أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - رضا لاغة - احتمالات معاكسة لليقين و اللايقين















المزيد.....

احتمالات معاكسة لليقين و اللايقين


رضا لاغة

الحوار المتمدن-العدد: 4745 - 2015 / 3 / 11 - 12:30
المحور: كتابات ساخرة
    


سوف أبدأ بأكثر الاستراتجيات إغواء و تسيّبا: " كيف نصنع الأشياء بالكلمات؟"1 ؛ كتاب شيّق لأوستين يترك تخوّفا من مقاومة اللغة في سياقها التلفّظي و التداولي . فهي مخترقة ، ربما بالإيديولوجيا ؛ و أحيانا متناقضة، ربما لقصورها و محدوديتها.
هذا الكتاب ترجم بنبض محذوق إلى الفرنسية تحت عنوان : "أن نقول هو أن نفعل" ، من قبل جيل لان. من المحتمل ألاّ يكون ذلك خيارا سديدا ، إذ يوجد دوما صوتا معارضا في صميم النظرية التداولية ( الدلالة/ القصد)تجعل من الترجمة خيانة أو ربما كتابة لنص جديد.
و لأن المعايير التي ضبطها أوستين نتوقّع منها التمييز بين " ما نفهم " أي الإعتقاد و ما تستلزمه المصداقية ،أي الإخبار ؛ سنحدد مدخل حديثنا بالمثال التالي:
إن سيارة هديل، جميلة . إن استلزام المصداقية هنا يقتضي أن يكون لهديل سيارة.
وفق هذا التقدير سنمتحن القضايا الحملية التالية:
القضية الأولى
" قبل ظهور الإنسان ، كان الوجود كله يعمل وفق يقينيات غريزية بحت"
إن هكذا قول يستلزم مناقشة تفصيلية نبوّبها كالآتي:
1 ــ إن سحب اليقين كمعطى غريزي على الوجود برمّته( كل) ، قول غير مستنبط بالعقل. و لسائل أن يسأل : يعرّف الشيء بما يخصه ، فمما يلتمس الحكم القاطع باليقينية و الإنسان ينال منه العدم؟ و بما أنه كذلك ( قبل ظهور الإنسان) كانت اليقينيات الغريزية غير يقينية، و إنما محض اعتقاد مشتق من ترجيح يحمل على أكثر من معنى : يقين و لا يقين.
2 ــ إن هذا المحمول المركّب على الوجود ( يقينيات غريزية) مساو لنوع من الوجود ألا وهو الكائن الحي ( زهرة ، حيوان..) و لسنا نسمّي الإنسان لأنه لم يظهر بعد ( قبل ) . و هذا يشتمل على خلط لا شبهة فيه في النوع. لأن الغريزة خصيصة الكائن الحي ( يستثنى منها الانسان الذي لم يظهر بعد) بوصفه نوع من أجناس حية يتشارك معها في الوجود مع أجناس أخرى غير حية . و عليه ، فإن عبارة ( كل) ترسم معنى أعم ينسب من باب الحصر لنوع في جوهره.و هذا خلف. ويصح حينها : إما حذف كله، تبعيض الغريزيات: وفق نمط أو بعض اليقينيات الغريزية.
و لا غرابة حينئذ أن يميز هيديغر بين الوجود و الموجود.
القضية الثانية
" فالزهرة تتفتح في موعد معيّن"
1 ــ اعتمدنا حرف الاستئناف " ف" ، استنادا لاسم محققها. فما المراد بها؟ كشف يلتمس معقولية ما ورد في القضية الأولى أم استرسال في السياق؟
في حال كونه استرسالا ، فإننا نحرز نفس الغلط الموسوم في المعنى الأول.
في حال كونه كشفا، فإننا نركّب حكما صدوقا لنوع حمله كل، فيستحيل الكائن الحي مرادفا للوجود. وهذا خطأ محال التجويز به.
2 ــ إن اليقين يعلم باستنباط و استدلال ، و عرضا بتلقين و محاكاة. و كون " الزهرة" تعيد نشاطها أو بالمعنى الأرسطي حركتها، بشكل مكرر و غاية في الإتقان ، فهذا ينقلنا إلى ما يسميه ويليام دجيمس: الملكة، و التي على أساسها نميز بين النشاط/ المهارة. و لأن النشاط منمذج ( يشبه البرنامج الآلي) جاز التساؤل: هل هو بالفطرة أم مكتسب؟ و هي أسئلة تضعنا في ريبة و شك . هل جبلت على هذا اليقين المنمذج من غير أن تدري؟ حينها يثور سؤال جديد: كيف حصلت على ذلك؟ و من غير أن ندري ؟ كيف حصل ذلك؟ وهو ما يكسب اليقين ضعفا لأن من كان بهذه المنزلة من الإلغاز لا يحتمل القطع فيه( إنسان لم يوجد بعد و غريزة بلا إدراك و إلا كان الإدراك خصيص بالغريزة ورفع ذلك عن الإنسان)
القضية الثالثة
" عندما بدأ العقل في العمل"
1 ــ إن هذه القضية تعاند سابقاتها بإيجاب مسلوب. في القضية الأولى شددنا على معنى " قبل ظهور" ، وفي قضية الحال على معنى " عندما بدأ". و هذا قول فيه متقابلات:
الحد الأول: نوع غير مساوق للزمان( قبل ظهور الإنسان)
الحد الثاني:تقدير للعقل كقوة عمل بإغفال النوع: الإنسان. وهو مدعاة لتناقض من وجهين:
إذا كان المعنى الثاني ينطبق على الإنسان فمتى ظهر؟
إذا كان قد ظهر في وقت كذا و كذا ثم أضيف له العقل الذي يعمل ، فإن ضبط ذلك يتوسطه اعتقاد مظنون. هل العقل عرض أم جوهر؟
لتوضيح ذلك فلنضرب مثالا: الإنسان حيوان ناطق. الناطق هنا محمول يتميز به نـوع ( الإنسان) في جوهره عن نوع آخر مشارك له في الجنس ( الحيوان). في هذه الحالة، هل يجوز الإخبار عن القضية: النطق ، بالاكتفاء بقول: الإنسان حيوان؟ إلا إذا ما كان الحيوان ناطقا.
و كذا الأمر في قولنا: الإنسان حيوان عاقل. حذف العقل ( الإنسان حيوان) يعني أننا نجوّز تعريف الإنسان بحد الحيوانية ليكون العقل مضافا . فهو إذن عرض و ليس جوهر و إن كان لزوم العقل واجب استحال إلى جوهر.
إن مفاضلة الأولى( رفض مفهوم الجوهر) عن الثانية تضعنا إزاء مفارقة أعتا و أشد. هل يمكن لعرض أن يكون يقينا؟ إذ أن طبيعته غير ثابتة و بالتالي تبطل الفوارق بين اليقين و اللايقين. و هل لعرض أن يغير من منزلة نوع ( الإنسان) حتى يغدو قادرا على ترويض الطبيعة برمتها؟ حينها يصبح جوهرا.
القضية الرابعة
" و إذا كانت ثنائيات الوجود تقوم على الأضداد ...فالعقل البشري قطعة من الكون في كل ملامحة ينتقل إليه يقينه و لايقينه"
1 ــ هذا قول في الكيفية:
ثنائيات الوجود. كيف هي؟ متضادة. و التضاد قول في متلازم. و المتلازمان هما الشيئان اللذان ، إذا وجد أحدهما وجد الآخر. و هو حكم بحسب ما تم الإخبار عنه في قضية الحال.
و لما كانت ثنايا الوجود متضادة ، والعقل " قطعة من الوجودّ" ، صح أن يشمله هو أيضا التضاد، لا أن يستثنى منه و يسري من يقين إلى لايقين.
2 ــ قول المتقدم و المتأخر:
أن ينتقل العقل من اليقين إلى اللايقين ، هو قول يتضمن معنى المتقدم و المتأخر. و لأن العقل هو من ينتقل إن اليقين ، يغدو حكما و حالا محصّلا. وهو ما يوقعنا في خلف تقابل القضايا: وجود يقين قبل العقل.
و على هذه الجهة يرفع الالتباس بالاستعاضة بمفهوم الحتمية. فهي حمّالة لعلاقة سببية كونية تشمل مطلق الوجود( مع تخصيص في درجة صرامتها في الميكروفيزياء): نفس الأسباب ضمن نفس الشروط تؤدي دوما و حتما إلى نفس النتائج.
أما اليقين فهو حمّالة لمعنى التمثّل ، وهو ضروب و أصناف، تختلط به لعبة اللغة الدالة على كذا و كذا و أثرها التداولي بين كذا و كذا. فلو أطلقنا التحية على السيدات و السادة القراء و قلنا لهم: "مساء الفل" ؛ فإن قصدية الخطاب هي الغرض المدرك من التحية و ليس دلالة " مساء" و " الفل".
هذا بعض مما أغوتني به قراءة نصك الممتع و الجميل، يا سيدي.
أعذرني ، فقد انسقت استبصارا و انصياعا لما يشبه تفكيكية دريدا حين حذّر :"إن مجيء اللغة هو مجيء اللعبة التي ترتدّ على ذاتها"2 . و ما الغرض عندي تهكم مشحون بقدر ما هي دعوة للتعرف على مقصدي من نص كتب فانفصل عن ذات كاتبه وفق المنظور ذاته الذي تحدث عنه دريدا: في اللغة و باللغة بعيدا عن الميتاــ خطاب ، بعيدا عن الإيديولوجيا.
المرجع:
1 ـ أنظر كتاب: التداولية من أوستين إلى غوفمان، فيليب بلانشيه، ترجمة الحباشة( صابر)، ط1 . 2007 ، دار الحوار للنشر و التوزيع.
2 ـ في علم الكتابة. دريدا ، ترجمة مغيث ( أنور) ، طلبة ( منى)، ص 66 . المركز القومي للترجمة ، ط 2 . 2008 .



