أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راندا شوقى الحمامصى - وقوع دارون في شَرَك أن الإنسان أصله قرد!1-2















المزيد.....


وقوع دارون في شَرَك أن الإنسان أصله قرد!1-2


راندا شوقى الحمامصى

الحوار المتمدن-العدد: 4741 - 2015 / 3 / 7 - 17:59
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هذا المقال على جزئين وفيه سنتناول النقاط التالية على الترتيب:
في الجزء الأول:
1-تغيير الأنواع-أي فيما إذا كان أصل الإنسان من عالم الحيوان.
2- بداية عالم الوجود
3- الفرق ما بين الانسان والحيوان
في الجزء الثاني
النشوء والارتقاء للكائنات...و
1-أدلة عقلية على أصل الإنسان ومبدئه
2- أدلة إلهية على أصل الإنسان ومبدئه


1-تغيير النوع وترقي الاعضاء- أي فيما إذا كان أصل الإنسان من عالم الحيوان

ان هذه النظرية تمكنت من عقول بعض الفلاسفة في اوروبا وليس من السهل الآن تفهيم بطلانها ولكنها في المستقبل ستتضح وتظهر ويهتدي فلاسفة اوروبا بأنفسهم إلى بطلان هذه المسألة لأنها في الحقيقة بديهية البطلان.ولم ينظر الانسان في الكائنات نظرة امعان ويهتدي الى دقائق احوال الموجودات وينظر نظام عالم الوجود ووضعه وكماله لأيقن انه ليس في الامكان ابدع مما كان.لان جميع الكائنات سواء اكانت علوية او ارضية وهذا الفضاء الذي لايتناهى وجميع مافيه خلق ونظم وتركب وترتب وتكمل كما يليق وينبغي لانقصان فيه ابدا بحيث لو صارت جميع الكائنات عقلا صرفا وتفكر الى ابد الاباد لايمكن ان يتصور احسن مما كان.ولو لم تكن الخليقة منذ القدم على هذا الكمال وفي نهاية الابداع اي لو كانت اقل او ادنى لكان الوجود حينئذ مهملا ناقصا.وبذلك لا يكون كاملا.واذا فهذه المسألة تحتاج الى نهاية الدقة والتفكير.مثلا:تصور عالم الامكان اي عالم الوجود بصفة عامة انه يشبه هيكل انسان.فلو كان هذا التركيب وذلك الترتيب وهذا الجمال والكمال الموجود الان في الهيكل البشري.لو كان على غير ذلك لكان نقصا محضا.لهذا لو يتصور ان الانسان زمنا ما كان في عالم الحيوان يعني كان حيوانا محضا لكان الوجود ناقصا.لان معنى هذا انه لم يكن هناك انسان.وهذا العضو الاعظم الذي هو في هيكل العالم بمنزلة الرأس والمخ كان مفقودا.
اذا فالعالم كان نقصا محضا.وبذلك ثبت انه لو كان الانسان وقتا ما في حيز الحيوان لكان كمال الوجود مختلا.لان الانسان هو العضو الاعظم في هذا العالم.ولو لم يكن العضو الاعظم في هذا الهيكل موجودا فلا شك ان الهيكل يكون ناقصا.ونحن نعد الانسان العضو الاعظم لانه جامع كمالات الوجود بين الكائنات.والمقصود من الانسان هو الفرد الكامل اي اكمل شخص في العالم جامع للكمالات المعنوية والظاهرة كالشمس بين الكائنات.ولو نتصور ان الشمس لم تكن موجودة وقتا ما او كانت كأحد النجوم لاختلت حينئذ روابط الوجود من غير شك.فكيف يمكن ان يتصور الانسان شيئا كهذا.وفي ذلك كفاية لمن يتبصر في عالم الوجود.
وهاك برهانا اخر ادق وهو:ان هذه الكائنات الموجودة التي لا تتناهى في عالم الوجود سواء اكانت انسانا ام حيوانا ام نباتا ام جمادا مهما كانت فانها مركبة من العناصر.وهذا الكمال الموجود في كل كائن من الكائنات لاشك انه وجد بصنع الهي ومنبعث من تركيب العناصر وحسن الامتزاج.
