أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زهدي الداوودي - ماركسية لينينية أم ستالينية؟















المزيد.....



ماركسية لينينية أم ستالينية؟


زهدي الداوودي

الحوار المتمدن-العدد: 4744 - 2015 / 3 / 10 - 12:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



لايمكن لأحد في يومنا هذا أن يشك في الاهمية التأريخية للأحداث الثورية التي جرت في بداية القرن العشرين في روسيا القيصرية وفي جميع أنحاء العالم والتي أرتبطت بأسم فلاديميير أيليج لينين. وفي كل الاحوال كانت تلك الاحداث بالنسبة لبعض الافراد والجماعات والطبقات الاجتماعية كارثة فعلية، في حين كانت تحمل لفئات وطبقات إجتماعية أخرى الاماني والآمال اللانهائية في مجتمع عادل وحياة كريمة سعيدة خالية من الاستغلال والعبودية، الأمر الذي أدى الى أستيقاظ أقسام هائلة من الجماهير من سباتها العميق. وكان من البديهي أن يكون للينين أتباعه الذين أعتبروه لعقود من الزمن القائد والمفكروالمصلح الذي لا منازع له، وكذلك أعداءه الذين أعتبروه سفاحا ودكتاتورا على طول الخط، بيد أن اللوم هنا لا يلقى على أعدائه الذين ضربت مصالحم وصودرت ممتلكاتهم الخيالية، بل على الذين ألهوه (بتشديد اللام) بشكل أعمى، ثم أنقلبوا عليه معتبرين أياه رأس الكوارث التي حلت على المجتمعات الاشتراكية. ولنستمع الآن الى راي ، نسوقه كمثل واحد من احد الانتهازيين، والذين كانوا ينمون بسرعة خارقة مثل الاعشاب الطفيلية. ويتسلقون الى أعلى المراكز.
ونص الكلام هو لـ (آ.ن. ياكوفليف) الذي قاد لسنوات طويلة العمل الدعائي والتحريضي التابع للجنة المركزية لحزب الشيوعي السوفييتي، والذي طارد بشكل فعال كل العناصر الي لم تلتزم بخط الحزب، كما واصبح في زمن غورباشوف سكرتيرا للجنة المركزية وعضوا في المكتب السياسي ومرة أخرى مسؤولا عن العمل الايديولوجي في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي. وطالب من موقع مسؤليته ببعث اللينينية الحقيقية وتطويرها. يقول ياكوفليف:" كان لينين في الحقيقة قائدا، ولكن قائدا ومعلما للأوغاد بنفسية سرقة -المسروق- ، والقتل ووشاية الجيران وزملاء العمل، المهم هو التكاسل عن العمل. والوغد كوليد للشيطان، هو النموذج الرئيس لكل الاضطرابات. حدث ذلك في روما القديمة، عند أهماج جنكيزحان، عند يعاقبة باريس، في بطرسبيرغ القيصرية وفي موسكو اليوم. وهكذا البلشفية أيضا، والاكاذيب المقدسة، للحكام المتعاقبين والمعارضين، والتي لا زالت تقتحمنا حتى الآن. إن أزمان الاضطرابات هي أعياد الأوغاد... إن الانقلاب البلشفي قد بدأ قبل 77 عاما. وهذا هو الحدث المأساوي في تأريخ روسيا الالفي. بداية بصقة الشيطان... الجحود وقتل العائلة القيصرية، خيانة الوطن. إذ أنطلاقا من مقولة ماركس، لاوطن للبروليتاريا، مورس القتل والوشاية في الحرب الاهلية، وكوفئ القتلة بالتصفيق". (أنظر: Moskovskie novosti, Nr.56, 13.-20. Nov. 1994. قارن أيضاRoy Medwedew, BzG 3 L 97, S. 16.)
هذا مثل واحد فقط من عشرات، بل مئات الامثلة التي إن دلت على شئ، إنما على مدى الانحطاط في الاخلاق وسوقية الممارسة الانتهازية والوصولية. كما ويصور لنا هذا المثل مدى عمق النخر الذي فعلته الديدان التي فرزتها المنظومة الاشتراكية وأحزابها الشيوعية في المجتمع والدولة والحزب، كل ذلك بأسم الاخلاص لخط الحزب وفي غياب الديمقراطية السياسية. هل الحقيقية هي كما صورها هذا (القائد الايديولوجي)؟.
لاشك أن كل مهتم بالفكر الماركسي يعرف جيدا بأن النقاشات والمعالجات كانت محتدمة دوما منذ عقود من الزمن وحتى يومنا هذا بخصوص التراث النظري والنشاط السياسي للينين. وقد أنبهر البعض بشخصيته الى درجة القدسية والتكامل والخلو من الاخطاء. بحيث أن توجيه أقل إنتقاد اليه، كان يعتبر جحودا وخيانة للماركسية. وكان ثمة الى جانب ذلك من أنتقده بعنف، سواء من رفاق دربه أم خصومه. وكان هو نفسه، في معرض الرد على خصومه، يلجأ الى أستعمال كلمات شديدة وقاسية. وفي فترة حياته كانت كلمة (اللينيني) أو (اللينينية) تستعمل من قبل خصومه كمفهوم سلبي ونعت. وأما هو فكان يعتبر نفسه ماركسيا. وكان عدد غير قليل من رفاق كفاحه، يرى بأنه في الحقيقة لم يأت بتعاليم جديدة ولم يكتشف منهجا فكريا مستقلا، بل أن كل ما فعله هو تحويل مشاريع ماركس الى الواقع. وكانت عبارة:"ماركس المنظر ولينين المطبق" تتردد بكثرة. وقد ظلت تتكرر في محيط لينين حتى بعد ثورة أكتوبر.
