أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل الحامدي - يوميات بنية منتحرة ..القسم الخامس















المزيد.....

يوميات بنية منتحرة ..القسم الخامس


عادل الحامدي

الحوار المتمدن-العدد: 4737 - 2015 / 3 / 3 - 14:06
المحور: الادب والفن
    


يوميات بنية منتحرة
القسم الخامس .....
وهاهي مستندة الى الحائط وقد ندت عنها وحوحة حاكت بها صدى الوحوحة التي وصلت الى سمعها تتلفظ بها امها وراء الحائط الفاصل بينهما وهي تغالب صهد الطابونة لتخرج الكسرات قبل ان تحترق .وانها لفي الطريق الى دكان جميلة تشق مسلكا يخلو جانباه من المناظر المبهجة وتسارع في مشيتها الى حد اوشكت معه على الوقوع فكل دقيقة لها ثمنها وكل تاخر يعني حريفا ضائعا ..تلج الدكان وفي داخله جميلة معروقة اليدين وجلد وجهها المتكمش يحكي بؤسا وهرما وعيناها تطرفان في اتجاه الباب في محاولة يائسة لاصطياد حريف ضن به عليها هذا الصباح ..تدلف اسماء نحوها والسلة في يدها .فتر شفتاها عن ابتسامة تنضح طيبة ومرارة ..كانت تقول في نفسها :عدد الذين يرغبون في ان يبيعوها بضاعة اكثر من عدد الراغبين في الشراء منها ...ولكنها لا تستطيع الامتناع عن التفكير في اسماء الواقفة امامها وامها بمودة وحنان خلقهما في نفسها ادراكها ما تعانيانه من حرمان لم تكن هي الاخرى بعيدة عنه ..جميلة كانت الانسانة الوحيدة التي ترتاح لها اسماء وتود لو تطيل البقاء قربها ففي كلامها وهي تشدها اليها وتلفها بذراعها مدركة تاثير قر الشتاء على جسد البنية الذي فاقمته الملابس الخفيفة التي كانت ترتديها ..في كلامها ينضح وجهها ما يشبه الرذاذ الخفيف من الامل الغامض والرجاء الذي هو كل ما بقي يشدها الى العالم ...يا لهول ما كانت ترى جميلة ....اكانت لامبالاة ام فقر مدقع ؟؟ان تاتيها البنية وفي قدميها " شلاكة "بلاستيكية مفتوحة ومثقوبة ودون جوارب تحمي قدميها ..مرت امامها ربيعة التي اعتادت التجول في تلك الانحاء وجمع القوارير البلاستيكية وعلى ظهرها شكارتين مشدودتين الى بعضهما امتلئتا قواريرا ..كانت في طريقها الى ما يسمونه " المعمل " على مسافة ثلاث كلمترات هناك ما يشبه المخزن حيطانه متداعية وسقفه من الزنك تفتقت قريحة اصحاب القرار على مخزنا لجمع القوارير البلاستيكية واوكلوا امر جمعها الى النساء الفقيرات المنسيات ..وكان ذلك كل شئ امكنهم او رغبوا في القيام به لصالح الاهالي ..هناك تفرغ ربيعة حمولتها وينقدها القائمون على المخزن اجرتها الجزيلة بعد ان يشبعوها تهكما وعبثا... 250مي للكلغ الواحد من البلاستيك ... نظرت اسماء الى قدمي ربيعة ..كانتا دون جوارب والريح تلفح ساقيها اللتان انحسرت عنهما " الفوطة "الريفية التي كانت ترتديها فبدوتا عاريتان الى منتصف الركبة ..قلبت اليها اسماء النظر وفي عينيها نظرة هلع ..
.ــ كم يلزم من ساعة يا خالتي لكي تتمكن ربيعة من جمع كلغ من القوارير؟؟
ــ بل قولي كم من يوم ..فمشتروها ومستعملوها هنا قلة وجامعوها كثر...ان اسماء لم تكن تدرك ان الشكارتين على ظهر ربيعة وهي ماضية في اتجاه " المعمل" كانتا حصيلة ثلاث ايام من العناء والدوران والتفتيش في المزابل وجوانب المسالك واحواش البيوت التي كان بوسعها ولوجها فلا شئ فيها كان يخشى اصحابها سرقته ...
