعيش الحزب الشيوعي العراقي.. المجد والخلود للشهداء.. المجد والخلود للرفيق الخالد فهد وسلام عادل!.
لم أتوقف عن الهتاف منتظرًا رشق الرصاص، الذي أتوقعه سيخترق جسدي في اللحظة القادمة.. بما يشبه الهستريا ظللت أهتف بصوت مجنون.. إلى أن شعرت بأحدهم يمسك ذراعيّ المتخشبتين ويحل وثاقي.. ظننت أن الأمر سينتهي إلى هذا الحد، لكن الذي فك وثاقي همس بأذني أنهم أجلوا التنفيذ أيامًا عدة. وتكرر المشهد ثلاث مرات.. وفي كل مرةٍ أصاب بهستريا الهتاف. لم يعودوا بي إلى غرفة السجن في المرة الثالثة، بل إلى غرفة القيادة ليقدموا لي الاعتذار . سأله «أسعد»:
- ما سألتهم ليش؟؟!
- نعم سألتهم قالوا : إن السلطة سربت أكثر من خمسين عنصرًا من المخابرات العراقية بالوقت بنفسه الذي التحقت به.. هذا ما اعترف به عدد من الذين انكشفوا!.
سأل «إبراهيم»:
- وبقيت من الواحد وثمانين حتى «الأنفال»؟!.
- طبعًا.. غير نضال.. بعدين حقهم الرفاق بالشك!
علق آخر:
- عِمَتْ عَينَكْ أش لون صَبرْ عِنْدَكْ!
سرح «إبراهيم» بعيدًا وهو يحملق بقسمات «نادر» الشديدة السمرة متخيلا نفسه عاني مثلما عاني في تلك التجربة، مختبرًا درجة إيمانه بالنضال فتوصل إلى.. لو أنهم حجزوه ليوم واحد في السجن لعبر الحدود بوقت مبكر إلى إيران.. أما لو ضربوه كما فعل رجال الأمن العراقي به عند اعتقاله، لظل حاقدًا إلى الأبد، ولكفر بالسياسة والأحزاب.. فاء إلى نفسه ولم يبح بهذا الشعور كي لا يجرح «نادر» المجروح أصلًا. )
‎مقطع من الفصل الخامس -فليرميها بحجر- من رواية -الحياة لحظة- سأنشره كاملا في حلقات كي يناسب قراء الفيس بوك وفيه تجارب لا تقال تجري في الحركات المسلحة في كل العالم. المقتتطف مدخل الفصل من ص131-144 بطبعة الدار المصرية اللبنانية- القاهرة 2010. قسم اول (.. فليرْمِها بحجر تمدد «إبراهيم» مسترخيًا على الأريكة يحدق في الصباح. لبث إزاء النافذة ساعات.. ينصت بسكينة تامة إلى الأصوات الخافتة القادمة من الخارج.. ينصت مستمتعًا بالوحدة، وهو يستعيد أصغر تفصيل منذ طيرانها مع طفليهما إلى اللحظة التي خرج فيها «شيركو» مع المرأتين. أقل من شهر، انفتح له عالم عجيب كان يفور في الخارج.. بينما يقبع هو في زاوية منسية مملة معتمة، تثقل زمنه القصير بتفاصيل شديدة التفاهة عن لعب دور الزوج الوفيّ والأب الصالح، وتقنين الحياة في مواعيد محسوبة : النوم والأكل والجنس.. ولولا تجربة كردستان التي جعلته يتصارع مع المحيط، في مواجهة الخطر الكامن بقصف الطائرات اليومي، شبح الموت الحائم مع كل مفرزة يعبر فيها كمائن، التجمد في قمم الجبال في عز الشتاء، ومقاومة رجال العصابات المحرومين، وهم يحاولون الإيقاع بها.. لما ظل قابعًا في تلك الزاوية، التي سرعان ما اكتشف عاديتها وثقل قيودها في دمشق؛ إذ تحولت فيه الزوجة إلى رقيب يحسب عليه كل خطواته وتصرفاته.. سنة واحدة أطل منها على بؤس المؤسسة.. لكنه كان محاصرًا بعيون طفليه وتاريخ تعلقها المجنون به وغموض مصيرهم.. لكن بعد طيرانها ووصولها إلى الدنمارك بكل ما