عندما ظهر لينين على المسرح السياسي الروسي، لم تظهر اللينينية كمنهج تفكير مستقل نسبيا أو كخطوة متقدمة جديدة للماركسية. ولم تظهر كذلك أيضا عندما تشكل الحزب الاشتراكي الديمقراطي العمالي الروسي وفراكسيونه. في العقد الاول من كفاحه، دافع لينين عن الماركسية ضد الشعبيين والاقتصاديين والماركسية الشرعية. وحاول بكل أمكاناته أن يثبت بأن الافكار الرئيسية للماركسية يمكن أن تنطبق على ظروف روسيا القيصرية. وواصل لينين ما بدأه بليخانوف الذي لمع أسمه في عالم الادب الماركسي في روسيا. ولم يكن من باب الصدفة حين عمل بليخانوف ولينين في هيئة تحرير"الأسكرا" بكل نشاط ودأب، حيث حصلا على 75% من الاصوات. (أنظر: Leniniskj sbornik III, S. 430. قارن أيضا BzG 3/97) وعندما أنشق الحزب الاشتراكي الديمقراطي العمالي الروسي في المؤتمر الثاني، وضع بليخانوف نفسه مع لينين على رأس البولشفيكي. ولاشك أنه لم يكن من السهولة بمكان أن يحتفظ سواء لينين أو بليخانوف أو غيرهما من الماركسيين المرموقين بمكانتهم كمعلمين. بيد أنه في ذلك الوقت كان الامر يتعلق بتطويرالماركسية في إطار شكلها الكلاسيكي.
مع بدء ثورة 1905- 1907 تغيرت الاوضاع في روسيا القيصرية. في هذه السنوات عمل لينين في عدة مسودات ومساهمات يمكن أن تعتبرأصيلة، رغم وجود الخلافات حولها. كانت هذه الاعمال تهتم بالدرجة الاولى بمجال تاكتيك الكفاح السياسي والاساس التنظيمي للحزب العمالي، وكانت افكار هذه المشاريع تختلف بشكل جذري عما ورد عند الاشتراكيين الديمقراطيين إذ ذاك. وأصبحت أفكار هذه المشاريع بالذات، أساسا نظريا للبولشفية. وأدت بالتالي الى شق الحزب الاشتراكي الديمقراطي العمالي الروسي وتحويله الى حزبين مستقلين عن بعضهما.
ومن المعروف أن الصراع بين الدول الراسمالية الكبرى في العقد الاول من القرن العشرين قد أحتد من أجل إعادة تقسيم مناطق النفوذ والمصالح في العالم وبدأ ت الاحتكارات الرأسمالية الهائلة والتروستات بالتكون والنمو المتزايد وراحت الدول الرأسمالية تتسابق في مجال عسكرة الانتاج. وفي هذه الظروف بدأ بعض الاشتراكيين الديمقراطيين الغربيين مثل بيرنشتاين وميلر بترك الماركسية الثورية والتوجه نحو الاصلاحية والتوفيقية. وبقي قسم مهم من قادة الاشتراكية الديمقراطية حبيس الجمود العقائدي، يحاول أيجاد الحلول للمهمات الراهنة بأفكار ومقترحات ووسائل قديمة. وأما لينين، فوضع نفسه في تلك السنوات على رأس الاتجاه اليساري المتطرف للاشتراكية الديمقراطية. وراح يضع الخطط والمشاريع الجديدة لبناء الحزب العمالي ويكتب المساهمات في مجال الاستعمار، الازمات العامة للرأسمالية، وحدة الطبقة العاملة الاوروبية مع حركات التحرر في الدول الكولونيالية وشبه الكولونيالية، أستراتيجية الاشتراكية الديمقراطية في ضوء شروط الحرب العالمية والتطور اللامتساوي للرأسمالية وعلاقة نجاح الثورة الاشتراكية في البلد الرأسمالي الواحد بذلك..الخ.
حاول لينين تطوير الماركسية بكل جهده، بيد أنه لم يفعل ذلك في كل الاتجاهات. إذ أن العديد من الاوجه المهمة في التعاليم الماركسية التي كانت آنية في القرن التاسع عشر وملائمة لظروف دول أوروبا الغربية آنذاك، لم تسترع إنتباهه. وهذا لا يعني إنه لم يتوقف عندها، ولكن في حدود ملاءمتها لوضع وظروف روسيا. وبالاضافة الى ذلك تاثر بتراث الحركة الثورية الروسية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. من الذين تأثر بهم هيرتسين، تشيرنيشيفسكي، تكاتشوف وغيرهم.
إن أهم مرحلة لتشكيل اللينينية كجمود عقائدي ترتبط بالثورة الروسية في العام 1917. وتشمل حوالي ست سنوات الاخيرة من حياة لينين، حيث لم يكن قائدا لحزب "من طراز جديد" ومنظم وملهم الثورة البروليتارية فحسب، بل كان المنظم والرئيس لاول حكومة إشتراكية ومؤسس أول دولة لها.
عندما يؤكد بعض علماء الاجتماع والماركسيولوجيين بأنه من أجل فهم الماركسية، ينبغي العودة الى كتابات ماركس الشاب، فإن المسالة بالنسبة الى فهم لينين والبلشفية هي عكس ذلك، ففي سنوات مسيرة ثورة أكتوبر المحتدمة والحرب الاهلية الطاحنة وفي السنوات الاولى لبناء أسس الاشتراكية، أظهر لينين مقدرة فائقة في تاكتيك وأستراتيجية الكفاح الثوري. وبرز كمنظر ومبدع في قيادة حزب ثوري في بلد مترامي الاطراف، يحتوي الى جانب البورجوازية الصغيرة كل بقايا وعناصر العلاقات الرأسمالية والاقطاعية وماقبل الاقطاعية. وكانت المسائل الاقتصادية المعقدة يحسمها بنفسه، عبر طريق مجهول لم يتطرقه أحد قبله. وكان ينبغي عليه أيضا حسم كثير من الامور المعقدة الاخرى وإبداء الرأي المقنع والحجة المطلوبة حولها دون تأخير أو تردد. كل ذلك ضمن مرآعاة الخط الماركسي وتحت سمع وبصر أصحاب الجمود العقائدي المتربصون.
إن هذه المسيرة الفريدة التي قادها لينين بجرأة وحماس والتي أظهرت مقدرته الفائقة في نظرية وتطبيق الكفاح الثوري في تأسيس أول دولة إشتراكية، سميت بعد وفاته باللينينية.
