أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - إنهم يزرعون الوحشية ويمنهجون الهمجية















المزيد.....


إنهم يزرعون الوحشية ويمنهجون الهمجية


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 4737 - 2015 / 3 / 3 - 11:31
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


- الثقافة عندما تنتهك عقولنا وانسانيتنا (63) .

الإنسان ثقافة أى منهج وطرق تفكير ومعالجات ليتم ترجمتها فى سلوكيات ونسق تعاملات فى الحياة لذا ما تزرعه من ثقافة فإياك تحصد , ومن هنا نستطيع تلمس أسباب تدهور وتخلف الحالة الإنسانية العربية ,فالمعين الثقافى الذى يستقى منه فكره ووعيه فاسد مشبع بثقافة الإستبداد والعنف والوحشية والإقصاء والقسوة .
هذا المقال يقدم صور صغيرة كأمثلة لكيفية تشكل الوعى والممارسات المتخلفة الهمجية من شيوع ثقافة ستنتج فى النهاية نفسية وذهنية بائسة , كما هو بحث فى سببية الإرهاب والوحشية فلا يكون سبيلنا سرد نصوص عنيفة لإدانتها فكما ذكرت سابقاً أن النصوص لا تمتلك صفة السحر لتقهر من يتلوها على ممارسة العنف فور قراءتها فهكذا حال الكثير من المسلمين الودعاء وسبقهم المسيحيون فى الإنصراف عن النصوص الوحشية بالكتاب المقدس ليكون سلوك المؤمن بما يتسرب له من حراك فعل النصوص فى الواقع لتخلق وعيه ومفاهيمه ومواقفه ومشاعره أى يتم ترجمة النصوص فى مواقف حية ومن هنا جاء الوديع والإرهابى والأصولى والمتزمت فهم نتاج صور ثقافية تم بثها فى وجدانهم لتخلق فسيفساء نفسية تنتهج إما المسالمة أو القسوة والعنف .
سأبث بعض الصور المتفرقة التى تبرز مداميك حوائط ثقافتنا البائسة التى تغلغلت فى النفوس لتصبح الوحشية والدم والذبح مشاهد لا تثير الإمتعاض والنفور ولا يعنى هذا أن كل المسلمين تلوثوا فمازالت قيم الحضارة والحداثة تفعل فعلها ولكن ترك الأمور بإستهتار بلا رقابة وتدقيق فلا تتوقع خيراً .

- تعليم التوحش والإنتقام الهمجى .
طالب الدكتور هانى الناظر رئيس المركز القومى للبحوث السابق بمحاسبة المسئولين في وزارة التربية والتعليم عن الكارثة التعليمية الموجودة في كتاب اللغة العربية للصف الثالث الابتدائي. وقال الناظر: والله لن تتخيلوا هذه القصة التى تتلخص في صراع بين العصافير والصقور إنتهى بأن قامت العصافير بوضع خطة لإستدراج الصقور، فدعوهم ليقدموا لهم أبناءهم الصغار قرباناً داخل خيمة ثم تركوهم داخل الخيمة وقاموا بإشعالها وحرقهم وسط صيحات وصراخ الصقور، وهكذا كانت نهاية المعركة وسط غناء العصافير والطيور نشيد بلادي بلادي احتفالا بحرق الصقور.!
وأضاف الناظر على صفحته الرسمية بالفيس بوك قائلا: هو ده اللي بنعلموا لأولادنا ! إحنا كدة بنربي في أولادنا فكرة الحرق للانتقام وبعد كده نستغرب أن في ناس بتحرق وتدبح ونتريق على داعش ! ياناس دي جريمة والله ولابد من محاسبة جميع المسؤولين في الوزارة عن هذه الكارثة، مشيرا إلى القصة لمن يريد أن يقرأها موجودة من صفحة ٦-;-٢-;- إلى صفحة ٨-;-١-;- ومشهد الحرق في صفحة ٨-;-١-;- بكتاب اللغة العربية الصف الثالث الابتدائي الفصل الدراسي الثاني .
http://www.vetogate.com/upload/photo/gallery/90/1/560x1000/160.jpg
لا يوجد لدى تعليق بعد ما قدمه الدكتور هانى الناظر فهكذا يتم زرع بذور التوحش فى النفوس بهذه القصة التى ألفها مؤلف أراد تصدير أهمية التعاون ولكن بغباء أو بنفسية وحشية بث فى عقول أطفال بعمر الزهور مفهوم التوحش والإنتقام الهمجى بطريقة حماسية لتتشكل مفردات ثقافية داخل الطفل تنحو نحو الإنتقام الشرس , فلا تسأل بعدها من أين يأتى التوحش والإرهاب والشراسة فالحل فى حرق الصقور .! ولنضيف هنا هل سيكون من الصعوبة إستبدال ترديد الأطفال نشيد بلادى بلادى بنشيد إسلامى إسلامى داعشى .