#رضا_لاغة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تفجير الحداثة من الداخل : نقد لها أم تضحية بالحداثة؟
- هو ذا طريقنا
- الحداثة المعطوبة بعيون هابرماسية و الدور الملهم للإرث الديني ...
- يشرعن و يقمعون ، و المرأة تبلغ نهاية مصيرها العادل
- ثقافة فينومينولوجية لاختراع الجسد و تنابذ مع الكوجيتو المقلو ...
- دردشة على ضفاف الهنا و الآن
- العرقية و القومية: تأصيل إيديولوجي أم أنثروبولوجي؟
- ملاسنة حول السفسطائي: رحلة من معاقل الميتافيزيقا إلى معاول ا ...
- أدب الجريمة : دوستويفسكي و البصمة الأنثروبولوجية
- استلاب الوعي و القهر السياسي لنظام بن علي
- الطريق من الجريمة إلى الأنثروبولوجيا
- الحرب: أزمة قيم أم أنثروبولوجيا؟
- التصوف تحت مجهر علم النفس خال ينمّ عن عقدة بلوغ أوج القمّة
- الإرهاب و الثورة : أزمة عصر أم ميلاد عصر جديد؟
- نوابض خفيّة للصورة


المزيد.....




- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - رضا لاغة - احتمالات معاكسة لليقين و اللايقين