إن مفهومي الماركسية واللينينية ليستا مترادفتين. وقد أدرك ذلك كل المنظرين الذين حاولوا بعد وفاة لينين، أن يستعملوا مفهوم اللينينية ويحددوا أسسها في مجال النظرية والدعاية والتحريض. كانت اللينينية تتطلب معادلة أو صيغة عامة، إذ أن ما كان يستعمل رسميا في وثائق الحزب والكومنترن الى العام 1924 هو:"التعاليم الثورية لماركس". وفي خضم النقاش بخصوص التسمية، وردت جملة مقترحات وأفكار وصيغ مثل:اللينينية هي تطبيق الماركسية، إنها الماركسية في الحركة، إنها تطبيق للماركسية في ظروف روسيا. الماركسية هي النظرية، واللينينية هي عملية تطبيقها او اللينينية هي التاكتيك..الخ. كل هذه المقترحات رفضت، ذلك لأنها كانت تركز على الجانب التطبيقي وليس على الجانب النظري لتراث لينين.
في "تعاليمه" التي قدمها ستالين في العام 1924، توقف عند مقترح قدمه أحد معاونيه هو Ksenofontow وكان كمايلي:"اللينينية، هي ماركسية مرحلة الامبريالية والثورة البروليتارية، أو بالاحرى أنها نظرية وتاكتيك الثورة البروليتارية عامة، ونظرية وتاكتيك دكتاتورية البروليتاريا خاصة". (أنظر، Stalin: Werke, Bd.6, S.70 /71 باللغة الروسية) وأصبحت هذه المعادلة سارية المفعول ومعمولا بها في العمل النظري للأحزاب الشيوعية والكومنترن لعقود من الزمن. ولم يجر ذلك بسبب كون الموضوعة دقيقة أو صحيحة، بل لأنها أقترحت من قبل ستالين.
ويبدو أن هذه الصيغة لم تف بالغرض المطلوب، لذلك كانت ثمة حاجة الى صيغة أخرى، لا تعكس المضمون النظري للينينية فحسب، بل تحتوي على تراث كل من ماركس وإنجلز ولينين معا. وكان أن تم التوصل الى صيغة الماركسية- اللينينية. وأول من بشر بهذه الصيغة هو Sinowjew وكان اقتراحه هو "ماركسو- لينينية". (أنظر: Bolschewiki, 2 / 1925,S.9. قارن أيضا BzG 3/97 S.19).
كانت الصيغة ثقيلة على السمع وغير سلسة، ومع ذلك فان الاقتراح قوبل بترحاب كبير، وراحت الصيغة تستعمل في الاعمال الدعائية. وظل المفهومان الماركسية واللينينية يستعملان في الوثائق البرنامجية للحزب الشيوعي السوفييتي والكومنترن في سنوات العشرينات كل على حدة وبدون خط الربط (الشرطة). ولم يجر ذكر صيغة(الماركسية- اللينينية) في النظام الداخلي الذي أقره المؤتمر الرابع عشرللحزب الشيوعي السوفييتي.
وفي الانسكلوبيديا الروسية الاولى ثمت إشارة الى "ماركس والماركسية" و "لينين واللينينية". وتم إستعمال صيغة (الماركسية - اللينينية) لأول مرة في بداية الثلاثينات، كمفهوم رئيس لتحديد الاسس النظرية لأحزاب الكومنترن.
إن أستعمال مفهوم "الماركسية - اللينينية" قد سهلت عملية إجراء التصحيحات والتنقيحات المختلفة سواء ما يتعلق باللينينية أم الماركسية. وفي سنوات الثلاثينات والاربعينات راحت صيغة (الماركسية - اللينينية) تستعمل من قبل هيئة التحرير التي أشرف عليها ستالين في الكتب التعليمية المقررة، منها كتاب: "موجز تأريخ الحزب الشيوعي السوفييتي". وبالطبع لم يجر النسيان التام لماركس وإنجلز، وكذلك لم تستبدل اللينينية بالستالينية، ولكن كل هؤلاء قد دفعوا الى المرتبة الثانية . يقول روي ميدفيديف: "كان ينبغي علينا أن نقرأ كتبا معينة فقط لماركس وإنجلز ولينين، في حين كانت كل كراريس لينين محشوة بتعليقات وهوامش ستالين. أنظر: Roy Medwedew, BzG 3 / 97,S.2 )
ألف لينين كتبا غير قليلة ومجموعة كبيرة من المقالات وكذلك القى كلمات وتقارير كثيرة في مختلف المناسبات ، وترك عددا كبيرا من الرسائل. كما وهناك مجموعة كبيرة من المراسيم والتعليمات والتوجيهات التي أعدها شخصيا سواء حول الحياة الحزبية أو مسيرة الحكم السوفييتي، وذلك في سنوات ما بعد 1917. ولاشك أنه كان لايملك الوقت الكافي والامكانات في ذلك الوقت لتنسيق كل تلك الكتابات وإعادة قراءتها فتنقيحها وحذف ما فيها من زيادات أو نواقص أو تناقضات، أو لوضع الحدود بين ماهو دعائي أو نظري صرف. وفي خضم هذا السيل من الكتابات يمكن التقاط ملاحظات مهمة، إن دلت على شئ، إنما على كونه أنه كان لا ينفي أخطاءه ولا يصر عليها، فغالبا نعثر عنده على مايأتي: "إننا أخطأنا بكل جد"، "إنني أخطأت"، "يبدو إنني مذنب بكل جد تجاه الحركة العمالية"، "إننا قمنا بحماقات كثيرة، وستكون حماقاتنا القادمة ليست أقل"، "كنت لست محقا"، "لم أتمكن من ذلك". مثل هذه العبارات كانت تتخلل مقالاته وكلماته. إنه لم يتمكن من مقارنة وتحليل أقواله التي قالها في فترة ما قبل الثورة مع تطبيقاته في فترة ما بعد الثورة.(أنظر:نفس المصدر).
لم يأت لينين في أعماله النظرية بمفاهيم جديدة، كان يستعمل نفس المفاهيم التي يستعملها ماركس، دون إجراء أي تغيير فيها، مثل: القوى المنتجة، العلاقات الانتاجية، التشكيلة الاجتماعية- الاقتصادية، فائض القيمة، دكتاتورية البروليتاريا، القاعدة والبناء الفوقي..الخ. وعند إستعماله لمفاهيم سبق أن جاءت قبل ماركس، فكان يذكرها بنفس المضمون الذي فهمه ماركس وإنجلز مثل: الطبقة، الكفاح الطبقي، البورجوازية، البورجوازية الصغيرة، البروليتاريا، الرأسمالية، الاقطاع، الاشتراكية، الثورة..الخ.