وقد تحقق من تناسب مقادير العناصر وكيفية التركيب وتأثيرات سائر الكائنات.
اذا فجميع الكائنات كسلسلة مرتبط بعضها ببعض.وان التعاون والتعاضد والتفاعل من خواص الكائنات وسبب وجودها ونشوها ونموها.وثبت بالدلائل والبراهين ان كل كائن من هذه الكائنات عامة له فعل وتأثير في بقية الكائنات اما بالاستقلال او بالتعاون مع الغير.
والخلاصة ان كمال كل كائن من الكائنات اي الكمال الموجود الان في الانسان وغيره من حيث الاجزاء والاعضاء والقوة منبعث من تركيب عناصر ومقادير متناسبة.
اما كيفية الامتزاج العنصري والتفاعلات ونتائجها والتأثير الذي لسائر الكائنات فموجود في الانسان.وحيثما اجتمعت هذه يظهر هذا الانسان.ولما ان كان هذا الكمال حاصلا من تركيب اجزاء العناصر بمقادير متناسبة ومن كيفية الامتزاج وتفاعل الكائنات المختلفة ولكون تركيب الانسان قبل عشرة الاف سنة او مائة الف سنة انما هو من هذه العناصر الترابية وبهذه المقادير والموازين وعلى هذا النحو من التركيب والامتزاج ومن تفاعل سائر هذه الكائنات.كان انسان اليوم هو عين ذلك الانسان.
وهذا امر بديهي ولا يقبل التردد يعني لو اجتمعت هذه العناصر الانسانية بعد الف مليون سنة وتخصصت بهذه المقادير والتراكيب وحصل امتزاج العناصر على هذا النحو وتأثرت بهذه التفاعلات من سائر الكائنات لوجد هذا البشر الموجود بعينه.
مثلا:لويوجد بعد مائة الف سنة مثل هذا الدهن والنار والفتيل والمشكاة ومن يوقدها0وبالاختصار يتكامل جميع ما يلزم للاضاءة الان فلاشك ان يوجد هذا السراج بعينه وهذه مسألة قطعية الدلالة وامر واضح.واما الدلائل التي ذكرها حضرات الفلاسفة فهي دلائل ظنية وليست بدلائل قطعية.

2- بداية عالم الوجود
لنعلم ان(مبدأ الانسان) عالم الوجود اي هذا الكون الذي لا يتناهى لا اول له.
لا يمكن ان يتصور مربي بدون تلاميذ.ولا يتحقق وجود ملك بلا رعية. ولا معلم بغير متعلم.ولايمكن وجود خالق بدون مخلوق.ولا يخطر بالبال رازق من غير مرزوق.لان جميع الاسماء والصفات الالهية تستدعي وجود الكائنات.فلو نتصور ان الكائنات عامة لم تكن وجودة وقتا ما فهذا التصور انكار لإلوهية الله. وفضلا عن هذا فالعدم المطلق غير قابل للوجود. فلو كانت الكائنات عدما مطلقا لما تحقق الوجود. ولما كان وجود ذات الاحدية اي الوجود الالهي ازلياً سرمدياً يعني لا أول له ولا آخر. فلابد وان عالم الوجود يعني هذا الكون الذي لا يتناهى لم تكن ولن تكون له بداية.
نعم. قد يصح ويمكن ان يوجد جزء من اجزاء الممكنات أي جرم من الاجرام مثلا. أو أن يتلاشى بينما بقية الاجرام اللامتناهية تظل موجودة. فعالم الوجود ابدي لا ينعدم. وحيث أن لكل جرم من هذه الاجرام بداية فلا بد له من نهاية. لأن كل تركيب سواء كان جزئياً أم كلياً لابد له من أن يتحلل. وغاية ما هنالك هو أن بعض المركبات سريع التحليل وبعضها بطئ التحليل. وإلا فلا يمكن أن يتركب شئ ولا يتحلل. إذاً يجب أن نعلم كيف كان كل موجود من الموجودات العظيمة في أول امره.
