أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل الشيخة - رغيف خبز - قصة قصيرة














المزيد.....

رغيف خبز - قصة قصيرة


خليل الشيخة
كاتب وقاص وناقد

(Kalil Chikha)


الحوار المتمدن-العدد: 4741 - 2015 / 3 / 7 - 21:34
المحور: الادب والفن
    


في أسفل الشارع تجمهر الناس حول مخبز الحي،كان الوقت مبكرا في الصباح وضجيجهم المرتفع يخترق نوافذ البيوت المجاورة.ولم يكن العاملون في المخبز أكثر من القادمين إليه،والذي زاد الطين بله أن المخبز في الحي المجاور كان معطلا بسبب نقص في الدقيق. مد صاحب المخبز (أبو درويش) رأسه للمرة الخمسين يتأكد من ضخامة الحشد وكأنه اعتاد على تلك الحشود وزفر ملوحا بيده" ليس عندي خبز لكل هؤلاء..لعن الله هذه المصلحة" ثم أدخل رأسه البيضوي يشغل نفسه بترتيب الأرغفة غير مكترث بالأصوات التي تناديه.وتعلو التعليقات من الزبائن"هذا الرجل بطيء جدا".وخرج صوت آخر يدل على انفعال صاحبه"يجب أن نقتحم الفرن"واستمرت الشتائم تكال للخباز وأعوانه. ومن فترة إلى أخرى ترى أفرادا جددا ينضمون إلى لائحة الزبائن وغالبا ما يسألون رجلا عجوزا يقف في آخر الطابور ويضع طاقية صوف على رأسه" هل المخبز معطل". ويجيب العجوز بسأم "لا أدري اسأل غيري" ووقفت على طرف النافذة فتاة في العشرين وعلقت في رقبتها سلسلة كتب عليها بالإنكليزية (Love) وارتدت قميصا أصفر وبجانبها بضع عجائز كتب عليهن أن يكن من المنتظرين.اقترب رجل من النافذة يدفع الناس من طريقه وقد ارتدى بذلة عسكرية وعلق بعض النجوم على كتفه، ثم نادى على الخباز. أسرع أبو درويش وأشار له أن يدخل من الباب الخلفي، ففعل. بعدها خرج مسرعا إلى سيارته الجيب ومعه أطباق من الخبز. في تلك اللحظة ، تحولت الأنظار جميعها إلى الضابط المظفر مندهشة من تصرف الفران . وأخذ الجمع يتموج ككتلة هلامية ثم ارتفع صوت عالٍ يندد بالخباز، وأردف آخر غاضباً "هذا ابن الحرام يعطي الخبز لمن يشاء وكأننا لسنا بشرا". أخذ الطابور يميل للعنف وكثرت الشتائم على الخباز صاحب الرأس البيضوي. رفعت العجوز التي تقف قرب الفتاة ذات القميص الأصفر رأسها متسائلة "يتشاجرون على الخبز.. الله لا يشبعهم..كل هذه المشاكل سببه الفساد الذي نحن فيه" وتوقفت لحظة وشدت شالها الأبيض الموضوع على رأسها ثم استأنفت وهي تدفع الناس من حولها ابتعد عني يا ولد فقد اختنقت". وفي آخر الطابور جلس ولدان القرفصاء يهمسان لبعضهما و يقهقهان، تناول أحدهما حجراً ورماها على نافذة المخبز الزجاجية فخرج صوت ارتعد له صاحب الفرن، ثم لملم ذاته وهرول باتجاه النافذة يهز أصبعه " من هذا ابن الكلب الذي كسر زجاج النافذة". فر الولدان هاربين تاركين وراءهما زمجرة الفران وقهقهة الزبائن. وفجأة صرخت الفتاة صاحبة القميص الأصفر مذعورة مما أصابها. فقد امتدت إليها يد بخفة وعبثت في مؤخرتها. وقعت عيناها على الشاب الذي خلفها، وكان يرتدي بذلة زرقاء مليئة بالشحوم والزيوت وبشكل عفوي صفعته بيدها على وجهه وأخذت تصرخ بلهجة باكية "يا قليل الأدب..كيف تتجرأ وتمد يدك إلي". وشدت العجوز ذات الشال الأبيض يدها مواسية ثم نبرت مؤنبة الشاب المطلي بالشحوم " على اهلك أن يربوك ياسافل" .