وأما المفاهيم الجديدة التي ذكرها لينين مثل نيب (السياسة الاقتصادية الجديدة)، الوضع الثوري، إحتكار التجارة الخارجية، رأسمالية الدولة..الخ. فكانت تستند بالاساس على المفاهيم المذكورة أعلاه. إن لينين لم يأت سواء بفلسفة جديدة أو بمنهج جديد لتحليل الظواهر الاجتماعية. ولم يدع ذلك، بل ظل يؤكد بأنه ماركسي واع، نابذا مسلك الماركسيين الدراويش.ولكن كل هذا لا يعني أنه كان مجرد مطبق عملي للثورة. وبخصوص هذا الموضوع يقول بوخارين في الجلسة الاحتفالية للاكاديمية الشيوعية في 17/ 2 / 1924: "إن الرفيق لينين صاغ أقواله النظرية باستمرار من حالة الى حالة. إنها متناثرة في مجلدات أعماله الكثيرة. وبالذات لأنها متناثرة بهذا الشكل، وغير جاهزة بشكل موحد للقارئ، لكل هذا السبب قيل بأن الاولوية هي للينين المطبق، وليس للينين المنظر. بيد أن هذا الرأي، هكذا أرى أنا، سوف يدحض في المستقبل القريب. وأما على المدى البعيد، فسيقف لينين أمامنا ليس كمطبق عبقري للطبقة العاملة فحسب، بل كمنظر عبقري أيضا".
(أنظر: ن. بوخارين: الطريق الى الاشتراكية في روسيا، نيويورك، بلا سنة، ص. 214. باللغة الروسية. قارن أيضا المصدر المذكور، ص 20)
وأقتضت الضرورة لتنسيق أقوال لينين وتوحيدها بعد وفاته، فإخراجها ضمن "مبادئ اللينينية". وأثار هذا الموضوع جذوة الصراع الحزبي الداخلي الحاد الذي بدأ في خريف 1923، الى أن أتخذ شكله النهائي في السنوات اللاحقة. وكان كل فراكسيون يدافع عن رأيه كونه هو "اللينينية الحقة". وكان أحد الاوائل الذين بدأوا بذلك هو ستالين، إذ بدأ يلقي سلسلة من تعاليمه في جامعة سفيردلوف في موسكو، والتي كانت تنشر فيما بعد في جريدة "برافدا" تحت عنوان: "حول مبادئ اللينينية". ونشر بوخارين في نفس الاتجاه مساهمته المعنونة ب"لينين كماركسي"، في (1924). وفي العام 1925 نشر: "الطريق الى الاشتراكية وإتحاد العمال و الفلاحين". ونشر تروتسكي أيضا مجموعة من المقالات حول لينين واللينينية. وفي نفس الوقت أصدر سينوفييف كتابه: "اللينينية" وكذلك نشر مقاله البرنامجي "فلسفة العصر". وأصدر كامينيف كراسه "لينين وحزبه". وأصدر سافاروف في لينينغراد (1924) كتابه الشامل "أسس اللينينية" بثلاث طبعات. هذا بالاضافة الى صدور مجموعة كبيرة من الكتب والمجلدات بنفس الاتجاه.
وكان الصراع الحزبي الداخلي يترك بصماته على محتويات هذه الكتابات ويؤثر فيها بكل وضوح. وكان الكتاب ياخذون المقاطع التي تهمهم من اللينينية، ويستعملونها كحجج أمام منافسيهم من الكتل الحزبية الاخرى. فمثلا كان ستالين وبوخارين ينتقدان أعمال تروتسكي وسينوفييف، بيد أنهما كانا لا يتخلصان من لسان تروتسكي، الذي كان يقول:"بأن كتابات ستالين بدائية ومليئة بالاخطاء التي يقوم بها تلاميذ المدارس".
ورغم كل شئ فإن تلك الكتابات على أختلاف آرائها، كانت مفيدة لتوضيح المساهمة النظرية للينين واهميتها في وضع أسس الاشتراكية العلمية وبحث القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في فترة حياته. وبالذات بعد وفاة لينين أصبح مفهوم اللينينية قائما، وجزءا ثابتا، سواء في الادبيات الماركسية أم المعادية للماركسية.
عندما يجري الحديث عن الماركسية، يكون المقصود هو مجمل التراث النظري لماركس وأنجلز. كان الاثنان عالمان ومنظران من الدرجة الاولى، وأما الجانب التطبيقي لعملهما الثوري، فكان يأتي بالدرجة الثانية. كان نشاطهما هذا مرتبطا بتنظيم الاحزاب الاولى للطبقة العاملة وقيادة الاممية الاولى والثانية.
ومن الجدير بالذكر أن الاممية الاولى تأسست في 28 / 9/ 1864، وكانت تضم في صفوفها مجاميع مختلفة، إشتراكية وفوضوية من 13 بلد أوروبي والولايات المتحدة الاميركية. كانت تضم من المانيا (الاتحادات الالمانية) بقيادة كل من آوغست بيبل وفيلهيلم ليبكنيشت. كتب ماركس برنامج الاممية الاولى ضمن بيان مؤقت. منذ العام 1870 أصبح أنجلز سكرتيرا عاما، وكان ينتخب سنويا لهذا المركز من قبل كونفرنس سنوي. في العام 1872 حصل أنشقاق وفي العام 1876 تم حل الاممية الاولى. أما الاممية الثانية، فتأسست في تموز /يوليو 1889 في باريس، وذلك كإتحاد للأحزاب الاشتراكية- الديمقراطية والنقابات. تبنت الاممية الثانية الماركسية منذ أول يوم من تأسيسها. منح برنامج أيرفورت المقر في العام 1891 من قبل الحزب الديمقراطي- الاشتراكي الالماني، طابعا جديدا للأممية. في العام 1896 ناقشت منظمات الاعضاء مسالة إستلام السلطة، وأقرت ضرورتها ولكن في البدء عن طريق السياسة البرلمانية، على أن تقوم البروليتاريا فيما بعد بألاستيلاء على وسائل الانتاج الرأسمالية. وبهذا القرار تم طرد الاعضاء الفوضويين. كانت الاممية الثانية لا تملك لجنة إدارية ثابتة بين مؤتمراتها. وفي العام 1900 تم تشكيل مكتب الاممية الاشتراكية، حيث ضم ممثلي الاقسام الوطنية. وكان في بروكسل ثمة سكرتارية دائمة. كانت مؤتمرات الاممية الثانية تناقش مسائل مختلفة مثل: الاضراب العام، طبيعة الكولونيالية، حركات التحرر الوطني، الحرب والامبريالية.. منذ العام 1900 بدأت الصراعات بالاحتدام بين الاصلاحيين والثوريين حول مسائل الاستراتيج وكانت الاغلبية الى جانب الاصلاحية. وظهر أتجاه ماركسي جديد بقيادة بيرنشتاين، بدأ بالانتصار على الماركسية- الارثوذوكسية في صفوف الحزب الاشتراكي الديمقراطي الالماني. وأدت الخلافات الحادة حول الحرب بين أعضاء المنظمات الى شق الاممية الثانية وبالتالي الى حلها.