ولا مرية أنه في البدء كان الاصل واحداً ولا يمكن أن يكون اثنين لأن مبدأ جميع الأعداد واحد لا اثنان. فالاثنان محتاجة إلى المبدأ. اذا صار من المعلوم أن المادة في الاصل واحدة. وتلك المادة الواحدة تشكلت في كل عنصر بصور مختلفة. ولهذا ظهرت صور متنوعة. ولما ظهرت هذه الصور المتنوعة اخذ كل منها شكلا خاصا وصار عنصرا مستقلا. ولم يتحقق استقلال العنصر ولم يتم تكوينه إلا بعد مدة مديدة. ثم ان هذه العناصر تركبت وترتبت وامتزجت بصور غير متناهية يعني ظهرت الكائنات التي لا تتناهى من تركيب وامتزاج هذه العناصر. وحصل هذا التركيب والترتيب بحكمة الله وقدرته القديمة بنظم طبيعي واحد.
ومن حيث انها تركبت وامتزجت بهذا النظم الطبيعي في كمال الاتقان ومطابقة للحكمة تحت قانون كلي. فمن الواضح انها إيجاد الهي لا تركيب وترتيب تصادفي. لان معنى الإيجاد أن يوجد من كل تركيب كائن. أما من التركيب التصادفي فلا يوجد أي كائن. مثلا:لو أن الانسان مع عقله وذكائه يجمع عناصر ويركبها فلا يمكن أن يوجد منها كائن حي. لأنها اتت على غير النظم الطبيعي. وهذا جواب عن سؤال مقدر وهو من حيث أن هذه الكائنات حادثة من تركيب وامتزاج هذه العناصر فنحن أيضا نجمع هذه العناصر ونمزجها لإيجاد كائن حي. فلو نتصور مثل هذا لكان هذا التصور خطأ. لأن أصل هذا التركيب تركيب وامتزاج إلهي على نظم طبيعي. وبذلك يوجد كائن ويتحقق وجود. أما من التركيب البشري فلايحصل ثمر لأن البشر لايقدر على الإيجاد. والخلاصة أنه قد ظهرت الصور والحقائق التي لا تتناهى والكائنات التي لا تنحصر من تركيب العناصر وامتزاجها وكيفيتها وتراكيبها وموازينها وتأثير بعضها على بعض.
اما هذه الكرة الارضية فمن الواضح انها لم تتكون دفعة واحدة على هيئتها الحاضرة. بل أن هذا الموجود الكلي اجتاز اطوارا مختلفة بالتدريج حتى بلغ هذا الكمال. والموجودات الكلية تقاس بالموجودات الجزئية وتطبق عليها. لأن الموجود الكلي والموجود الجزئي كليهما تحت نظم طبيعي واحد وقانون كلي وترتيب إلهي. مثلا:تجد الكائنات الذرية ينطبق عليها في النظام العام ماينطبق على اعظم الكائنات. فمن الواضح أنها تكونت في مصنع قدرة واحدة على نظم طبيعي واحد وقانون عام واحد. فلهذا يقاس بعضها ببعض. مثلا:ان نطفة الانسان نشأت ونمت في رحم الام بالتدريج واخذت صوراً من اطوار مختلفة حتى وصلت إلى البلوغ في نهاية درجة من الجمال وتجلت بهيئة كاملة في نهاية الطافة. وعلى هذا المنوال بذر هذا الورد الذي نشاهده. فقد كان في بدايته شيئا حقيراً في نهاية الصغر ثم نشأ ونما في بطن الارض ومر بصور مختلفة إلى أن تجلى بكمال الطراوة واللطافة في هذه الرتبة.
وكذلك من الواضح أن هذه الكرة الارضية تكونت في رحم العالم. ونشأت ونمت ومرت بصور وحالات مختلفة حتى وصلت بالتدريج الى كمالها وزينت بمكونات غير متناهية وتجلت في نهاية الإتقان.
اذاً اتضح ان تلك المادة الاصلية التي هي بمنزلة النطفة كانت عناصرها مركبة ممتزجة امتزاجاً أوليا. وهذا التركيب نشأ ونما بالتدريج في الاعصار والقرون. وانتقل من شكل وهيئة إلى شكل وهيئة اخرى حتى بلغ هذا الكمال والنظام والترتيب والاتقان بحكمة الله البالغة.