يحمله ذلك من أمان وجد نفسه مهيأً لخوض غمار هذا العالم الذي ظل ثاويًا في أعماق نفسه يتوق إليه، توقه القديم عندما كان يحلم في صباه ، وهو يتدله بالقراءة ، بالعيش في أمكنة بعيدة غريبة وسط أقوام آخرين.. هاهو حلم يقظته الذي رافقه منذ الطفولة والصبا يتحقق بالضبط.. وسط الروس في شقة بطرف موسكو وحيدًا، يتسكع في الأمكنة والزوايا والأسواق شاردًا حالمًا دون أن تثقله الهموم، يدور دون أوراق تثبت شخصيته، لا يدري، ولا يهمه ما تخبئ له الأيام.. يتجول مستعيدًا لحظات حلمه الشارد القديم، وهو يعانق الوجوه الغريبة، الملفوفة بالأسرار، الراطنة بلغتها المبهمة.. يبادل كل من تلتقي به عيناه البسمة..الشيوخ والعجائز، الشابات والأطفال، ويروح في لعبة ممتعة متخيلًا قصص حياتهم المختلفة، مرتبًا حكايته الخيالية حسب انفعال الوجوه وما تشي به القسمات من تكوين.. لعبة ممتعة يمر فيها الزمن خفيفًا جميلا.. ممتعًا مع البيرة وكؤوس الفودكا، التي يتناولها بشكل متقطع طوال الليل والنهار.. يساعده في غزارة الأخيلة الكم الهائل من الروايات، والتي قرأها عن حياة الروس منذ «ديستويفسكي» حتى «إتيماتوف».. قصص المناضلين الشيوعيين الأوائل في «أم» «مكسيم غوركي»، قصص الأنصار الروس في الحرب العالمية الثانية، التي كانت تملأ مكتبات قواعد الأنصار في كردستان، كان يشعر أنه يفهم ما يقولونه رغم معرفته القليلة جدًّا بالروسية، يتجول بنشوة الحالم.. ثم دخوله العاصف من قاعها المنسي.. المتشردة السكيرة ثم الشاعر وبائعتي الخضرة.. - مدد.. مدددددددددددد! قفز من الأريكة صارخًا وهو يشعر بغبطة طير يجوب الأعالي. وركض مثل مجنون نحو المطبخ.. تلقف قنينة الفودكا وصب كأسًا.. أفرغها في جوفه دفعة واحدة وصب الثانية والثالثة.. ظل يعب ويصرخ، يعب ويهذي من غبطة لم يسعها قلبه الصغير.. استعر صراخه، صار مبهمًا وكأنه يصدر من حيوان بري لحظة تساقط ندف الثلج بكثافة من جديد.. يصرخ ويهذي ناطقًا بأسماء أشجار ..بشر.. سواقي ماء.. بساتين.. يهذي ويصرخ إلى أن سقط على السرير، وراح في نومٍ عميق.. ليفز عند منتصف الليل محدقًا حواليه في أشياء الغرفة الغارقة في عتمةٍ باهتةٍ .. في السقف.. في النافذة.. في كفيه المتيبستين متسائلًا: - أين أنا؟! وقليلا.. قليلا عادت به أشياء الغرفة والنافذة، وندف الثلج التي لم تنقطع وبقايا بخار السكر ؛ إلى غبطته التي ما زالت قوية، فنهض نشطًا يصرخ من جديد وهو في طريقه إلى المطبخ لملء كأس أخرى من الفودكا صبها في جوفه، ثم انطلق يدور بين المطبخ والممر والغرفة يغني بصوته الأجش.. يغني ويشرب.. يصرخ ويشرب.. يضحك قائلا: - مرة واحدة.. مرة واحدة خلصت من الحرب بالجبهة والخوف من كلاب السلطة.. ومن الحزب ورجال العصابات والموت بالجبل.. ومن العائلة.. مرة واحدة.. مدددد.. مرة واحدة.. ولكم صرت طير.. والله طير.. شوفوا راح أطير. وراح يدور بأرجاء الغرفة رافًّا بذراعيه. كان أحيانا يصحو قليلًا من دوار الغبطة والسكر، فيجد نفسه وحيدًا وسط الشقة التي عاد الغبار يتراكم على الأرض