وحين يجري الحديث عن الستالينية، يكون المقصود هو تشكيل الدولة الشمولية تحت قيادة الفرد المستبد وعلى أساس الارهاب السياسي والمركزية الشديدة. إن الاعمال النظرية والسياسية لستالين، رغم ضرورة الالتزام بها من قبل كافة المؤسسات الحزبية والرسمية إذ ذاك، لم تلعب دورا خاصا. إذ أنها رغم أحتوائها على موضوعات وأقوال صحيحة، لزمنه ومرفوضة في يومنا هذا، نقول أن النكوص بالعهد ووجود التناقض الكبير بين القول والفعل، كميزة ستالينية نموذجية، كل ذلك قد حول أقواله، حتى لو كانت صحيحة، الى مجرد ديماغوغية وتضليل وتبرير لأستبداده الفردي وإرهابه.
وأما اللينينية، فإنها محاولة لتشكيل وحدة بين النظرية والتطبيق الثوري. وكان لينين مخلصا لما يقوله، وبعيدا عن الديماغوغية، لايخفي شيئا، حتى لو كان ذلك متعلقا بأستعمال القوة والعنف. وكان يعبر عن موقفه الحاسم بضرورة قطع دابر كل من يقف في وجه الثورة البروليتارية ودكتاتورية البروليتاريا، بلا هوادة . وهو نفسه صاحب فكرة أيجاد الميليشيات الالحادية ضد الكنيسة، تلك الفكرة التي لا زالت حتى يومنا هذا منطلقا لتوجيه مختلف النعوت والنقد الحاد الى اللينينية والبلشفية. وإنه لمن الطبيعي أن حزبا ثوريا، أتخذ على عاتقه القيام بثورة إشتراكية في روسيا والاستيلاء على الحكم، لايمكن أن يستغني عن أستعمال القوة. وهل هناك ثورة في العالم لم يجر فيها أستعمال القوة؟ لقد أريقت الدماء منذ ثورة العبيد التي قادها سبارتاكوس، مرورا بحرب الفلاحين في المانيا والثورة الفرنسية في 14 تموز / يوليو 1789 الى إنتفاضات وثورات آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ضد الكولونيالية القديمة والاستعمار الجديد طيلة القرن العشرين.
ولا شك أن الاعمال الكثيرة المرتبطة بأسم لينين والبلشفية والتي لجأت فيها الجماهير للتنفيس عن حقدها المكبوت لقرون من الزمن، الى أستعمال القوة والارهاب، والتي لايمكن تبريرها لأي سبب كان، كان يمكن الاستغناء عنها. نقول أن ذلك كله قد أساء كثيرا، سواء بالحزب البلشفي أو الحكم السوفييتي. فمثلا أن سياسة القمع والارهاب ضد الفلاحين الاغنياء والمتوسطين - المنتجين الحقيقيين للقمح - في فترة مايس / حزيران 1918، كانت خاطئة جدا. آنذاك قال لينين بأن تشكيل لجان الفقراء قد أدى الى بدء الثورة في الريف، بيد أنه في الحقيقة لم يؤد توزيع الارض في القرية الى الاشتراكية، بل بالعكس أدت هذه السياسة الى تقوية قاعدة ثورة الردة وتوسيع مجال الحرب الاهلية وإضرام نار أكثر فيها، الامر الذي أدى الى سلسلة من الانتكاسات للبلاشفة. كما وأدى الارهاب والاضطهاد اللذين مورسا ضد أقسام كبيرة من القوزاق منذ كانون الثاني/ يناير 1919 الى عواقب وخيمة. إن هذه الفئة الفلاحية المسلحة في روسيا القيصرية التي تعد بالملايين، كانت أغلبيتها الساحقة تقف في 1917/ 1918 على الحياد مع ميل الى الحكم السوفييتي، بيد أنها وقفت في ربيع 1919 ضد البلشفية، الامر الذي مكن جيوش كولشاك ودينيكين من الهجوم على الحكم السوفييتي، ذلك لأن القوة الحاسمة في هذه الجيوش كانت للقوزاق.
إن الحرب الاهلية التي بدأت في خريف 1918 كان من الممكن أن تنتهي بأنتصار لابأس به، بيد أنه، بسبب السياسة الخاطئة التي مورست في الريف، أستمرت الى خريف 1921، وأدت الى كوارث إقتصادية وسياسية كبيرة.
