أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فالح عبد الجبار - نحن والعالم في ظلال 11 أيلول















المزيد.....

نحن والعالم في ظلال 11 أيلول


فالح عبد الجبار

الحوار المتمدن-العدد: 1322 - 2005 / 9 / 19 - 10:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



18/09/05
لعل مشهد الطائرة المنقضة على برج نيويورك، وكرة النار المندلعة، ثم سقوط البرجين تباعاً، وفرار المارة المذعورين، تطاردهم عاصفة من حطام مبنى التجارة، سيعمر طويلاً في ذاكرة العالم، لدى الساخطين، ولدى الشامتين. توافق هذا الحدث مع لحظة خاصة في تاريخ العالم، لحظة البحث عن معنى جديد لهذا التاريخ ووجهته، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ونهاية عصر الحرب الباردة. وهذا الانهيار اطلق على جبهة الأفكار عدة استجابات نظرية، أبرزها نظرية حرب أو صدام الحضارات لصامويل هانتنغتون، ونظرية نهاية التاريخ لفوكوياما. ثمة نظريات أو استجابات فكرية أخرى بينها استجابة داعية ظفر العولمة (أوهمي) ودعاة لجم العولمة بانشاء حكومة عالمية (جماعة بيان ستوكهولم). ويمكن تقسيم هذه المذاهب الى ثلاثة توجهات. التوجه الأول هو الليبرالية المسلحة (كما يمثلها هانتنغتون)، التي ترجح كفة الصراع، وتبقيه، بل تذكيه، وتمده على قاعدة منظّر الحرب الحديثة الألماني كلاوزفيتز: الحرب امتداد للسياسة.
أما التوجه الثاني، فهو ليبرالية السوق (فوكوياما، وأوهمي)، أو الليبرالية السلمية، التي ترى في انتصار اقتصاد السوق انتصار الاقتصاد على السياسة (وعلى العسكرة بالتبعية)، على قاعدة أيو الليبرالية الأول آدم سميث. أما الاتجاه الثالث، فهو الاتجاه الديموقراطي الاجتماعي الساعي الى لجم الاقتصاد الكوني الطليق بانشاء حكومة عالمية، تنجي العالم من انفلات قوى السوق، فتعيد بالتالي لعالم السياسة موقعه المؤثر، باتجاه مجتمعات أكثر توازناً.
هذه الموتيفات الثلاثة تحمل بطرق مختلفة أوجهاً شتى من عالمنا المعاصر. فالحرب ما تزال عنصراً مهماً في العلائق الدولية، كما في علائق الدول بأممها، وستظل كذلك لأمد غير معلوم. ولعل أبرز قرينة على ذلك أن الموازنات العسكرية لم تتغير تغيراً يذكر حتى اللحظة. كما أن اقتصاد السوق بدأ زحفه البطيء منذ الثمانينات ليتحول الى تيار قوي يخترق الاقتصادات الأوامرية، اختراقه لعالم اقتصاد الكفاف البالي. وأما الميل الى انشاء أجهزة تحكم سياسي كونية، أو فوق قومية ما تزال متلكئة (مجموعة الثمانية، الاتحاد الأوروبي).
جاءت أحداث 11 أيلول (سبتمبر) المدمرة لتطغى على الحل الليبرالي (آدم سميث)، وتغذي اتجاه الحل الكلاوزفيتزي، المسلح. والغرب نفسه منقسم بين هذا وذاك. وعلى هذا فإن نظرية صدام الحضارات تلقت نجدة كبرى من أحداث 11 أيلول المأسوية.
كان مصطلح «الحضارة» يهجع في سبات، منسياً في ادراج الماضي قبل أن يعيده هانتنغتون الى التداول في القلب من نظرية العلاقات الدولية. والمشكلة في نظرية هانتنغتون، كما عند فوكوياما، هي التبسيط المفرط.
المعروف، منذ فلسفة كانط السياسية، أن العالم مؤلف من مونادات (دول) قومية، وهو ينزع الى الاحتراب والتصالح في آن، فكل احتراب ينطوي علىتصالح و كل تصالح على احتراب ، في حركة مستديمة يتقلص فيها الأول لمصلحة الثاني. أما صاحب حرب الحضارات فيحذف المركّب الثنائي، مفرغاً اياه من ديناميكيته المعقدة، ومحركاً اياه باتجاه وحيد. كما أن نظرية صدام الحضارات تلغي أهم سمة للمعمار العالمي، وهي كونه يتألف من دول قومية لا من حضارات. فمفهوم الحضارة يكتسب معناه من تضاده مع نمط التنظيم الاجتماعي - السياسي السابق على نشوء الحواضر (المدن)، بما فيها من بنى سياسية وقانونية تتفوق على حالة الفوضى المفترضة في المجتمعات الرعوية والزراعية البدائية السابقة على نشوء الحضارة.
