السياسه و المذاهب (3_2)

محمد علي خليل

الحوار المتمدن-العدد: 4736 - 2015 / 3 / 2 - 22:32
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

في الحلقه الماضيه ناقشنا كيف كان للسياسه دورا بارزا في نشأة المذاهب و نستكمل في هذه الحلقه العلاقه بين السياسه و المذاهب و كيف استغل الحكام المذاهب لخدمة اغراضهم السياسيه و كما أشرنا في الحلقه الماضيه ان بذور المذاهب كاتجاهات سياسيه تكونت بعد بيعة السقيفه الا انها برزت بعد ذلك و خصوصا بعد استشهاد الحسين و مع حركة المختار الثقفي في الانتقام من قتلته و طوال هذه الفتره التي امتدت ما يقارب من نصف قرن كانت العصبيه القبيليه هي العامل الاساسي للصراعات السياسيه ثم بعد ذلك اختلطت بالمذاهب فحين توفي النبي كانت العصبيه القبليه ما زالت تطغي على الجميع و لو قدر للنبي ان يعيش بعد فتح مكه فتره طويله لتمكن من تقليلها او ازالتها و كانت العناصر الاساسيه بعد وفاة النبي هي قريش و الانصار و باقي القبائل العربيه
و كانت العلاقه بين قريش و الاوس و الخزرج قبل الاسلام طيبه اذ ان مكه كانت مدينه تجاريه و لذلك حرصت قريش على تقوية العلاقات بينها و بين من يستطع ان يشكل خطرا على طريق تجارتها الى الشام و من بينهم الاوس و الخزرج الا انه بعد الاسلام و انحياز الاوس و الخزرج للنبي و تهديدهم لطريق تجارة قريش و التي كان السبب الرئيسي لاندلاع الحرب الاولى بينهما في بدر . استمرت هذه الذكرى المريره في ذاكرة العديد من القريشين و خصوصا بنو اميه . و بعد وفاة النبي و اجتمع المسلمون لاختيار خليفه لم يكن فقط بنو هاشم و على رأسهم الامام علي رافضا لبيعة ابوبكر و انما كان ايضا سعد بن عباده سيد الخزرج و استمر رفض سعد بن عباده لخلافة عمر ايضا و لهيمنة قريش الى ان قتله الجن كما ورد في الروايات
بعد استشهاد الامام الحسين اشتد معارضة اهل المدينه الانصار ل يزيد بن معاويه فأستباح يزيد بن معاويه المدينه لمدة ثلاثة أيام قتل خلالها العشرات اغلبهم من ابناء من شهد غزوة بدر و كأنه انتقاما من مقتل العديد من الامويين فيها و هذا ما يبرز ايضا في موقعة كربلاء حيث قال يوما كيوم بدر .و منذ ذلك الوقت لم تقم قائمه للانصار في التاريخ الاسلامي . برزت الصراعات بين الامويين و الهاشمين بعد ذلك في الوقت الذي كانت المذاهب تتقوى و عناصرها تتشكل كانت غالبية العناصر و القوميات غير العربيه انحازوا للهاشمين و برز ذلك في حركة المختار الثقفي حيث كان اغلبها غير عرب كما ان قائد الجيش العباسي الذي انهى الوجود الاموى كان ابو مسلم الخراساني و قد يكون ذلك بسبب سياسات بنو اميه القائمه على الاعتماد على العرب و تحقير غيرهم و ايضا سياسة علي بن ابي طالب التي كانت تقوم على المساواه بين الجميع بل ان بن عباس قال انما رغب الناس عن علي بن ابي طالب لانه لم يجزل العطاء للعرب
كانت الصراعات بين الهاشميين و الامويين احد اسباب نهاية الدوله الامويه فالثورات التي قاموا بها و لعل اشهرها الحسين و ايضا زيد حفيد الحسين و انتهاء كلاهما باستشهادهما بطريقه بشعه ادت لسخط الكثير من المسلمين
كانت هذه الصراعات في العهد الاموي بعضها صراعات قبائليه و بعضها صراعات في الرؤيه الدينيه للسياسه
و لكن في العصر العباسي كانت المذاهب قد قويت و استغل الحكام المذاهب في صراعاتهم السياسيه