لم يكن لينين متهيئا لاستلام السلطة فحسب، بل كان يعرف أيضا، شأنه شأن ماركس وانجلز كسياسيين واقعيين، بأنه ربما قد يخسر المعركة التي قد تؤدي الى قطع رقبته. ففي نهاية العام 1921، تلك الفترة العصيبة من حياة الحكم السوفييتي، والتي بدت فيها الامور كما لو أن الحكم السوفييتي قد أصبح بين قاب قوسين أو أدنى من الانهيار، في تلك الايام العصيبة، رجا لينين سكرتيريه أن يبحثوا له عن رسالة أرسلها أنجلز الى فيديماير. وكان محتوى الرسالة يتطرق الى العواقب الوخيمة التي تجلبها ثورة أشتراكية سابقة لأوانها، للشيوعيين. أنظر: (BzG 3 / 97, S. 23)
إن الكثير لا يعلم بأن رسائل ماركس وأنجلز، التي تحتويها مجلداتهما في الوقت الحاضر، قد صدرت بعد وفاتهما في مجاميع. ونادرا ما كان أحد يعرف بذلك في بداية القرن العشرين. وكان معظمها قد نشر أيضا في الصحافة الاشتراكية الالمانية و تقرأ في المهجر. وراح لينين يطلع على بعض هذه الرسائل من جديد، ومن ضمن تلك الرسائل، تلك التي أرسلها أنجلز الى فيديماير بتأريخ 12 نيسان / أبريل 1853 والتي جاء فيها: "يبدو لي، كما لو أن حزبنا - نتيجة لتبلبل أفكار كل الباقين وخمولهم- سيؤخذ يوما ما الى سدة الحكم لينجز في آخر المطاف الامور التي لاتخدم مباشرة مصلحتنا وإنما المصلحة الثورية عموما ومصلحة البورجوازية الصغيرة تحديدا. وإذا ما سنحت الفرصة، سيكون المرء فيما بعد مضطرا - بدفع من الشعب البروليتاري- وبشكل أو آخر بواسطة أدبياته وخططه التي أسئ فهمها وأستخدمت بصورة حماسية في نضال الحزب.. سيكون مرغما على القيام بتجارب وقفزات شيوعية معروف عنها تماما كونها سابقة لأوانها وبها يفقد المرء صوابه - وليت الامر يقتصر على الناحية الجسدية - وتحدث ردود فعل سلبية. والى أن يصبح العالم قادرا على إصدار حكم تأريخي، لا يعتبر المرء مجرد حيوان متوحش - وسيان عندي ذلك - فحسب، بل غبيا، وهو أمر أكثر سؤا. أنا لا أتوقع أن يحدث عكس ذلك؛ ففي بلد متخلف مثل المانيا، التي تمتلك حزبا متقدما والتي تشتبك سوية مع بلد متقدم ذي ثورة متقدمة مثل فرنسا. ( يقصد بها ثورة 1848) لا بد عند إحتدام أول نزاع خطير وحالما يظهر خطر حقيقي، أن يأخذ الحزب زمام الامور وذلك قبل وقوع الخطر. بيد أن كل هذا عديم الاهمية، والافضل في مثل هذه الحالة هو أن تعمل أدبيات حزبنا على رد الاعتبار الى مكانة الحزب في التأريخ". (أنظر: ماركس/انجلز: الاعمال، مجلد 28، ص 580). ( Marx / Engels: Werke, Bd. 28, S.580)).
في العام 1917 لم تكن المانيا بلدا متخلفا. وكان لينين يعني، بأن المانيا بالذات بعدد عماله البالغ 25 مليون نسمة، هي أنضج من أي بلد آخر للقيام بثورة إشتراكية، بيد أن البلد الذي أنفجرت فيه ثورة شعبية في 1917، والذي كان يمتلك حزبا إشتراكيا قويا، كان بالذات روسيا. وبعد أن أستولى البلاشفة عل السلطة، كان عليه أن يقوم ببعض "القفزات" و"ببعض التجارب الشيوعية" السابقة لأوانها، والتي كادت تؤدي الى أنهيار السلطة السوفييتية. وفي عامي 1921 / 1922 كان ينبغي على لينين، الذي راقب انتكاسة الحركة الثورية في المانيا بمرارة شديدة، أن يحاور ويداور وأن يتخذ موقع الدفاع في إطار NOEP (السياسة الاقتصادية الجديدة) ويلتجئ أحيانا الى الوسائل النظرية بغية التمكن من التصدي لأنهيار السلطة السوفييتية. إن رسائله الاخيرة وملاحظاته ومقالاته الموجهة للحزب البلشفي، تحتوي على تحذيرات مباشرة ومتشنجة بما يتعلق بالحالة المتدهورة لدكتاتوريته.
ودون أن نبرر أخطاء لينين والحزب البلشفي واستعمال الاساليب القمعية، ينبغي علينا، من أجل أن نكون موضوعيين ومنصفين، أن ننظر الى تلك التصرفات في سياق الوضع السياسي القائم آنذاك في روسيا وجميع أنحاء العالم. كانت تلك الفترة في السنوات العشرين من القرن الماضي، تتسم باوار معارك الحرب العالمية الاولى والتوسع الكولونيالي والصراع المحتدم على مناطق النفوذ. وفي الوقت الذي كانت المشاكل السياسية في أوروبا الغربية تحل بالوسائل الاعتيادية، كانت الابادة الجماعية تمارس من قبل الاتراك ضد الارمن ومن قبل البلجيك ضد الكونغوليين ونفس العملية كانت تمارس من قبل الانكليز والفرنسيين ضد مواطني مستعمراتهم التي كانت لاتزال الشمس لا تغيب عن أراضيها. كل هذا الهتك كان يجري في العالم دون أن يعرف به الرأي العام العالمي. هذا الى جانب التدخل الفض من قبل الولايات المتحدة الامريكية واليابان في الشئون الداخلية للسلطة السوفييتية ومد يد المساعدة الى جيش الحرس الابيض بكل ما لديهما من الامكانات. ولا يخفى على الجميع بأن البربرية الكولونيالية كانت تتحكم في أمور العالم بدون أي رادع أو رقيب، حيث لا أعتبارات أخلاقية أو دولية ولا منظمات أو هيئات تقوم بتنظيم العلاقات والعقود الدولية على أساس الاحترام المتبادل وأخذ حقوق الانسان وحق تقرير المصير للشعوب بنظر الاعتبار. كان العالم يفتقد الى مؤسسات مثل منظمة العفو الدولية أو اليونسكو أو الامم المتحدة و مجلس الامن..الخ. كان الوضع يتسم بالقوة العسكرية والهيمنة والاستيلاء على ما يمكن الاستيلاء عليه بدون أي رادع. وكانت التصورات الرأسمالية للأشتراكية وخطرها، مبالغا فيها الى حد التشويه بمختلف الوسائل والتضليل البدائي. ولذلك فإنه لمن الهراء، في خضم مثل هذا الوضع، تسليط الاضواء على الجوانب السلبية فقط من ثورة أكتوبر، ودفع الجوانب الايجابية الى الظل. إن ثورة أكتوبر لم تؤثر على أوروبا حسب، بل أثرت تأثيرا أيجابياعلى مدى عقود من الزمن على حركات التحرر الوطنية في جميع أنحاء العالم.