والمشكلة الثالثة في هذه النظرية أنها تختزل الحضارة الى جوهر ثقافي - روحي هو الدين، وتذهل عن رؤية البنيان الحضاري بوصفه كلاً معقداً، متفاعلاً هو أصلاً ثمرة عمل وتلاقح أقوام وديانات عدة. ولعل الحضارة الإسلامية هي المثال الأسطع، حيث اندرجت فيها شعوب شتى، وثقافات لا حصر لها. فما من حضارة، إن بقي لهذا المفهوم من معنى مادي في عالمنا المعاصر، دائرة مغلقة على غرار تخيلات أوزفالد شبنغلر صاحب كتاب «سقوط الحضارة الغربية».
المشكلة الأخيرة في نظرية حرب الحضارات أنها تتعجل ملء الفراغ النظري المفسر للعالم، كما بدأ يتشكل بعد سقوط التجربة السوفياتية وزوال ما كان يعرف بـ «المعسكر الاشتراكي». ولعل أبرز نفي لهذه النظرية الحربية بامتياز، أن تزايد العسكرة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة يلقى معارضة شديدة داخل «الحضارة الغربية» المنقسمة بين كلاوزفيتز وآدم سميث، وماركس (بالتفسير الاجتماعي الديموقراطي للأخير). بل ان الانقسام ماثل حتى داخل الولايات المتحدة. ذلك أننا في عالم دول، مونادات لها مصالح متباينة، ورؤى متنافرة، مثلما لها مواطن لقاء.
في المقابل، أجد أن تسهيل الانعطاف من كلاوزفيتز الى آدم سميث مسؤولية تقع في جانب منها على «حضارتنا» العربية الإسلامية، المثقلة بقيود الماضي، والهيابة من انتقالات الحداثة. ذلك أن مجتمعاتنا ما تزال على تصادم شديد بين قطاعات البدو والزراع المستقرين والحضر، تصادم في القيم وطراز العيش ونمط التفكير. ونرى ذلك جلياً في النظم السياسية ومصادر شرعيتها، نظم «ثورجية» (وليس ثورية) لها شرعية ذاتية باسم أمة هلامية، و نظم إسرية لها شرعية مقدسة و ما بين ذلك من تلاويين. أما حركة التحديث في بلداننا الجارية منذ قرن ونيف تصطدم ببنى سياسية تقليدية لا تسمح لها بالتعبير عن النفس سلمياً، على غرار الغرب.
في غضون ذلك، تمضي الحضارة ما بعد الصناعية بوتيرة مدوية تزيد الهوة الفاصلة، وتخلق بمجرد تقدمها لحظة مأزومة مع «حضارات الماقبل». وإزاء احتدامنا الداخلي، واحتدامنا مع العالم المحيط، نرى ان «الغرب» نفسه يتخذ مواقف مزدوجة. ففي جانب نراه لا يجد في استمرار البنى السياسية البالية، التي لا تتواءم مع الاقتصاد الحديث ومعمار الدولة الحديثة، اي ضير، هذا إن لم يكن مسانداً لها سراً أو علانية. ألم نكن (بل وما نزال) نستشيط غيظاً إزاء مظاهر التعاون والرعاية السياسية الغربية لأنظمة حكم تقليدية، أو ديكتاتورية. بل ان غيظنا من استمرار عالم الماضي يدفعنا الى ان ننحو باللائمة على هذا الغرب باعتباره المسؤول عن استمرار هذا التخلف. في المقابل نشهر كل أسمالنا الفكرية إذا ما عزّ لأحد من الغرب ان يضغط باتجاه الاصلاح، أي في اتجاه «حلحلة» الجمود، دون أن نقر بفشلنا. اعلم ان ديناميكيات التغيير تتبلور داخلياً وان ضعفها بالتالي هو مسؤوليتنا الأولى، التي نولي الإدبار عنها بكل إباء، مثل أسد عجوز فقد أنيابه. وأعلم أيضاً أن «الغرب» ليس منزّهاً عن كل ما يُكال له من اتهامات، أو عن كل ما يُنسب اليه من خيبات. هاكم آخر فشل مدوٍ في العراق: ظفر الديموقراطية الذي بشرت به كوندوليزا رايس تحول الى بوابة الانتقال الى حكم اسلامي متزمت في اكثر المجتمعات العربية مدنية. وأجد في هذا الفشل ثمرة تحول النظام الحداثي البعثي الى عشيرة منظمة في دولة تستبدل ايديولوجيتها العلمانية بأيديوجيا القرابة والخرافة الدينية تبعاً لمصالح استمرارها، مثلما هو فشل التجربة الاميركية في الدمقرطة المعسكرة لمجتمع تجهل تضاريس بُناه الثقافية، ومؤسساته المجتمعية. وهذا هو ايضاً فشل القوى الوسطية العراقية نفسها (اليسار، الليبراليون، الخ) التي عجزت عن البناء الذاتي .وأخيراً، فهو فشل محيطنا العربي، الذي حول ديكتاتور العراق الى بسمارك العرب، وغرق حتى أذنيه في تقديس الزعيم والأهداف القومية بدل متطلبات ارساء السياسة على مبدأ الديموقراطية، والفكر على قاعدة التعدد.
ختاماً، أرى ان نمط تقاتل «الغرب» معنا أقام من الأصنام أكثر مما يعمل على تهديمه اليوم، أما نحن فندير ظهورنا مستنكفين عن حمل المعاول، نادبين «الحظ العاثر» مستسلمين للبكاء على الأطلال الدارسة، والحاضر المزري، والمستقبل الذي لا اسهام لنا فيه.