والأريكة والسرير والمكتبة والحيطان وكل شيء.. يقترب من الهاتف الميت المغبر متسائلًا: - وين صار «شيركو»؟! فمنذ هبوطه بئر السلم في ذلك الصباح لم يظهر، ولم يتصل.. وكأن كل ما جري لـ «إبراهيم» كان حلمًا أو أخيلة سكر، رواية قرأها منذ زمن بعيد، يفزعه الصحو والغبار، صمت الشقة والنافذة المطلة على سكون أشجار الغابة الشاهقة الواقفة بسكون لابسةً ثوبها الأبيض الناصع وكأنها نذير موت.. تفتح بابًا إلى تفاصيل عمره العنيف.. في دوامة الدم بجبهات قتال الحرب مع إيران وفي الجبل.. في المعتقلات حيث فقد أخاه وأعز الأحبة.. دوامة جعلته يغامر في محاولة للحفاظ على كينونته، التي كان أو ظن أنها تكمن في العائلة؛ ليكتشف هنا في موسكو أنها كانت وهمًا آخر من أوهام العمر الفقاعة.. يتلفت في الخواء المحيط به، في الصمت، في وضعه البشري شديد الاضطراب، يصرخ بغتة: - الصحو جحيم.. جحييييييييييييييييم! يصرخ في طريقه إلى المطبخ والقنينة ليحيي دورة الغبطة؛ كي يستعيد جناحيه.. لا يدري كم من الزمن مرَّ عليه.. بين الصحو الطارئ.. وغبطة السكر العاجِّ بأحلام اليقظة. اختصر أوقات خروجه إلى محل بيع الخمور القريب. وذات ليلة طُرِق الباب طرقًا شديدًا جعله يستيقظ من غفوته.. انتظر قليلا ليتأكد.. فعاود الطرق أكثر شدةً. قرر أول الأمر عدم فتح الباب، فالوقت أول المساء وهو الموعد الذي تأتي فيه عادةً المتشردة الروسية. أراح ظهره على مسند الأريكة متجاهلا القرع؛ الذي تواصل مما جعله يغادر جلسته مقتربًا بحذر من الباب، فسمع صوت بالعربية يقول للآخر: - خاف مات صاحبنا ياول . عرف به صوت «أسعد» التكريتي.. فتح الباب فوجد أكثر من ستة رفاق يقفون خلف «أسعد» ضجوا حالما رأوه، حضنوه واحدًا.. واحدًا، ودخلوا. لم يعد وحيدًا.. تحولت الشقة إلى ملجأ حقيقي لكل من يجد نفسه دون سكن في موسكو من «البيشمركه» القدماء؛ خصوصًا من تلك الوجبات التي كان الحزب الشيوعي يرسلها في بعثات إلى الاتحاد السوفيتي الموشك على التفتت وقتها.. عشرات من النساء والرجال ممن قاتلوا في الجبل وتعبوا كانوا يتخلصون منهم في بعثة لغرض الدراسة.. وآخرها كان أثناء وجوده في الشام، قبيل حرب الخليج الثانية أي عام 1990؛ حيث بعثوا أعدادًا كبيرة جدًّا من أولئك المقاتلين كبار السن كي يواصلوا دراسة كانوا قد قطعوها قبل أكثر من ثلاث عشرة سنة.. سيكتشف لاحقًا أن قبولهم لم يتم بسبب كونهم رفاق نضال.. بل إن منظمة الحزب في موسكو رشت الموظفين الروس ممن كانوا في لجان القبول.. عشرات منتشرون في مدن وجمهوريات بعيدة لم يستطيعوا إكمال دراستهم.. كانوا متعبين.. أعداد منهم جرحوا أو أصيبوا بغازات سامة في «الأنفال».. أعداد أخرى خرجت بوقت أبكر.. أنهكها القتال بين الثوار أنفسهم، والذي كان يحتدم بين الحين والآخر طوال الثمانينيات قبل «الأنفال» بين «الطالباني» من جهة و«البرزاني» والشيوعيين من جهة أخرى.. أولئك المساكين وجدوا بالشقة مكانًا يبيتون فيه ليلتهم، وهم يقابلون لجانًا من الأمم المتحدة؛ كي يحصلوا على توطين في