- نعالج الوحشية والهمجية بوحشية مثلها .
أصدر مجلس حكماء المسلمين برئاسة شيخ الأزهر أحمد الطيب بياناً أدان من خلاله حرقَ وإعدامَ الطيار الأردني، وقال البيان : إن شيخ الأزهر يستنكر العمل الإرهابي الخسيس الذي أقدم عليه تنظيم داعش الإرهابي الشيطاني من حرق وإعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة وأعرب عن حزنه العميق من إقدام هؤلاء الإرهابيين المفسدين في الأرض على هذه الفعلة الشنيعة الشيطانية من التمثيل بنفس بريئة بالحرق مما يستوجب ملاحقتهم وتطبيق شرع الله فيهم ( ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيم)..لذا فهذا العمل الإرهابي الخسيس يستوجب العقوبة التي أوردها القرآن الكريم (أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف) والمعروف في الإسلام بحد الحرابة .
عندما نجد رد فعل الأزهر على إجرام وتوحش داعش بالدعوة إلى توحش مشابه وذلك بإقامة حد الحرابة عليهم بأن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف فهنا نحن نفس الصياغة لممارسة ثقافة إنتقامية وحشية بنفس أدوات ونهج داعش فليس هناك فرق بين هذا المشهد وذاك لنسأل ما الذى سيعيه المسلم ويستنتجه سوى أن الأفعال الوحشية جائزة ومنهجية ومبررة الفعل فليس هناك مشكلة من حرق الدواعش أو صلبهم وتقطيع أيديهم وأرجلهم وسمل عيونهم أما إذا كان المتلقى لبيان الأزهر صاحب تصور بأن الدواعش أصحاب حق ورؤية جهادية فهنا ستتبرر أفعال داعش فكله عنف وقسوة ووحشية وهكذا الشرع .الأزهر هنا تحرج من إسلام داعش و أراد أن يتبرأ منه ليصل لإدانتهم وتجريمهم ولكنه إستخدم نفس المشاهد الوحشية التى يمارسها الدواعش ليطلب تطبيقها عليهم , فما معنى هذا بالنسبة للمسلم سوى أن التوحش والهمجية والقسوة المفرطة مشروعة ليكون الإختلاف على من تُطبق فإذا كنت رافضاً لفعل داعش فلديك تطبيق الوحشية عليهم وإذا كنت مؤمناً بنهج داعش فلن تحتاج لتبرير أعمالهم الوحشية .

- طب نحرق ولا مانحرقش .!
يقولون أن حرق داعش للطيار الأردنى يخالف الشريعة الإسلامية ,فالنبى قال :" لا يعذب بالنار إلا رب النار" بالرغم أن الأئمة الأربعة أجازوا حرق الأسير كذلك التراث والتاريخ الإسلامى حافل بمشاهد حرق البشر ولكننا لن نتكأ علي كل هذا لتبيان شرعية فعل الحرق ,فالحجة حينها ستكون هذا تاريخ وسلوك مسلمين وليس من تعاليم وشرع الإسلام فلا تدينوا الإسلام بأفعال المسلمين , ولكن القرآن ذاته يشرع إباحة الحرق وإن لم يذكر هذا بشكل مباشر وهذا ما إتكأ عليه الدواعش فى إقدامهم على حرق الطيار الأردنى ففى سورة النحل ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عُوقبتم به) وفى سورة البقره أيضا ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) ليقف المسلم هنا حائراً أمام إزدواجية ثقافته , ولتجد كل نفسية مبتغاها ,فإذا كانت مسالمة فلها الإستنكار والتنديد فلا يعذب بالنار إلا رب النار وإذا كانت ذات ميول عنيفة فلها نصوص الإنتقام والتوحش والرد بالمثل وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عُوقبتم به , فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم.
الخطورة تكمن فى أن الشريعة بممارساتها البشعة تداعب أصحاب الميول العنيفة فتمنحهم مظلة نفسية مريحة فى إستدعاء نوازع الشر والعنف داخلهم بدلاً من تكون الثقافة كابح لجماح رغبات منفلتة عنيفة لتصير مظلة لأصحاب البشاعة فى تنفيس عنف كامن تحت جلودهم .