انتاب اسماء احساس مريع بانها قد لا تفلت من مصير شبيه بمصير ربيعة ونظرة من جميلة الى قدمي ربيعة غرست في داخلها ادراكا فوريا بانها وتلك المراة في حال واحدة ومصير واحد ..كلتاهما عاريتا القدمين ومشققتهما ..وكلتاهما معرقتا اليدين بما يرسم صورة اسيفة لبنية ادركها الهرم وتيبس جلدها وشاخ وهي في موعة الصبا ومستهل الشباب... سخرت من نفسها ومن خوفها ان تصير يوما مثل ربيعة فهي كانت مثلها سلفا ولا ريب وكان ذلك اكتشافا داميا لحقيقة ماثلة امامها انكرتها طويلا او لم تفلح في استيعابها قبل هذا اليوم ...اول يوم من فصل الربيع اختلف الامر عن الايام السابقة وغمر الارض دفء افتقدته طويلا لحد خالت معه اسماء ان يوم امس الذي كان شديد البرودة ينتمي الى زمن بينها وبينه امدا بعيدا ..ظل الصقيع يلف اعماقها رغم الدفء المنسكب مع اشعة الشمس التي خلت سماءها من السحب ..مرت ربيعة قريبا منها فحاولت جهدها ان تتجنب النظر اليها او الكلام معها ..كانت شكارتها شبه فارغة ...ادركت اسماء ان الباحثين عن القوارير قد انتشروا في الانحاء مدفوعين بالطقس الدافئ بما يعني حصيلة هزيلة لكل منهم من القوارير قياسا الى عددهم ....وادركت ايضا ان حصيلة اليوم من الكسرة قد لا يباع منها شيئا فالاهالي الذين سجنهم الطقس طويلا واقتصروا في قضاء حوائجهم على ما تبيعه جميلة في دكانها ويعتاضون عن رداءة خبزها بكسرة ام اسماء قد انحدروا الى البلدات المجاورة يطاردون امالهم الضائعة في مسالكها الملتوية وعند عودتهم ـ وقد ادركوا ان تلك الامال ذهبت دون رجعة ــ يقضون لوازمهم من هناك ولا يمرون امام دكان جميلة فتظل سلتها مليئة بالكسرة التي بردت وتيبست ...تابعت الطريق مطرقة كانها خجلة من جمال الطقس ويملئها الخزي من شح الارض واهل لارض ..على مسافة قريبة من الدكان استوقفها شاب تبين على وجهه علائم الجدية ومن عينيه تنبعث نظرة واثقة خالطها اسى غير قليل ..سالها :
ــ الى اين انت ذاهبة ابتها الصغيرة في هذا الصباح ؟؟ ليس الى مدرستك ؟؟
اجابت بعد ان تفرست في وجهه واطمانت اليه قليلا:
ــ اذهب الى المدرسة بعد ان اوصل الكسرة الى الدكان....
ــ اي كسرة واي دكان ؟؟
ــ كسرة والدتي التي تصنعها في الطابونة وتبيعها في دكان جميلة القريب ...
ــ اه ..قال وقد فهم ..ونظر اليها متفحصا كانه يرغب ان يقرا حالها من ملامح وجهها ...
ــ وهل تبيعينها كلها ؟؟
ــ لا ادري ..كل نهار وقسمو ...فابتسم الشاب لكلمتها الاخيرة
ــ وهل بيع الكسرة هو كل ما تعيشون عليه ؟؟
ــ تقريبا ...ابي بائع متجول ...ولكنه نادرا ما يكسب شيئا ...نظر اليها الشاب وقد اتسعت مساحة الاسى حتى ملئت وجهه
ــ ايتها الصغيرة ..ما رأيك ان اريحك من عناء انتظار اليوم بطوله لتعودي بمقابل الكسرة ..
ــ ماذا تعني ؟؟
ــ أعني أشتريها منك كلها الان وتعودي بثمنها لوالدتك ...فشخصت فيه بعينيها والحيرة تملئهما ..وهو تدليلا على جدية عرضه سالها كم عدد الكسرات ؟؟ واخرج قطعا نقدية من جيبه فلم تجد مفرا من وضع السلة على الارض وانشات تحسب العدد وعند انتهاءها من الحسبة نقدها المال وتسلم الكسرات فولت هاربة من امامه راجعة القهقرى غير مصدقة انها تخلصت من ذلك العبء ودون ان تفكر في عذر تخترعه لجميلة تبرربه عدم جلبها الكسرة هذا اليوم..الا انها كانت على كل حال تدرك بعد ان قطعت نصف المسافة ان جميلة قليلا ما تهتم بها في يوم كهذا بل ان الكسرة المكدسة امامها على الكنتوار كانت تمثل عبئا واحراجا تتوق للتخلص منه ....



#عادل_الحامدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوميات بنية منتحرة ...القسم الرابع
- يومبات بنية منتحرة ...
- يوميات بنية منتحرة .من وحي حالات الانتحار التي اقدم عليها ال ...
- يوميات بنية منتحرة ...قصة من وحي حالات الانتحار في صفوف الاط ...
- حتى لا يتحول الى التونسيون الى شعب دهليزى
- حقيقة ام سينما ؟؟
- التائه في سراديب الزهايمر
- فصول من حياة حرفي معاق
- كيف نقتل في اجيالنا الصاعدة روح الاختلاف ونحولها الى ببغاوات
- - احزان سعيدة - رواية حول عمل ومعاناة النساء في االارياف الت ...


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل الحامدي - يوميات بنية منتحرة ..القسم الخامس