قال لينين ذات مرة عن الماركسية، بأنها تعاليم مغلقة ومتكاملة، بيد أنه في مرة أخرى قال ما يأتي: "إننا ننظر الى نظرية ماركس في كل الاحوال ليس كنظرية مغلقة وغير قابلة للمس، أننا بالعكس من ذلك، مقتنعون بأنها وضعت أساس العلم الذي ينبغي على الاشتراكيين تطويره في كل الاتجاهات، فيما إذا أرادوا أن لا يبقوا في مؤخرة الحياة". (أنظر:( Lenin: Werke, Bd. 4, S. 205- 206
إنطلاقا من هذا الموقف يمكن القول بأم لينين قد أضاف إنجازات نظرية غير قليلة الى كل جوانب العمل النظري- العلمي، الذي بدأه ماركس وأنجلز. في مجال الفلسفة الماركسية واصل تقليد "ضد دوهرنك" و "ديالكتيك الطبيعة" ووجه نقدا عنيفا ضد الاتجاهات الفلسفية الجديدة التي بدأت تظهر تحت تأثير سلسلة من المكتشفات في الفيزياء. وفي مجال الاقتصاد السياسي الرأسمالي، حاول لينين بالاعتماد على كتابات الاقتصاديين الاشتراكيين والرأسماليين، تحليل الظواهر والقضايا الجديدة التي بدأت تتطور داخل الرأسمالية العالمية، وذلك في مرحلة الانتقال الى القرن العشرين.
حول نظرية الاشتراكية، كتشكيلة - إجتماعية - إقتصادية جديدة، لم يبد لينين رأيه، سواء قبل ثورة 1917 أم بعدها. ولم يقل شيئا حول كيفية تكون العلاقات أو المؤسسات في المجتمع الاشتراكي. في مارت / مارس 1918 قال: "إننا لا نستطيع ان نعطي وصفا للاشتراكية؛ كيف ستبدو الاشتراكية، عندما تتخذ أشكالا نهائية؟. هذا ما لا نعرفه، ولا يمكننا قول شئ بخصوصه..". (أنظر نفس المصدر: المجلد 27، ص 134)
وفي مايس/ مايو 1918 قال: إن أي أشتراكي عاقل، كتب حول آفاق المستقبل، فكر أيضا، على الاقل في أشكال تنظيمات المجتمع الجديد وتأسيسها فورا وبضربة واحدة. إن كل ما كنا نعرفه، وما تعلمناه من أدرى العارفين بالمجتمع الرأسمالي وتطوره، هو الحتمية التأريخية على طول الخط، وبأن الملكية الخاصة لوسائل الانتاج قد حكم عليها من قبل التاريخ، وأنها ستسقط. وبأن المستغلين يجب أن تصادر ممتلكاتهم بلا هوادة. إن هذه المسالة قد حددت بصورة علمية دقيقة.. هذا ماكنا نعرفه. وأما أشكال التحول وسرعتها، والتي لاشك تحتاج الى إعادة تنظيمها، لم تكن واضحة لنا.
في بداية العام 1918، عندما تمكنت روسيا السوفييتية أن تأخذ نفس أستراحة قصيرة، أبدي لينين رأيه بصورة ملموسة أكثر حول الاشتراكية والعلاقات الاشتراكية ومسالة البناء الأشتراكي. لقد حاول أن يحلل القضايا التي تمت بتأثيره وتأثير الحزب البلشفي، بالاضافة الى أبداء رأيه حول الكثير من القضايا العفوية. وراقب بأنتباه المبادرات التي قام بها العمال أنفسهم مثل التبرع بالعمل الاضافي بدون مقابل. لقد تمتع لينين، بالعكس من ماركس وأنجلز، بأن عايش ولادة العلاقات الاشتراكية وراقب تكون ومسيرة المشاريع والمؤسسات الاشتراكية، رغم أن كل ذلك قد جرى في بلد متخلف إقتصاديا. ومن المؤسف أن لينين لم يكن يملك الوقت الكافي ولا الامكانات للتعمق في بحث النواتات الاشتراكية النامية في الفترة 1918 - 1922. ولذلك فأن نظريته حول الاشتراكية لم تتكامل، تلك النظرية التي كان من الممكن أن تتبلور في سنوات السلطة السوفييتية الاولى. (أنظر: ( BzG 3 / 97. S.25
وفي العام 1917 قال: الاشتراكية هي نظام، توضع فيه رأسمالية الدولة الاحتكارية في خدمة كل الشعب، بحيث لا تعود تبقى هذه كرأسمالية إحتكارية. وفي العام 1920 قال بأن الاشتراكية هي سلطة السوفييت زائدا كهربة البلاد. وفي العام 1922 أكد، بأن النظام الاشتراكي هو نظام العمل الجماعي المتمدن تحت شروط الملكية الاجتماعية لأدوات الانتاج، والانتصار الطبقي للبروليتاريا على الطبقة البورجوازية. وحول مسيرة الاشتراكية قال، بأن كل التشكيلات الاقتصادية - الاجتماعية في التأريخ قد تطورت بشكل عفوي، عدا الاشتراكية، التي يجب أن تتحقق بوعي. وحذر من سرعة نمو الاعشاب الضارة، طالبا قلعها من الجذور وبصورة منتظمة. كل هذه الموضوعات كانت تعكس جوانب معينة فقط في المجتمع الاشتراكي، بيد أنها لم تكن كافية للتوغل في جوهر القضية فإعطاء صورة متكاملة ، متعددة الجوانب للاشتراكية.
أحتوت اللينينية على مبادئ كثيرة، ثبت خطأها، سواء بالنسبة لتلك الفترة أو كونها جزء من مبادئ الاشتراكية. كما وكانت ثمة مبادئ تعتبر صحيحة لتلك الفترة، بيد أنها لم تعد تصلح لواقع نهاية القرن العشرين. وتحتوي اللينينية في نفس الوقت على موضوعات ما زالت آنية ونافذة المفعول للاشتراكيين حتى يومنا هذا.