- هكذا يتعلمون ويتثقفون .
دعونى اقدم لكم جولة سريعة فى كتب الأزهر صاحب الإسلام الوسطى المعتدل من مقال سابق لى .
فى كتاب "الإقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع" ورد بصفحة 235 ما نصه: ( وألا تبنى كنيسة فى الإسلام لأن إحداث ذلك معصية، فلا يجوز فى دار الإسلام، فإن بنوا ذلك هدم ، ولا يجوز إعادة بناء كنيسة قد انهدمت وبالذات فى مصر ).!
وفى نفس الكتاب ورد ( تميز نساء المسيحيين بلبس طوق الحديد حول رقابهن ويلبسون إزاراً مخالفاً لإزار المسلمات، وتميز دورهم بعلامات حتى لا يمر السائل عليهم فيدعو لهم بالمغفرة ) . إيه السواد ده !
وفى صفحة 236 : ( ويعرف أهل الكتاب فى ديار الإسلام بلبس الغيار وشد الزنار، والغيار هو ما يتم ارتداؤه على أن تتم خياطة جزء من أماكن غير معتاد الخياطة بها كلون مخالف تتم خياطته على الكتف مثلا , فعمر رضى الله عنه فعل ذلك ,كما يمنعون من ركوب الخيل، ويلجأون إلى أضيق الطرق، ولا يمشون إلا أفرادًا متفرقين ، ولا يوقرون فى مجلس فيه مسلم لأن الله تعالى أذلهم ).! - إذن لا تسأل عن ماهى العنصرية فأنت فى جوهرها .
وفى صفحة 238: ( بما أن الإساءة تقطع عروق المحبة فيجب الإساءة لهم وعدم الميل القلبى لهم، وقطع عروق المحبة معهم ) ! ويقولون لك إسلام التسامح والمحبة .

- تَعلم الجهاد والسادية .
فى منهج السنة الثالثة من الثانوية الأزهرية يرد: ( قتال الكفار واجب على كل رجل عاقل صحيح حر قادر)- ص290
( ويجوز قتال الكفار بغير إنذار وبغير أن يدعوهم لدين الإسلام، لأن شيوع الإسلام قام مقام الدعوة إليه ) - ص291
( فإن أبوا استعانوا بالله تعالى عليهم وحاربوهم، ونصبوا عليهم المجانيق، وأفسدوا زروعهم وأشجارهم وحرّقوهم ورموهم وإن تترسوا بالمسلمين) - ص293
( وإذا كان للمسلمين قوة لا ينبغى لهم موادعة أهل الحرب، لأنه لا مصلحة فى ذلك، لما فيه من ترك الجهاد صورة ومعنى أو تأخيره ) -ص293
( والمرتدون وعبدة الأوثان من العرب لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف ولا تتم موادعتهم أبدًا) -ص295