لكن وقف الآخر أمامهم كالأهبل بوجهه الملطخ بالزيت لايعرف ما يقول، وتمتم بعصبية "لماذا تصفعيني.. أنا لم أفعل شيئاً لك يا مجنونة". و صمت لهنيهة و أردف" أحد غيري قد تحرش بك". إلا أن الفتاة لم تسمع أقواله، بل مضت تشهق تاركة وراءها أنظار الطابور. فمنهم من تعاطف معها ومنهم من ارتسمت على محياه شهوات فاسدة. وعلق العجوز الذي يقف بعيداً" شباب جاهلين..لا حول و لا قوة إلا بالله". ولم تمض دقائق حتى رجعت الفتاة ومعها أخوها بشاربيه العريضين، أسرعا نحو الطابور وكان يضع على جنبه مسدساً حكومياً، ارتفعت أصوات تأمر ذا الوجه الملطخ بالزيت أن يهرب و يسلم بريشه، لكنه تلعثم "لم أفعل أي شيء يا جماعة، لماذا الفرار". و تقدم أخو الفتاة بشاربه من الحشد ناظراً إلى أخته "أي ابن حرام الذي تحرش فيك". رفعت رأسها ثم شهقت بضع مرات و أشارت إلى صاحب البذلة الزرقاء الذي تناول صفعة منها من قبل. رفع صاحب الشارب يده بغضب وهو يلهث إلى المكان الذي يقف الشاب، ثم أمره أن يأتي مهددا بأنه سيكسّر حذاءه على رأسه وأخذت الشتائم تستفز كلا الاثنين، وفجأة اقترب العجوز صاحب الطاقية الذي كان يقف في نهاية الطابور وأمسك بيد صاحب الشارب يحاول تهدئته وإقناعه بأن الذي تحرش بأخته شاب آخر هرب، لكن الرجل دفعه من أمامه وهجم على المتهم يكيل له اللكمات ويشده من شعره محاولاً إحضاره إلى خارج الحشد، ولم تمض بضع دقائق من العراك حتى أوقع كلٌّ منهما الآخر على الأرض. فكان صاحب الشارب من الأسفل يهتز والآخر يمتطيه ويكيل الصفعات على وجهه، ثم اقتلع حذاءه وجعل يدق به رأس الرجل. دخل فجأة شاب بنظارة لم يكن مع الناس المنتظرين في المخبز وقد التحى بسكسوكة وحاول إيقاف الشجار بشد الشاب الممتطي. بعدها نهض الرجل صاحب الشارب وبسرعة فائقة تناول مسدسه وشرع يطلق النار في اتجاه الشاب صاحب البدلة الزرقاء بشكل عشوائي ، سقط أثرها ومعه بضعة أشخاص من الذين كانوا بقربه. أما الآخرون فقد تناثروا كل وراء جدار أو عمود يحمون أنفسهم من طلقات الموت . لم يفر صاحب الشارب ، بل وقف متحدياً ثم أمر الفران أن يتصل بالشرطة، وماهي إلا ربع ساعة حتى كانت سيارة الشرطة قرب الحادث. هبط شرطي قصير القامة مسرعاً إلى الأشخاص الذين يسبحون في الدم، وبدأ يجري تحرياته المعتادة. فرك العجوز ذو الطاقية عينيه بتوتر مرتبكاً وبضع قطرات من الدمع تجمدت في مقلتيه ثم نظر إلى صاحب السكسوكة " لقد أضحى الناس وحوشاً " . وانحنى الشاب الملتحي إلى الأرض والتقط رغيفاً كان قد سقط خلال الشجار والرصاص ممزقاُ إياه إلى فتات:
" هذا هو الذي يجمعنا ويفرقنا ، لكن أمنيتي أن يتحول هذا الرغيف إلى قنبلة تفجر كبار الرؤوس" .



#خليل_الشيخة (هاشتاغ)       Kalil_Chikha#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجذور الأولية للرق والاخلاق
- ما وراء العنف اللفظي
- بروز داعش
- الجذر اللفظي للأكل دون ملح
- القناص الامريكي والانتفاخ
- تورتيلا فلات والصعلكة السياسية العربية
- لؤلؤة فقراء الربيع العربي
- حِكْمَة شَهْرَزَادْ
- الغندورة
- قراءة في كتاب الكافرة
- رموز الحكاية الشعبية
- ظروف تعيسة
- عقدة السلطة عند كافكا
- الروائي ابراهيم الكوني واسقاطات الحكمة في روايته الاخيرة
- تجذير الحوار في موقع الحوار المتمدن
- مابعد سليلو
- ذئاب بلا أنياب
- القاص خليل الشيخة للكاتب عيسى اسماعيل
- موت بائع متجول للكاتبة الأمريكية يودورا ويلتي
- الرحيل


المزيد.....




- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل الشيخة - رغيف خبز - قصة قصيرة