والآن فلنرجع إلى مسألة أن الانسان قد بدء الوجود ونشأ ونما تدريجيا في رحم الكرة الارضية كالنطفة في رحم الأم وانتقل من صورة إلى صورة ومن هيئة إلى هيئة حتى تجلى بهذا الجمال والكمال وهذه القوى والاركان.ويقينا أنه ما كان في البداية بهذه اللطافة والجمال والكمال. بل وصل بالتدريج إلى هذه الهيئة والشمائل والحسن والملاحة كنطفة الانسان في رحم الام. ولا شك أن النطفة البشرية ما اخذت هذه الصورة دفعة واحدة وما كانت مظهر قوله تعالى"فتبارك الله احسن الخالقين." لهذا اخذت حالات متنوعة بالتدريج وظهرت في هيئات مختلفة حتى تجلت بهذه الشمائل وهذا الجمال والكمال والحسن واللطافة. إذاً صار من الواضح المبرهن أن نشوء الانسان ونموه على الكرة الارضية حتى بلغ هذا الكمال كان مطابقاً لنشوء الانسان ونموه في رحم الام بالتدريج وانتقاله من حال إلى حال ومن هيئة وصورة إلى هيئة وصورة اخرى. حيث أن هذا بمقتضى النظام العام والقانون الالهي الكلي. يعني تمر نطفة الانسان بحالات مختلفة ودرجات متعددة حتى ينطبق عليها قوله تعالى"فتبارك الله احسن الخالقين."وتظهر فيها اثار الرشد والبلوغ.
وعلى هذا المنوال كان وجود الانسان على هذه الكرة الارضية من البدء حتى وصل إلى هذه الحال من الهيئة وجمال الاخلاق بعد ان مضت عليه مدة طويلة واجتاز درجات مختلفة. ولكنه من بدء وجوده كان نوعاً ممتازا.
كذلك نطفة الانسان في رحم الأم كانت في أول أمرها بهيئة عجيبة. فانتقل هذا الهيكل من تركيب إلى تركيب ومن هيئة إلى هيئة ومن صورة إلى صورة حتى تجلت النطفة في نهاية الجمال والكمال. وحتى لما ان كانت في رحم الام وفي تلك الهيئة العجيبة التي تغاير تماماً ما هي عليه الآن من الشكل والشمائل فانها كانت نطفة نوع ممتاز"نطفة إنسان" لا نطفة حيوان. وما تغيرت توعيتها وماهيتها أبدا. وعلى فرض تحقق وجود اثر لاعضاء تلاشت فإن هذا لا يكون دليلاً على عدم استقلال النوع واصالته.
وغاية ما هنالك أن الهيئة والشمائل والاعضاء الإنسانية قد ترقت ولكنه كان نوعاً ممتازاً أيضا. فقد كان إنساناً لا حيوانا. مثلا:لو انتقلت نطفة الإنسان في رحم الام من هيئة إلى هيئة بحيث لاتشابه الهيئة الاولى بأي حال فهل يكون هذا دليلاً على أن النوعية تغيرت بأن كانت في البداية حيوانا ثم نشأت اعضاؤها وترقت حتى صارت انسانا!!
والخلاصة:ان هذه النظرية في غاية من الضعف0واهية الأساس لأن اصالة نوع الانسان واستقلال ماهيته واضحة مشهودة .