تعلم فنون البشاعة والقسوة والهمجية والإهانة .
فى كتاب " الإقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع" فى كفاية شر الكافر : ( للمسلم أن يفقأ عينه، أو يقطع يديه ورجليه، وكذا لو أسره، أو قطع يديه أو رجليه، وكذا لو قطع يدًا ورجلاً ) .!
فى صفحة 357 من كتاب " الإقناع حل ألفاظ أبى شجاع " يعلم الأزهر تلاميذه كيف يهينون أصحاب الديانات الأخرى المخالفين للإسلام : ( وتعطى الجزية من الكتابى على وصف الذل والصِغَار ويقولون له :" أعط الجزية يا عدو الله" وليس هذا فقط، بل يكون المسلم الجابى جالساً والذمى واقفاً ويأخذ بتلابيبه ويهزه هزاً ويقول: "أعط الجزية يا عدو الله " ).!
فى صفحة 340 من كتاب " الاختيار لتعليل المختار فى فقه أبى حنيفة": ( أما الأسارى فيمشون إلى دار الإسلام، فإن عجزوا قتل الإمام الرجال وترك النساء والصبيان فى أرض مضيعة حتى يموتوا جوعاً وعطشاً، لأنا لا نقتلهم للنهى ) .!
كتاب " الاختيار لتعليل المختار فى فقه أبى حنيفة" المقرر على الصف الثالث الثانوى الأزهرى بصفحة 338: ( وإذا فتح الإمام بلدة عنوة إن شاء قسمها بين الغانمين، وإن شاء أقر أهلها عليها ووضع عليهم الجزية، وعلى أراضيهم الخراج، وإن شاء قتل الأسرى، أو استرقهم، أو تركهم ذمة للمسلمين، ولا يفادون بأسرى المسلمين ولا بالمال إلا عند الحاجة، وإذا أراد الإمام العود ومعه مواش يعجز عن نقلها ذبحها وحرقها، ويحرق الأسلحة ) .!

- تعلم السطوة والوصاية .
فى كتاب "الشرح الصغير " المقرر على الصف الثالث الثانوى: ( وله- أى للمسلم- قتل الزانى المحصن، والمُحارب، وتارك الصلاة، ومن له عليه قصاص، وإن لم يأذن الإمام فى القتل، لأن قتلهم مُستحق، ثم بعد ذلك يأكل منه ما يشاء ) .!!
فى كتاب " الاختيار لتعليل المختار" للصف الثالث الثانوي الأزهري بصفحة 366 تحت عنوان "أحكام المرتد " :( وإذا ارتد المسلم يُحبس ويعرض عليه الإسلام، وتُكشف شُبهته، فإن أسلم وإلا قُتل، فإن قتله قاتل قبل العرض لا شىء عليه..ويزول ملكه عن أمواله زوالا مراعى، فإن أسلم عادت إلى حالها ) .!

بعد هذا العرض لمقتطفات من كتب دراسية بالازهر ماذا سيكون حال مسلم صغير فى مرحلة الصبا والشباب عندما يتم شحنه وتلقينه بهذه التعاليم من أكبر مؤسسة إسلامية تُوصف بالإعتدال والوسطية والممثلة للإسلام الحنيف , وماذا يكون إنطباع المسلم العادى الذى تقع عيونه على هذا التراث فهل نتوقع ثورة أم إذعان لما يتم بثه من مرجعية تحظى على أكبر تقدير وقدر وميديا كونها تمثل الإسلام الوسطى الصحيح ..لو لم نحظى على إرهابيين حقيقيين من مفرخة الأزهر فعلى الاقل سنحظى على نفوس وعقول متزمتة ذات مواقف حادة تجاه الآخر والمرأة ليكونوا الظهير الإجتماعى الاستراتيجى للتطرف وحضْانة الإرهابيين المثالية .

- هناك فرق
اتذكر ما كان يقدمونه لنا فى مدارس الأحد عندما كنت صغيراً وأعترف أن درس "مثل السامرى الصالح" شكل وجدانى ومواقفى الانسانية لأعتنى بالإنسان كقيمة ومعنى بالرغم أننى لفظت المسيحية والأديان والإله فى وقت مبكر ليكون إستدعائى لمثل السامرى الصالح كمعنى إنسانى راقى جدير أن نعتنى به ومنه نستطيع تفسير السلوك الإنسانى المترفق لدى المسيحى وقدرته على التعايش والانسجام مع الآخر ,فهناك فرق بين ثقافة تُخرب وتتوحش وثقافة تبنى وتسالم .
فلنقرأ مثل السامرى الصالح الذى يؤسس لمعنى إحترام إنسانية الإنسان والتكافل معه بغض النظر عن الإنتماء الدينى أو العرقى أو القبلى : "اجاب يسوع وقال: انسان كان نازلا من اورشليم الى أريحا فوقع بين لصوص فعروه وجرحوه ومضوا وتركوه بين حيّ وميت. فعرض أن كاهنا نزل في تلك الطريق فرآه وجاز مقابله , وكذلك لاوي ايضا اذ صار عند المكان جاء ونظر وجاز مقابله , ولكن سامرياً مسافراً جاء اليه ولما رآه تحنن فتقدم وضمد جراحاته وصب عليها زيتا وخمرا واركبه على دابته وأتى به الى فندق واعتنى به. وفي الغد لما مضى اخرج دينارين واعطاهما لصاحب الفندق وقال له اعتن به ومهما انفقت اكثر فعند رجوعي اوفيك. فأي هؤلاء الثلاثة ترى صار قريبا للذي وقع بين اللصوص؟ قال الذي صنع معه الرحمة.فقال له يسوع اذهب انت ايضا وإصنع هكذا."