فمثلا فتنة خلق القران التي كانت بين المعتزله و اهل الحديث(السلفيه حاليا) و التي كانت خلافا فلسفيا اكثر من كونه عقائديا حيث ان كلاهما مؤمن بنزول القران من الله الا ان المعتزله نفوا ان يكون القران كلام الله لفظا اذ انهم ينفون صفة الكلام عن الله و لكنهم قالوا بانه مخلوق مثله كمث الكرسي و العرش و اللوح المحفوظ بينما اهل الحديث اثبتوا صفة الكلام لله .هذه الصراع الفلسفي الذي لا يهتم به احد اليوم و لا يشكل اي اولويه في العقيده شكل فتنه كبرى استمرت ما يقارب عشرون عام فهل كانت فقط اسباسبابها فلسفي او حتى عقائديه. و لكن ما حدث انه كان استغلال سياسي للمذاهب فبعد وفاة هارون الرشيد اقتتل ولديه الأمين والمأمون على الحكم و بعد انتصار المامون ترك المأمون بغداد للشطار وقطاع الطرق بعد أن ذهب لعاصمته خراسان نكاية بأهلها الذين التفوا حول الأمين، عندها كوّن الأهالي ما يُعد أول لجان شعبية في التاريخ لحماية مدينتهم وكان على رأس هذه اللجان ما سموا بالمطوّعة ومعظمهم من رجال الحديث، ولما نجحوا في ضبط الأمن وكسبوا ود الأهالي وعادت الحياة لبغداد هرع إليها المأمون فوجدها تدين إلى (رجال الحديث) الذين يزاحمونه السلطة في عاصمته ولم يكن بمقدور المأمون أن يجابههم لما لهم من شعبية جارفة، ولم يكن له إلا أن يفتك بهم بإقامة محاكم التفتيش المعتزلية و استمرت ما يسمى فتنة خلق القران في عصر المعتصم و الواثق الى ان انتهت في عهد المتوكل بفتكه بالمعتزله و انحيازه لاهل الحديث(السلفيه حاليا)
كان هذا الصراع بين احد فروع السنه و هم اهل الحديث و المعتزله الذي يعده البعض فرعا اخر للسنه
اما بين السنه و الشيعه
فيروى ان الرشيد كان يمدح موسى الكاظم (احد ائمة الشيعه) فقال له ابنه المأمون فلما تسجنه قال له انه العرش يا بني و لو نازعتني فيه لنزعت منك روحك و لكن هل استمر الصراع بعد غيبة الامام الثاني عشر للشيعه و توقف الشيعه عن ثوراتهم انتظارا للمهدي حيث انه لا يوجد اماما لتولي قيادة الامه لكي يثوروا على العباسيين و يطالبونهم بالتخلي عن الحكم .ما نشهده حينها تعايش بين العباسيين و الشيعه حيث ان البويهيين الشيعه سيطروا على بغداد تحت اشراف العباسيين و كان الخليفه العباسي يمنح الحاكم من الدوله البويهييه لقب السلطان و احيانا ملك الملوك بل تطور الامر ان اعتنق احد الخلفاء العباسيين و هو الخلفيه العباسي الناصر المذهب الشيعي الاثنى عشري دون اي اعتراض من الاسره العباسيه بل استمر حكمه لما يقارب من نصف قرن وهو اطول فترة حكم لخليفه عباسي و في الوقت الذي كان تتعايش فيه الشيعه الاثناعشريه و اعدائهم السابقيين العباسيين نجد صراعا اخر و هو الصراع العباسي الفاطمي .كان الفاطميين يتبعون المذهب الشيعي الاسماعيلي الذي لا يؤمن افراده بان الامامه محصوره بعدد معين للائمه مثل الاثناعشريه بل يرى ان الامامه لا تنقطع ليوم القيامه و لذلك كان الخلفاء الفاطميين يرون انهم هم الائمه المستحقون للطاعه من المسلمين في كل مكان و بذلك يهددوا عرش العباسيين في بغداد شن علماء السنه و بايعاز من الخلفاء العباسيين هجوما على المذهب الاسماعيلي و وصفوهم بالاباحيه و انهم يحلون نكاح المحارم و انهم يخفون الكفر و يظهرون الاسلام و كان على رأس هؤلاء ابوحامد الغزالي في كتابه فضائح الباطنيه كما طعنوا في نسب الخلفاء الفاطميين الى السيده فاطمه الزهراء و وصفوهم بانهم من اصول يهوديه و انهم من نسل يهودي اعتنق الاسلام نفاقا يقال له عبيد الله و لذلك سموهم العبييدين . اشتد الصراع بين العباسيين و الاسماعيليون خصوصا ان القرن العاشر الميلادي كان قرن سيطرة الاسماعيليه على العديد من المناطق الاسلاميه منها شمال افريقيا و الشام و الحجاز تحت سيطرة الفاطميين و بلاد فارس تحت سيطرة حسن الصباح و انصاره ما يسمى الحشاشون و اجزاء من اليمن تحت سيطرة الاسماعيليه