3-الفرق ما بين الانسان والحيوان
أنّ أهل العالم قسمان قسم ينكر وجود الرّوح ويقول إنّ الإنسان نوع من الحيوان أيضاً، لأنّنا نرى الحيوان مشتركاً مع الإنسان في القوى والحواسّ، وهذه العناصر البسيطة المفردة الّتي تملأ هذا الفضاء تتركّب بتراكيب غير متناهية ويظهر من كلّ تركيب كائن من الكائنات، ومن جملتها الكائنات ذوات الأرواح وذوات القوى والإحساس. وكلّما كان التّركيب أكمل كان ذلك الكائن أشرف، وإنّ تركيب العناصر في وجود الإنسان أكمل من تركيب جميع الكائنات، وامتزاجها في نهاية الاعتدال، لذا كان أشرف وأكمل، ويقولون إنّه ليس للإنسان قوّة وروح مخصوصة محروم منها سائر الحيوان، ويقولون إنّ للحيوان اجساما حسّاسة و الإنسان أكثر إحساساً منها في بعض القوى (مع أنّ الحيوان أقوى من الإنسان إحساساً في القوى الظّاهرة الحسّاسّة كالسّمع والبصر والذّوق والشّمّ واللّمس حتّى في بعض القوى الباطنيّة كالحافظة) ويقولون إنّ الحيوان له إدراك وشعور، غاية ما هنالك أنّ شعور الإنسان أكثر، وهذه أقوال الفلاسفة في هذا العصر.هكذا قولهم وذلك زعمهم وبهذا حكمت أوهامهم، وبعد شدّة البحث والاستدلال قالوا بأنّ الإنسان من سلالة الحيوان، يعني أنّ الإنسان كان وقتاً ما حيواناً ثمّ تغيّر نوعه وترقّى شيئاً فشيئاً حتّى وصل إلى درجة الإنسان، وأمّا الإلهيّون فيقولون إنّ الأمر ليس كذلك، فإنّه مهما كان الإنسان مشتركاً مع الحيوان في القوى والحواس الظّاهرة غير أنّه يوجد في الإنسان قوّة خارقة للعادة محروم منها الحيوان، فهذه العلوم والفنون والاكتشافات والصّنائع وكشف الحقائق من نتائج تلك القوّة المجرّدة، وهذه القوّة قوّة محيطة بجميع الأشياء ومدركة لحقائقها وتكشف أسرار الكائنات المكنونة وتتصرّف فيها، حتّى تدرك الشئ الذي ليس له وجود خارجيّ بل الذّي هو غيب كحقيقة العقل والرّوح والصّفات والأخلاق والحبّ والحزن الّتي هي جميعاً من الحقائق المعقولة.
ولا وجود لها في عالم الحس وفضلاً عن ذلك فهذه العلوم الموجودة والصّنائع المشهودة والمشروعات والكشفيات الإنسانية الّتي لا تتناهى كانت وقتاً ما سرّاً مكنوناً وغيباً مستوراً، كشفتها تلك القوّة المحيطة الإنسانيّة وأخرجتها من حيّز الغيب إلى حيّز الشّهود، ومن جملتها البرق (التّلغراف) والحاكي وآلة التّصوير، فجميع هذه الاكتشافات والصّنائع العظيمة كانت وقتاً ما سرّاً مكنوناً كشفته تلك الحقيقة الإنسانيّة وأخرجته من حيّز الغيب إلى حيّز الشّهود،حتّى كانت وقتاً ما خواصّ هذا الحديد الذّي نشاهده بل جميع المعادن سرّاً مكنوناً.
فالحقيقة الإنسانيّة كشفت هذه المعادن وصاغتها على هذه الهيّئات الصّناعيّة، وقس على ذلك جميع الأشياء من اكتشافات واختراعات بشريّة غير متناهية، وهذه مسألة لا سبيل لإنكارها ولا يمكننا أن ننكرها، ولو نقول إنّ هذه من آثار القوى الحيوانيّة والحواسّ الجسمانيّة نرى ونشهد بوضوح أنّ الحيوان أعظم من الإنسان في هذه القوى، مثلاً بصر الحيوان أحدّ بكثير من بصر الإنسان، وقوّة سمعه أرهف بكثير من قوّة سمع الإنسان، وكذلك قوى الشّم والذّوق، والخلاصة إنّ أكثر الحيوان أشدّ قوّة في جميع القوى المشتركة بين الحيوان والإنسان، فلنضرب لك مثلاً في القوّة الحافظة، لو فرضنا أنّك أخذت حَمَامَاً من هنا إلى إقليم بعيد جدّاً وأطلقته هناك فإنّه يرجع إلى هنا وتبقى الطّرق مرتسمة فى حافظته، أو خذ كلباً من هنا إلى أواسط آسيا وأطلقه هناك فإنّه يرجع إلى هنا ولا يضلّ الطّريق أبداً، وكذلك قُل في سائر القوى كالسّمع والبصر والشّمّ والذّوق واللّمس.