- إختلال المعايير وإختلال البوصلة .
الإنسان باحث دوماً عن النموذج أو القدوة بمفهومنا الدارج فمنه تتكون مثله وقيمه ومعاييره لذا فمن الأهمية بمكان أن يكون النموذج على درجة كبيرة من المصداقية والشفافية فأى خلل فى النموذج يجعل الإنسان يترنح ويتخبط فى مواقفه وعلاقاته ونظرته للحياة .
عندما يضع المسلم نموذج البطولة والشرف والفروسية فى شخصية مثل خالد بن الوليد فهو يعتبره ممثلاً لتراثه وتاريخه والمعانى الجميلة فيه لذا أى خلل فى هذه الصورة إما تعطى رؤية وتعامل إزدواجى أو فقدان الإنسان لبوصلة المعنى والقيمة او إنتهاج المسلم لصورة مغايرة كمنهجية جديدة للتعامل تحقق لمن لديه رغبات دفينة للعنف أن يطلقها تحت مظلة دافئة .
فلنقرأ القصة الكاملة لقطع خالد أبن الوليد رأس مالك بن نويرة وطبخ رأسه .!!
نجد الإجابة فى كتب تاريخ كثيرة من أهمها الجزء الثالث من الطبرى ص 224، وملخص القصة التى تمنى العقاد فى عبقرياته أن تمسح من صفحات وسجل خالد .. لتدور أحداثها أثناء حروب الردة فى خلافة أبى بكر، وبعد أن قال لهم جنود خالد إنا المسلمون فرد عليهم قوم مالك ونحن المسلمون ، قالوا: فإن كنتم المسلمين كما تقولون فضعوا السلاح، فوضع قوم مالك السلاح ثم صلى هؤلاء وأولئك، فلما إنتهت الصلاة باغتوهم وكتفوهم وأخذوهم إلى خالد بن الوليد فسارع أبو قتادة الأنصارى وعبد الله بن عمر فدافعوا عن مالك وقومه وشهدوا لهم بالإسلام وأداء الصلاة، إلا أن خالداً لم يصغ إلى شهادتهما ، ولا إلى دفاع مالك عن نفسه ضد إتهامه بالكفر، حتى أن مالكا طلب من خالد أن يرسله إلى أبي بكر ليحكم بأمرهم . ولكن دون جدوى ، حيث كان لخالد ما أراد من قتلهم ، وقد أوعز بالمهمة إلى ضرار بن الأزور فقال له مالك : إني مسلم . فقال خالد : يا ضرار إضرب عنقه . فضرب عنقه، وأمر برأسه فجعل مع حجرين، وطبخ على الثلاثة قدرا، فأكل منها خالد تلك الليلة ليرهب بذلك الأعراب من المرتدة وغيرهم. ويقال إن شعر مالك جعلت النار تعمل فيه إلى أن نضج لحم القدر، ولم يفرغ الشعر لكثرته. وكان عبد الله بن عمر وأبو قتادة الأنصاري من شاهدي تلك الواقعة ، وقد كلما خالد في أمر مالك قبل قتله ، ولكنه كره كلامهما ، ونزل علي زوجته فى الليلة التى قتل فيها زوجها والتي روي أنها كانت من أجمل نساء العرب .!!
تاريخ الطبري ، ج 3 ص 276 - 280 فصل في خبر مالك بن نويرة اليربوعي التميمي - تاريخ أبي الفداء ج 1 ص 158 - وفيات الأعيان ج 6 ص 14.
عندما يقرأ المسلم صغيراً أو كبيراً هذه القصة لخالد بن الوليد فلابد أن يحدث تأثير ما فى داخله فإما الإرتباك أو هكذا يكون الإسلام فخالد بن الوليد يحظى بمكانة كبيرة فى نفوس المسلمين كسيف الله المسلول كما أشيع عنه وكرمز للمناضل والجهادى الكبير بينما صار هكذا أكبر الإرهابيين فى التاريخ ليعنينا ماذا يتشكل من مفاهيم وثقافة لدى المسلم وأوجه الخلل والتناقض وفقدان النموذج .

-التناقض بلا حل .
هناك وعى غائب عن المسلم أن الإسلام مشروع سياسى إجتماعى تفاعل وتناغم وإنسجم مع واقعه التاريخى أى أن النصوص ماهى إلا مواقف للمشروع السياسى الإسلامى ومن هنا جاءت كل النصوص لتعالج مواقف حينها لذا فمن الطبيعى أن تتضارب وتتناقض مع بعضها مع تغير الأحداث .
من هنا يواجه المسلم الكثير من التخبط والتناقض فى التقييم فلا يستطيع أن يكون ذو موقف ومبدأ واضح ثابت لتسير الأمور فى الإزدواجية وفق المناخ الأكثر تأثيراً , فموقف المسلم مثلا من النصارى تجد من يرى التعامل معهم بالحسنى مستقياً قول محمد: "من آذى ذميا فقد آذانى" وقول القرآن " لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ-;-" بالرغم انه لم يتعهد بالمودة تجاههم إلا أنه يشيد بمودتهم على الأقل , ولكن فى المقابل تجد نصوص تَضطهد وتحتقر وتزدرى النصارى كدفعهم الجزية وهم صاغرون أذلاء وآيات البراء العديدة وكذلك الحديث المشهور " لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في طريق فإضطروه إلى أضيقه " . من هذا التضارب والتناقض الذى يغفل بشرية و تاريخية النص والتوازنات السياسية والحالة المزاجية يقع المسلم فى التناقض والحيرة ليتم التلاعب به من خلال الميديا الأكثر تأثيرا والثقافة الحاضرة مما ينتج حالة من الإزدواجية والسلوكيات الغير متوقعة لتعتريه حالة نفسية عاطفية متقلبة فلا تضمن سلوكيات صريحة شفافة فمن تعتقد أنه ذو نزعة متسامحة يمكن أن ينقلب إلى عدائى إقصائى عنيف متى تواجد فى ظرف مواتى ليستدعى النصوص العنيفة ومن هنا تأتى إشكالية التناقض .
يمكن فهم سبب إنتشار التطرف والإرهاب فى المسلمين , فالإرهابيون لم يولدوا أصحاب مواقف متشددة بل وقعوا تحت التناقض فمالوا لإختيار النصوص العنيفة من خلال مناخ وأجواء إجتماعية وسياسية وإقتصادية عززت الحل العنيف فى داخلهم .

لدى المزيد من الصور التى تفضح ثقافتنا البشعة ولكن أكتفى بهذه المشاهد حتى لا أتهم بدسامة ما أقدمه وأتصور أن هذه المشاهد كفيلة بتصدير رؤيتى عن أهمية ما نزرعه ونقدمه لأولادنا وأهلنا من صور وقصص ستشكل حتما ثقافة ستنال من إنسانيتنا ليكون الإرهاب والتوحش منتج طبيعى من هذه الثقافة .
لا يعنينى وضع التراث فى قفص الإتهام والإدانه فهو تراث وتاريخ فى النهاية لم يتفرد الإسلام به من حيث الوحشية والقسوة ولكن كل ما يعنينى هو ماذا نستحضر ونبثه فى أذهان الأطفال , وما المعنى والعبرة والقدوة والمثل , وما النموذج الذى يشكل الثقافة والنهج وطرق التفكير والسلوك , فما تزرعه إياه تحصد وعليه إذا كنا نأمل فى تحضر وإنسانية والقضاء على التطرف والإرهاب فلنعتنى بما نصدره لأطفالنا وما نستحضره من التاريخ ولندقق فى أثر هذا التراث والتعاليم على نفوس وعقول بريئة وكيف يكون حالها عندما يتشرعن ويتمجد أمامها العنف والقسوة والهمجية , فهل بعد هالات الفخار والزهو التى تلف مشاهد الوحشية ورموزها سنحظى على عقلية مسالمة إنسانية تعتنى بالحب والرحمة والجمال أم تفرح بحرق الصقور فالبشر . حان الوقت لتقديم صورة واحدة للإسلام تعتنى بالإنسان ولنجنب الصور القديمة جانباً فلا عيب فى ذلك فاليهود والمسيحيون فعلوا ذلك .
بالرغم أن مقالى هذا يعتنى بأثر الثقافة فى تشكيل الحالة النفسية والفكرية والسلوكية للمسلم فهذا لا يعنى أن نهمل تقديم رؤية للحل تتمثل فى توحيد الخطاب الإسلامى وفرزه وتهذيبه ومنهجته فى إطار منظومة حقوق الإنسان مع إستبعاد كل قبح وتعارض مع منظومة العصر الحضارية .
لن يجدى القول أن هذا ليس من الإسلام أو أن هؤلاء لايمثلون الإسلام , فالإسلام الآن أصبح على المحك مع العالم والعصر ,ولن تفلح سياسة دفن الرؤوس فى الرمال أو إلقاء التهم على الآخرين أو تقبيحهم فى أن تشفع أو تبرر هواننا وما وصلنا إليه من تدهور وإنحطاط كما لن يجدى إغفال النصوص العنيفة لنرفع أمامها النصوص المتسامحة فنحن لم نحل شيئا بل فتحنا المجال أمام تعدد الخطابات المتناقضة ,فلنقف بشجاعة أمام تراثنا وثقافتنا ونهجنا لنفرز ونستقبح ونستحسن ونؤسس لإسلام وخطاب وثقافة قادرة أن تتعايش مع العصر .

دمتم بخير.
لو بطلنا نحلم نموت .. طب ليه ما نحلمش .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأملات فلسفية من رحم طرائفنا وسخريتنا
- أسئلة ليست حائرة إلا لمن يريد أن يحتار
- إمتحان ومشاغبة على جدران الخرافة والوهم
- يؤمنون بحثاً عن لحظة جنون وهذيان!
- هوان العقل المتأسلم-الثقافة عندما تنتهك عقولنا وانسانيتنا
- أسئلة مُحرجة-35إلى40من خمسين حجة تفند وجود الإله
- بحثاً عن حلول لخروج الإسلام من أزمته .
- الأمور تمر عبر النصب والإحتيال-كيف يؤمنون
- خيبة !!- لماذا نحن متخلفون
- خمسون حجة تُفند وجود الإله-جزء رابع27 إلى 34من50
- فى القانون الطبيعى والرياضيات والنظام-نحو فهم للوجود والحياة ...
- دعوة للنقاش حول الحوار المتمدن إلى أين
- أرجوكم إنتبهوا
- ثقافة الكراهية والعنف والطريق إلى الإرهاب .
- ثقافة النقل قبل العقل والطريق إلى التخلف
- خمسون حجة تفند وجود الإله-جزء ثالث21 إلى 26من 50
- زهايمر3-تناقضات فى الكتابات المقدسة-جزء عاشر
- خمسون حجة تفند وجود الإله-جزء ثان 6إلى20من50
- 50حجة تفند وجود الإله-جزء أول 5 من 50
- الإيمان بفكرة الله ضار والإلحاد هو الحل والتغيير


المزيد.....




- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- لوموند: المسلمون الفرنسيون وإكراهات الرحيل عن الوطن
- تُلّقب بـ-السلالم إلى الجنة-.. إزالة معلم جذب شهير في هاواي ...
- المقاومة الإسلامية تستهدف تحركات الاحتلال في موقعي المالكية ...
- مكتب التحقيقات الفيدرالي: جرائم الكراهية ضد اليهود تضاعفت ثل ...
- قناة أمريكية: إسرائيل لن توجه ضربتها الانتقامية لإيران قبل ع ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - إنهم يزرعون الوحشية ويمنهجون الهمجية