بلد آخر. عادت الأيام التي يبيت فيها وحيدًا نادرة. أسعده ذلك وأحزنه في الوقت نفسه.. فقد تخلص من وحشة الصحو المرعب، ولكنه خسر غبطة الأجنحة في السكر وأحلام اليقظة.. في المقابل انغمر في حوارات عنيفة مع المقاتلين القدماء، الذين وجدوا بالشقة منتدىً للحوار، أوجد مناخًا جعلهم يصارحون بعضهم عن همومهم وما كان يثقل كاهلهم في التجربة العنيفة.. كانوا لا يستطيعون التعبير عن تلك الأفكار والأحاسيس هنالك في الجبل خوفًا من السجن كما حدث لعددٍ من المقاتلين الشبان في أعقاب مذبحة «بشتاشان» ممن وجدوا في توريط المقاتلين بقتال داخلي جريمة، جهروا مطالبين بإجراء انتخابات علنية لاختيار قيادة جديدة، فكان مصيرهم السجن والتعذيب حتى أن أحدهم، ويدعى «منتصر»، مات تحت التعذيب بيد رفاقه. أما البقية فقد تشتتت بين متمرد تطرف وانسل إلى إيران، مكونًا تجمعًا شيوعيًّا صغيرًا شديد التطرف، ومن أُذِلَ فبقى في المقرات يعاني هستيريا تشبه الصرع بين الحين والحين، عرف إبراهيم بعضًا منهم، كان أحدهم في الموقع الذي كان فيه.. حاول مرات عدة جره إلى الكلام عن تلك التجربة، فكان يلتفت حواليه مذعورًا.. قبل أن يحدق نحوه بعينين فزعتين قائلا: - الله يخليك غيَّر هذا الموضوع!. ثم يلوذ بصمته، وقسم أُبعِدَ إلى الخارج.. التقى «إبراهيم» بأحدهم لاحقًا، وسمع منه تفاصيل ذلك الرعب الذي عاناه في فترة التحقيق، في سجن غرفة من الطين والحجر بموقع على الحدود الإيرانية بقاطع «أربيل». كان سقوط التجربة السوفيتية ووضع الروس، الذي أحتك به المقاتلون محرضًا على إعادة النظر فيما كان يجري من تفاصيل في تجربة الجبل.. يضاف إلى ذلك الفودكا وما تمنحه الخمرة للإنسان من شجاعة .. زائدًا بوح إبراهيم وأسعد وشيركو الذين، كل حسب تجربته، شجع الآخرين على البوح. في جلسة، حدثهم «إبراهيم» عن كيفية تعامل البشمركة مع المعتقلين.. عن ذلك الإذلال المريع لهم بسلوك يشبه سلوك سجانيه في المعتقل: ردّ أحدهم: - لكننا نعاملهم بالمثل! - وتلك الخطيئة الكبرى! جاوب «إبراهيم»، وأردف: - قد أوافقك في تبرير العنف المقابل رغم عدم إنسانيته وشرعيته.. لكن اسمع ما سوف أحكيه لك. في ليلة من الليالي حصلنا على قنينة خمر وتعرف أن الشرب ممنوع.. لكن كان مكتب فصيل هم من دعوني. وبعد عدة كؤوس شربناها في البستان المجاور، قال مسؤول المكتب لي: - أتريد يا «إبراهيم» تنفس شوية عن نفسك!. لم أفهم فقلت له: - ماذا تقصد؟! قال: - أنت معتقل أكثر من مرة وذقت ضربهم.. تعال بوقت حراستي بعد ساعة، واضرب مثل ما تريد وأش لون ما تريد. أختره واحدا من العملاء، أتريد تدخل جوه لو تريد أطلعه وتأخذه على التل وتموته ضرب!. رفضت عرضه، مدركًا أي ذلٍ يومي يمارسه هذا الرفيق وأمثاله من تلك الكائنات المسكينة القابعة في عتمة غرفة معتمة، شباكها الوحيد فتحة دائرية بحجم مرآة مدورة صغيرة، حتى أن لون بشرتهم صار بلون الزعفران.. الضرب هنا ليس له علاقة بالتحقيق.. بل ممارسة سادية كان يضحك لها بعض الرفاق.. لا يضحكون فقط، بل كانوا يتندرون