إذاً اتّضح أنّه لو لم يكن في الإنسان قوّة غير القوّة الحيوانيّة لوجب أن يكون الحيوان أعظم من الإنسان في الاكتشافات العظيمة، وإدراك الحقائق الجسمية0اذاً اتضح من هذا الدّليل أنّ في الإنسان موهبة لا توجد في الحيوان، وفضلاً عن هذا فالحيوان يدرك الأشياء المحسوسة، وأمّا الحقائق المعقولة فلا يدركها، مثلاً يرى الحيوان كلّ ما يدخل تحت مدّ البصر، أمّا ما كان خارجاً عن مدّ البصر فلا يمكنه إدراكه ولا تصوّره، مثلاً لا يمكن للحيوان أن يدرك كرويّة الأرض، لأنّ الإنسان يستدلّ بالأمور المعلومة على الأمور المجهولة ويكشف الحقائق المجهولة.
أمّا الحيوان فلا يمكنه إدراك هذا، وكذلك لا يمكن للحيوان أن يدرك أنّ الشّمس مركز والأرض تتحرّك حولها، لأن الحيوان أسير الحواسّ ومقيّد بها ولا يمكنه إدراك ما وراء الحسّ أيّ الأشياء الّتي لا تدركها الحواسّ، والحال أنّ الحيوان أعظم من الإنسان في القوى والحواسّ الظّاهرة، إذاً ثبت وتحقّق أنّ في الإنسان قوّة كاشفة بها امتاز عن الحيوان وهي الرّوح الإنسانيّ.
سبحان الله، الإنسان متوجّه دائماً إلى العُلا وهمّته عالية ويريد دائماً أن يصل إلى عالم أعظم من العالم الذّي هو فيه وأن يصعد إلى درجة أرقى من درجته الّتي هو فيها.
فحُبّ الرّفعة والعلوّ من خصائص الإنسان، فكيف من بعض فلاسفة أميركا وأوروبا كيف رضوا أن يتدنّوا بأنفسهم إلى عالم الحيوان ويطلبون الرّقيّ المعكوس، مع أنّ الوجود يجب أن يكون توجّهه نحو العلوّ، والحال أنّك لو قلت له أنّك حيوان يتضجر كثيراً ويضطرب جدّاً، فأين عالم الإنسان من عالم الحيوان، وأين الكمالات الإنسانيّة من الجهالة الحيوانيّة، وأين نورانيّة الإنسان من الظّلمانيّة الحيوانيّة، وأين العزّة الإنسانيّة من الذلّة الحيوانيّة، إنّ طفلاً عربيّاً في سنّ العاشرة يستطيع أن يرعى ويقود مائتين أو ثلثمائة من الإبل في البادية تروح وتغدو بصيحة واحدة منه، كما أنّ هنديّاً نحيفاً يقدر أن يخضع الفيل مع عظمته بحيث ينقاد له ويكون في نهاية الطّاعة، فجميع الأشياء مسخّرة للإنسان والإنسان يقاوم الطّبيعة بينما جميع الكائنات أسيرة للطّبيعة، وليس لأحدها أن ينفكّ عن مقتضياتها إلاّ الإنسان، فإنّه هو الّذي يقاوم الطّبيعة، فالطّبيعة تجذب الأجسام نحو مركز الأرض بينما الإنسان بالوسائط يبتعد عن المركز ويطير في الهواء، الطّبيعة مانعة للإنسان من عبور البحر ولكنّ الإنسان يصنع السّفينة ويسير في عرض المحيط الأعظم وقس على ذلك.
إنّ هذا الموضوع مترامي الأطراف، فمثلاً الإنسان بالمخترعات يصعد الجبال ويخترق الصّحارى ويحيط بأخبار الشّرق والغرب وهو في نقطة واحدة، وكلّ هذا مضادّ للطّبيعة، فالبحر بعظمته لا يمكنه أن يخرج قيد شعرة عن حكم الطّبيعة، والشّمس مع عظمتها لا يمكنها الخروج عن حكم الطّبيعة رأس إبرة، ولا يمكنها أبداً أن تدرك شؤون الإنسان وأحواله وطبيعته وخواصّه وحركاته، فما هي إذاً هذه القوّة الّتي توجد في الجسم الإنسانيّ الصّغير المحيط بجميع هذه الأشياء، وما هي هذه القوّة القاهرة الّتي تجعل جميع الأشياء مسخّرة له.