#فالح_عبد_الجبار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المنهج النظري و التجريبية في كتاب الطبقات الاجتماعي لحنا بطا ...
- العراق: صراع العروبة والأسلمة في الدستور وحوله
- الدستور العراقي:المعركة الاخيرة ؟
- سوسيولوجيا البداوة والمجتمع العراقي 2-2
- المجتمع العراق و سوسيولوجيا البداوة 1-2
- اطلالة على مفهوم العولمة
- الفقهاء في النجف 3-3
- الفقهاء في النجف
- الفقهاء في النجف :الجواهري و التمرد الأول :
- نحن والدستور
- الدين والدولة في الصراع على دستور العراق
- في استشراء العنف الأصولي
- المؤسسات الاجتماعية والمجتمع المدني في العراق
- علي الوردي وعلم الاجتماع
- برلماناتنا وبرلماناتهم
- تجاوز الخوف من الماضي
- العراق: دولة دينية، دولة مدنية...؟
- الأضحية والضحية - أقانيم في ثقافة التعارض
- المشروطة أم المستبدة؟
- الأفندية والملائية بين قرنين


المزيد.....




- ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف ...
- صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
- -الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت ...
- روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم ...
- -بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م ...
- تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
- البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ ...
- -بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض ...
- علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فالح عبد الجبار - نحن والعالم في ظلال 11 أيلول