أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - نعيم عبد مهلهل - توابيت السفر الى أبدية القصب














المزيد.....

توابيت السفر الى أبدية القصب


نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 4743 - 2015 / 3 / 9 - 02:00
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


( لا نموت كلنا ، بل نتغير كلنا )
القديس بولس

عشت في مناطق الأهوار ، أخذت معي أدوات طبخ بسيطة وحقيبة ملابس وحاجات الحياة في المكان البدائي ، ومثلهم وبمساعدة عامل الخدمة المرحوم ( شغاتي كصب عامود ) حيث زاملني وصادقني في المدرسة التي تعينت فيها لأول مرة وهناك بنيتُ بيتنا صغيرا من القصب ، ولا أدري أن كنت أول من يقضي الليل وتحت مساحة شاسعة من بريق نجوم لامعة كأقراط أميرات سومر ، ومن دون شخير جراء التعب الذي يصيب رجال القرية وهو يعيدون الجواميس الى حضائرها من اجل حلبها ، كنتُ الأول الذي يجلب كتبا لبورخيس وروايات ماركيز وقصائد سريالية لأندريه بريتون ومجلات تحمل اغلفتها اغراء اجساد أناث القيمر برجيت باردو وصوفيا لورين ونادية لطفي ، وكنت ربما الأول في هذا العالم من جعل ( شغاتي ) يطلق اسم ( مكسيم ) على وليده الجديد بعد أن علمته القراءة والكتابة وصار يناقشني في كتاب قرأه ولم يقرأه غيره من ابناء الاهوار في هذه الدنيا وهو مذكرات ريجسيه دوبريه عن جيفارا وثورة كوبا.
( شغاتي كصب عامود ) ظلُ طيب لأرث عريق من التأمل والصمت والحياة الفطرية والقدرية التي عاشها المعدان متوسدين ضفاف المياه الضحلة ومقتنعين بنهاية الحياة أي كانت اعمارهم وكانت توابيت القصب تحمل الاجساد المكفنة بالصمت والحنين الى ما تركوه ، الزوجة والجاموسة والبيت الغاطس في الماء الأخضر ، وربما هذه التوابيت الطرية تمتلك ضوءا يعكس بهجة المكان وحقيقة تلك العلاقة الجدلية بين المكان والفردوس الذي كان المعدان يتخيلوه وهم يعودون ممتلئين بسعادة الحنين الى ارضهم يوم اكمل نوح رحلة النجاة واعاد جميع مسافري السفينة كلُ الى بيئته ومكانه ومهد طفولته.
تعلمت من شغاتي لأتغير مع هذه الطبائع بقدر ما غيرت فيه أنا ، ويبدو أن روح هذا المعيدي وقد تعلمت وفتحت شبابيك الدهشة الى العالم البعيد عبر ما يقرأه في كتبي ويراه في صور المجلات الملونة . فسكنته قناعات أخرى ويبدو أنه في قراءته لملحمة جلجامش استعاد الكامن والمخبئ والمدفون فيه ، وصار يأنس لعودة اسلافه في الاحلام حيث يتحدث معهم ، جده ( عامود ) وعمهُ ( كنطار ) وجاره زاير ( إمسيكت ) وجدته ( مشتهايه ) واخرون يجلبون اليه اسرار الامكنة البعيدة التي يسكنوها في مقابر الايشنات حيث كان يعتذر وقتها ارسالهم الى النجف لدفنهم لانعدام وسائل النقل أو فقر الحال.
قناعات الموت والحياة وخواطر جلجامش غيرت في سلوك وتصرفات (شغاتي ) كثيرا ، ومع تقدمه بالعمر سكنته الصفنة ولم يعد يقود جواميسه الى قيلولة الماء بعد انتهاء دوام المدرسة ، الى ان اعرفت انه يشعر بألم قوي في صدره وأن عليه أن يصنع لأبديته تابوتا من القصب ويذهب ليسكن في التلال الصامتة على بعد اميال قليلة من قريته.
أيامه الاخيرة ، اعفى المدير شغاتي ومنحه اجازة طويلة بعد ان تبرعت انا بالقيام ببعض اعماله البسيطة وبين الحين والحين ازوره الى بيته ، وكنت اواسيه بالابتسامة وبالكتب الجديدة ، لكنه كان يدرك انه ربما يقرأ هذا الكتب للمرة الاخيرة...
في فجر ما ،ايقظني بكاء النساء ، فعرفت ان صديقي رحل الى ما كان يتمنى ، مددت رأسي من منزل القصب ،فرأيت افقا ذهبيا لشمس تشرق بخجل ووسطها هناك تابوتا من القصب يحمله كهنة لم ارَ اشكالهم في قريتنا من قبل..



#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا وقت للوقت في نينوى ...!
- بحيرة البجع والبولشوي في الجبايش
- أركاديا ( الخيال بلون القصب )
- خوليو اجليسياس : شكراً عبادي العماري...`
- أحمد الناصري ، شاكر الناصري ، ( أنا ) الناصري
- الميثولوجيا من سنحاريب الى داعش
- سدخان وشيش خان ومنصور خان....!
- شمعة في نهارٍ مشمس
- حكايات المعدان عن زهرة التوليب
- السنونو وقميصهُ الأسود
- صابئة الاهوار وأهوار الصابئة...!
- أساطير المطرب نسيم عودة
- الظلُ في الظلِ شمسٌ مُستحية................!
- هموم المعدان وعطاس الجواميس
- التصوف بين السياسة والكياسة
- نصيحة النبي العزير
- داعش لا تأكل النساتل والبيتزا
- فنتازيا الحرف السومري ( بين نينوى وعاشوراء )
- ديميس روسوس ..مراثي الناصرية وكافافيس
- كاظم الركابي وسورية حسين........!


المزيد.....




- شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف ...
- احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين تمتد لجميع أنحاء الولا ...
- تشافي هيرنانديز يتراجع عن استقالته وسيبقى مدربًا لبرشلونة لم ...
- الفلسطينيون يواصلون البحث في المقابر الجماعية في خان يونس وا ...
- حملة تطالب نادي الأهلي المصري لمقاطعة رعاية كوكا كولا
- 3.5 مليار دولار.. ما تفاصيل الاستثمارات القطرية بالحليب الجز ...
- جموح خيول ملكية وسط لندن يؤدي لإصابة 4 أشخاص وحالة هلع بين ا ...
- الكاف يعتبر اتحاد العاصمة الجزائري خاسرا أمام نهضة بركان الم ...
- الكويت توقف منح المصريين تأشيرات العمل إلى إشعار آخر.. ما ال ...
- مهمة بلينكن في الصين ليست سهلة


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - نعيم عبد مهلهل - توابيت السفر الى أبدية القصب