بقي شيء واحد وهو أنّ الفلاسفة الحديثين يقولون إنّنا لم نشاهد الرّوح مطلقاً في الإنسان، وكلّما تحريّنا في خفايا الجسد الإنسانيّ لا نحسّ بقوّة معنويّة فكيف نتصوّر تلك القوى الّتي لا نحسّها، فيقول الإلهيّون في الجواب:
ان روح الحيوان أيضاً غير محسوس ولا يدرك بهذه القوى الجسمانية، فبأي شيء تستدل على وجود روح الحيوان ، لاشك انك تستدل بالآثار على أن في هذا الحيوان قوة ليست في النبات وهى القوة الحسّاسة، يعني الباصرة والسامعة إلى غير ذلك من القوى، ومن هذا يستدل على وجود الروح الحيواني، وبمثل ذلك يعلم من تلك الدلائل والآثار التي سبق ذكرها وجود الروح الإنساني، ولمّا كانت في الحيوان آثار لا توجد في النّبات إذاً نقول إنّ هذه القوّة الحسّيّة من خصائص الرّوح الحيوانيّ، وكذلك ترى في الإنسان آثاراً وقوى وكمالات لا توجد في الحيوان، اذاً فاعلم أنّ في الإنسان قوّة محروم منها الحيوان، ولو أنّنا ننكر كلّ شيء غير محسوس للزم أن ننكر الحقائق المسلّمة الوجود، مثلاً إنّ المادّة الأثيريّة غير محسوسّة والحال أنّها محقّقة الوجود. والقوّة الجاذبة ليست بمحسوسّة وهي محقّقة الوجود، فبأيّ شيء نحكم على وجود هذه الاشياء الا بآثارها؟ فمثلاً هذا النّور هو تموّجات المادّة الأثيريّة ومن هذه التّموّجات نستدلّ على وجودها.(ع.ع)
وتابعوا معي الجزء الثاني والأخير من هذا المقال الهام..............



#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل الفكر الجديد أمر سهل أم أنَّه تَحُفُّه مجموعة من الصعاب و ...
- هل الفكر الجديد أمر سهل أم أنّه تَحُفّه مجموعة من الصعاب وال ...
- هل الفكر الجديد أمر سهل أم أنّه تَحُفّه مجموعة من الصعاب وال ...
- هل الفكر الجديد أمر سهل أما انه تَحُفّه مجموعه من الصعاب وال ...
- النضج الإنساني والروحاني والحضاري لإنسان {هذا اليوم}! الالتز ...
- النضج الإنساني، الروحاني والحضاري لإنسان {هذا اليوم}! من مظا ...
- النضج الإنساني والروحاني والحضاري لإنسان {هذا اليوم}! العلم ...
- النضج الإنساني والروحاني والحضاري لإنسان {هذا اليوم}! البلوغ ...
- النضج الإنساني والروحاني والحضاري لإنسان {هذا اليوم}! (4-8)
- يا وزارة الأوقاف : البهائية تعترف بسماوية الرسالة المحمدية و ...
- النضج الإنساني والروحاني والحضاري لإنسان -هذا اليوم-!3-8
- النضج الإنساني والروحاني والحضاري لإنسان {هذا اليوم } (2-8)
- النضج الإنساني والروحاني والحضاري لإنسان {هذا اليوم} (1-8)
- الحياة و الموت في كتب الله
- النفْس
- «إعتبروا الموت بأنه عين الحياة» حضرة عبدالبهاء
- الأساس الروحانى لحقوق الإنسان-وجهة نظر بهائية3-3
- الأساس الروحانى لحقوق الإنسان-وجهة نظر بهائية2-3
- الأساس الروحانى لحقوق الإنسان-وجهة نظر بهائية 2-3
- الأساس الروحانى لحقوق الإنسان-وجهة نظر بهائية1-3


المزيد.....




- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...
- ماما جابت بيبي أجمل أغاني قناة طيور الجنة اضبطها الآن على تر ...
- اسلامي: المراكز النووية في البلاد محصنة امنيا مائة بالمائة
- تمثل من قتلوا أو أسروا يوم السابع من أكتوبر.. مقاعد فارغة عل ...
- تنبأ فلكيوهم بوقت وقوعها وأحصوا ضحاياها بالملايين ولم تُحدث ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راندا شوقى الحمامصى - وقوع دارون في شَرَك أن الإنسان أصله قرد!1-2