عندما كتب لينين عن أحتكار الانتاج الرأسمالي والازمات العامة للرأسمالية وحتمية تعفنها، أستهان - شأنه شأن ماركس وأنجلز - بالاحتياطات الداخلية للانتاج الرأسمالي وبإمكاناتها وقابليتها للتكيف للظروف الجديدة و الطارئة وكفاءتها في تطوير وسائل إنتاجية جديدة للحفاظ على إقتصادها فمصيرها. إنه أستهان أيضا بأمكانات منتجي البضائع الصغار ومن ضمنها المعامل الفلاحية الصغيرة. وتتبعا للجمود العقائدي للماركسية الارثوذوكسية، أتخذ لينين موقفا سلبيا من التجارة والمقايضة، كما وبالغ في تقدير القدرات الثورية لبروليتاريا أوروبا الغربية. وفي نفس الوقت، كان تقديره ضعيفا جدا - سواء في روسيا أو في البلدان الاوروبية - تجاه الدور الحاسم للديمقراطية ومؤسساتها. وحتى لو كان من الصعوبة بمكان توقع دمقرطة سريعة وحاسمة في ظروف روسيا آنذاك، فإنه رغم ذلك كان من الضروري أخذ هذه المسالة الحساسة في وقت لاحق بنظر الاعتبار وذلك لأهميتها القصوى في تطور الاشتراكية في النصف الثاني من القرن العشرين. إنه كان من الخطأ الافراط في سبغ طابع طبقي أو بالاحرى طابع بروليتاري لعملية الديمقراطية وتقييد كل أشكالها وتفضيل الوسائل القسرية عليها. وأما مفهوم الاخلاق الطبقية والاخلاق البروليتارية، فكان بدائيا جدا. وجاء في المعادلة اللينينية بالاخلاق ما يأتي: إن كل ما من شأنه خدمة الثورة هو أخلاقي .
ولم يكن لينين على حق عندما لم يأخذ بمسالة تعدد أشكال التأميم والفروق الكبيرة الموجودة بين المشاريع الكبيرة والصغيرة. إنه أخذ بميدأ الملكية الجماعية للعمال بشكل ميكانيكي ومطلق. في النصف الاول من العام 1918 كتب: "إنه لتشويه فض للمبادئ الاساسية للسلطة السوفييتية وإرتداد تام عن الاشتراكية، إذا ما لم يجر الاعتراف لعمال معمل معين أو فرع مهنة معينة، بأي شكل كان، مباشر أو غير مباشر، بإمتلاك إنتاجهم المتنوع بصورة قانونية، أوكل ما من شأنه أن يؤدي الى إضعاف إجراءات الدولة بهذا الخصوص".(أنظر:نفس المصدرErgaenzungsband II , S. 77-78.)
ويبدو أن لينين أستهان بمخاطر الافراط في أستعمال المركزية في الاشتراكية كإستهانته لكل من إدارة الانتاج الجديدة ولدور عقلانية الانتاج اللامركزي. وأكد بأصرار بأن الشيوعية تتطلب أعلى شكل لمركزية الانتاج في جميع أنحاء البلاد. ( أنظر: نفس المصدر، ص 392)
ويمكن القول بأن لينين والحزب البلشفي لم يستغلا الامكانات المتوفرة في العام 1917 وما بعده للقيام بمساومات وتفاهمات مع الاحزاب البورجوازية الصغيرة واليسارية، من ضمنهم المنشفيك الامميين والاشتراكيين الثوريين وقسم من الفوضويين. قبل فترة غير قصيرة من ثورة أكتوبر كتب لينين: إنه بين الايديولوجية البورجوازية والاشتراكية لا يمكن أن يوجد شئ وسطي بين بين. وكان أن أفرز هذا الكلام شعارا آخر وهو: من ليس معنا، فهو ضدنا. ولاشك هناك تاكيدات كثيرة سواء عند لينين أو البلاشفة حول مدى أهمية تحييد الفئات المعادية وسياسة المحالفات مع المجاميع البورجوازية الصغيرة أو أحزابها. بيد أن معظم هذا الكلام كان يبقى حبرا على ورق ودون أن يجد طريقه الى التطبيق السياسي. إن إستخفاف لينين بالديمقراطية السياسية وأعتبارها مجرد مسالة بورجوازية، وأيجاده لطراز دكتاتورية الحزب الواحد في تسيير دفة الدولة، قد مكنا الحزب البلشفي من الاحتفاظ بالسلطة في روسيا، بيد أن هذا الطراز من الحكم قد أدى - وهذا أمر منطقي - الى الاستبداد، الذي لم يلبث أن أنهار بعد سبعة عقود من الزمن. وترك لشعوب الاتحاد السوفييتي سابقا، ظروفا حياتية قاسية وتعقيدات متشابكة.
وأما الموضوعات اللينينية التي لا زالت نافذة المفعول حتى يومنا هذا، والتي أنطلقت من السياسة الاقتصادية الجديدة، نداءه المعروف: " تعلم المساومة"، وكذلك مطالبته بتنظيم المصالح المشتركة وإزالة الفروق بين الريف والمدينة، وأهتمامه الكبير بجميع أشكال الجمعيات التعاونية، كل هذه الاشياء ضرورية وآنية لبرامج الاشتراكية الحديثة.



#زهدي_الداوودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سياسة القرصنة، إلى أين؟
- تجربتي الروائية
- يوم الشهيد الشيوعي
- الثقافة العراقية في ظل الفساد
- صياد الصقور
- فرياد راوندوزي كاتب يستحق موقعه
- إنفصال أم إستقلال
- إرادة المرأة
- أيها القلب
- يتيم أمام أبواب اللئام
- مقامات كركوكية
- العاهرة الرجيمة
- لو عرف الوهم
- قادر رشيد: بطل من هذا الزمان
- بانتظار عيد رأس السنة الميلادية
- إلى أين؟
- كنت أبحث عنك
- رحلة ألفريد سمعان في قطار الموت
- العرق الروائي في -منازل الوحشة- لدنى غالي
- شيركو بيكه س


المزيد.....




- فيديو غريب يظهر جنوح 160 حوتا على شواطىء أستراليا.. شاهد رد ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1000 عسكري أوكراني خلال 24 سا ...
- أطعمة تجعلك أكثر ذكاء!
- مصر.. ذعر كبير وغموض بعد عثور المارّة على جثة
- المصريون يوجهون ضربة قوية للتجار بعد حملة مقاطعة
- زاخاروفا: اتهام روسيا بـ-اختطاف أطفال أوكرانيين- هدفه تشويه ...
- تحذيرات من أمراض -مهددة للحياة- قد تطال نصف سكان العالم بحلو ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن سلمت كييف سرّا أكثر من 100 صاروخ ATA ...
- مواد في متناول اليد تهدد حياتنا بسموم قاتلة!
- الجيش الأمريكي لا يستطيع مواجهة الطائرات دون طيار


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زهدي الداوودي - ماركسية لينينية أم ستالينية؟