بها ملتذين.. أليس كذلك؟! - ... - لم تسكت؟! - .. - كنت واحدا منهم؟! سيشاهد «إبراهيم» بعد أكثر من عشرة أعوام، وهو في المصحّ ذلك الشخص نفسه، الذي دعاه إلى وليمة التعذيب، يعود بطائرة خاصة في برنامج بثته قناة «العربية» الفضائية عقب سقوط «صدام» على يد الأمريكان؛ حيث اصطحبته من مطار الأردن إلى مطار بغداد إلى مدينة الثورة، وكان يذرف الدموع قبيل اللقاء بإخوته في بيت فقير بمدينة الثورة ببغداد. وسوف يشاهده لاحقًا أمام عدسات التلفزة يقف خلف «عدنان الباججي»، قياديًّا في حزب ديمقراطي عراقي.. شاهده صدفة في المصحّ فعفط عفطةً عظيمة على ديمقراطية الأحزاب الجديدة؛ مما جعل الممرضة تهرع إليه متسائلة: - ماذا أصابك؟!. - لاشيء.. لاشيء!. ردد متمالكًا أعصابه. تحولت شقة موسكو إلى منصة للتطهر.. جعلت كل من يحلّ فيها يعترف بما اقترف أو عانى من فظائع، عندما كان يقاتل من أجل مدينة العدل والفضيلة. قال «أسعد»: - اسمعوا يا جماعة.. تدرون بماذا اعترف لي «أبو سنية» في الأوردكاه بإيران.. قال لي : والله ظلمناكم.. يقصد أنا وابن عمي. ما سَلَحْناكم.. ولما انسحبنا بالأنفال خليناكم تمشون بالمقدمة خاف توقعونه بكمين!. يبدي الجالسون امتعاضهم.. فالأمر جريمة بحق «أسعد» وابن عمه. فالصدف وحدها جعلتهم ينجون من نار الجنود العراقيين المهاجمين، وبنادق الرفاق المصوبة نحوهما من الخلف.. قال «نادر» الذي كان صامتًا طوال الجلسة: - احمد رَبَّكْ.. فكل ما جرى لك ما يساوي شيء، قياسا بما جرى معي قبل خمس سنين عند التحاقي!. شخصت العيون نحو «نادر» منتظرة.. تضرج وجهه وابتدأ ينضح، بدا أنه تورط في الكلام. لما طال صمته حثه «أسعد»: - ما تحكي؟ بعد منين خايف.. كلها شهر شهرين، وراح نتفرق بين الدول!. ركَّز «إبراهيم» نظره على كتلة« نادر» التي صغرت تحت وقع العيون المحملقة بفضول.. فهو يعرفه عن قرب.. يشتركان في الاهتمام بالأدب والكتابة، وأسرا لبعضيهما عن أمكنة عيشهما في المدن. فعرف أن «نادر» من البصرة، التحق في أواخر1981. ولكنه لم يخبره عن التجربة التي تبدو مريرة.. لاحظ أن «نادر» يفرك كفًا بكف مثبتًا عينيه القلقتين على المنضدة المكتظة بالكؤوس. امتد الصمت لدقائق أخرى.. قبل أن يرفع بصره نحو «إبراهيم» وكأنه يستنجد به، ابتسم مشجعًا وملأ له كأسًا من الفودكا.. تناولها بأصابع ترتعش ودلق كل ما بالكأس في جوفه.. أغمض عينيه وارتد متكئًا على ظهر الأريكة وكأنه يستجمع قواه، ثم فتح عينيه واعتدل في جلسته قائلًا: - هربت من الجبهة. وبقيت مختفي أكثر من سنة. ما أعرف وين أروح.. ثقلت وجوه الأخوة والأخوات والأقرباء اللي كنت أتنقل بين بيوتهم.. وكنت أحلم بالوصول إلى كردستان والقتال بصفوف الأنصار اللي كنا نسمع أخبارهم من إذاعة صوت العراق من دمشق.. وصدفة التقيت بزميل دراسة كردي من أيام الجامعة. سألني عن أحوالي فأخبرته، وكان يعرف قربي من الشيوعيين فسألني : لماذا لا تلتحق بهم في كردستان؟ قلت له: هذا حلم.. كيف الوصول إليهم؟ ضحك وقال: أنا أوصلك.. قلت له بلهفة: كيف؟.. قال: يدخلون لقريتنا القريبة من العمادية بالليل.. ويتوزعون ببيوتها، يأكلون وينامون ويطلعون قبل الفجر.. تواعدنا بعد يومين في بغداد.. رتبت كل أموري.. وأخذني إلى قريتهم. ما أريد أطوّل الموضوع كيف عبرنا نقاط التفتيش اللي تيبس دمي مع كل وقفة.. وكيف أخذني إلى أماكن وقرى مختلفة، قبل أن نصل بسلامة إلى تلك القرية. مرت عدة أيام قبل ما تمر المفرزة.. ما تدرون كم فرحت لما شفت الرفاق بأسلحتهم في جامع القرية.. دمعت عيوني وأنا أسلم عليهم.. أخبرهم زميل الدراسة الكردي بقصتي. فأخذوني معهم عند الفجر. قطعوا بي جبالًا وعرة ووديانًا وسهوبًا إلى أن وصلنا إلى إحدى القواعد.. وبعد يومين استراحة بدأ التحقيق معي. ومن سوء حظي، لم يكن في القاعدة أحد من شيوعيي البصرة يعرفني.. ظللت أشرح بالتفصيل عن الحياة بالبصرة ذاكرًا عشرات الأسماء التي أعرفها، ووصفت كيف جرت حملة 1981 وفصلت كل شيء عن حياتي. لكن لم يصدقني أحد وشككوا في كل ما قلته. وفي ليلة من الليالي الشديدة الظلمة.. أيقظني رفيقان: يريدوك الرفاق؟!. رابني الأمر وصدق ظني إذ ما أن عبرت عتبة باب القاعة حتى وثقا ذراعي إلى الخلف بالحبال وعصبوا عيني. تساءلت مذعورًا: لماذا؟! لماذا؟!. قال أحدهم بصوت جاف: أسكت ولك بعدين تعرف!. لا أدري إلى أين أخذوني.. فقد ساروا بي مسافة بدت لي وأنا معصوب العينين طويلة، بعدها أمروني بالوقوف. وقفت منصتًا لحفيف الأردية واحتكاك البنادق، للصمت الذي استمر أكثر من خمس دقائق، قبل أن أسمع صوتًا يقول بلهجة تهديد: «اعترف بكل شيء نعفو عنك.. وإلا راح تشوف نجوم الظهر».. جعلني التهديد شديد الغضب، فأكدت بقوة أن كل ما قلته عن نفسي هو الحقيقة. زاد التهديد وبقيت مصرًا إلى أن أحسست بلطمة هائلة أسقطتني أرضًا، كدت أنفجر باكيًا لا من اللطمة بل انهضمت.. فلم يخطر ببالي أبدًا أن رفاقي سوف يضربونني.. لكنني لم أبكِ فقد يفسرونه محاولة لإثارة عطفهم. فلزمت الصمت، متجاهلًا صاحب الصوت الأجش.. يردد مهددًا اعترف.. اعترف.. ليعقبها بكلمات بذيئة. كنت أردد ما قلته سابقًا بين فترة وأخرى.. مما أثار غضبهم فألقوني أرضًا وشدوا ساقيَّ بعصا وحبل، وراح أحدهم يضربني على راحة قدمي بعد أن جردني من الحذاء.. كنت أتمزق بصمت.. أتألم بصمت.. وبقيت مصرا على أقوالي.. وضعوني في السجن وهو غرفة شديدة العتمة وسط المشبوهين.. جِفِتْ وملأَ جسدي القمِل. لا أدري كم بقيت مسجونًا، فظلمة الغرفة ضيعت الأيام.. كانوا يأخذونني بالليل لأدخل الدورة نفسها.. جرِّبوا معي أشكال التعذيب.. غطسوني بحوض النبع في ِعّزْ برد الشتاء، وحشروا بين فخذيَّ، نباتا أخضر بأوراقه إبر تحرق مثل النار، شطت للسماء.. طفوا السجائر في صدري.. كل ما يخطر أبالكم سووه وياي!. قاطعه «إبراهيم» متسائلا: - فيم كنت تفكر.. بماذا كنت تحس؟!. - ما كنت أفكر بشيء.. عدا أنني سوف أقتل مظلومًا بيد رفاقي. وعندما أخذوني في أحد الأيام ليلا.. ومشوا بيّ مسافة طويلة جدًّا، قال لي السائر خلفي: حُكِم عليك بالإعدام!. ونحن في طريقنا لتنفيذه. تصورته