و لكن انحصر الصراع بعد ان تلقى الاسماعيليه ضربات عديده ادت لفقدانهم السيطره بل ادى الى انحصار وجدهم فهم حاليا لا يشكلو سوى 5 بالمائه فقط من الشيعه بل ايضا لا يتركزوا سوى في مناطق معدوده ابرزها شبه القاره الهنديه و يقل تواجدهم في الوطن العربي
في العصر العثماني
لنتتبع جزئية بتاريخ تأسيس الخلافة العثمانية. كلنا نعلم كيف أستطاع الاتراك إستغلال الدين الإسلامي كتعذر للزحف بجيوشه على الدول الإسلامية المجاورة له وإنتزاع حكمها وأعلنها خلافة إسلامية. بذلك الزمن( منذ تقريبا 500 عام ) كانت إيران عبارة عن سبع دول صغيرة متجاورة تتبع شعوبها المذهب السني. أنتبه أحد حكام هذه الدول وإسمه إسماعيل الصفوي إلى الزحف التركي وبعد أن رأى بعينه كيف ترمى بحكام الدول السنية المجاورة لها واحد بعد الأخر، فقام فورا بإلغاء المذهب السني وتحويل مدينته والمدن المجاورة له ( إما بالإتفاق أو بالهجوم عليها وحكمها) إلى المذهب الشيعي. لقد أستطاع هذا الحاكم أن يحول مذهب مدينته من المذهب السني إلى المذهب الشيعي خلال عشرة سنوات فقط!بهذه الطريقة أستطاع أن يوقف تأثير علماء الدين السنة التابعين للحاكم التركي من التأثير على شعبه بسلاح الدين . بل ان العالم الشيعي علي شريعتي يصف الصفويين بانهم اثروا في البنيه العقائديه للمذهب الشيعي من اجل زيادة الكراهيه بين المذهبين السني و الشيعي و استغلال ذلك في الصراع مع العثمانين و يصف ذلك في كتابه التشيع العلوي و التشيع الصفوي
بعد انتهاء الحكم الصفوي و بعد غياب المنافس السياسي توقف العثمانين عن ارتكاب المجازر في الشيعه العرب و التي كان اشدها ما حدث في حكم سليم الاول
و منذ لك الحين شهدت العلاقه تحسنا بين الشيعه و العثمانين بل شيعه العراق حاربوا مع الدوله العثمانيه ضد البريطانيين في الحرب العالميه الاولى و افتى مراجعهم بتحريم مساندة الاوربيين ضد ما اسموه الحكم الاسلامي في الوقت الذي كان يساند فيه سنة الحجاز البريطانيين ضد العثمانيين
و مع سقوط الدوله العثمانيه استمر التحسن في العلاقه بين السنه و الشيعه حيث كثر التزواج بينهم في الاماكن المختلطه بينهم . و مع قيام الدوله السعوديه في عام 1932 تبنت الفكر الوهابي و هو التيار الاكثر تشددا تجاه المذاهب الاخرى عامة بما فيها بعض التيارات السنيه كما انه ما حدث في عام 1979 حيث تبلورت فكرة ولاية الفقيه مع نشوء الثوره الايرانيه و هي مصطلح سياسي ظهر حديثا في الفقه الشيعي. حيث يعتبرها فقهاء ولاية وحاكمية الفقيه الجامع للشرائط في عصر غيبة الإمام الحجة، حيث ينوب الولي الفقيه عن الإمام الغائب في قيادة الأمة وإقامة حكم اللّه على الأرض. و بذلك تخلى الشيعه الاثناعشريه عن التوقف في الانخراط السياسي بعناوين دينيه حيث كانوا يميل اغلبهم قبل ذلك الى التيارات غير الاسلاميه و بذلك نشأ ما يمكن تسميته بالتشيع السياسي كان صعود الوهابييه بسبب اموال النفط مع تبلور فكر التشيع السياسي سببا في الصدام المذهبي الذي في حقيقته صداما سياسيا

#محمد_علي_خليل (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات