أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - بين مفهومي الجنة والنار أو الخير والشر




بين مفهومي الجنة والنار أو الخير والشر


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 4737 - 2015 / 3 / 3 - 00:23
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


من الاشكاليات الأخرى التي أشغلت بال الإنسان بعد قضية الموت قصة الجنة والنار وعلاقتهما بمفهوم الخير والشر, لقد أدرك الإنسان أن الموت حال لا يمكن الانفلات منه ولا يمكن تخطيه بأي حال وعلم أيضا مبررات هذا الحال والكيفية من خلال اجابات الدين عن تساؤلاته, عليه أن يكون مهيأ لمرحة ما بعد الموت مرحلة عليه أن يواجهها بمجهولية لم يكن على قدرها وبالتالي فانه يحمل تصورات محدده قد تكون نافعة او لا تكون.
يعلم مثلا أن العمل بمحددات الخير قد تعطيه فرصة للنجاة وأن الاصطفاف مع الشر تزيد من فرصة ضياعه في العالم الأخر ,هذا الامر متفق عليه ولكن من غير المتفق عليه هو تحديد معنى الخير والشر هل هما حدان نسبيان بموجب ما نشاهد من اختلاف التصنيفات لها؟ وهل من الممكن ضبطهما بمعيار, واذا كان كذلك فما هي المعيارية التي نركن إليها في ذلك.
الدين بالطبع له تصور محدد عن الخير والشر وعنده أيضا تصور أخر عما ينتج عنهما ولكن ليس بمعيارية محدده كقانون ,المعيارية تستند إلى مفهوم المصلحة الشمولية التي لا تنتهك الحد الأدنوي من الحلال والحرام كما لا تنتهك حدود حرية الأنا التي فرض لله لها ن تتمتع بها ,فقد يكون الخير خفي عند ساعة القياس أو ساعة الحضور وقد يكون الشر في ساعتها متزينا بثوب المصلحة, هنا يكون للعقل دور في اكتشاف ما هو الحد الذي يمكن ان يكون مصلحة شمولية لا تنتهك حد ولا تتجاوز على قيمة{فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً }النساء19.
الدين وحده الذي يمتلك رؤية شمولية عن الخير والشر عندما يربط الخير بالحق والشر بالباطل هذا الربط ليس القصد منه تقسيم العالم إلى جزئيين لا يمكن الجمع بينهما ولكن أرتباط الخير بكل ما هو منتسب للمثالية التي يسطرها الدين بما يطلب من الأنا أن تتقلد به في عملها وسلوكها لأن مصدر هذه الرؤية الدينية يقوم على مبدأ كلي اخر وهو الحق ,فالحق تقيم كلي والخير من جزئيات الحق.
الحق في الدين هو كل مستوجب للعمل به عقلا أو الانتساب له لأنه يمثل الكمالية في الخيارات التي لا يمكن أن تأتي بالأكمل إلا بالقياس عليه, فلو عمل الإنسان عمل وأراد أن يقيس عليه مقدار الحق فعليه ن يأخذ كل الخيارات التي ممكن اللجوء إليها فمتى ما كان الخير الذي لا يمكن أن يكون فوقه خيار بالأمثليه سوف يكون هو الحق {وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً}النجم28,الظن هنا احتمالي والاحتمال لا بد أن يكون غير مكتمل اليقينية أي أنه فاقد الحق في أن يكون واقع عليه فيكون كل ظن باطل بمعنى عدم كتساب وجه الحق.
هنا يكون للحق بهذا المعنى قدرة على فرز ما هو خير وما هو شر بناء على قدرة الفعل أو العمل أو السلوك أن يقترب من عتبة الحق{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ}النساء170,هذا النص يلخص فلسفة الدين للتفريق بين الخير والشر وربط الأول بالحق لأنه المؤدى الرئيسي للخير ,لا يخلو أن يكون الخير مع الحق أو أحد مصاديق الحق ومنها الحرية والحب والسلام{ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} المائدة 93.
إن الجنة هي نتيجة الخير الذي كان سلوك للأنا في الحياة وكيفما يكون تصورنا لها فهي بكل الأحوال فكرة تسوق بجماليتها إلى حث الأنا لكي تكون منضبطة بما يعزز احتمالية أن تكسب الفوز بها ومن هنا فتصوير الجزاء من قبل الدين جنة ونار مقابل خير وشر هو تحت مسمى وحد هو الحق, الجنة في الدين حق كما هي النار كجزاء من الله هي حق أيضا, ولذلك لا يمكن أن لأحد أن يجعل الجنة مقابل الحق والنار مقابل الباطل باعتبارهما قيم متناظره, لأن هذا التقسيم يشهد للظواهر ولكن لا يشهد للتقسيم الكينوني الذي يفهمه الدين بين الحق والباطل.
إذن الوعد بالجنة والوعيد بالنار بغض النظر عما إذا كانت هناك جنة ونار أو مجرد صرف الخيال الإيماني لهما أو لأثرهما فإنهما ساهما بكل جدية بصقل الأنا نحو التقيد الاختياري بالفضيلة وبالمثل التي تقرب من مفهوم الفوز بالجنة وبالتالي أعتماد هذا الاسلوب النفسي كفيل بخلق ميل سلوكي إنساني يعين العقل للسيطرة على النفس وقواها الحسية ويضبط نزوع الأنا نحو الانفلات ومن ثم صناعة السلام الاجتماعي داخل الذات اولا لتنطلق للخارج المؤثر والمؤثر فيه.
رمزية الجنة والنار رمزية إيحائية نفسية أكثر ما هي في نظر المحلل النفسي دعوة لتعدي النفس من خلال ترك الشر وترك الباطل والتخلي عن الحس اناني في الشخصية الإنسانية, هذه الإيحائية التي تدعمها الصور الروائية التي وردت في النصوص والروايات الدينية تشد الرغبة والأمل في التعويض عن حرمان الأنا من الكثير من المزايا التي يمكن أن تكون قد فقدتها أو ستفقدنا خيارا و إجبارا في الحياة ,إنه حلم التعويض الحلم لذي يسقي النفس جرعه مثالية من القيم تبدأ من الأخلاق ولا تنتهي إلا بالسلام والحب.
لقد لعب الإيحاء المتواصل والمتكرر في السرد الديني وفي تخزين دلالاته في الذاكرة الحية للأنا بالتسليم اليقيني بواقعية وجود الجنة والنار, وأن نهاية العالم الوجودي هذا محكوم دوما وأبدا بنتيجة من نتيجتين مرتبطتان بالخير والشر من جهة وبالجنة والنار من طرف اخر فساهم هذا التصوير في تكاثر عدد المتدينين أما تسليما واقرارا أو حتى بموجب التحكيم العاقل الذي يفترض لو أن الجنة والنار حقيقية وليست صورة إيحائية فالانحياز للخير في الحياة أضافة لقيمته الأحسنية والأخلاقية ففيه تحصيل نتيجة لا يمكن لعاقل أن يفرط فيها بالرغم من أن لا شيء يؤكد غير النص الديني.
كان من نتائج الاعتقاد بمفهومي الجنة والنار إنهما شكلا عوامل دفع نحو تكثير السلوكيات التي تبنى على مفهوم الخير وتضخيم الإحساس بصوابية هذا الخيار مما ساهم أيضا في كبح جماح الكثير من المنشطات التي كانت تغذي لب الصراع الإنساني – الإنساني خوفا من خسارة الرصيد الذي يختزن في السجل التأريخي للأنا وهي تجمع النقاط المؤهلة للفوز بمقعد في الجنة يحفظ لها حرصها على تعويض حالة الفشل في كسب الخلود الدنيوي, هنا كانت الأهمية القصوى للجنة أنها صورة اخرى للحرص على الحياة.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مذكرات إنسان في أخر الطريق
- ما نريد من الله ؟. ح1
- أنتصار العقل الإنساني
- مستقبل رأس المال ح2
- مادليون ...مدينة الريح والرماد ح1 .......قصة فصيرة
- مستقبل رأس المال
- المال من مصادر التغيير الأجتماعي ح2
- المال من مصادر التغيير الأجتماعي ح1
- فاكهة ممنوعة
- القاعدة الحيوية القابلة لمبدأ التثمير
- الحاجات والمطالب الضرورية وبالتدرج الواقعي
- نظرية رأس المال
- القاعدة الفكرية والأجتماعية
- المال ورأس المال ح1
- المال ورأس المال ح2
- المال ورأس المال في النص الديني
- إشكالية نشوء الدولة الإسلامية ح1
- إشكالية نشوء الدولة الإسلامية ح2
- التعايش في ظل أزمة الدولة ح1
- التعايش في ظل أزمة الدولة ح2


المزيد.....






- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - بين مفهومي الجنة والنار أو الخير والشر