يمزح.. لكن عندما أسندوني إلى جدار صخرة. وابتعدوا.. قلت في نفسي يبدو أن الأمر جّديّ. ثم سمعت نفس صاحب الصوت الأجش يتلو قرار الإعدام كوني عميلا للمخابرات العراقية، حاول الاندساس بصفوف الثوار. سمعت صوتًا يأمر فصيل الإعدام بالتهيؤ، ليضج بعدها صوت سحب البنادق، تلك اللحظة الخاطفة ندمت على التحاقي.. على هروبي من الجيش.. وتأسفت على نهايتي.. ووجدت نفسي أصرخ هاتفًا: - يعيش الحزب الشيوعي العراقي.. المجد والخلود للشهداء.. المجد والخلود للرفيق الخالد فهد وسلام عادل!. لم أتوقف عن الهتاف منتظرًا رشق الرصاص، الذي أتوقعه سيخترق جسدي في اللحظة القادمة.. بما يشبه الهستريا ظللت أهتف بصوت مجنون.. إلى أن شعرت بأحدهم يمسك ذراعيّ المتخشبتين ويحل وثاقي.. ظننت أن الأمر سينتهي إلى هذا الحد، لكن الذي فك وثاقي همس بأذني أنهم أجلوا التنفيذ أيامًا عدة. وتكرر المشهد ثلاث مرات.. وفي كل مرةٍ أصاب بهستريا الهتاف. لم يعودوا بي إلى غرفة السجن في المرة الثالثة، بل إلى غرفة القيادة ليقدموا لي الاعتذار . سأله «أسعد»: - ما سألتهم ليش؟؟! - نعم سألتهم قالوا : إن السلطة سربت أكثر من خمسين عنصرًا من المخابرات العراقية بالوقت بنفسه الذي التحقت به.. هذا ما اعترف به عدد من الذين انكشفوا!. سأل «إبراهيم»: - وبقيت من الواحد وثمانين حتى «الأنفال»؟!. - طبعًا.. غير نضال.. بعدين حقهم الرفاق بالشك! علق آخر: - عِمَتْ عَينَكْ أش لون صَبرْ عِنْدَكْ! سرح «إبراهيم» بعيدًا وهو يحملق بقسمات «نادر» الشديدة السمرة متخيلا نفسه عاني مثلما عاني في تلك التجربة، مختبرًا درجة إيمانه بالنضال فتوصل إلى.. لو أنهم حجزوه ليوم واحد في السجن لعبر الحدود بوقت مبكر إلى إيران.. أما لو ضربوه كما فعل رجال الأمن العراقي به عند اعتقاله، لظل حاقدًا إلى الأبد، ولكفر بالسياسة والأحزاب.. فاء إلى نفسه ولم يبح بهذا الشعور كي لا يجرح «نادر» المجروح أصلًا. )‎



#سلام_إبراهيم (هاشتاغ)       Salam_Ibrahim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصائد عن تجربة قديمة
- من كافكا إلى غوركي
- كّتاب قادسية صدام 9- جاسم الرصيف
- كتاب قادسية صدام 8- الكتابة المضادة.
- كتاب قادسية صدام 8- بثينة الناصري
- كتاب قادسية صدام 6- محمد مزيد
- كتاب قادسية صدام 5- المغني حسين نعمة
- كتاب قادسية صدام خضير عبد الأمير-4-
- كتاب قادسية صدام 3- حنون مجيد
- كتاب قادسية صدام 2- وارد بدر السالم
- أدباء قادسية صدام -1- عبد الخالق الركابي
- -مثل طفل يقفز من الرحم إلى العالم. قلب أبيض. عالم أبيض وصرخة ...
- من حصاد زيارتي إلى العراق الشهر الماضي 12-2014 1- حمود الخيا ...
- بمناسبة صدور -حياة ثقيلة- في القاهرة الأدهم 2015 سلام إبراهي ...
- في مديح المهبل
- لا تموت من وقت
- عددت مساوئي وهي خير من يعرفها
- صائد العصافير
- الواقع كوحدة حية والنص الروائي
- شوقٌ مستحيل


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - فداحة العنف حتى الثوري -فصل يثبت العنوان-